أحوال الشعب السوري تحت سلطة النظام في ذكرى الثورة

*سحر حويجة

أحد عشر عامًا مضت على انتفاضة الشعب السوري ضد سلطة الاستبداد، وثورته في اتجاه التغيير، دفاعًا عن حقه بالحرية والكرامة والعدالة، وحقه بسلطة تمثله منتخبة بالوسائل الديمقراطية. دفع في سبيل ذلك أثمانًا باهظة، ملايين الأرواح ومئات آلاف المعتقلين/ات والمغيبين/ات قسريًا، وأكثر من مليون معاق/ة، إضافة إلى خسائره في الأملاك والمدخرات. 

انقسم الشعب السوري بين لاجئ/ة ونازح/ة، وارتفعت جدران التقسيم بين احتلالات تقدم الحماية لقوى أمر واقع تتمسك بعروش مصطنعة، سلطات كل همها إعادة زرع الخوف بكل وسائل القمع والتجويع والترويع والحرمان لتتمكن من رسم مستقبل لسوريا على صورتها، وفق مصالحها ومصالح حاميها، بعيدة عن الشعب وتطلعاته.

نعم؛ الخوف هو الوسيلة الوحيدة لاستمرار الحكومات الجائرة، ثار الشعب السوري عندما كسر حاجز الخوف، وواجه كل وسائل تدمير الإرادة والروح، ليقف عاريًا ويعري زيف كل من يدعي تمثيله، من المعارضة أو السلطات الحاكمة أو المجتمع الدولي الذين أثبتوا عجزهم عن تحقيق مطالبه. وهل المطالب تموت أم تبقى حية وتنتظر اللحظة المناسبة للإفصاح عن نفسها؟ وإذا كانت مستويات التقسيم متعددة ما بين مناطق سيطرة النظام، ومناطق سيطرة المعارضات، وتقسيم آخر بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج، مع اختلاف وسائل النضال والشعارات التي تبدو في حالة موت سريري، وبين نظام ومعارضة فشلت في جميع جولات التفاوض من دون تحقيق أي تقدم يذكر، تجاه تسوية الوضع وحل الأزمة، وإن كان النظام يتحمل مسؤولية الفشل بتعنته ورفضه التنازل للقرارات الدولية، متمثلة بالقرار 2254 القرار الذي حصل على توافق دولي وعلى موافقة من السلطة ومن المعارضة، وأصبح الخلاف من أين نبدأ وكيف؟ وإن كانت القضية السورية وفق رؤية المعارضة خرجت من أيدي السوريين/ات وأصبحت في عهدة الدول الفاعلة، هذه الدول التي تعاملت وتتعامل مع الملف السوري كورقة مساومة وضغط فيما بينها، حيث اتجهت منذ بداية الأزمة السورية للاعتراف بإطلاق يد روسيا في الملف السوري، والمراهنة على دورها في الضغط على النظام، لكن روسيا ما فتأت تلتف على القرارات الدولية، التي شاركت في وضعها “مبادئ جنيف 1 ـ القرار 2254” تبعًا لتغير ميزان القوى، بعد التقدم العسكري على المعارضة واستعادة مساحة كبيرة من المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام عبر الهجوم العسكري والتدمير وعبر التسويات والتفاهمات وفق صيغة أستانة، أخذت روسيا بالضغط باتجاه تعويم النظام، واستخدام كل السبل لكسر العزلة وتخفيف العقوبات الاقتصادية عن النظام، لإفراغ القرار الدولي من مضمونه أو تعطيله وإعادة صياغته، وبقدر استجابة المجتمع الدولي لرغبات روسيا وإيران والنظام عبر التفاهمات الثنائية، روسيا أمريكا، أو تركيا روسيا، أو الغرب وروسيا، سوف تنعكس على الملف السوري.

 تمكنت روسيا من سوريا عبر الاتفاقيات الاقتصادية والقواعد العسكرية، لتقطف ثمار ذلك عند إعادة الإعمار، ويقف الحصار الاقتصادي الغربي والأمريكي على رموز ومؤسسات النظام حائلاً دون تعويم النظام، الذي تدعمه بعض الدول العربية الإمارات، الجزائر، الأردن، عمان، لبنان وغيرها من بوابة الجامعة العربية، وتعارضه قطر بدعم أمريكي غربي، وأثناء شد الحبال؛ بين تجاه التعويم ومعارضيه، فتحت روسيا جبهة أوكرانيا لإعادة بناء التوازنات بينها وبين الغرب الذي لا بد ستنعكس تداعياته على الملف السوري، سواءً أثناء الحرب، فسوف يزداد تعنت الأطراف الفاعلة وجمود ملف التسوية على الرغم من الإعلان عن اجتماع اللجنة الدستورية في 21 آذار الجاري، وإن كانت العقوبات التي طالت روسيا والغرق الروسي بالمستنقع الأوكراني، سوف تحول من الاهتمام الروسي وقدراته إلى أوكرانيا وسوف تسقط التفاهمات العديدة المتعلقة بالملف السوري، حيث ترتفع نبرة التصعيد بين المراكز الدولية، وحسب تطور الأحداث إلى أن تنتهي المعركة، وتبدأ المفاوضات. سينعكس الوضع على الملف السوري، إما بتجميده إلى حين انكشاف الأهداف الروسية ووضع حد لغطرستها في أوكرانيا، ومع التصعيد العسكري واستمرار الحرب قد تصبح الساحة السورية مجالاً للضغط و للاستقطاب ضد الوجود الروسي في سوريا، في حال الاصطدام العسكري قد تكون الساحة السورية الحلقة الأضعف. إضافة إلى التداعيات الاقتصادية للحرب على الداخل السوري بانخفاض جديد لقيمة العملة السورية وزيادة الأسعار وفقدان المواد الأساسية، التي سوف تزيد عبئًا إضافيًا لا يحتمل على كاهل الشعب السوري.

تأثير الوضع الداخلي على الملف السوري: 

 القول إن الملف السوري أصبح في عهدة الدول الكبرى، ما هو إلا تعبير مكثف عن حال الجمود في القوى المحركة والضاغطة على الساحة السورية، سواءً على الصعيد العسكري حيث أصبحت القوى العسكرية التي انسحبت وسلمت مواقعها نتيجة التسويات وتفاهمات أستانة ممسوكة من الدول الراعية والحامية، ومحصورة في مساحات غير قابلة للتوسع، أو على صعيد الشارع الصامت بعد عشر سنوات من القمع والتغييب والقتل والتهجير والتشتت. في المقابل بعد إحدى عشرة سنة من الصراع الدامي والحصار الاقتصادي وتدمير البنية التحتية، التي تركت آثارًا عميقة، سواءً على النظام الذي فقد جزءًا كبيرًا من قدرته العسكرية والاقتصادية، وقاعدته الاجتماعية، الأسس التي يقوم عليها النظام، وعلى صعيد الشارع حيث يزداد الاحتقان الذي وصل إلى درجة عالية، وبدأ التململ في الداخل السوري نتيجة الأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة التي تفوق تحمل المواطن/ة. 

 لقد استقالت الحكومة السورية من دورها الداعم، وأصبح تأمين العمل، وتأمين وسائل الحياة الأساسية الكهرباء والمحروقات على عاتق المواطن/ة، وعملت الحكومة مع التجار على التحكم بالأسعار بعد تحريرها، أولاً من خلال ضرائب كبيرة على الاستيراد، بحيث تصل للمواطن/ة بسعر مرتفع جدًا، بمعنى تحميل المواطن/ة عبء ضريبة كبيرة غير مباشرة على الاستهلاك، كما تعمل الحكومة على ابتزاز المواطن/ة، بمزيد من الضرائب والرسوم المباشرة، تشمل كل تعاملاته وحركاته وممتلكاته، وبموجب القانون المالي للوحدات الإدارية رقم 37 لعام 2021 الذي تضمن رسوم سنوية تطال نشاط المواطنين/ات وأعمالهم/ن وأملاكهم/ن لم تكن موجودة من قبل، فرض رسم سنوي على الباعة المتجولين، ورسم سنوي على وضع لوحة إعلانية تعريفية للمحامين/ات وغيرهم/ن، رسم سنوي على مالكي الكلاب، رسوم على ذبح الماشية، وغرامات على المخالفين/ات، ناهيك عن ضرائب مرتفعة من المالية على عمليات شراء وبيع عقار، ضرائب على المساكن المؤجرة…الخ، في الوقت ذاته، تحرم المواطنين/ات من الكثير من الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، لأن الحكومة تدعم الكهرباء لذلك كلما خفضت ساعات وصول الكهرباء يعود بالمنفعة على الخزينة، وهكذا تقطع من لقمة عيش المواطن/ة وسلامته وراحته، لتصب في دعم خزينة الدولة، حيث صار تأمين أبسط حاجات الناس مشروطة، وبالتالي أصبحت المعيشة غير مقبولة ومهينة للإنسان، وتزداد كل يوم أعداد السوريين/ات الذين يلتقطون طعامهم/ن من القمامة، والمواطنين/ات الهائمين/ات في الشوارع كمتسولين/ات، كما تزداد أعداد العائلات بدون مأوى، مع ارتفاع أجرة السكن، فوق طاقة الناس وإمكاناتهم. وكل يوم قرار جديد لرفع الأسعار وتحريرها، ورفع الدعم عن فئات جديدة بما يخص المواد المقننة.

 تحت ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة غير المحتملة، وعندما تستوي الحياة والموت، بل عندما يصبح الموت مطلبًا، حينها يسقط الخوف مهما كانت نتائجه. نعم، بدأ الاحتقان يرتفع إلى أعلى درجاته، الاحتقان هو الذي يفجر الثورات وتزداد الأصوات الخارجة من عباءة النظام، داعية إلى حرية التعبير والاحتجاج ورفض السياسات الجارية.

الوسائل المتاحة للتعبير وحرية الرأي:

شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ما سمي ربيع دمشق، حيث تراجع الاستبداد جزئيًا، وقنن الاعتقال، من دون إجراء تعديلات على القوانين أو الدستور، مهد ذلك أو كان سببًا للانتفاضة، التي تجاوزت فكرة الإصلاح نحو إسقاط النظام، حينها بدأ النظام ببعض الإصلاحات كمحاولة للالتفاف على مطالب الشارع الثائر. 

بقراءة سلسلة التعديلات والقوانين التي صدرت بعد عام 2011، التي كان أهمها إنهاء حالة الطوارئ، في 21 نيسان 2011 بعد شهر من اندلاع الانتفاضة ضد النظام وكان أحد مطالب الحراك الثوري. ثم جاء تعديل الدستور عام 2012 الذي حافظ على موقع الرئيس وسلطاته، لكن تم تعديل بعض المواد الأساسية، حيث تم إلغاء المادة الثامنة من الدستور، التي تقضي بقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، يعتبر إلغاء المادة الثامنة تنازلاً وتلبيةً لمطالب المعارضة والحراك الشعبي، وكان بناءً عليه لابد من إجراء الكثير من التعديلات التي تطال قوانين استثنائية عاقبت على مناهضة النظام الاشتراكي، لكن النظام حاول الالتفاف على ذلك، من خلال دعم حزب البعث بالأموال وتشكيل كتائب البعث وإعطاءه امتيازات باعتباره حزب السلطة، حزب الرئيس. وحافظ على أعداد البعثيين/ات في مجلس الشعب وفق قائمة الجبهة الوطنية، وبقية الأحزاب المنضوية بالجبهة بقي وجودها هامشيًا.

 إضافة الى إصدار مجموعة من القوانين والمراسيم منها: قانون الأحزاب الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 100 لعام 2011، وقانون تنظيم حق التظاهر السلمي الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 54 في نيسان لعام 2011، القواسم المشتركة بين هذه القوانين، أنها ممسوكة ومقيدة بموافقة السلطة التنفيذية، ممثلة بوزارة الداخلية، واستمر دور السلطة التنفيذية، لجهة التوقيف بعد إلغاء حالة الطوارئ الذي يتم باسم الضابطة العدلية، صدرت ثلاثة قوانين لمكافحة الإرهاب رقم 19 ـ 20 ـ 21 لعام 2012، وشكلت قوانين مكافحة الإرهاب أحد وسائل النظام لإخافة المعارضين/ات واعتقالهم/ن، ومحاكمة الناشطين/ات السلميين/ات، ونشطاء/ناشطات حقوق الإنسان، وإدانتهم/ن بتهمة الترويج أو دعم الإرهاب، وفق إجراءات قضائية استثنائية.

 لم تلق التعديلات التي جرت على الدستور والقوانين صدى، في أتون الصراع الدموي وبعد خروج مناطق شاسعة عن سيطرة النظام، إلا عند نخبة موجودة في الداخل السوري كانت تطالب بالإصلاح، حيث تشكلت أحزاب عديدة وحصلت على ترخيص بموجب قانون الأحزاب، وأطلقت على نفسها صفة معارضة، بل أخذت الترخيص بصفتها معارضة، والفرق بينها وبين الأحزاب الموالية للنظام، أنها خارج إطار جبهة النظام، الجبهة الوطنية، أحزاب أكثرها غير معروف، ترشح أحد ممثليها المحامي محمود مرعي عضو حزب الجبهة الديمقراطية المرخصة لرئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2021، وكان أحد مطالبه التي صرح بها أثناء حملته الانتخابية؛ تغيير هيكلية النظام السوري من ديكتاتورية شمولية إلى النظام الديمقراطي، كما ترشح أعضاء من هذه الأحزاب إلى مجلس الشعب في عام 2020 وفشلت في الوصول إلى قبة المجلس، أغلب الأحزاب المرخصة تدعو إلى الحوار بين المعارضة الوطنية والنظام، لوضع حد للنزاع، وتدعو إلى التغيير السلمي باتجاه الديمقراطية، وإلى دولة المواطنة والحريات. وهذه الشعارات والمطالب تذكرنا بمطالب وشعارات المعارضة التقليدية قبل انتفاضة الشعب السوري في عام 2011 الذي طالب بإسقاط النظام.

واقع المعارضة الداخلية المنظمة:

 على الرغم من التقسيم الدارج بين ما يسمى معارضة داخلية وخارجية، أقصد هنا المعارضة التقليدية التجمع الديمقراطي، هيئة التنسيق، وغيرها من تشكيلات معارضة، نجد أن لها تواجد ونشاط وحضور شبه علني، وأشخاصها معروفين بالنسبة للنظام، ويتم غض الطرف عن نشاطهم ضمن قيود يضعها النظام، أو خطوط حمراء، بما يخص الكلام المباشر عن رأس النظام، الذي يتم تحاشي الكلام العلني عنه من قبل رموزها، حيث تم اعتقال المناضل عبد العزيز الخير، على خلفية تصريحه المباشر، نحو ضرورة التغيير وإبعاد رموز السلطة. ولا يختلف الأمر بالنسبة لجود، الجبهة الوطنية الديمقراطية، التي عملت على عقد مؤتمر علني لها في أحد فنادق دمشق، نهاية آذار العام المنصرم، وتم منعه من قبل الأجهزة الأمنية، تحت حجة ضرورة الحصول على موافقة لجنة شؤون الأحزاب، ولن توافق هذه اللجنة بكل الأحوال، لأن أحزاب التجمع الديمقراطي، وهيئة التنسيق لم تتقدم إلى الحصول على رخصة تأسيس لأحزابها.

وعلى الرغم من وجود عشرات الأحزاب سواء المرخصة، أو أحزاب المعارضة التي تغض السلطة النظر عنها، إضافة لآلاف الناشطين/ات في صفوف المجتمع المدني، والمعارضين/ات المستقلين/ات، هناك صعوبات للقاء، أو مبادرة باتجاه تنسيق الجهود لفعل على الأرض، ولو مجرد وقفة احتجاج صامتة، أو تنظيم الجهود، حتى في إطار العمل النقابي والمهني، لتحقيق مطالب لأعضائها/لعضواتها، بسبب غياب الثقة وإلقاء التهم المتبادلة وعصبيتها وانغلاقها، والإحساس بالعجز والخوف إزاء ردود فعل متوقعة من النظام، لمنعها ومعاقبة الداعين/ات لها.

 في الشروط الصعبة للنشاط والاحتجاج، كان الهامش الوحيد المفتوح أمام المجتمع السوري، هو العالم الافتراضي، ووسائل التواصل الاجتماعي، مساحة استغلها المواطنين/ات، كما تستغلها القوى المنظمة، للتعبير عن مواقفها وآرائها، حيال ما يجري في الداخل السوري. اتساع ظاهرة النقد والرفض الشعبي لسياسة الحكومة من قبل الموالين/ات، باستخدام الصوت والصورة في أحيان كثيرة، دفع النظام إلى اعتقال ومحاكمة بعض الشخصيات المحسوبة على النظام من الإعلاميين/ات، ومن عامة الناس، بسبب نشر بوست على الفيس بوك، في محاولة لإسكات وتخويف المجتمع. ولتحقيق هذا الغرض أقدم النظام على طرح مشروع تغيير وتعديل القانون رقم 17 لـ «تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية» بهدف تشديد العقوبات وإحداث عقوبات جديدة ضد مستخدمي الشبكة للحد من حرية التعبير والنقد ضد النظام. 

 السكان ما بين الموالاة والمعارضة للنظام:

عمل النظام منذ بداية الانتفاضة الشعبية، وفي سياق عمليات القمع الدموي على تخويف الشعب السوري أن من يقوم بهذه الاحتجاجات مجموعات سلفية متشددة، وكان هدفه شد لحمة الأقليات وراءه، وتخويفها من انتقام هذه العصابات ضدهم، ولمنع امتداد الانتفاضة إلى مناطق الأقليات وخاصة الطائفة العلوية التي تعتبر المصدر الأساسي للبنية الصلبة العسكرية، حرس جمهوري الفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية، التي تحمي النظام وتدافع عنه. وإن نجح النظام إلى حد كبير بتخويف الأقليات في الساحل لكن لم ينجح في مناطق أقليات أخرى. في مدينة السويداء التي رفض شبابها التجنيد في صفوف النظام ورفضوا الاقتتال الداخلي، وأيضًا في السلمية وقد شاركت هذه الأقليات بشكل أو بآخر في الانتفاضة الشعبية، ومع اتساع عمليات قمع الانتفاضة والاعتقالات والصراع الدموي تحدث النظام عن المجتمع المنسجم الذي حققه، وكأن من يعيش في المناطق الخاضعة للنظام جميعهم/ن موالون/يات وداعمون/ات للنظام، هذا الكلام وجد صدى عند الكثير من معارضة الخارج ومناطق خارج سيطرة النظام، باتهام من يعيش في مناطق النظام أنهم داعمون/ات للنظام.

 لكن ما هي حقيقة وضع السكان تحت سلطة النظام بين المعارضة والموالاة؟ 

بدأ النظام استعادة المناطق التي خرجت عن سيطرته، من خلال القصف الجوي والمدفعي، والاشتباكات المباشرة على أطراف هذه المناطق، في محاولة اقتحامها الفاشلة، وفرض الحصار والتجويع، وقد فشلت كل هذه الوسائل، لكن تهيأ الوضع لإجراء تسويات ومصالحات. 

بمعنى آخر أن أكثر من نصف السكان الموجودين/ات تحت سلطة النظام، هم من المناطق التي خرجت عن سلطة النظام وتم استعادتها، أو نازحين/ات داخليًا من مناطق تعرضت للتدمير، هل يمكن تصور أن سكان هذه المناطق أصبحوا موالاة؟ 

 ريف دمشق والقلمون وريف حمص وحلب ودرعا وغيرها، هذه المناطق التي دمرت أملاكها وقتل أولادها، لا أعتقد يوجد عائلة تخلو من معتقل/ة أو مغيب/ة قسريًا، هل يعقل أن يكون هؤلاء داعمين/ات للنظام؟ وعلى الرغم من صعوبة معارضتهم العلنية، لأنهم سيكونون عرضة لاتهامهم بالإرهاب، لأن القوى التي كانت مسيطرة على هذه المناطق، ما زالت بعرف النظام إرهابية، ومن السهل إلصاق التهم بهم، واللعب على الوتر الطائفي والمناطقي، خاصة في ظل الانعزال والانقسام على أساس مناطقي، وفي غياب قوى معارضة، لها حضور وفاعلية، عابرة للطوائف والمناطقية. 

إن شعبية النظام أخذت بالتراجع، بل تراجعت كثيرًا بين مؤيديه بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، والخسائر البشرية الكبيرة بالأرواح، وعدم الاهتمام بذوي الشهداء وتأمين معيشتهم، والإذلال العام الذي يعيشه الشعب، ومنها مناطق الساحل، حيث الفوضى الأمنية ودور الشبيحة الإجرامي؛ السرقة والخطف والقتل، والانقسامات العميقة في البيت الداخلي للسلطة بين مخلوف وبيت الأسد، وانحسار موجة الخوف من التمدد الطائفي والسيطرة على السلطة من قبل القوى المتشددة، التي أصبحت ممسوكة ومحصورة في مناطق محددة. كل ذلك يشير إلى استعداد كبير لسكان هذه المناطق لانتفاضة ضد النظام.

لا شك أن الواقع السوري الحالي يشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، ويبقى الخوف المترسب واليأس والإحباط من تجربة أحد عشر عامًا مضت، في ممارسة العنف والقتل ضد المتظاهرين/ات السلميين/ات، والاعتقالات التعسفية الواسعة وتغييب المعتقلين/ات، السبب الرئيسي لغياب المبادرة للاحتجاج المنظم الواسع. لكن أي احتجاج مهما يكن شكله بداية سوف يكون له تأثير سواءً على الشارع بامتداد الحراك واتساعه، أو تأثيره على النظام الذي سيفقد قدراته وسيطرته كلما امتد الحراك. إن مبادرة المجتمع في مدينة السويداء للاحتجاج واتساع رقعة الاحتجاجات على مستوى المحافظة، واستخدام كل وسائل السلمية، سوف يشجع مناطق أخرى على التحرك، والاحتجاج الذي نضجت أسبابه، بعد أن وصل الاحتقان إلى الذروة، وأهمية اتساع وامتداد رقعة الاحتجاج حتى تصل إلى مناطق الساحل وهي الأهم في الاحتجاجات، لأنها مصدر القوة الصلبة التي يعتمد عليها النظام، وسيكون موقف النظام محرجًا في حال تحركت مناطق الساحل، مهما كانت مطالب الشارع بسيطة في استخدام القوة العسكرية العارية، خوفًا من انقسام القوى العسكرية المؤيدة له بين النظام والشارع. 

 المهم الإشارة إلى أن النظام سيكون عاجزًا عن حل أزمته الاقتصادية، وتحقيق مطالب المحتجين/ات، لا سبيل أمامه سوى التنازل والولوج في التسوية وفق القرار 2254، لذلك مع عودة الاحتجاجات واتساعها سوف تعود الكرة مرة أخرى إلى الداخل السوري، لتكون رافعة لحل القضية السورية، وإعادة الاعتبار لدور المجتمع السوري في توجيه السياسة والتأثير على مواقف المجتمع الدولي، وعلى مواقف النظام، وعلى مواقف المعارضة، يحتاج ذلك إلى كثير من الجهد، لتنظيم العمل وقيادته وتوجيهه خارج الأطر والانقسامات المناطقية والطائفية.

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية