كيف صنعت الحركة السياسية النسوية السورية من أزمة كورونا فرصة نجاح
- تاريخ النشر: 22 يونيو 2020
- |
*صبيحة خليل
يقول بعض الباحثين/ات أن “كل أزمة تحتوي على فرص”. أما أزمة كورونا فقد خلقت أزمات عالمية كبرى، وقد نالت الحركة السياسية النسوية السورية نصيبها من تلك الجائحة، حيث كان من المفترض أن تعقد الحركة السياسية النسوية السورية مؤتمرها العام السنوي الثاني في مدينة برلين منتصف آذار 2020، لكن وبسبب الجائحة فقد ألغي المؤتمر الفيزيائي وتم اعتماد عقده افتراضياً. جاء هذا الإلغاء ضمن شطب مئات لفعاليات والمؤتمرات واللقاءات من قبل دول واتحادات وتنظيمات حول العالم، فالعالم بأكمله شهد ركوداً شاملاً على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لكن ما يحتسب للحركة أنها كانت من بين القلائل الذين استطاعوا أن يحولوا أزمة جائحة كورونا إلى فرصة نجاح تضاف إلى رصيد النجاحات التي حققتها الحركة منذ بدء تأسيسها في باريس تشرين الأول 2017.
إذ أنه ما إن تزايدت وتيرة انتشار فيروس كوفيد 19 حول العالم حتى شكلت الحركة فريق استجابة، الذي درس المخاطر والفرص من اللقاء الفيزيائي وخلص الفريق إلى اعتماد اللقاء الالكتروني عوضاً عن الاجتماع الفيزيائي، وتبين فيما بعد أن القرار كان صائباً، وإلا لكنا تعرضنا لعشرات المشاكل الأخرى من الحجر الإجباري وغيرها من التبعات الأخرى المضنية والمكلفة.
استمرت أعمال المؤتمر الالكتروني عدة أسابيع بين 2 أيار و6 حزيران 2020، استطاعت خلالها المؤتمِرات/ين أن يناقشن/وا مجمل التقارير التي قدمتها الأمانة العامة ومختلف اللجان بمساعدة الفريق الإداري، الذي كرس جهوداً استثنائية خلال فترة المؤتمر. استخدمت جميع التقارير تقنية البوربوينت التي أغنت مهنية التقارير وسهلت المشاركة الفعالة من قبل المؤتمِرات/ين لإغناء النقاش والتوصل إلى المصادقة والإقرار بشأنها. بذلت عضوات الأمانة السابقة مع الفريق الإداري جهداً لا يستهان به في سبيل تقليص الفارق بين محاسن اللقاء الفيزيائي والافتراضي.
أهم المنجزات التي تمت خلال المؤتمر هو التقرير السياسي والرؤية السياسية التي حددت استراتيجية الحركة خلال العام المقبل، استطاعت الحركة ورغم تعدد مشارب العضوات والأعضاء أن تصيغ رؤية سياسية مشتركة حول مستقبل سوريا دولة المواطنة المتساوية لكل مواطناتها ومواطنيها بغض النظر عن العرق والجنس والدين، دولة تقف على الحياد اتجاه كل المكونات والأفراد وتفصل الدين عن الدولة وتكفل حرية التعبير والمعتقد والإيمان للجميع. حيادية الدولة هذه، التي نطمح إليها ستعمل عليها الحركة مع كافة الأطر والتنظيمات السياسية والمدنية السورية حتى تصبح موضع التطبيق، كي نضمن سوريا وطناً لجميع أبنائه وبناته من السوريات والسوريين.
من الجدير بالذكر أن ما ميّز المؤتمر الثاني للحركة أن العضوات والأعضاء توصلن/وا بسهولة إلى رفض كل أشكال الاحتلالات التي يرزح تحتها كامل التراب السوري، الأمر الذي استدعى رفضها جميعاً والتأكيد على وحدة واستقلال سوريا أرضاً وشعباً. والوقوف إلى جانب المدنيات والمدنيين أينما كانوا على مجمل جغرافية سوريا، حيث أثبت الحل العسكري فشله وضرره بحق المدنيات/ين؛ اللواتي/الذين يدفعن/ون ثمن الحلول العسكرية من حيواتهن/م وحيوات أبنائهن/م وبناتهن/م وأحبتهن/م موتاً وتهجيراً وتفقيراً. حيث تصدر بند نبذ الاحتلالات والمطالبة بخروج كافة الجيوش الأجنبية أول البنود بعد أن تكشفت أن الدول المتدخلة في سوريا تخدم مصالحها بالدرجة الأولى، ومصلحة السوريات والسوريين تتحقق بخروجها جميعاً وتشكيل مجلس حكم انتقالي كامل الصلاحيات وفق قرارات مجلس الأمن 2118 والقرار 2254 وبيان جنيف 1 لعام 2012.
كما خرجت رؤية الحركة ببند واضح بخصوص القضية الكردية والتي ترى أنها قضية سورية بامتياز والسوريات/ين وحدهن/م المخولات/ين بحلها عبر الحل السياسي الشامل، وإلغاء كافة الإجراءات الاستثنائية والتمييزية بحقهم تاريخياً والاعتراف بحقوقهم القومية واللغوية والثقافية والنص عليها دستورياً، بما لا يتناقض مع وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
ولعل الحركة تابعت بنجاح وثبات عزمها على إيصال القضية السورية العادلة بأصوات نسائها السياسيات إلى المحافل الدولية، ولذلك دعت إلى جلستها الختامية ممثلي ومندوبي العديد من الدول وصناع القرار، وقد لبى الدعوة كل من المبعوث الأممي للملف السوري السيد غير بيدرسون ونائبته ومسؤولة ملف المرأة، ومندوبين/ات عن الدول التالية: الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، الدانمارك، بلجيكا، إيطاليا، النرويج، السويد، وكندا الدولة الداعمة للحركة ولسنتين على التوالي. وتركزت مداخلات الجميع حول الدور الهام والأساسي الذي تلعبه المرأة السورية في عملية السلام ومستقبل سوريا.
كما حضرت العديد من المنظمات الدولية، وعلى رأسها شريكتا الحركة في تنظيم النشاطات واللقاءات، منظمة ويلف/رابطة المرأة الدولية للسلام والحرية، ومنظمة فريدريش إيبرت شتيفتونغ.
ولعل أصحاب مقولة “كل أزمة تحتوي على فرص” على حق، فلولا ظروف الجائحة العالمية، لما كان بالإمكان أن يحضر كل هذا العدد الكبير من صناع القرار حول العالم مؤتمر الحركة.
*المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة