رمضان في إدلب
- تاريخ النشر: 18 أغسطس 2019
- |
اعتدنا قبل حلول رمضان، تحضير الطقوس اللازمة لهذا الشهر، أنا لا أقول هنا للاحتفال، كوننا حرمنا من ممارسة طقوس الفرح منذ باتت منطقتنا ساحة صراعات مفتوحة، لكن حتى التحضيرات البسيطة لاستقبال الشهر، حرمنا منها هذا العام. اقتصرت خلال السنوات الماضية ممارسات أهالي إدلب “المحظوظين” على إرسال رسائل نصية لذويهم في الشتات، أما الأقل حظاً فقد غيب الموت أو الاعتقال أحبتهم، فلم يبق من يعايدوه، لقد نسي الأهالي هنا فرحتهم برمضان وطقوسه. أما في رمضاننا هذا حتى تبادل المعايدات أسكته صوت المدافع والطائرات التي تغزو السماء صباح مساء.
القصف العنيف أخرج المدنيين العزل من بيوتهم بحثاً عن ملاذ لا يطالهم الموت فيه. “لا تخافوا” يقول أحدهم، “إنهم فقط يريدون الطريق الدولي والتخلص من الإرهابيين”. وهل هؤلاء القابعين في العراء هم الإرهابيون؟! هل من تسلّح بمخدة وفراش وحصيرة يهدد أمن العالم ويحتاج كل هذه الطائرات الروسية للتخلص منه؟! نقول لكم، من يموت هنا يومياً إما منقذ من طواقم الإسعاف، أو طفل، أو أمرأة، أو رجل، هؤلاء ليسوا إرهابيين، هم أمان وسلام بلدهم وعائلاتهم. يريدون فتح الطريق الدولي، وماذا بعد الطريق؟ لماذا يسكت المجتمع الدولي عن كل هذه الانتهاكات؟! لماذا لا تفتح الطرق إلا بالعنف، لماذا لا تتولى هذه المهمة قوة أممية، ولماذا لا تتم بدون تهجير قسري من قبل الروس؟! لماذا كل هذا العنف؟!
آلاف من العائلات المهجرة قصدت المناطق البعيدة، مثل أطمة، وعفرين، وأرمناز، وكفرتخاريم، وسلقين، يفترشون البساتين هرباً من الموت، أليس من المفترض أن يكون الأمان حقاً بديهياً لكل إنسان؟! ماذا عن النساء الحوامل اللواتي اضطررن للفرار بحثاً عن مأوى وحالتهن الصحية تتدهور بسبب عناء الطريق الذي قطعنه، إما بسيارات شحن أو سيراً على الأقدام، واحدة تنزف وأخرى تبكي مولودها الذي تخشى فقدانه قبل أن تراه. أما الحالات الإسعافية التي يتم تحويلها إلى نقطة طبية في تركيا، غالباً ما يعود المصاب أو المريض متوفى نتيجة تأخر الحصول على إذن بالدخول إلى الأراضي التركية، حتى سيارات الإسعاف القليلة التي تعمل على خدمة المنطقة، تتعرض للقصف يومياً وكأن النظام وحليفته روسيا لايريدون للمدنيين النجاة.
المدنيون في إدلب لايريدون التدخل الروسي، ولا تسيير دوريات روسية في مناطقهم، هم يرون في روسيا قاتل أطفالهم وأمهاتهم وآبائهم وأحبتهم، وهادم البيوت وعدو السلام. الجميع هنا ينشدون السلام والعيش بأمان وفق قرارات المجتمع الدولي، وجنيف، يريدون أن يعاملوا وفق اتفاقيات حقوق الإنسان، وكل معاهدات السلام التي توقع عليها دول العالم. لانريد ضامناً لنا يحتل أرضنا، ولا مجرماً يقتلنا و يهجر أهالينا، ولاغريباً يحتل بلدنا، هذا لسان حال الناس هنا، “دعونا نعيش، من حقنا أن نعيش، أخرجونا من هذه اللعبة، أبعدوا الأيادي القذرة عن المدنيين، سيروا معنا نحو السلام، افعلوا شيئاً لأجل الإنسانية، يوماً ما ستحل عليكم لعنة عدم الوقوف معنا”.
وأخيراً، أنا سورية من إدلب، لست إرهابية، ولا أملك سلاحاً، حلمت بالحرية، حرية الرأي، رأيي ذو قيمة، حلمي ذو قيمة، حياتي ذات قيمة، حلمت أن أكون حرة، وأن أقول لا للظلم وأن أعبر عما أريد، أريد أن يكون بلدي حراً، حكومته ديمقراطية حضارية، ووزاراته حقيقية، وقانونه عادل، وتعليمه نموذجي، والوظائف فيه تُنال بأحقية. فكان رد النظام الحاكم في بلدي على أحلامنا، بالسجن والاستعانة بالجيوش الأجنبية لتحاصصنا أرضنا على حساب دماء الشعب السوري.
الشهادة من منال (اسم مستعار) تقيم في سراقب، عضوة الحركة السياسية النسوية السورية، لم يتم ذكر اسمها بناء على رغبتها.