رؤية اقتصادية للحل السياسي
- تاريخ النشر: 1 يونيو 2021
- |
*ثريا حجازي
مع انعقاد الدورة 65 للجنة وضع المرأة (CSW65) في الأمم المتحدة، والذي تزامن مع الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية، واجهتُ تحديًا في اختيار الرسالة الممكن توجيهها في ظل غياب بوادر حل سياسي ينقذ ما تبقى من سوريا التي باتت رهنًا للصراعات الدولية والإقليمية، وفي ظل تعطيل النظام السوري لأي محاولة للدفع بالعملية السياسية نحو الحل خاصة مع عرقلة عمل اللجنة الدستورية مؤخرًا، والإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية في أيار المقبل.
من جهة أخرى تعيش السوريات والسوريون في بلدهم المصنف كأسوأ دولة للعيش في العالم بحسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2020 في ظل استمرار تواجد نظام الأسد وارتكابه انتهاكات واسعة وممنهجة، وفي ظل سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي بات الشعب السوري يعاني منها على امتداد الجغرافيا السياسية، وانتشار فايروس كورونا في ظل نظام صحي مدمر، والذي تزامن مع صدور قانون قيصر.
ولأن العام الفائت كان مليء بالأحداث الاقتصادية، وخاصة العقوبات الاقتصادية، وبدء تطبيق قانون قيصر، كان من الجيد الوقوف عند بعض النقاط المتعلقة بالملف الاقتصادي السوري الذي لم يولى له أهمية كافية حتى الآن.
منذ عام 2011 توسعت العقوبات وتنوعت مجالاتها وأخذت شكل عقوبات ذكية تفرض على أفراد محددين من النظام السوري، ليأتي مؤخرًا قانون قيصر المتزامن مع انتشار جائحة كورونا، فبدأ النظام السوري يعمل جاهدًا بتوجيهه على الشعب السوري، الذي أثقلت كاهله الحرب منذ عشر سنوات في ظل اقتصاد مافيوي يديره النظام بشكل يزيد من سوء الأوضاع الإنسانية.
بالتأكيد ساهمت العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري بمنع إعادة تأهيله بالكامل، لكنها فشلت بتغييره أو تعديل سلوكه، والأهم أنها لم ترغمه على الجلوس حول طاولة المفاوضات حتى الآن، وذلك لقدرته على التكيف معها بدعم من حلفائه واعتماده على علاقات رجالاته الدولية من جهة، ومن جهة أخرى افتقاد العقوبات للإجماع الدولي ولنظام مرن للتقييم والمتابعة، ولم تتزامن العقوبات الدولية فيما بينها وافتقدت التكامل ضمن استراتيجية حقيقية تستهدف تغيير النظام السوري.
إن سياسة الإفقار الممنهجة التي لا يزال النظام يتبعها بتدمير رؤوس الأموال المادية والبشرية والثقافية والتي تطال المناطق بشكل عام ولا سيما تلك الخارجة عن سيطرته، إلى جانب اتباع أساليب الفساد والإفساد من خلال دعم الميليشيات الموالية واستصدار قوانين جديدة وإلغاء القديمة وتجميد تنفيذ القوانين ما زاد من سوء الأوضاع المعيشية، ويتذرع النظام بالعقوبات الاقتصادية وخاصة الجديدة منها والتي لم تحمل سوى رسائل سياسية لإخضاع النظام لطاولة المفاوضات، كونها لم تترافق حتى اللحظة مع محاولة حقيقية لهيكلة المعارضة ومأسستها وإنقاذها من تجاذبات الممولين الدوليين، كما لم تترافق مع خطة عمل منهجية لإيجاد حل سياسي للقضية السورية بحضور الإرادة الدولية ولا تزال مجرد أداة لإدارة الازمة، وهذا ما أغلق الأمل أمام السوريات والسوريين بأن المجتمع جاد لإنقاذه.
إن مرور عشرة أعوام على انطلاقة الثورة السورية مع كل القتل والدمار الذي رافقها دون أي تغيير بسياسة الأسد كفيلة أن تدفع بالمجتمع الدولي وكل الدول التي لطالما صرحت عن وقوفها إلى جانب الشعب السوري ودعمه في نضالاته، العمل للوصول إلى الحل السياسي مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب الاقتصادي لإنجاح هذا الحل، والذي ينطلق من:
– أن تعيد أوروبا رؤيتها بالعقوبات الذكية التي أقرتها منذ عام 2012 بحيث تشمل القطاعات التي يعمل بها المعاقبين وتشدد على شركائهم.
– العمل على تنسيق وتزامن العقوبات الأوروبية مع العقوبات الأمريكية، بحيث لا تسمح لنظام الأسد بالتهرب والعمل على معاقبة الشعب السوري.
– التركيز على كل من يتعامل مع أولئك المعاقبين سابقًا وأيضا الفاعلين في الساحة الاقتصادية، فاليوم توقف النظام عن إلقاء البراميل المتفجرة على أفران الخبز، لكنه يستخدم أسلوب اقتصادي في تجويع الشعب.
– التدقيق في حركة تهريب الأموال واستثمارها في أوروبا ودول الجوار، فهناك الكثير من أموال السوريات/ين الداعمات/ين للنظام والمساعدات/ين له بتجاوز العقوبات، إذ أن النظام أسس لشخصيات موالية له معامل بدول حليفة له مثل مصر ولبنان ودبي وبشكل مستتر في الأردن وتركيا تصدر بضائع وتتعامل مع أوروبا الشرقية وتحصل على دعم.
– التدقيق بعمل منظمات المجتمع المدني بمختلف تسمياتها التي تدعم النظام وتعتبر أداة اقتصادية له متل الأمانة السورية للتنمية التي تتراسها أسماء الأسد، إذ هناك الكثير من المؤشرات التي تثبت تورطها بدعم النظام ماليًا، وأيضا منظمات الأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية التي سمحت لنظام الأسد بالسيطرة على الاستجابة الإنسانية الدولية البالغة 30 مليار دولار، ومنظمة الغذاء العالمية WFP التي تمنع عمل أي موظف دون موافقة أمنية وموافقة الخارجية السورية كما يتم توزيع المساعدات الغذائية وفق استراتيجية النظام السوري وبالمقابل أي منظمة خارجة عن الخط العام للنظام لا تستطيع العمل وتقديم خدماتها الإنسانية لمستحقيها.
– الضغط للوصول إلى حل يجعل الروس والإيرانيين يتوقفوا عن الاستيلاء على المؤسسات والبنى الاقتصادية للسوريات/ين، واستهداف مقدرات المرحلة الانتقالية لإنجاحها وإيجاد حلول لإعادة ما تم استملاكه للسوريات/ين، إذ بات واضحًا للجميع أن الروس والإيرانيين استولوا على مفاصل اقتصادية هامة في سوريا من خلال دعم الألة العسكرية وعرقلة أي قانون دولي يكون نواة للحل السياسي.
– البدء بالعمل على إقامة محاكم اقتصادية أوروبية تتبع أموال أثرياء الحرب الذين استخدموا سوريا لتنمية أموالهم من خلال الأعمال الغير مشروعة ودعم القتال واعتبارها نوع من جرائم الحرب، والعمل على تدريب كوادر من السوريات/ين لتطوير البنية القانونية لهذا العمل.
– البدء بالعمل على دعوة أعضاء مجلس الأمن إلى اتخاذ الجانب الاقتصادي عند نقاش الحل السياسي مع النظام نظرًا لأهميته، ووضع آلية واضحة تجعل العقوبات الاقتصادية الأوروبية وقانون قيصر تقع على النظام نفسه ولا يدفع الشعب ثمنها، والأهم أن تكون هناك آلية لإنهائها مع بداية المرحلة الانتقالية
– الاستمرار بربط إعادة إعمار سوريا بتطبيق القرار 2254، ذلك لأن المحادثات حول ملف إعادة الإعمار حاضرة بشكل واسع ويحاول النظام العمل باتجاه البدء فيها.
بعد كل الخسائر التي تكبدها الاقتصاد السوري، وتدمير أكثر من ثلثي موارده، أصبح للجانب الاقتصادي أهمية لا تقل عن الجانب السياسي، لأنه الأداة التي ستستخدم لإدارة المرحلة الانتقالية وإرساء أي حل سياسي ما بين جميع الأطراف، وبغيابه إنما يخشى أن تستمر الحرب ونكون أمام ما يسمى بعقوبة السلام، حيث يحاول كل طرف إعادة تدوير نفسه على الجغرافيا السورية بحيث يكرس تتويج أمراء الحرب وتقاسم السيطرة على القطاعات الاقتصادية خاصة الحيوية، ونكون أمام تغيير في مراكز السلطة ليس أكثر، وهذا ما يخشاه الشعب السوري وخاصة النساء، لأن إهمال الجانب الاقتصادي في أي حل سياسي إنما سيكرس العنف ضد النساء واستغلالهن، حيث تدفع النساء والفتيات أثمان مضاعفة نتيجة لكل أشكال العنف الممارس ضدهن وخاصة العنف الجنسي، الذي يفاقم الهشاشة الاقتصادية والتي تسبب مزيدًا من الإقصاء الاجتماعي والسياسي وقد يكون الثمن الأكبر إقصائهن من المساهمة في تحقيق السلام وفق رؤية تراعي أوضاعهن وفق القرار 1325.
المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة*
ذات صلة