حراك السويداء… بين الترحيب به والعصبية الثورية
- تاريخ النشر: 30 يونيو 2020
- |
*سلوى عبد الرحمن
في أقسى لحظات انكسارات الثورة أعادت مظاهرات السويداء، بما تحمله من شعارات، الأمل لدى الكثير من السوريات/ين الثائرات/ين في انتصار إرادتهن/م ضد أعتى قوة استخباراتية وقبضة أمنية لنظام الأسد التي سلطها على رقاب السوريات/ين منذ استلام آل الأسد سدة الحكم، لكن هذه التظاهرات كانت من وجهة نظر آخرين تنتقص من الوطنية والكرامة، بل وهاجموها على وسائل التواصل الاجتماعي بحجج عدة، أولها أنها جاءت متأخرة، وأخرى وصفتها بثورة جياع ستنتهي مجرد انتهاء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وكأن للثورة شروط ومعايير أو تاريخ انتساب انتهت مدته ولا يسمح لأي سورية/سوري الانضمام إليها حتى ولو كان مناهضاً لنظام الأسد! وكيف برأيهم لثورة أن تستمر دون تجديد بناتها وأبناءها؟ ألا نعلم جميعاً أن الحرب استنفذت معظم الثوار الأوائل إما بقتلهم أو اعتقالهم أو تهجيرهم أو… ولو بقيت على حالها لما بقي فيها أحد؟
أستغرب حقا من ذهب بوصفه الحراك ثورة جياع! ما العيب في أن يخرج الإنسان مطالباً بلقمة عيش كريمة لأولاده من حكومة ادعت لسنوات أنها تحفظ حقوقه وتدافع عنه؟ أليست هي لقمة العيش التي نعمل جميعاً لأجلها ليل نهار لحفظ ماء وجوهنا وعدم طلب العون من الآخرين؟!
من مقال رأته لماهر شرف الدين؛ أنه من يراجع قاموس الثورات السورية عليه أن يتذكر جبل الدروز الذي له تاريخ حافل بالثورات المسلحة ضد العثمانيين والفرنسيين، ويتذكر أول مشاركة لمحامي السويداء في آذار 2011 التي سرعان ما تلاشت بعدما بدأ النظام بألاعيبه الطائفية وتشويهه لأي حراك شعبي في السويداء وغيرها محاولاً تأجيج الخلاف بين أبناء الوطن الواحد، ومع ذلك استمرت التظاهرات فيها على شكل موجات غضب متقطعة في كل عام تحمل بين طياتها ألم وقهر وقمع وشعور بالتهميش.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف تناسىالمتعصبون إلى الثورة أن عشرات الآلاف من أهالي السويداء امتنعوا عن إرسال أبنائهم إلى الخدمة العسكرية حتى لا يشاركوا في قتل إخوانهم من السوريين؟! وكيف تسبب هذا التخلف عن الخدمة باغتيالات لرموزهم وترويع أهاليها بالخطف والاعتقال؟
ولا يمكن أن ننسى أيضاً الهجوم الاجرامي لدواعش على قرى السويداء الشرقية في تموز 2018 بعد اتفاق روسي مع النظام على نقل ألف داعشي بباصات الأسد من جنوبي دمشق إلى بادية السويداء.
وطالما أنهم تأخروا بالالتحاق بالثورة فإن الشيء بالشيء يذكر وعلينا أن نكون أكثر إنصافاً، أليس واجب علينا أيضاً محاسبة أباءنا على صمتهم إزاء المجازر والاعتقالات والنفي الذي ارتكبه حافظ الأسد وأخيه حق السوريات/ين في حماة وحلب وإدلب في الثمانينات؟ مازلت أذكر الخوف في وجه أمي والغضب في تقاسيم وجه أبي حين دخل جيش الأسد إلى بيتنا وهو يبحث عن ملاحقين، ألم يزيد صمتهم على إجرام وفساد آل الأسد طغياناً وتراكمات نحن من تحمل ويلاتها بحرب طحنت صغيرنا قبل كبيرنا؟
إن الأسباب التي ذكرتها سابقاً كفيلة لوحدها بكسب الحراك الثوري في السويداء وسحب ورقة “حماية الأقليات” من النظامالسوري، وليس من مصلحتنا تحطيم أي حراك وتسخيفه كما فعل عدد لا بأس به من الناشطات/ين خاصة وأننا لاحظنا الفرق بين عبيد الأسد الذين قبلوا برفع شعار “بدنا نموت وبدنا نموت صباط الأسد تابوت” وبين من رفع شعارات الكرامة وهتف لنا نحن الذين طالما تغنينا في مظاهراتنا بأننا مع السويداء ودرعا وإدلب وحلب وحمص ودمشق والحسكة واللاذقية وطرطوس، وها نحن نرد التحية بمثلها بل بأفضل منها “سويداء القلب”، وما أجمله من هتاف بين مدينة درزية ومدينة سنية جرب النظام خلال سنوات حكمه زرع الحقد والايقاع بينهما.
إن أي حراك ضد النظام بعد عشر سنوات لا يقل شأنا عن مظاهرات أبناء درعا وحمص وحماة وإدلب واللاذقية وباقي المدن السورية التي انتفضت بالتتالي ضد نظام الفساد والطغيان منذ بدء الحراك في 2011، فحينها كان النظام لا يسيطر سوى على 20 بالمئة من الجغرافية السورية بينما يسيطر الآن على 65 بالمئة، منها بمعنى أن قبضته الأمنية لم تجد نفعاً مع شعب ينتظر فرصة مناسبة ليتنفس الحرية، ليصرخ وجعاً وقهراً حمله في صدره سنوات.
عزيزي الناشط المتعصب للثورة، أنا لا أنكر أن التضحيات التي قدمها ثوار 2011 كافية لتجعل لهم مكاناً مميزاً عن غيرهم عمن خرج بعدهم بسنوات، لكن من يضع للثورة شروط فهو مخطئ، والاستعلاء على ثوار السويداء أو غيرهم بوصف حراكهم ثورة جياع وليست ثورة كرامة دليل على التعصبية الثورية أو هو شعور بعدم الثقة بأحد بعد أن خذلها معارضون كثر كانوا أيضاً متعصبون لثوريتهم، لذلك علينا أن نعي أن لكل ثائر أسبابه وظروفه فبغض النظر عن الأسباب الأمنية، نحن أجبرنا على الدخول بحرب كانت لغة الحوار فيها آلة القتل أو التعذيب في المعتقلات وهذه الأسباب كافية في خنق أصوات شعوب الأرض بأكملها.
السويداء.. مدينة منسية كما مدينة إدلب تماماً في عهد الأسدين ومايزال غبار التاريخ متراكماً عليها، مظلومة لم تأخذ حقها في العمران والتطوير فلا طرق حديثة ولا مشاف متطورة ولا فنادق، علماً أنها تمتلك موارد سياحية وزراعية، فآثارها من معابد ومسارح وقصور وأعمدة ومدافن كثيرة كفيلة بجعلها قبلة للسائحات/ين، وهي أيضاً بلد العنب والتفاح اللذان يصدرهما النظام لروسيا في السنوات الأخيرة، كذلك لا يخفى على أحد أن غالبية بناتها وأبنائها هم من خريجي الجامعات ولا يحصلون سوى على فتات الوظائف في مؤسسات الدولة.
كيف لا نتقبل ثوار جدد ونحن الذين نكتب كل يوم في هاشتاغاتنا #ثورة_مستمرة
نعم يا صديقي الثورة مستمرة باستقبال كل سوري معلوم كان أم مجهول شارك في الحراك أو لم يشارك، الشرط الوحيد الذي علينا وضعه هو، ألا تكون أيادي المنتسبات/ين الجدد متلوثة بدماء السوريات/ين، وما تبقى منهم من سنة ومسيحيين، دروز وعلويين، كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً جميعهن/م يعانون من طغيان آل الأسد وما يزالون ينتظرون فرصتهن/م للالتحاق بالثورة.
في النهاية سأقول: صدقوهم فإن عرق الكرامة دساس وأحفاد سلطان باشا الأطرش التي فتحت دمشق له أبوابها لا يكذبون، فلنفتح نحن لهم أبواب ثورتنا على مصراعيه ونتضامن مع أي مظلوم فجميعنا متساوون أمام الحق، فنحن لم نقم بثورة لنتعالى على بعضنا بما قدمناه وإنما لنحقق الحرية والعدالة والتسامح والكرامة.
أهلاً وسهلاً بالجميع، ثورتنا ترحب بكم…
*المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة