تداعيات إعادة تدوير النظام السوري
- تاريخ النشر: 24 مارس 2022
- |
*نضال جوجك
قد لا يكون اعتبار عقد من الزمن مقياسًا لتحقيق أهداف ثورة أو انتفاضة شعبية قامت لتحقيق أبسط المطالب الحقوقية لأي شعب من حقه أن يعيش حياة كريمة، في زمن تتمتع فيه غالبية شعوب الأرض بحقوق إنسانية مدرجة في لائحة مطولة، وضعتها الأمم المتحدة للحفاظ في الدرجة الأولى على حقوق الإنسان من منطلقات إنسانية دون شرط لانتماءات البشر تحت أي شكل تمييزي.
وفي حالتنا السورية، حيث تكاد تكون الأولى من قضايا الشعوب المعاصرة من حيث التعقيد والتداخلات السياسية من قبل كم من الأطراف الدولية المتناحرة أو المتوافقة والتي تجمعها بوتقة واحدة هي الأزمة السورية. الأزمة التي وصلت استعصاءات الحلول فيها لنتائج كارثية ما يزال السوريون/ات أينما كانوا يعانون من وطأة هذه التناحرات والتي يفترض أنها مبادرات حلول لصالح الشعب السوري، بينما على العكس هي مزيد من الانزلاقات بعيدًا عن العمق الوطني لخصوصية السوريين/ات كشعب، ولا أقول دولة لأنها لا تحمل أي مقوم من مقومات الدولة منذ خمسين عقدًا من الزمن.
وعلى اعتبار أن هناك أطراف، تحت مدّعى الوساطات الدولية التي تبادر لإيجاد الحلول من أجل فك الأزمات واختصار معاناة الشعوب، لكن تلك الوساطات فشلت وبصورة مجحفة ليست أقل وطأة من التدخلات العسكرية التي التقت مصالحها في الجغرافيا السورية، لتكون النتيجة تعطيل إضافي لإيجاد أي مخرج للأزمة السورية. وها هو المبعوث الأممي الخاص بالملف السوري السيد “غير بيدرسون” يذهب بالحلول نحو سقطات لن تدفع بالسوريين/ات إلا إلى المزيد من حالة الوهن والضياع، تحت مقترح خطوة مقابل خطوة والذي يعد بمثابة التكريس لنظام استبدادي يحاول تدوير نفسه لتبقى الأزمة مستدامة وبرعاية أممية بالقوة تارة وبالمفاوضات اللا مجدية تارة أخرى!.
لقد استفاد النظام السوري من التماطل في الابتعاد عن القرار الدولي في جنيف ١/ أي القرار ٢١١٨ و٢٢٥٤ والذي يعتبر الحجة الدولية الأقوى للحل السوري، إذ استغل النظام السوري غياب الحل السياسي وتضارب المصالح الدولية والإقليمية في الشأن السوري وراح يبتكر آليات إذلال وإخضاع من تبقى من السوريين/ات تحت مظلة حكمه كنوع من العقاب الجماهيري، لأنه تجرأ على المطالبة بحرية الرأي والتعبير عن مطالب محقة ومشروعة. لعبت الظروف المحيطة بالحدود السورية دورًا سلبيًا أيضًا وتم توظيفها من قبل النظام لفرض هيمنته على الأرض، على سبيل المثال مبادرات التطبيع العربي مع النظام بهدف زيادة الحضور العربي وانحسار الدور الإيراني. وكذلك التوتر الداخلي الدائم في لبنان بسبب هيمنة حزب الله الذي يشكل قوة ممتدة من جنوب لبنان حتى داخل دمشق وعلى طول الحدود السورية اللبنانية المشتركة، بذريعة أنه يدافع عن النظام السوري الذي يعتبر من محور المقاومة معتمدًا على الخطاب الديني للوصول إلى جمهوره وإقناعه بصحة خياره في تواجده في سوريا، هذا الأمر الذي كان يشكل تهديدًا على اللاجئين/ات السوريين/ات وتحركاتهم/ن بين سوريا و لبنان أو داخل لبنان، وأحيانًا اضطرارهم/ن للعودة بسبب انعدام الأمن والبطالة في بلدان اللجوء مثل لبنان والأردن، العودة إلى بلدهم حتى لو كانت تحت حكم طاغيتهم، وبحسب بيان لمفوضية اللاجئين، إن المجتمع الدولي يركز “بشكل مبرر على مستقبل عملية السلام، إلا أن الوضع الإنساني داخل سوريا ما يزال مأساويا والظروف غير مواتية لعودة أكثر من خمسة ملايين سوري/ة يعيشون كلاجئين/ات في البلدان المجاورة إلى ديارهم/ن”.
إن قدرة النظام على التحالف مع دول تقاطعت مصالحها في بسط سيطرتها على الأراضي السورية أظهر هشاشة تطبيق الاتفاق الدولي ومحاولة الالتفاف على القرار الدولي من النظام السوري وحليفه الأول روسيا، الأمر الذي جعل من إمكانية التغيير الجذري حالة استعصاء قد تطول وتطول لعقود قادمة، والأهم في هذه الحالة هو الضغط من الأطراف الدولية التي تبادر بمساعي حميدة لإيجاد حل سلمي للأزمة بتنفيذ ذلك القرار، ليست المبادرة السلمية تعني فرض تنازلات من طرف واحد وبالأصل مجرد اعتبار النظام السوري طرفًا يعول عليه للخروج من الأزمة يعتبر تعويم له واستمرار حالة اللا استقرار الأمني في البلد، والذي هو مفصل الحل السياسي السلمي، فكيف يعول على نظام يحكم بكافة أشكال الإرهاب وكأنه يتم اختباره لأول مرة؟
إضافة إلى كل العقبات التي تفرضها القوى المتداخلة في الأزمة السورية فإن الحلول السلمية التي تمثلت بالسلال الأربعة وتم التركيز من بينها على اللجنة الدستورية، رغم أنها ليست الأولوية لبلد تحكمه القبضة الأمنية وأربعة احتلالات أخرى، تلك السلة التي لا عنب فيها ولا ناطور يحرسها، لأن المبعوث الأممي لا يملك في الواقع أي مفتاح لفك عقد الحلول التي من المفترض أن يدعمه مجلس الأمن ولم يفعل وكذلك استماعه لوعود النظام في الاجتماع مع وفود المعارضة، وأيضًا تصرف وفد النظام عكس ما وعد، لتكون نتيجة تلك اللقاءات عثرة على عثرة وبحجة أن اللجنة التي يبلغ عددها ١٥٠ عضو/ة ، بحاجة توسعة!.
في الوقت الذي يستمر فيه الوضع السوري في الانهيار من مختلف النواحي؛ السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والأمنية وتحت سلطة كل أشكال القوى المسيطرة عسكريًا، بالإضافة للقضايا الإنسانية الأخرى العالقة مثل ملف المعتقلات/ين وأزمة المعيشة التي تتفاقم يومًا بعد يوم، لتكون سوريا ثاني دولة في العالم تعيش تحت خط الفقر، مما يخلق كل دقيقة أزمة إنسانية، سيكون الحل الأفضل والأمثل لها اجتثاث النظام السوري من جذوره والعودة إلى القرار الأممي ٢٢٥٤ مع الالتزام الكامل في تطبيقه دون شروط، ومن جهة أخرى أصبح لزامًا على كافة المكونات السياسية السورية الجلوس إلى طاولة واحدة والضغط على كافة الأطراف المتداخلة في القضية السورية بوقف المد العسكري والدعم الذي تتلقاه الأطراف المتنازعة على الأرض السورية وإلزامهم بتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالحل السلمي للأزمة.
لقد قدم الشعب السوري مجبراً الكثير من التنازلات، ولكافة الأطراف التي حاولت إيجاد حلول لخلاصه من المعترك الذي أقحم فيه بسبب تسلط نظام الأسد، لكنه لم يعد يقوى على المزيد من التنازلات والحلول الرخوة التي ستزيد من حالة الديستوبيا التي فُرِضت عليه طيلة خمس عقود، والحراك الشعبي في السويداء لناظره قريب…
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية