عسكرة الطفولة
- تاريخ النشر: 27 نوفمبر 2020
- |
*عُليّا الشلق
صحيح أنهن/م لم يعرفن/وا النظام المنضم في المدارس ولم يرتدين/وا الزي العسكري أو ما يعرف بلباس الفتوة، لكنهن/م عشن/وا هذا بواقعيته في ثكنات حقيقية ومع أسلحة ملقمة!
نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيلات مصورة، شكاوى تقدم إلى الشرطة العسكرية، تصريحات لوسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، مراجعات بدون كلل للمراكز ومعسكرات الفصائل المسلحة، وإضراب عن الطعام! لهذه ال ساليب تلجأ الأمهات وال باء للبحث عن طفلاتهم وأطفالهم القصّر اللواتي/الذين يتم تجنيدهن/م قسرياً سواء بالاختطاف، بالتغرير، الاستغلال، أو بالتهديد، ويطالبن/ون بإعادتهن/م وتسريحهن/م ليحيوا حياة طبيعية وينلن/وا حقهن/م في التعليم.
في سوريا أظهرت أطراف الصراع تجاهلاً صارخاً لحياة الأطفال وحقوقهم الأساسية، وقامت بانتهاكات جسيمة ضد الفتيات والفتيان السوريات السوريين واستخدمتهن/م لأغراض قتالية أو أمنية. كالخدمة في نقاط التفتيش أو الدعم اللوجستي المرتبط بالعمليات العسكرية. كما يتم تجنيد الفتيات لأغراض جنسية أو للزواج القسري.
وحسب تقرير الأمين العام حول الأطفال والصراع المسلح في سوريا يعد تجنيد الأطفال ثاني أكثر الانتهاكات انتشاراً في الصراع السوري. كما تعد سوريا ثاني أسوأ بلد في العالم من حيث عمليات تجنيد الأطفال، حيث جاءت بعد الصومال بتجنيد ٨٢٠ طفلة وطفلاً لعام ٢٠١٩، ومنذ بدء هذه الظاهرة يواصل عدد الطفلات والأطفال المجندات/ين في الارتفاع كما يزداد تجنيد واستخدام من هن/م أصغر سناً. فوفق التقرير كانت أعمار ٢٥٪ من أولئك الأطفال تقل عن الخامسة عشر. كما أن غالبيتهن/م استخدموا في أدوار قتالية من قبل الأطراف المسلحة.
ظاهرة تجنيد الفتيات
نادراً ما تعترف الأطراف المتحاربة بتجنيد الفتيات في صفوفهم، رغم أنهنّ يمثلن وفق التقارير الدولية ٤٠٪ من الاطفال المشاركين في الصراعات المسلحة. ويكون هذا التجنيد إما طوعياً أو قسرياً. ويعود سبب التجنيد الطوعي إلى انعدام الأمن أثناء الصراع واستغلال ال طراف المتحاربة لصعوبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الفتيات. حيث أن بعض الفتيات تقررن الانضمام إلى المقاتلين هروباً من الزواج المبكر والعنف العائلي أو للخروج من وضعية الإقصاء والتبعية التي يتعرضن لها في مجتمعاتهن موعودات بحياة أفضل. أما التجنيد القسري الذي تمارسه ال طراف المتحاربة على الفتيات فيكون إما بالتهديد أو الخطف، وهو ما درجت عليه الأطراف المتحاربة لتجنيد الفتيات في سوريا وخاصة قوات سوريا الديمقراطية حسب التقارير. ولم يتصدى القانون الدولي لهذه المشكلة ولم يتناول أبعادها. حيث أن الصكوك القانونية لم تتطرق لحالة الفتيات الجنديات بصورة مستقلة واعتبرتهن ينتمين من الناحية القانونية لفئة الأطفال.
الإطار القانوني لتجنيد القاصرات/القاصرين في النزاعات المسلحة
يحظر القانون الدولي الإنساني (قانون الحرب) والقانون الدولي لحقوق الإنسان تجنيد الأطفال واستخدامهم كجنود. البروتوكول ال ضافي الثاني لاتفاقيات جنيف ١٩٤٩ المنطبق أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية يحظر على الدول والجماعات المسلحة غير التابعة لدول تجنيد الأطفال أو استخدامهم، تحت سن ١٥ عاماً في النزاعات المسلحة. في حين ليست سوريا طرفاً في البروتوكول الثاني، فإن الحظر على تجنيد الأطفال تحت سن ١٥ عاماً واستخدامهم يعتبر حالياً من قواعد القانون الدولي العرفي، وهو مُلزم لجميع أطراف النزاع. أقرت الأمم المتحدة في عام ٢٠٠٠ البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك ال طفال في النزاعات المسلحة، وسوريا طرف فيه، وهذا البروتوكول رفع عتبة السن المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل، بأن نص على أن ١٨ عاماً هي السن الدنيا لأي تجنيد أو تجنيد اجباري أو مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية. المادة ٤ من البروتوكول تحظر أي تجنيد أو استخدام للأطفال تحت سن ١٨ عاماً من قبل الجماعات غير التابعة للدول ”لا يجوز أن تقوم المجموعات المسلحة المتميزة عن القوات المسلحة لأي دولة في أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام الأشخاص دون سن الثامنة عشر في الأعمال الحربية“. كما يفرض البروتوكول التزامات على الحكومات بأن تتخذ ”جميع التدابير الممكنة عملياً لمنع هذا التجنيد والاستخدام، بما في ذلك اعتماد التدابير القانونية اللازمة لحظر وتجريم هذه الممارسات“.
أما الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة للقانون الدولي ال نساني بقصد إجرامي فهم يتحملون مسؤولية ارتكاب جرائم حرب. بموجب القانون الدولي العرفي ونظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، يعد جريمة حرب أن يجند أعضاء في قوات مسلحة أو جماعات مسلحة غير تابعة لدول أطفالا تحت سن ١٥ عاماً، أو أن يقوموا باستخدامهم للمشاركة بنشاط في أعمال عدائية. يوضح نظام المحكمة الجنائية الدولية أن المسؤولية الجنائية الفردية تمتد بما يتجاوز استخدام الأطفال في القتال المسلح. كما ويمكن اعتبار القادة الذين كانوا على علم أو –كان ينبغي عليهم أن يكونوا على علم– ولم يتخذوا أي إجراء فعال مسؤولين جنائياً من منطلق مسؤولية القيادة.
وهنا ننوه بأنه بعد أن صادقت سوريا على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل والتي من آثارها إلغاء مادة العسكرية والزي العسكري للطالبات والطلاب في المدارس السورية عام ٢٠٠٣، أصدرت قانون رقم ١١ لعام ٢٠١٣ الذي يجرم جميع أشكال التجنيد والاستخدام للأطفال تحت سن ١٨ عاماً من قبل القوات المسلحة والجماعات المسلحة الغير التابعة للدولة، بما في ذلك المشاركة في القتال المباشر وحمل الأسلحة والمعدات والذخائر ونقلها وزرع المتفجرات والحراسة في نقاط التفتيش أو الاضطلاع بأعمال مراقبة أو استطلاع أو العمل على تشتيت قوات الخصم أو اتخاذ الأطفال كدروع بشرية أو المعاونة أو الخدمة للجناة بأي شكل من الأشكال“.
تجنيد الأطفال في واقع النزاع السوري:
ويأتي القانون الآنف الذكر في الوقت الذي تقوم فيه قوات النظام السوري والميليشيات الموالية له بارتكاب أفظع الانتهاكات بحق الطفلات والأطفال في جميع المناطق في سوريا. كما تقوم بتجنيدهن/م واستخدامهن/م، وهو ما عملت عليه ميليشيات الدفاع الوطني، وحزب الله اللبناني في المناطق الخاضعة لسيطرتها. كما وازدادت نسبة تجنيد الأطفال في هذه المناطق بصورة ملحوظة في العام ٢٠١٩، حيث استغلت تلك الميليشيات سوء الأحوال المادية للعديد من العائلات وخاصةً العائلات النازحة، وقدّرت تقارير محلية أعداد الأطفال الذين تمّ تجنيدهم ضمن صفوف هذه المليشيات بالعشرات، ولوحظ أنّ التجنيد يتم من خلال تقديم الإغراءات المادية والمنصب والقوة.
كما أن فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، والتابع للحكومة السوريّة المؤقتة/ الائتلاف السوري المعارض، كانت قد عمدت هي الأخرى إلى تجنيد الأطفال ضمن صفوفها في منطقة رأس العين، حيث كان تجنيد الأطفال قد ظهر في هذه المنطقة من قبل فصائل الجيش الوطني السوري، بعد أقل من شهر من خضوع المنطقة لسيطرته، وتزايد تدريجياً.
كما أنه وبحسب تقرير الأمين العام لعام ٢٠٢٠ تعد قوات سوريا الديمقراطية (وحدات حماية الشعب/وحدات حماية المرأة) أسوأ أطراف النزاع من حيث تجنيد الأطفال والطفلات ب ٣٠٦ حالة. وسبق وأن نددت جهات دولية عديدة قيام هذه الفصائل بالتجنيد إلا أن قوات سوريا الديمقراطية وعدت بإيقاف هذه الممارسة حين وقعت في ٢٠١٩ خطة عمل مع الأمم المتحدة لمنع استخدام وتجنيد الطفلات والأطفال دون سن الثامنة عشرة في مناطق سيطرتها، وتعهدت بحصر المجندات والمجندين في صفوفها لفصلهم عنها. إلا أن التقارير تفيد بعدم التزامها بهذا الاتفاق. حيث اتهمت “هيومن رايتس ووتش” قسد بتجنيد الفتيات القاصرات على نطاق واسع واشراكهم في عمليات قتالية بما في ذلك النازحات/ون إلى مناطق سيطرتها، وبأنها لم تف بالتزامها بتسريح الطفلات وال طفال والتوقف عن استخدامهم في القتال. كما وثق تقرير صادر عن “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عدد حالات لاختطاف وتجنيد قاصرات في ٢٠٢٠ من قبل وحدات حماية الشعب، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن. حيث اختطفت مؤخراً الطفلة لينا عبد الباقي (١٥عاماً) من قريتها تل كرم في ريف مدينة الحسكة. مع تسجيل سبع حالات اختطاف لقاصرات في نفس الأسبوع منهم الطفلة رونيدا داري (١٢ عاماً) من مدينة عامودا، وهذا يتعارض بشكل صارخ مع خطة العمل التي وقعت. يُذكر أن عدد كبير من حالات الاختطاف تتم بشكل سري بسبب مخاوف الأهالي من التعرض للمضايقات والانتقام.
إن تجنيد القاصرات والقاصرين يُعدُّ جريمة حرب. كما أنها تصبح جريمة مضاعفة حين تكون عن طريق الخطف. لكن ال طراف المتحاربة، دون استثناء، والتي تقوم بالتجنيد تحت شعارات الواجب الوطني والواجب الأخلاقي أو الديني، وشعارات تحرير النساء، تعمل بذهنية الميليشيا، وما تزال مستمرة في الانزلاق في هذا السلوك لأنه أحد مصادر تزويدها بالمقاتلات والمقاتلين. وهذا مؤشر على الخلل في الأنظمة الأممية لمكافحة التجنيد، كما هو مؤشر على فشل الدول في تطبيق معايير الأمم المتحدة المتعلقة بهذا الخصوص، حيث أن مصادقة الدول على الاتفاقيات والمعاهدات وخطط العمل تكون على الأغلب شكلية وغير فعالة وهذا ما نسعى لتغييره.
إن المجتمع الدولي، وجميع أطراف الصراع من حكومات وفصائل وميليشيات ملزمون بتحييد الطفلات والأطفال عن النزاع، وإيجاد بيئة آمنة وحامية لهن/م، وإيقاف الانتهاكات التي تُرتكب بحقهن/م. المجنَدات/ون سوريات/ون، والمجنِدات/ون سوريات/ون، وجميعنا ضُبطنا بالجرم المشهود ونحن نتفرج!
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة
المصادر
https://www.hrw.org/ar/report/2014/06/23/256574 تقرير هيومن رايتس ووتش
https://undocs.org/ar/S/2020/525 تقرير الامين العام حول الأطفال والنزاع المسلح ٢٠٢٠