النسوية والدعوة للمساواة هل تهددان الأسرة؟
- تاريخ النشر: 7 سبتمبر 2023
- |
*كبرياء الساعور
مع تنامي حضور الفكر والنشاط النسوي في المجال العام في سوريا، تصاعدت الهجمات التي تستهدف المنظمات النسوية والمدافعات عن حقوق النساء، بسبب دورهن في تعزيز حقوق المرأة والديمقراطية ومواجهة الانتهاكات والممارسات الجائرة التي تعيشها النساء السوريات، لذا تلجأ هذه الجهات سواءً كانت سلطات سياسية أو دينية إلى استخدام مغالطات لتشويه صور النسوية وتخويف المجتمع منها تحت زعم أنها تخالف الدين أو عدوة الأسرة. تسعى هذه الجهات إلى العمل على تلطيخ سمعة المنظمات التي تستهدف النساء والناشطات في مجال المساواة الجندرية، ووضعها تحت المراقبة ومضايقتها وتهديدها، الأمر الذي قد يصل إلى الاعتداءات وتهديد الأمن الشخصي. كل هذا يخلق مناخ من الخوف والشك الذي يحيط بعمل المنظمات النسوية والنساء المشاركات في الشأن السياسي والعام لإرغامهن على الانسحاب والانكفاء.
تعرف “بيل هوكس” النسوية بشكل مبسط بأنها: حركة ترمي إلى القضاء على التمييز على أساس الجنس والاستغلال الجنسي. هذا التعريف يوضح أن النسوية لا تسعى إلى أن تكون كيانا معاديا للرجال، وهذا يظهر بشكل واضح أننا كنساء ورجال تربينا بواسطة التنشئة الاجتماعية ضمن تقاليد تقبل التحيز والتمييز، هذه الأفكار ليست حكراً على الرجال، وإنما جميعنا ضحايا تنشئة اجتماعية قائمة على التمييز.
تطالب النسوية على اختلاف تياراتها بالمساواة في الحقوق والواجبات والفرص والمسؤوليات، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الرجال والنساء.
كما تدعو النسوية المعاصرة اليوم إلى تحقيق العدالة والحرية والمساواة للنساء، ولجميع المضطهدات/ين والمهمشات/ين، من خلال رؤية متكاملة لا تهمل أي فئة مضطهدة عبر مختلف أشكال النضال والتضامن المجتمعي من أجل بناء مجتمع ديمقراطي عادل للجميع.
إن كفاح النساء السوريات من أجل المساواة والعدالة يصب في مصلحة الأسرة أولاً، ومصلحة المجتمع ثانياً. إن نضال النساء والنسويات في سوريا يهدف إلى تغيير القوانين المجحفة بحق النساء، لاسيما قانون الأحوال الشخصية الذي يحكم الأسرة، ويشمل قضايا الزواج والطلاق والميراث والنفقة لضمان حقها في المساواة والعدالة والحماية من التمييز. ومن بين المطالب التي ترفعها النسويات في هذا المجال إلغاء الطلاق التعسفي، الذي يحرم المرأة من حقوقها وينتهك حقوق الأطفال فيحرمهم من التنشئة في بيئة أسرية مستقرة، والمطالبة برفع سن الحضانة حفاظاً على حق المرأة في تربية أطفالها ومصلحة الأطفال. لذا دعت النسويات السوريات إلى وضع قانون أسرة عصري يواكب التغيرات الاجتماعية ومتطلبات الواقع الفعلي النساء.
إن اتهام النسوية بتهديد تماسك الأسرة يطرح سؤالاً؛ أي أسرة نريد؟ هل نريد أسرة قائمة على علاقة الخضوع، يسودها العنف تحت دعوى الحفاظ على التقاليد، أم أننا نهدف إلى بناء أسرة قائمة على الشراكة في تقاسم المسؤوليات والحقوق والواجبات، أسرة تكفل نمو شخصية أفرادها وتطورهم وتضمن حقوقهم كاملة.
إن مناهضة العنف الأسري وتشجيع المجتمع على اعتبار المرأة شريك متساوي مع الرجل؛ أمر هام وحيوي للحد من العنف، المتسبب بإضعاف الروابط الأسرية والذي يزيد من خطر التفكك الأسري، مما يهدد مستقبل الأطفال وتنميتهم.
هناك علاقة أكيدة بين حقوق النساء وحماية الأسرة واستقرارها، وتؤكد الدراسات على ارتباط مؤشرات حقوق النساء بمؤشرات رفاهية الأسرة، ففي دراسة لمنظمة اليونيسيف عام 2021؛ أكدت أن زيادة سنوات التعليم للفتيات يؤدي إلى خفض معدلات الزواج المبكر والإنجاب في سن صغيرة وزيادة فرص العمل والدخل وتحسين صحة الأمومة والطفولة، وعليه فإن النضال من أجل حقوق المرأة في التعليم والصحة والقانون ينعكس على رفاه الأسرة. تلعب النساء دوراً أساسياً في الحفاظ على تماسك الأسرة، فإذا كانت المرأة متعلمة ومحمية قانونياً يؤدي ذلك إلى تحسين جودة وحياة أفراد أسرتها، ويقلل احتمالات تعرضها للعنف والإهمال والطلاق.
إن الهجوم على النسوية ينطلق من اتهامات غير منصفة وغير محقة، لذا من الأهمية بمكان العمل على التوعية المجتمعية بحقوق النساء، التي هي جزء أصيل من حقوق الإنسان، لخلق وعي مجتمعي حول قضايا النساء ولضمان حقوق النساء والفتيات، وذلك عبر النضال والتوعية والتضامن لبناء حراك مجتمعي لمواجهة التمييز والحد من العنف.
تلعب منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية في سوريا دوراً حيوياً في تنمية المجتمعات المحلية، من خلال مجالات التعليم والصحة والسياسة. وعلى الرغم من التحديات العديدة التي تواجهها؛ لكن هذا الدور لا يلقى قبولاً أو تقديراً من سلطات الأمر الواقع لأسباب سياسية وثقافية وإيديولوجية.
تعاني النساء السوريات وبشكل يومي من انتهاكات لحقوقهن الأساسية، وفي بعض المناطق تعيش النساء صراعاَ يومياً للحفاظ على سلامتهن الشخصية في ظل غياب قوانين تنظر إلى قضايا النساء بشكل عادل ومنصف.
لقد فاقم النزاع المستمر في سوريا من أحوال اللامساواة بين الجنسين، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ووسط النزاع السوري تعرضت النساء لمختلف أشكال الانتهاكات والعنف، بالإضافة إلى الحرمان من المدارس والجامعات والحضور في الأماكن العامة، حيث تتعرض النسويات والسياسيات والصحفيات إلى عنف قلص من نشاطهن وفعاليتهن.
في الوقت الذي يصعب فيه الوصول إلى الدعم القانوني والنفسي، لكن النساء السوريات لسنَّ مجرد ضحايا للنزاع الذي طال أمده في سوريا. هذا ما أثبتته مساهمة النساء السوريات على أرض الواقع، بل هن شريكات أساسيات في تعافي مجتمعاتهن ودعم سبل العيش لأسرهن. لقد شاركت النساء السوريات في المجال السياسي في المسارات المختلفة وفي عمليات التفاوض وفي النضال لإطلاق سراح المعتقلات/ين والمغيبات/ين قسراً، ويجب أن يكن شريكات في بناء السلام وإعادة الإعمار.
إن الهجوم على النسويات والتحريض عليهن له أهداف سياسية واجتماعية، من بينها تمييع المواقف وخلط الأوراق لمنع مشاركة المرأة السياسية وحضورها في الشأن العام وبأن تكون شريكة أساسية في إنجاز التحول الديمقراطي في سوريا مستقبلاً.
إن الدعوة للمساواة ليست رفاهية، بل ضرورة واقعية تفرضها علينا عملية التنمية، فلا تنمية دون النساء. إن دعم النساء في وصولهن لحقوقهن الاقتصادية الاجتماعية والسياسية له دور أساسي في تنمية المجتمعات، وخاصة بعد الحروب والنزاعات، وشرط ضروري لتحقيق التنمية المستدامة. لقد أصبح واضحاً أن تمكين النساء وحصولهن على حقوقهن، لا ينعكس على المرأة فقط وإنما ينعكس على الأسرة والمجتمع بالكامل، وأن هذه الفوائد سيكون لها مردود على الأجيال في المستقبل.