سوريا: ثلاثة عشر عاماً من الحرب، مفاوضات متعثرة وبلاد مقسمة
- تاريخ النشر: 26 مارس 2024
- |
* ديما المحمد
صادف في شهر آذار هذا العام الذكرى السنوية الثالثة عشر لانطلاق الثورة السورية، في مثل هذه الأيام خرج السوريون والسوريات إلى الشوارع لطلب الحرية والديمقراطية والتغيير السياسي. كانت المطالبات تشمل الإصلاحات السياسية والاقتصادية كما شملت المطالبة بإسقاط نظام الأسد.
ومع مرور الوقت تفاقمت الأوضاع بشكلٍ كبير، وتحولت المظاهرات السلمية إلى صراع مسلح بين النظام السوري وقواته والدول الداعمة له من جهة وبين مجموعات مقاومة محلية شكّلت لاحقاً “فصائل المعارضة” من جهة أخرى. تطور هذا الصراع مؤدياً إلى حرب أهلية مليئة بالدمار والمعاناة التي شهدها وأحس بها كل سوري وسورية وكل من يتابع الوضع السوري عن قرب.
يبدو المشهد السياسي في سوريا اليوم، مركبًا ومعقدًا بشكل لا يصدق. خاصة بعد تدخل أطراف إقليمية ودولية في الصراع السوري-السوري، مما ساهم في تعقيد المشهد وتأجيج الصراع واستمراره حتى هذه اللحظة. وبعد مرور هذه السنوات، تتقاسم سوريا سلطات أمر واقع مختلفة بما فيها النظام السوري، مدعومة بدورها من قوى إقليمية ودولية تخوض صراعها هي الأخرى على أراضينا.
خريطة السيطرة في سوريا:
بعد أقل من ثلاثة أعوام على بدء الثورة السورية، خسر النظام السوري سيطرته على أكثر من ثلثي أراضي البلاد، لصالح فصائل المعارضة. إلا أنّ التدخل الروسي الذي أتى في خريف عام 2015 ساهم في ترجيح الكفة لصالح النظام الذي استطاع استعادة السيطرة مجدداً على أكثر من 60% من الأراضي السورية، بما يشمل أغلب المدن السورية كدمشق وحلب وحمص وحماة إضافة إلى طرطوس واللاذقية. كما يسيطر النظام اليوم على أجزاء من ريف الرقة الجنوبي ونصف محافظة دير الزور، التي تضم العديد من حقول النفط كحقل التيم والورد في دير الزور وحقل الثورة في الرقة وحقل الشاعر أكبر حقول الغاز الموجود في بادية حمص. وبحلول صيف عام 2018 أدت العمليات العسكرية المدعومة بالقصف الروسي واستخدام الأسلحة الكيميائية، إلى استعادة النظام السيطرة على جميع مناطق المعارضة وسط وجنوب سوريا بما فيها الغوطة الشرقية، سيطرة تشوبها القدرة الكاملة على التحكم بالمجتمعات المحلية، خاصةً في محافظات الجنوب السوري درعا والسويداء، نتيجة عدّة أسباب من بينها بقاء بعض المجموعات العسكرية المعارضة نشيطة في درعا، وحفاظ أهالي السويداء على استقلالية تَوَجُّه محافظتهم التي تشهد اليوم حراكاً شعبياً واسعاً ضد النظام منذ حوالي السبعة أشهر.
الدعم العسكري الذي قدمته موسكو وطهران للنظام السوري، ترافق مع حضورٍ عسكري مباشر وغير مباشر للدولتين على الأراضي السورية، حيث بات الطرفان يحكمان بشكل مباشر وأحياناً عبر وكلاء مناطق واسعة من البلاد. وتحتفظ موسكو بعدد من النقاط العسكرية شمال ووسط البلاد، كما تمتلك قاعدتين رئيسيتين للروس في مطار حميميم في اللاذقية وفي ميناء طرطوس.
أما إيران فتحتفظ بعدد أكبر من القوات التي تشمل الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس الذي كان له الدور الأكبر في استعادة السيطرة على حلب الشرقية وريف حلب الجنوبي، وميليشيات أجنبية تابعة لها بشكل مباشر مثل ميلشيات (زينبيون، فاطميون، حزب الله العراقي واللبناني، لواء أبو الفضل العباس وغيرها) وتنتشر تلك الميليشيات في معظم الأراضي السورية مثل بادية حمص وأريافها، والحدود اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله، وريف دمشق الجنوبي باتجاه درعا وباتجاه الجولان، تحديداً منطقة السيدة زينب في دمشق، وتسيطر تلك الميليشيات بشكل شبه كامل على أجزاء من محافظة حلب بما فيها الأحياء الشرقية من المدينة، فيما تعد قواعد الميلشيات الموجودة في محافظة دير الزور هي الأكبر في البلاد.
أما في شمال سوريا فإن المنطقة تشبه إلى حد بعيد رقعة شطرنج التي تضم لاعبين محليين وآخرين دوليين، إذ تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على الجزء الأكبر من شمال شرق البلاد، بمساحة تبلغ ربع المساحة الإجمالية لسوريا بحسب مركز جسور للدراسات، حيث تشمل مناطق من دير الزور والرقة والحسكة وأجزاء من حلب، ويقع تحت سيطرتها حقل العمر أكبر حقول النفط في سوريا الذي يقع في محافظة دير الزور فضلاً عن مصنع كونيكو للغاز وحقل السويدية، وتتواجد القوات الأمريكية التي تقود قوات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي.
أما بالنسبة لتركيا والفصائل التي تتبع لوزارة دفاع الحكومة المؤقتة السورية المدعومة من تركيا، والتي شكلت ما يسمى بالجيش الوطني فهي تسيطر على الشريط الحدودي الممتد من جرابلس حتى عفرين مرورًا بمدينة أعزاز والباب كما تسيطر على المنطقة الحدودية الواقعة بين مدينة رأس العين (سري كانيه) وتل أبيض، وذلك بعد ثلاث عمليات عسكرية قامت بها القوات التركية بسطت خلالها سيطرتها العسكرية والإدارية ومعها فصائل الجيش الوطني وكيلها الفعلي ويدها الضاربة في تلك المناطق، وهذه العمليات هي على التوالي: درع الفرات عام 2016 شملت المنطقة الممتدة بين أعزاز وجرابلس والباب، ومن ثم عملية غصن الزيتون في عام 2018 التي سيطرت من خلالها على مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، وكانت آخر عملية في عام 2019 وتدعى نبع السلام وفيها سيطرت القوات التركية على شريط بطول 150 كم وعمق 30 كم ممتد بين بلدتي رأس العين وتل أبيض. أدت هذه العمليات العسكرية إلى نزوح جماعي وتغيير ديمغرافي في بعض المناطق إضافة إلى ارتكاب الفصائل المدعومة من تركيا العديد من انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك القصف العشوائي والقتل دون محاكمات والاعتقالات غير القانونية والتعذيب والإخفاء القسري ونهب الممتلكات. وذلك بحسب تقرير صدر مؤخرًا من هيومن رايتس ووتش.
في حين تسيطر هيئة تحرير الشام الإسلامية على أكثر من نصف محافظة إدلب وأجزاء صغيرة من ريف حلب وحماة واللاذقية، ويشهد الشارع الإدلبي مؤخراً احتجاجات ومظاهرات ضد الهيئة تطالب بإسقاط الجولاني والكشف عن مصير المعتقلين والمعتقلات والمخفيين والمخفيات في سجون الهيئة.
مسارات الحل السياسي في سوريا:
شهدت العملية السياسية سلسلة من المحاولات والجهود للتوصل إلى حل سياسي للنزاع المستمر. بدأت هذه المساعي من الجامعة العربية، حيث طرحت الجامعة مبادرتين للحل السياسي في سوريا عامي 2011 و2012 لم تنفذ من قبل النظام، تم على إثرها تعليق عضوية النظام في الجامعة العربية، ثم بدأت بعد ذلك مؤتمرات جنيف ومتابعة بمبادرات مثل مسار أستانة.
بدأت العملية السياسية في سوريا بمؤتمر جنيف عام 2012، تم التأكيد فيه على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للنزاع السوري وتشكيل حكومة انتقالية تجمع بين الأطراف المختلفة. ومن ثم تم عقد عدة جولات من مؤتمرات جنيف برعاية الأمم المتحدة، وقد شملت هذه المفاوضات مشاركة مختلف الأطراف السورية، بما في ذلك النظام والمعارضة السياسية والمسلحة، والتركيز على قضايا مثل تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات ديمقراطية. لكن ظهرت خلافات عميقة بين الأطراف حالت دون حسم أي قضية مطروحة ولم يتم التوصل إلى اتفاق شامل يضع حدًا للصراع (لم يجتمع الطرفان معًا بل تمت الاجتماعات بشكل مكوكي بينهم بإدارة ديمستورا).
أصدر مجلس الأمن قرارًا في 18 كانون الأول 2015 بشأن سوريا، حيث يعد هذا القرار من أهم القرارات الدولية التي تهدف إلى التوصل إلى حل سياسي للصراع في سوريا. وقد تم تبنيه بالإجماع من قبل أعضاء مجلس الأمن الـ 15، مما يجعله التزامًا دوليًا ملزمًا على الأطراف المعنية. ومن أهم النقاط التي تناولها القرار هي وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي، كما دعا إلى احترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين والمدنيات في سوريا وأدان الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وقانون الإنسان الدولي.
وجه القرار دعوة إلى جميع الأطراف في سوريا بالتعاون مع مبعوث الأمم المتحدة لتسهيل ودعم عملية السلام واعتبار قرار جنيف الآلية الرئيسية للتوصل إلى حل سياسي وأهمية عملية أستانة كآلية مكملة لجنيف لتحقيق وقف إطلاق النار وتعزيز الثقة بين الأطراف المتنازعة. تم اعتبار هذا القرار إطارًا دوليًا للتوصل إلى حل سياسي في سوريا.
تم الاتفاق على إنشاء اللجنة الدستورية خريف عام 2019، وذلك وفق قرارات مجلس الأمن بالتحديد القرار 2254، وتهدف هذه اللجنة إلى صياغة دستور جديد لسوريا بما في ذلك وجود ضمانات لنظام سياسي ديمقراطي واحترام حقوق الإنسان وتوزيع السلطة، لكنها لم تحقق تقدمًا كبيراً حتى اللحظة.
أما مسار أستانة الذي ترعاه كل من روسيا وإيران وتركيا، فقد انطلق عام 2017، بهدف تحقيق وقف لإطلاق النار وتحسين الوضع الإنساني في المناطق المتضررة، كما تحدثت البيانات المتكررة الصادرة عنه. شهدت جولات أستانة عدة اتفاقيات تهدف إلى إقامة مناطق خفض توتر وتبادل السجناء وإطلاق الإغاثة الإنسانية، وهو أمرٌ لم يتحقق فعلياً على أرض الواقع.
رغم استمرار الجهود في هذا الإطار، فإن الصراعات المستمرة والانقسامات الداخلية أدت إلى عدم تحقيق تقدم ملموس في تحقيق حل سياسي شامل. وكان لتعنت النظام السوري وعدم التزامه الأثر الكبير في عدم تحقيق ذلك التقدم.
في ظل هذا الوضع، تركزت الجهود الدولية على محاولة إيجاد حل سياسي في سوريا، إلا أن التحديات كانت كبيرة. تواصلت المفاوضات والمحادثات بين الأطراف المعنية، لكن دون تحقيق أي تقدم ملموس نحو حلول سلمية ومستدامة.
وفي سبيل تحقيق خرقٍ ما على صعيد المسار السياسي، فقد طرح المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون مبادرة خطوة مقابل خطوة، و تتلخص هذه المبادرة في تشجيع النظام على اتخاذ بعض الخطوات الاستراتيجية كمصير المعتقلين والمعتقلات والمخفيين والمخفيات قسراً، إضافة إلى عودة اللاجئات السوريات واللاجئين السوريين إلى بلادهن/م وفق شروط العودة الثلاث آمنة وطوعية وكريمة، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية المنهارة بعد أكثر من عقد على الحرب، مقابل تقديم المجتمع الدولي خطوات مقابلة تشمل رفع العقوبات وزيادة المساعدات المخصصة للعمليات الإنسانية والتعافي المبكر.
لكن تلك المبادرة اتسمت بعدم وضوح معالمها وبنودها وتساؤلات بمدى تنفيذ النظام للخطوات المطلوبة منه وهو الطرف الذي فشل في إنجاح أي مسار للتفاوض منذ بداية الصراع.
تبنت الأردن هذه المبادرة وبنت على أساسها مبادرة مقسمة إلى أربع مجالات، هي: الجانب الإنساني، وتطبيق القرار الأممي 2254، ومحاربة الإرهاب، وانسحاب القوات الأجنبية من سوريا.
بما يعني عملياً وجوب انسحاب إيران وقواتها والميليشيات الأجنبية التابعة لها، بشكلٍ كامل من الأراضي السورية. وعودة العلاقات الروسية مع سوريا إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، وإعلان وقف إطلاق النار على مستوى البلاد كاملاً، ومقابل ذلك سحب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب الذين دخلوا إلى سوريا بعد عام 2011 بما في ذلك مناطق شمال شرق سوريا وقاعدة التنف الأمريكية، إضافة إلى رفع العقوبات وتمويل المانحين لإعادة إعمار سوريا.
تأثيرات الحرب السورية على النساء:
أثرت الحرب في سوريا بشكل خاص على النساء بشكل مدمر ومتعدد الأوجه فقد عانت النساء من ارتفاع مستويات العنف الجسدي والنفسي نتيجة الحرب، سواءً كن ضحايا للاعتقال التعسفي والتعذيب أو تعرضن للضرب والاعتداءات الجنسية. وعانين أيضا من فقدان الاستقرار والأمان النفسي بعد تشريدهن وفقدانهن لمنازلهن أو بعد فقدانهن لعائلاتهن وأحبتهن، فوجدت معظم النساء أنفسهن أمام أعباء الحياة وجهًا لوجه مضطرات لتحمل المسؤولية لوحدهن، هذا أدى إلى مواجهة صعوبات اقتصادية ونقص في تأمين الاحتياجات الأساسية. كما تعرضت النساء لظروف صحية سيئة نتيجة النزوح وقلة الوصول إلى الخدمات الطبية الأساسية، مما زاد من معاناتهن وتأثر صحتهن النفسية والجسدية. باختصار، كانت الحرب السورية تحمل عبئًا كبيرًا على كاهل النساء، وأثرت بشكل مباشر على حياتهن اليومية، وتطلعاتهن المستقبلية.
لقد تسبب الصراع في سوريا منذ ثلاثة عشر عاماً إلى مقتل أكثر من 500 ألف سوري وسورية، وكان التهجير أحد أشد عواقب ذلك الصراع الطويل أذىً، حيث نرى أنه ومنذ بداية الحرب أجبر أكثر من 6 مليون شخص على الفرار خارج البلاد مع وجود أكثر من 12 مليون نازح ونازحة داخل البلاد وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة (OCHA).
كما يرزح أكثر من 90% من السوريات والسوريين الذين يعيشون داخل البلاد تحت خط الفقر، وأكثر من نصف السكان لا يستطيعون الحصول على ما يكفيهم من الغذاء إضافة إلى معاناة أكثر من 6000 طفل وطفلة من سوء التغذية، وذلك بحسب التقرير السنوي العالمي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، وأضافت المنظمة أن الحرب دمرت البنى التحتية والحياة المدنية داخل سوريا، وأثر ذلك على مقدرة الناس في الوصول إلى الرعاية الصحية والكهرباء والتعليم والنقل والمياه والصرف الصحي، حيث يواجه السوريون والسوريات تحديات هائلة في محاولة إعادة بناء البلاد وتحقيق السلام والاستقرار بعد سنوات من الحرب والدمار والتشرد.
وبالرغم من جهود الوساطة الدولية والإقليمية، يبدو المشهد السياسي في سوريا متشابكًا ومعقدًا مع استمرار الصراع والتوترات وانتشار الفوضى والتشتت في مختلف أنحاء البلاد.