عيد الاستقلال في ظل تقاسم الاحتلالات للأرض السورية
- تاريخ النشر: 1 يونيو 2021
- |
*سحر حويجة
يحتفل الشعب السوري في السابع عشر من نيسان بعيد الاستقلال، وخروج أخر جندي فرنسي من سوريا، ونهاية حقبة الانتداب.
كل شعوب العالم تحتفل بعيد استقلال خاص بها، يوم تحررت أو يوم أنجزت بناء دولتها.
عيد الاستقلال هو المناسبة التي تخلد فيها الشعوب ذكرى أولئك الذين خطوا بدمائهم درب الحرية، للخلاص من الاستعمار ومن الوصاية الخارجية. الاستقلال والحرية كلمتان لا تنفصلان، حيث لا ينفصل الاستقلال والتحرر من الاستعمار، عن حرية المواطنة/المواطن، واستعادته لمكانته ودوره والإيمان بقدرته على بناء وطنه. الاستقلال هو درس الوطنية الأول للأجيال ليدركوا لماذا ضحى الأسلاف بأرواحهم وانتفضوا في وجه الاستعمار، دفاعًا عن كرامتهم وحقوقهم.
وبعد أكثر من سبعة عقود نجد إن مطالب الاستقلال تطول ضد من يحتكر السلطة ويسيطر على السلطات جميعها، ويقيد حقوق المواطنات/ين وينتهكها حين يمنع أي نشاط مستقل، ليتحول إلى قوة منفصلة عن الشعب تقمعه وتجرده من حقوقه، ويعمل على تسخير قدرات الوطن والمواطن في خدمة مصالح الفئة الحاكمة الخاصة الفئوية الضيقة ليتضح أن الاستبداد هو الوجه الأخر للاستعمار، بل أنه الأكثر وطأة وأشد قدرة على التحكم بمصير الوطن والمواطن، باسم الشرعية، وباسم شعارات ليست للتطبيق، بل تتحول إلى عصا غليظة في وجه من يعارض النظام، باستخدام كل وسائل القمع السافر والقتل دفاعًا عن السلطة والحاكم الفرد الديكتاتوري، أنه استعمار داخلي، غالبًا ما يلجأ إلى الاستقواء بالاستعمار الخارجي، ضد الشعب الثائر ضده.
وبين انتداب الأمس وانتدابات اليوم على بلادنا نجد:
مع نهاية الحرب العالمية الأولى، طور الاستعمار من وسائله، حيث أقدم على تنظيم مصير المستعمرات الألمانية والمقاطعات العثمانية، ومنها المناطق العربية، بتبني صيغة جديدة للاستعمار وردت في المادة 22 من عهد عصبة الأمم لتطبيقه على المستعمرات الألمانية والولايات العثمانية، تحت صيغة الانتداب الذي قسم المستعمرات إلى ثلاثة مراتب أ ـ ب ـ ج ليطبق على الشعوب، غير القادرة على تدبير شؤونها بذاتها، بل عليها أن تتلقى نصائح ومساعدات دولة متطورة تتدخل وتعمل لحساب عصبة الأمم. من أهم أثار الانتداب: ممارسة توزيع السيادة بين الدولة المنتدبة والإقليم وعصبة الأمم توزيعًا يختلف حسب نوع الانتداب، ولكن يبقى الإقليم محتفظًا بكيانه القانوني ولا يعتبر سكانه رعايا، والدولة المنتدبة تتمتع بحق الإدارة الذي يتسع كلما تأخرت درجة مدنية الإقليم.
بعد الحرب العالمية الثانية، اعتبر ميثاق الأمم المتحدة الانتداب نظامًا مؤقتًا، وأدين التدخل الاستعماري بالقوة، لأنه يعيق التطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للشعوب التابعة، ويعيق التعاون بين الدول ويؤدي إلى نزاعات، ويشكل إنكارًا للحقوق الأساسية للإنسان. لذلك ينبغي أن يرحل الاستعمار بدون قيد أو شرط. جاء في المادة 87 من ميثاق الأمم المتحدة: لا يطبق الانتداب على دول أصبحت أعضاء في الأمم المتحدة، بل يجب أن تقام العلاقات فيما بينها على مبدأ المساواة في السيادة. كانت سوريا ضمن الدول التي دعيت إلى مؤتمر الأمم المتحدة، ووقعت على الميثاق وأصبحت عضوًا في هيئتها العامة.
التدخل في الصراعات الداخلية
إن الدولة التي تقبل التدخل في شؤونها تؤكد على عدم قدرتها أن تجعل سلطتها محترمة من قبل رعاياها، وهذه التدخلات قد تتحول الى احتلالات دائمة، والعكس صحيح حالة دعم دولة ما لحزب معارض في صراعه مع الحكومة.
أما المساعدات التي تقدم للسلطات القائمة فهي منصوص عليها في كثير من المعاهدات والاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف. هذه الممارسات قد تشكل انتهاكًا لحق غير قابل للتصرف للشعوب بممارسة سيادتها. حول هذه النقطة قدمت اتفاقية فينا في 23 5 1969 بشأن قانون المعاهدات عنصرًا إيجابيًا؛ وهو الاعتراف بحق الشعوب حيث تنص في مادتها 53: تعتبر المعاهدة باطلة بطلانًا مطلقًا إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام، وتعتبر من قواعد القانون الدولي العام التي لها هذه الصفة، القواعد التي تم الاعتراف بها من مجمل أعضاء الأمم المتحدة، منها منع استعمال القوة غير المشروع، وإدانة التدخل في شؤون الدول الداخلية أو انتهاك حقوقها في المساواة، وعدم احترام مبدأ حق تقرير المصير.
الواقع السوري المقسم
تتقاسم الأرض السورية احتلالات عديدة حيث يسيطر النظام شكليًا على مساحة 64 بالمائة من الأراضي السورية، لكن الثقل العسكري فيها لروسيا وإيران، وتسيطر روسيا على 23 قاعدة عسكرية تنتشر في محافظات دير الزور، الحسكة، الرقة، حلب، اللاذقية، طرطوس، حماه، حمص ودمشق، وعلى 42 نقطة تواجد في محافظات دير الزور والحسكة وحلب والسويداء والقنيطرة، و10 نقاط مراقبة في محافظتي حماه وإدلب.
وتسيطر إيران على عدد من القواعد العسكرية وعلى حضور بارز لضباط الحرس الثوري في أغلب القواعد العسكرية للنظام، وحضور آخر من خلال المليشيات التي استقدمتها إيران للمشاركة في القتال من العراق، وحزب الله الذي يسيطر على عدة مناطق، ويدير عدة مواقع عسكرية كانت تابعة لقوات النظام في الجنوب السوري.
تسيطر تركيا مع الجيش الوطني على مناطق شمال شرقي سوريا، ومناطق في ريف حلب الشمالي والشمال الشرقي. وتسيطر فصائل المعارضة على محافظة إدلب شمال غرب البلاد، وجزء من محافظة حلب الغربي وجزء آخر من ريف محافظة اللاذقية الشمالي وجزء من ريف حماه سهل الغاب. تركيا والمعارضة المسلحة تسيطران على 10 بالمائة من الأراضي السورية.
قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على مناطق شمال شرق سوريا، على نسبة 25 بالمائة من الأراضي السورية، ويتوزع الوجود الأمريكي في سوريا على 22 قاعدة عسكرية في محافظات الحسكة، الرقة، دير الزور وريف دمشق.
وتسيطر قوات التحالف الدولي على منطقة النتف قرب الحدود السورية الأردنية، طبعًا إضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي للجولان.
إن الواقع السوري المقسّم، يشير إلى تحول كل القوى الفاعلة سواءً من السلطة أو المعارضة إلى أجندات ترتبط بالخارج، وتلقى الدعم بل تستجديه على حساب سيادة الدولة السورية.
نجد أن التدخلات الخارجية تحت أي عنوان سواءً دعم الأنظمة أم دعم قوى المعارضة تخل بموازين القوى بشكل كبير بين طرفي المعادلة، وتجرد الشعب من قدرته على التغيير وتشعره بالعجز المطبق عندما تجعله يستجدي الدعم والعون.
نعم انتهى زمن الانتداب، والشرعية الوحيدة الموثوق بها دوليًا هي تدخل الأمم المتحدة وفق الفصل السابع دفاعًا عن مبادئ القانون الدولي، وليس لاقتسام النفوذ كما يجري اليوم، والاستقطاب الدولي وتطويع مجلس الأمن وفق منطق القوة، ومصالح الدول الكبرى على حساب الشعوب وعلى حساب مبادئ القانون الدولي.
إن تدخل الأمم المتحدة يكون موافقًا للميثاق عندما يتعرض السلام الدولي للخطر، هذا الخطر يبقى تقديره من صلاحيات مجلس الأمن، الذي كانت قراراته عرضة للتعطيل باستخدام حق الفيتو.
الحقيقة المرة أن لا استقلال في سوريا حتى خروج كل قوى الانتداب، المسيطرة على المناطق المختلفة في سوريا دون وجه شرعي لوجودها، ووضع نهاية لسلطة الديكتاتورية ورموزها، حينها يبدأ عيد استقلال نحو بناء سوريا دولة مدنية، ديمقراطية، موحدة ومستقلة.
*المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة