هل حقاً خيامنا أماننا؟
- updated: 6 أبريل 2020
- |
*عليا أحمد
مع انتشار فيروس “كوفيد-19” في مختلف دول العالم كانتشار النار في الهشيم، ووقوع المئات من البشر ضحايا لهذا لفيروس التاجي الخطير، كان لابد من إطلاق حملاتتوعية وتحذيرات من منظمات طبية وأممية ودولية وإقليمية، ومن أطباء وإخصائيين عن طبيعة هذا الفيروس ومراحل انتشاره وكيفية الوقاية منه. أصبحنا نرى هذه الحملات في كل مكان على شكل بروشورات ونشرات الكترونية، وعلى مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، بالإضافة للفيديوهات الكثيرة للأطباء للتحذير من خطورة هذا الفيروس اللعين، والتي أصبحنا نحفظها عن ظهر قلب. ربما كان أهم هذه التحذيرات هي ضرورة غسل اليدين بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية من أجل الحد من انتقال الفيروس، وهذا أمر في غاية البساطة، أن نقوم بغسل أيدينا بالماء والصابون، وأن نلتزم بيوتنا وخيامنا. ولكن قبل أن نلتزم بهذه التوجيهات يجب علينا أن نفتش حولنا عن صنبور الماء وعن الصابون، هل يوجد صنبور؟ هل يوجد ماء؟ هل الصابون متوفر؟ كل هذه الأشياء تعد رفاهية بالنسبة لقاطني المخيمات في الشمال السوري.
تعددت الحكومات والموت واحد!
ظهر فيروس كورونا منذ أربعة أشهر تقريباً في مدينة “ووهان الصينية”، وكانت الحكومة الصينية قد اتخذت عدة إجراءات وتدابير للحد من انتشار المرض، بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية التي دعت دول العالم إلى استقصاء الدروس من تجربة الصين في وقف انتشار المرض واحتوائه. تابع المرض انتشاره في دول أوروبا وأمريكا والدول العربية والإقليمية المجاورة لسوريا، أما سوريا، التي لا تنعم بالاستقرار ولا تتمتع بالنظام الصحي المتكامل، هي البلد الوحيد في العالم الذي مازال يعاني أهله من القصف والنزوح والتشريد، وهي البلد الذي يترقب أهله كيف ستقوم حكوماته المتعاقبة بالحفاظ على حياة المواطنات/المواطنين، وتقديم الرعاية الصحية المنصوص عليها في الدساتير القديمة والحديثة لسوريا، ولكل السوريات/السوريين على حد سواء.
نازح من الموت … أم نازح إلى الموت
أدت الحرب الدائرة في سوريا على مدى سنوات إلى تهجير ونزوح آلاف السوريات/السوريين إلى الشمال السوري حيث يوجد أكثر من 3.5 مليون نسمة في كل من إدلب وريفها وريفي حلب الشمالي والشرقي. في هذه المناطق يعيش مئات الآلاف في مخيمات مكتظة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، حيث من الصعوبة تأمين المياه النظيفة، ومن الأصعب تأمين مواد التنظيف والوقاية والتعقيم. في تلك المخيمات يعيش آلاف الناس، وينظرون بعين الترقب إلى هذا الوباء، فنلاحظ عدم اكتراث كثيرين منهم بهذا المرض المعدي، كونهم سئموا العيش في وطن مليء بالمحن والمخاطر.
تعد المخيمات بيئة آمنة لانتشار الفيروس، حيث لا ماء ولا صرف صحي ولا خصوصية للعوائل ولا عناية صحية وطبية.
هنا تقوم النساء بنقل الماء لعشرات الأمتار كي يحصلن على لترات قليلة من الماء، وهنا يتوجب عليهن أن يقتصدن بها، فعملية نقل الماء إلى الخيام ليست بالأمر السهل، ووصول الماء عبر شبكات مياه وصنابير هو أمر في غاية الترف والرفاهية. أما مراكز الإيواء فهي الأشد مأساوية كونها تحتوي على خيام كبيرة (هنكار)، يسكن في كل خيمة أكثر من 60 شخصاً، ينامون ويجلسون ويأكلون سويةً، هذا ناهيك عن الحمامات والمغاسل الجماعية، فكيف يمكن تطبيق الوقاية والحجر الصحي؟
نحن جميعاً نعلم أن درهم الوقاية خير من قنطار علاج، لكن هل درهم الوقاية بالأصل متوفر؟ للأسف حتى هذا غير متوفر، وعلى العكس تماماً، فإن غسل اليدين بالماء والصابون والانعزال في المنزل وتناول الغذاء الصحي هي من أولويات أحلام السوريات/ين وهذا يعد رفاهية بالنسبة لهن/م، أما بالنسبة للعائلات السورية القاطنة في منازل ضمن القرى والمدن والبلدات فهي أفضل حظاً من قاطني المخيمات، كونهم يتمتعون بنعمة الجلوس والنوم تحت سقف إسمنتي، لكنهم أيضاً ليسوا بأفضل حال من بقية السوريات/ين الذين يرغبون بتطبيق العزل، لكنهم غير قادرين على التطبيق كونهم يعملون بنظام المياومة، أي أنهم يعملون بقوت يومهم، وعلى العكس لديهم مخاوف من تطبيق العزل المنزلي، ليسوا لأنهم لا يحبون العناية والاهتمام بصحتهم وصحة أسرهم، ولكن لأنهم غير قادرين على تأمين قوت عوائلهم وأطفالهم في ظل الحجر الصحي، إضافة إلى كونهم غير قادرين على شراء مستلزمات الوقاية والتعقيم.
إجراءات محلية
قامت أغلب المجالس المحلية وسلطات الحكم المحلي بعدد من إجراءات الأمن والسلامة في إدلب وريفيها وريفي حلب الشمالي والشرقي، وذلك كخطوات احترازية للوقاية من تفشي الوباء، فقد تم إغلاق المعابر وتعطيل المدارس والجامعات وتعليق الصلوات ومنع الأنشطة والاجتماعات كما عملت على فض التجمعات، وهناك بعض المجالس شكلت لجاناً للطوارئ كما أهلت فرقاً تطوعية مدربة كخطوة استباقية للعمل على احتواء الأزمة في حال، لا قدر الله، انتشر الوباء. كما قامت منظمات محلية بإجراء حملات توعية عن المرض عبر منصات الكترونية ورسم جداريات تعبيرية للتوعية عن المرض، لكن واقع الحال يفيد أن المجالس المحلية وسلطات الحكم المحلي غير قادرة على تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان مثل قطاع الأفران والمواد الإغاثية وغيرها مما يتسبب بالازدحام والتجمعات وزيادة احتمال انتشار الفيروس.
ماذا عن منظمة الصحة العالمية؟
قيمت منظمة الصحة العالمية الوضع في سوريا على أنه خطير جداً، وأن سوريا على رأس قائمة الدول التي تستحق تقديم مساعدات في هذه الظروف إذ يشكل عدد نازحي الداخل في سوريا الأكبر في العالم وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وأشار ممثل الصحة العالمية في سوريا إلى أن المنظمة قدمت لحكومة النظام السورية 1200 من معدات فحص فيروس كورونا، في حين اكتفى معظم ممثلي منظمة الصحة العالمية بالقلق على الوضع في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وقالوا إنهم يحاولون تقديم وسائل الاختبارات الخاصة بفيروس كورونا في الوقت المحدد.
مع الأوضاع الإنسانية المتردية في الشمال السوري والنظام الصحي الهش، وحركة النزوح المستمرة، والدمار الكبير في المستشفيات والنقاط الطبية يحاول آلاف السوريات/ين توخي الحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من فيروس “كوفيد-19 ” قدر الإمكان. ولكن هذا غير كافٍ، فهذه الجائحة تحتاج تضافر جهودنا جميعاً لإيقاف انتشار هذا الفيروس.
*المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة