أثر الزلزال المضاعف على النساء

 

*لما راجح 

 

عندما وقع الزلزال في تاريخ 6 شباط في كل من سوريا وتركيا، شكّل حينها ما يشبه الصدمة للكثيرات/ين، في ظل تأخر الاستجابة لمساعدة الناجيات/ن، وعدم وجود تحرك سريع سواءً من قبل السلطات أو المنظمات الدولية أو المبادرات المدنية والفردية، ما أدى لتفاقم الوضع الإنساني بشكل عام، لا سيما وضع النساء والفتيات، حيث كانت آثاره مضاعفة.

إذ لجأت الكثيرات من النساء والفتيات للمكوث في الملاجئ أو مراكز الإيواء أو الأماكن المفتوحة مثل الحدائق العامة في كلا البلدين، ما يعد الوصول إلى أماكن آمنة لهن شبه منعدم، وما شكل تهديدات ومخاطر على سلامتهن، وانعدام لخصوصيتهن، بالإضافة لتجاهل أو نسيان هذه الاحتياجات أو عدم إدراك أهميتها. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوضع في سوريا كان أسوأ بكثير مما هو عليه في تركيا، إذ يأتي هذا الزلزال بعد نحو 12 عاماً من اندلاع الثورة السورية وتفاقم الأوضاع الإنسانية، واستمرار القصف وحركات التهجير والنزوح، والأهم من ذلك هو تقاعس المجتمع الدولي في التحرك وإدخال المساعدات عبر المعابر الحدودية.

سماح “اسم مستعار” 38 سنة، أم لأربعة أطفال، كانت تعيش في منطقة كرخان، هاتاي وقت وقوع الزلزال، لديها طفلة تبلغ من العمر 13 عاماً، وعند حدوث الزلزال كانت طفلتها في فترة الحيض، وبعد مضي الساعات الأولى للزلزال، اضطرت سماح لأن تخاطر وتصطحب ابنتها إلى البيت بهدف تغيير الفوطة الصحية، وكان من أكبر العوائق هو وجود مكان آمن لتبديل الفوطة، يتوفر فيه بعض الخصوصية بعيداً عن تجمعات أهالي الحي. وتصف سماح بيتها أنه في الطابق الأرضي ضمن بناء مكون من أربعة طوابق، جدرانه متشققة، وتقول: “كانت من أصعب الفترات على طفلتي، التي اضطرت أن تعيش هذه اللحظات المرعبة في ظل دورتها الشهرية لتزداد المعاناة ضعفين”.

 أما ميساء المحمود عضوة في الأمانة العامة للحركة السياسية النسوية السورية، وعضوة في شبكة الصحفيات السوريات، ومن المدافعات عن حقوق الإنسان وقضايا المرأة، فقد كانت شاهدة على واقع الكثيرات من النساء في الشمال الغربي في سوريا، وتؤكد على انعدام الخصوصية والفصل بين الجنسين ضمن مراكز الإيواء حتى فيما يتعلق باستخدام المرافق العامة، وتقول: “كم هو مرهق على النساء أن يكن متأهبات وبكامل ثيابهن وحجاباتهن على رؤوسهن طوال الوقت ضمن مراكز الإيواء، حتى أن الكثيرات يضطررن لأن يبقين جالسات لفترة طويلة مع عدم توفر أي إمكانية للاستلقاء أو التمدد”.

 

احتياجات النساء ليست رفاهية

عندما بدأت التحركات الدولية والمبادرات في الاستجابة لاحتياجات الناجيات/ن، لم يكن هناك أي إدراك لحساسية النساء والفتيات في كثير من الأحيان، إذ انصب الاهتمام على تأمين المأوى والطعام والتدفئة، وتوزيع السلل الإغاثية، بينما تم التعامل مع متطلبات النساء على أنها رفاهية أو ليست ضرورية في بعض الأحيان كالفوط الصحية والخدمات الجنسية، وما زاد من الطين بلة هو عدم توفر دورات المياه غير المختلطة والنظيفة، إذ وجدت النساء أنفسهن مجبرات على استخدام حمامات عامة في ظل انعدام المياه وانعدام الخدمات، ما شكل عبئاً ثقيلاً عليهن.

كما غابت عن بعض هذه المبادرات مراعاة التنوع الثقافي والإيديولوجي بين النساء، حيث خرجت العديدات منهن مرتديات ثياب البيت، ومنهن المحجبات اللواتي لم يسعفهن الوقت لارتداء حجاباتهن. هنا تبرز أهمية تعميم المنظور الجندري في الاستجابة للطوارئ والأزمات تراعي الاحتياجات الخاصة للنساء بالاستناد إلى النهج القائم على النوع الاجتماعي، كتوزيع نمط ملابس وحجابات ملائم لهن ولثقافتهن وأعمارهن. 

دعاء محمد، 29 عاماً، ناشطة، توجهت لمدينة أنطاكيا في اليوم الثالث بعد الزلزال، تؤكد أنه في الأيام الأولى لم يكن هناك استجابة، حتى للغذاء والماء، وتقول: “بدأت المساعدات تتدفق إلى المنطقة في اليوم الثالث، ومعظمها كانت مواد غذائية وملابس وأحذية، بعد ذلك وبعد وصول عدد كبير من المنظمات والمبادرات والمتطوعات/ين بدأنا نرى في بعض النقاط مساعدات خاصة للنساء كالفوط الصحية والملابس الداخلية”.

مها “اسم مستعار”  35 سنة، من سكان جنديرس في ريف حلب الشمالي، تدمر بيتها بشكل كامل نتيجة الزلزال، ما دفعها مع عائلتها للمكوث في أحد الخيم القريبة من بيتها، تصف مها الأيام الأولى التي تلت الزلزال بأنها كانت صعبة عليها، وما زاد من ثقلها حسب وصفها هو انعدام الفوط الصحية وانعدام المياه، ففي اليوم الثاني للزلزال نتيجة الصدمة التي عاشتها مها جاءها الحيض، لكنها لم تجد أي فوط صحية، نتيجة إغلاق المتاجر، وتقول: “ساعدتني إحدى نساء حي، ممن لم يتهدم بيتها حيث اضطررنا لقص الشراشف من عندها واستعمالها بدل الفوط الصحية… لم أستطع في أحيان كثيرة من تبديل قطعة القماش نتيجة عدم توفرها، وعدم توفر المياه لغسلها”.

نتيجة لتفاقم الوضع الإنساني في سوريا ظهرت بعض المبادرات، منها ما نفذته بعض النسويات من عضوات الحركة السياسية النسوية السورية بالتعاون مع ميساء المحمود، حيث تم توزيع 125 سلة تتناسب مع عمر وظروف وواقع النساء والفتيات في المكوث ضمن مراكز الإيواء في كل من جنديرس وعفرين وإعزاز، تضمن السلة احتياجات صحية وجنسية للنساء، كالفوط والمحارم المعطرة وغيرها من هذه الاحتياجات.

من جهتها شاركت قمر صباغ ناشطة نسوية متطوعة ضمن منظمة “اقرأ” ضمن مبادرة عملت على خلق استجابة للنساء ضمن المناطق المنكوبة في تركيا، حيث تم توزيع 200 سلة في هاتاي و100 سلة في كهرمان مرعش، تقول: “لم يكن هناك استجابة حساسة جندرياً لاحتياجات النساء، ما دفعنا لعمل مبادرة تطوعية، وتم مراعاة توزيع ألبسة داخلية لكلا الجنسين ولا سيما النساء. للحقيقة حتى اليوم تعتبر المبادرات غير كافية في ظل الاحتياج الكبير للنساء، وعندما قمنا في هذه الحملة جاءت نتيجة تأخر الوقت في خلق الاستجابة السريعة للنساء والفتيات”.

كما عملت منظمة “إنارة” على استهداف 1000 امرأة ضمن بعض المناطق المنكوبة في الإصلاحية، وأنطاكيا، والريحانية، وغيرها من المناطق التركية.

تؤكد زارا مصطفى، 27 عاماً، تعمل موظفة في إدارة الحالة ضمن منظمة إنارة، أنها تلقت في بعض الأحيان كلمات شكر من النساء على توزيع الفوط الصحية والألبسة الداخلية لهن، وتصف أن البعض منهن يكن غير مدركات إلى أن الحساسية الجندرية هو حق من حقوقهن.

 

الخطر يلاحق الأجنة 

كان للزلزال آثاره الخطيرة على صحة معظم النساء الحوامل أو اللواتي كن على وشك الولادة، ففي بيان صادر عن صندوق الأمم المتحدة، أشار إلى أن الناجيات من الزلازل في تركيا وسوريا حوالي 344 ألف امرأة حامل، هن بحاجة ماسة إلى الحصول على خدمات الصحة الإنجابية.

ومن بين هؤلاء النساء، 226 ألف امرأة حامل في تركيا، و130 ألف امرأة حامل نجون من الزلزال في سوريا، نحو 38 ألفًا و800 امرأة منهن سينجبن الشهر المقبل.

وفي سوريا، أفاد الصندوق بأن حوالي ستة آلاف و600 امرأة سيعانين من مضاعفات الحمل والولادة، في ظل التوقعات بأن تلد حوالي 44 ألف امرأة في الأشهر الثلاثة المقبلة.

هيفا خليل صحفية، 33 عاماً، لديها طفلة تبلغ من العمر سنتين، كانت على مشارف الولادة في مولودتها الثانية لحظة وقوعه، حيث اضطرت للجوء إلى مرسين مع عائلتها، وعلى الرغم من تلقيها مساعدات مثل الفرش والطعام من قبل أحد المنظمات السورية، لكنها لم تحصل على أي دعم كونها حامل وتقول: “الناس الي كانت عم تقدم مساعدات فهمت منهم أنهم بيشتغلوا باختصاص واحد وهو تقديم الإغاثة، وهاد الشي خلاني ما أطلب أي مساعدة كوني حامل”.

 قررت هيفا مغادرة مدينة مرسين بعدما شهدت هي الأخرى هزة ارتدادية في تاريخ 20 شباط، توجهت إلى ولاية طرابزون التركية، ورغم ترددها وخوفها على نفسها والجنين من أن تلد في الطريق، غير أنها بالفعل قررت المغادرة والتوجه إلى طرابزون، وفي أثناء طريق سفرها، وبعد مضي خمس ساعات جاءها المخاض وهي في أحد الاستراحات على الطريق، وتقول: “للحقيقة الألم النفسي والجسدي الي حسيت فيو كان جديد علي، وما عشته خلال حملي بمولودتي الأولى، كان كتير الوضع صعب وغير متوقع، كنت خايفة يصير معي نزيف على الطريق أو يصير في مشاكل صحية ألي وللجنين، وكمان نتيجة للصدمة الي عشتها بعنتاب وبعدها بمرسين”.

وضعت هيفا مولودتها الثانية في أحد المشافي الحكومي في مدينة قيصري، دون تقديم أي تعامل خاص كونها حامل وأتت من مناطق منكوبة. 

نتيجة صعوبة الوصول لنساء حوامل في سوريا، فقد تم التواصل مع القابلة القانونية آية عربو،21 عاماً، تطوعت لمدة 15 يوماً في أحد النقاط الطبية في جندريس بعد الزلزال، حيث تم إنشاء خيمة كبيرة كاستجابة عاجلة للزلزال، مع تأكيدها أنهن/م لم يتلقين/وا أي دعم من قبل المنظمات المدنية، وكانت الاستجابات عبارة عن جهود شخصية من قبل العاملات/ين هناك، وتقول: “أتتنا حالات عديدة… منها حالات ولادة وإجهاض إسعافية… وحالات انقطاع الطمث بسبب الوضع المرعب أثناء الزلزال… بالإضافة لموت الأجنة في مراحل حمل متقدمة بسبب سقوط الأبنية عليهن… حاولنا قدر المستطاع أن نقوم بعملنا ونساعدهم قدر الإمكان حيث تم تدارك بعض حالات الولادة الإسعافية والإجهاض ضمن خيم”.

من جهتها تنهي ميساء حديثها وتقول: “نحن اليوم بحاجة لعربات مجهزة بالمستلزمات الطبية، بهدف توفير الرعاية الطبية اللازمة للنساء المتضررات من الزلزال ولاسيما النساء الحوامل، أو النساء اللواتي بفترة الحيض والمرضعات وتحديداً بعد أن عشن الصدمة”.

أشار تقرير بعنوان مراعاة النوع الاجتماعي في الحد من المخاطر إلى أن الكوارث تعزز وتعمق وتزيد من عدم المساواة بين الجنسين، ما يجعل الأوضاع أسوأ مما هي عليه بالنسبة للمرأة. وفي نفس الوقت، فإن المساهمات التي يمكن للمرأة أن تقدمها للحد من مخاطر الكوارث غالباً ما يتم التغاضي عنها، كما أن القيادة النسائية لبناء قدرة المجتمعات على مواجهة الكوارث كثيراً ما يتم تجاهلها. 

كما أشار التقرير إلى أهمية تعميم منظور النوع الاجتماعي في الحد من مخاطر الكوارث من المدخل الذي يركز على المرأة إلى المدخل الذي يركز على النوع الاجتماعي، مع الاستناد إلى أن الأدوار والعلاقات بين المرأة والرجل في الحد من مخاطر الكوارث يجب أن يتم تحليلها ضمن السياقات العامة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. 

من هنا تبرز اليوم أهمية التأكيد على القيادة النسائية في وقت الكوارث والأزمات الطبيعية، فمن خلال الجهود النسائية يتم تعزيز المساواة بين الأنواع الاجتماعية، بحيث يمكن أن تؤدي لمزيد من النتائج الإيجابية، وغالباً ما تكون المنظمات والمجموعات النسائية في وضع أفضل لخلق الاستجابة، وتكوين فهم أعمق لاحتياجات النساء على أساس النوع الاجتماعي.

 

ملاحظة: تم استخدام أسماء مستعارة بناء على طلب النساء ممن قدمن شهادتهن، وذلك بسبب عوائق اجتماعية أو أمنية.

 

*كل ما ذكر في التقرير يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية