أصوات نسوية، مقابلة مع آلاء المحمد

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع الصحفية والناشطة المدنية والنسوية آلاء المحمد

إعداد: رجا سليم 

آلاء المحمد، من الجولان أصلاً وكانت تقيم في العاصمة دمشق قبل انتقالها للعيش في ولاية غازي عنتاب التركية. بدأت دراستها في قسم اللغة العربية في جامعة دمشق ثم تحولت لدراسة التمريض وتخرجت، تدرس حالياً في جامعة الأناضول التركية قسم علاقات عامة ودعاية وإعلان. تعمل في المجال الصحفي ومهتمة بشكل كبير بالقضايا النسوية وقضايا المرأة بشكل عام.

1– آلاء المحمد صحفية وناشطة في المشهد النسوي، متى بدأ اهتمامك بالقضايا النسوية؟ ولماذا؟

في الحقيقة كان لدي تساؤلات كثيرة حول وضع المرأة في مجتمعاتنا منذ كنت طفلة، ولكنها بقيت تساؤلات دفينة تراودني وأفكر بها دون مشاركتها، حتى عام 2014، مع بداية عملي الصحفي حينها وبدون تردد وجهت كامل طاقتي لتسليط الضوء على قضايانا كنساء في مجتمعات الشرق البائس. وعندما بدأت أؤمن بالنسوية تكتمت على الأمر لأنني في البداية كنت أخاف من ردة فعل المجتمع، ولأنني حينها لم أكن متعمقة بالفكر النسوي، وطبعًا حتى الآن ما زلت أتعلم وأقرأ وأتثقف في هذا المجال، وحريصة جداً على التعلم من خبرات النسويات القديمات والمخضرمات، كون النسوية  بالنسبة لي نقلة نوعية في حياتي وشاكرة جدًا لهذه النقلة.

2- وهل تزامن هذا الوعي بالنسوية مع عملك بالصحافة أم جاء في مرحلة لاحقة؟

مثلما ذكرت سابقاً جاء في مرحلة لاحقة وبدأت بقراءة كتب ومقالات نسوية وشاركت بتدريبات متخصصة في قضايا متعلقة بالحقوق والحريات والجندر، ومواضيع تصب في جوهر النسوية، ومن الكتب التي أثرت بي بشكل كبير “المرأة والجنوسة في الإسلام” للكاتبة النسوية ليلى أحمد، وكتاب “النسوية السورية مفاهيم وقضايا” للدكتورة ميا الرحبي، وغيرها من كتب لفاطمة المرنيسي ونوال سعداوي، ومجموعة مقالات للعديد من الكاتبات النسويات الحديثات.

بالنسبة لي، كان كتاب ليلى أحمد منفذاً على عالم مليء بالتساؤلات حول النصوص الدينية التي تخص المرأة في الدين الإسلامي، أو بالأحرى أحيا هذا الكتاب تساؤلات كثيرة كانت تدور في ذهني فيما يخص الفقه الإسلامي والذي جاء بالكثير من الأحكام والتشريعات الظالمة للمرأة.

بعد أن أنهيت قراءة كتاب “الجنوسة والمرأة في الإسلام” بدأت أبحث بشكل أكبر في النصوص الدينية سواءً في القرآن أو الأحاديث والتفسيرات له، والشخصيات التي فسرته على مدار التاريخ، والاختلافات بين التفسيرات من شخص لآخر.

حقيقة شعرت أنني أقف على حافة الهاوية عندما تعمقت بهذا الجانب، وخلصت إلى قناعة شخصية بأن الله لم يخلقنِ أقل شانًا من الرجل ولن أصدق تفسيرات فقهية ذكورية كنتيجة حتمية للفكر الذكوري الذي كان يسيطر على مجتمعنا وما يزال حتى الآن.

3- لكِ مشاركات كتابية وتحريرية مع منصات تعنى بالنسوية، وشاركتِ حديثاً بندوة عن التحديات التي تواجه العاملات في الحقل الصحفي والإعلامي، برأيك الشخصي ما هي  أبرز هذه التحديات؟

أكثر التحديات التي أجدها كصحفية هي قولبة الصحفيات في قوالب نمطية كأن يتم تكليفهن بمواضيع مثل الطبخ أو الصحة أو العناية بالجمال أو مواضيع سطحية، وإقصائهن عن العمل الصحفي في مجالات أكثر عمقاً مثل السياسة أو العسكرة أو التحقيقات الحساسة وغيرها.

وأيضًا كصحفية هناك مقولات تزعجني وهي شائعة في الوسط الصحفي، وهي عدم تقدير عمل الصحفيات ودائمًا يتم رد نجاحاتهن إما لمدرائهن أو لأشخاص آخرين، أو إلى أساليب ملتوية، هذا عدا الشائعات التي يتم تداولها حولهن.

ومن التحديات أيضاً، “السياسات الجندرية” التي تعتبر عائقاً في المؤسسات التي تتعامل مع هذه السياسات كبنود على الورق أو للتباهي بين المؤسسات الأخرى وأمام الداعمين، بينما الواقع لا يمت لتلك البنود بأي صلة.

4- عطفاً على السؤال السابق، ما الذي أضافته لكِ تجربة العمل على محتوى صحفي نسوي كصحفية وكامرأة؟ 

العمل على محتوى صحفي نسوي كان تحدياً كبيراً محفوفاً بالمخاطر، ولكنه تجربة غنية رفعت لدي الوعي الكبير بإنسانيتي تجاه نفسي أولاً، وتجاه الآخرين ثانياً، وأصبحت أكثر تقبلاً للآخر المختلف، أصبح تفكيري أكثر عمقًا تجاه المسائل والقضايا المختلفة. وأنا أحاول الآن أن أعمل على محتوى نسوي بعيداً عن الكتابة ولكن يحتاج وقتاً وجهداً كبيرين.

وحقيقة أعتبر النسوية جزء من هويتي وتتقاطع مع تفاصيل كثيرة في حياتي، طفولتي وبيئتي وعائلتي ونشأتي كفتاة من الجولان تعيش في دمشق، وعانت كغيرها من بنات وأبناء الجولان من التمييز والعنصرية، حيث أطلق علينا لقب “نازحة\نازح”، وهذا الأمر جعل نساء الجولان يواجهن تمييزاً مضاعفاً عن غيرهن من النساء الأخريات، حتى أن بعض المجتمعات السورية كانت ترفض أن تزوج أبناءها لفتيات من الجولان.

كما تتقاطع نسويتي مع الثورة، ومرحلة ما بعد الثورة، وعملي الصحفي، وحياتي الأسرية، وعلاقتي مع محيطي وزوجي وابني. خسرت العديد من الأصدقاء بعد أن بدأت أعبر عن نسويتي بكل ثقة وبدون خوف، ولا بأس بذلك، أيضا تقدمت للعديد من الوظائف وخسرت فرص عمل لأنني نسوية، ولا بأس بذلك أيضاً.

5- طرحت إحدى مقالاتك المنشورة مؤخراً سؤال “هل تقضي الحملات العالمية على العنف ضد النساء؟”، برأيك ما الدور الذي تلعبه هذه الحملات عموماً، وفي السياق السوري على وجه التحديد؟

بالتأكيد لها دور كبير في مواجهة العنف ضد المرأة، ولكن يجب أن لا تكون حملات متعلقة بيوم عالمي، وإنما يجب أن يكون هناك زخم إعلامي وزخم اجتماعي في مواجهة العنف لاسيما في مجتمعنا السوري، مع ارتفاع حالات العنف لدينا، خاصة برأيي بوجود ثقافة المجتمع التي تمنح الرجل أحقية ضرب المرأة وتعنيفها وفق المنظومة الدينية.

يجب على المنظمات المعنية بقضايا المرأة، أن يكون لديها فرق إعلامية مميزة وأن تستثمر منصات التواصل الاجتماعي في الترويج لمناهضة العنف، دور الإعلام كبير ودور هذه المنصات أكبر نظراً لوصولها لغالبية الناس أينما تواجدوا ومهما اختلفت ظروفهم المعيشية.

يجب أن تكون قضايا المرأة حاضرة في حياة الأفراد اليومية حتى نكوّن قاعدة شعبية جاهزة لإحداث التغيير في المجتمع.

6- برأيك، كيف يمكن لنساء يعتبرن أن التمييز الذي يتعرضن له أنه أمر طبيعي، وأن أدوارهن تقتصر على الأمومة والتربية لأن طبيعة المرأة وفق الدين والمجتمع تحتم ذلك، أن يتقبلن فكرة الانتفاض لحقوقهن؟

أنا واحدة من النساء كنت أعتقد أن الرجل أفضل من المرأة، وأن هذا الأمر متعلق بالدين ويجب أن أقبل به دون أي اعتراض. النساء في مجتمعاتنا تربين على أنهن “ناقصات عقل ودين وأن للرجال عليهن درجة، وأن جنة المرأة ونارها الرجل، وما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، ونصوص دينية كثيرة فسرت على يد رجال ذكوريين تربوا في المجتمعات الذكورية فأنتجوا فقهاً معادياً للمرأة، وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالدين الإسلامي، أعتقد أن الأمر متشابه في الأديان الأخرى.

إضافة للثقافة المجتمعية التي وضعت المرأة موضع الجارية والخادمة والعبدة والخانعة والطائعة، وأن الذكر أفضل، والأنثى شيطان يحتاج لمن يراقبه حتى لا يرتكب الأخطاء.

حتى إذا نظرنا إلى الأمثال الشعبية التي تتردد على مسامع النساء منذ الطفولة، لدينا مثل يقول “هم البنات للممات” و”عقربتين على الحيط ولا بنتين في البيت”، وأمثال كثيرة وضعت المرأة بمرتبة دونية أقل من الرجل.

هذه الأمور باختصار شديد، جعلت الكثير من النساء يعتقدن أن كل السلوكيات التي تم ممارستها عليهن أمراً طبيعياً، وأنهن يستحقين أن يفعل بهن ما يفعل، وأن من حق الرجل أن يكون وصياً عليهن لأنهن ضعيفات وغير عاقلات. لذلك نجد بعض النساء المعنفات يصبرن على العنف ويخلقن مبررات للمعنف، وأيضاً ينتقدن النساء اللواتي يرفضن هذه السلوكيات.

7- ذكرت في مقال لكِ بعنوان “الحريم والعار: النسوية في مواجهة المجتمع الذكوري” أن النسويات في مجتمعنا  يوسمن بصفات سلبية مثل” منحلات أخلاقياً، يقلدن الغرب، كارهات للرجال”، برأيك ما هي العوامل التي ساهمت بتكوين هذه الفكرة المغلوطة عن النسوية؟

الخوف من فقدان السلطة الذكورية والأبوية، لأن النسوية تحارب النظام المجتمعي الذي يعطي الرجل امتيازات كثيرة على حساب المرأة، ولأنها تشجع النساء على مجابهة كل أشكال العنف النفسي أو الجسدي الذي مصدره في معظم الأحيان رجال، ومجابهة التمييز الجنسي وجميع القوانين التمييزية.

وهناك منتفعين من النظام الأبوي لذلك لا يرغبون بانتشار الفكر النسوي، فيختلقون قصصاً ويفترون على النسويات ومع الأسف هذه القصص تلقى رواجاً في المجتمع.

ولكن هذا الأمر سلاح ذو حدين، أنا أعتقد أن هذه الشائعات الكثيرة التي تم لصقها بالنسويات، دفعت العديد من النساء والرجال لمعرفة ماهي النسوية، وأعرف شباناً كانوا من أكثر أعداء النسوية، لكنهم عندما فهموا فحواها أصبحوا مؤمنين بأحقيتها كقضية وبضرورتها لتغيير المجتمع.

8- باعتقادك، من المسؤول عن تصحيح هذه المفاهيم، وكيف؟

علينا نحن كنسويات ونسويين أن نعمل أكثر مع المجتمع وأن نتواصل معه من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وفعاليات ونشاطات قريبة من الناس ومعهم، والتي من شأنها أن تفتح أبواباً للتفاعل مع القضية النسوية.

ولكن هناك نقطة مهمة أيضاً، ليس بالضرورة أن نقف على كل هذه الشائعات دائماً، لأنها لا تساوي شيئاً أمام الجهود المبذولة من قبل النسويات من أجل إحداث التأثير الإيجابي في المجتمع.

9- غالباً ما تتعرض النساء والنسويات اللواتي يجاهرن بآرائهن، لهجوم وانتقادات. ما هو دور دوائر الدعم المحيطة بالنساء في مواجهة حملات التشويه والكراهية ضد الفاعلات بالشأن العام عموماً وفي الشأن النسوي على وجه الخصوص؟ 

بالتأكيد، لها دور كبير جداً في تجاوز الأزمات التي تسببها ردات المجتمع أو هجوم بعض الأشخاص أو النقد الجارح، وسبق أن تعرضت للكثير من الهجوم والتهديدات لا سيما عندما نشرت مادة تتحدث عن الأحاديث الدينية الضعيفة التي تتحكم بحياة المرأة المسلمة، وصلتني العديد من التهديدات والتحرش والتنمر.

ولكن وقوف زوجي إلى جانبي وعائلتي، وخصوصاً أختي الصغرى، كان ذلك كافياً لأتجاوز كل هذه الصعوبات والمشاكل.

المحيط الداعم هو البيئة الآمنة التي تمنح المرأة ثقة بنفسها وبقدراتها وبمهاراتها، وتعطيها حافزاً للاستمرار وتجاهل كل ما قد يضعف عزيمتها.

10-  من يتابعك على منصات التواصل الاجتماعي يلاحظ جرأتك في نقد ممارسات ومعتقدات مجتمعية ودينية خاطئة بحق المرأة، مثل المهر وتعدد الزوجات، ما تبعات هذه الجرأة على عملك وحياتك الشخصية؟

هذه المنشورات فتحت أبواب النقاشات مع الكثير من الأشخاص من حولي، تعرضت للنقد الشديد من قبل أقارب وأصدقاء، بنفس الوقت كسبت أصدقاء جدد والكثير ممن يتابعونني يتقبلون طريقة طرحي لتلك القضايا الجدلية، وتعرضت للتهديدات في بعض الأحيان.

 أعتقد أنه من حق أي إنسان أن ينتقد ما يجده غير مقنع وغير صحيح، ولا أعتقد أن هناك نص في القرآن حرم التفكير وتحكيم العقل، بل على العكس تماماً، القرآن حث على التفكر واستخدام العقل في العديد من الآيات القرآنية.

عندما تعمقت في العديد من المواضيع الدينية وجدت أن هناك اختلافات كثيرة في التفسيرات الفقهية للنصوص الدينية، وأحياناً يكون الاختلاف جذرياً تماما، ومتعلق غالباً بتفكير الشخص الذي يقوم بتفسيره.

11- انتقدتِ في منشور على منصات التواصل الاجتماعي السياسات التمييزية التي تتبعها معظم المؤسسات مع الموظفات وخصوصاً من تقرر منهن الزواج أو الإنجاب. ما هي سبل إلزام المؤسسات بقوانين توظيفية عادلة جندرياً؟ 

الحل هو إيجاد نظام محاسبة يتم اعتماده من قبل المؤسسة بحد ذاتها، ومن قبل المؤسسات الداعمة والكيانات والسلطات التنفيذية الناظمة للعمل المؤسساتي واللوائح التنظيمية الخاصة بها (لكل مؤسسة وفق المكان الموجودة فيه).

ونقطة مهمة جداً، هي اختيار أرباب وربات العمل في المؤسسات، لأنني من خلال تجربتي العملية كنت أجد في المؤسسات قوانين جندرية جيدة جداً، ولكن لا يتم تطبيقها من قبل مدراء العمل وتبقى حبراً على ورق.

12- من خلال تجربتك، ما هو هامش الحرية المتاح للنساء للتعبير عن آرائهن؟ وهل تعتقدين أن الأصوات النسوية تتمتع بحرية أكبر وحضور أقوى اليوم في منصات الإعلام السوري “البديل” إن صح التعبير، كيف؟ 

بالنسبة لما آراه من حولي فيما يخص النسويات السوريات لا أعتقد أنهن يمتلكن كامل الحرية دائماً، لأننا نقع في بعض الأحيان في فخ المجاملة وحجج بعض النسويات أنهن يردن كسب أكبر عدد من الداعمين للقضية النسوية.

أنا مقتنعة أن هناك مواقف تتطلب أن نجامل بها، ولكن فيما يتعلق بالحقوق لا يجب أن نجامل، وعلينا أن نطالب بالحق بصوت قوي وواثق. بالنسبة لحضور النسويات في مواقع التواصل الاجتماعي، فهو غير كاف حقيقة ولا يفي بالغرض وهناك مشاركات خجولة، يجب أن يكون الحضور قوي وأن نأخذ مواقع التواصل الاجتماعي بجدية لما لها من تأثير كبير على المجتمع.

13- رغم الاختلافات إلا أن قواسم مشتركة كثيرة تجمع النسويات السوريات، برأيك هل يمكن لهن استغلال هذا التقارب والاستفادة منه للانخراط والتأثير بالمشهد السياسي؟ كيف؟ 

الاختلاف يخلق الإبداع ويعزز الإصرار ويحفز على الاستمرار في بذل الجهود، والاختلاف يجعل النسويات قادرات على استخدام استراتيجيات متنوعة للتغلب على الحواجز التي يخلقها النظام الأبوي.

أنا أرى أن العديد من النسويات السوريات ناضجات سياسياً وقادرات على التفاوض والتباحث من أجل نزع الحقوق، ولكن من المهم التركيز على أولويات النضال النسوي في السياسة.

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية