أصوات نسوية، مقابلة مع آلاء عامر

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع الصحفية والناشطة المدنية والنسوية آلاء عامر

إعداد: رجا سليم

آلاء عامر، خريجة قسم الإعلام جامعة دمشق، تولد مدينة دمشق، غادرتها إلى مدينة اسطنبول التركية منذ عام ٢٠١٣، صحفية ومقدمة برامج، مهتمة بالشأن النسوي وبكل ماله علاقة بتطوير مفهوم الحرية في المجتمع بما في ذلك حرية الجسد، لذلك قامت بإعداد وتقديم برنامج “خاكي” على قناتها على يوتيوب الذي ربطت فيه بين حرية الجسد والأدلجة الديكتاتورية. 

مرحباً بكِ آلاء،


1- كيف تصفين سنوات نشأتك كفتاة\امرأة في بيئتك المحيطة؟ وكيف كان واقع النساء السوريات عموماً حينها؟ 

نشأت في أسرة دمشقية ذات مستوى مادي أعلى من المتوسط، كنت أتمتع بقدر من الحرية مقارنة ببنات جيلي، ولكن ذلك لا يمنع أنني كنت أعيش ذات المحاذير التي تتعلق بالحرية الجسدية والفكرية أو حتى بالقدرة على التمرد على الحدود التي يرسمها المجتمع الدمشقي للنساء فيه.  واقع السوريات كان في حالة خمول، لا أذكر أنه كان للحركة النسوية نشاط ظاهر وقوي، فالمجتمع المدني بكافة مظاهره كان مغيباً بالكامل. 

 2- كيف تصفين واقعهن اليوم؟ ما الذي تغير، ولماذا برأيكِ؟

 لم تنجح الثورة بإسقاط نظام الأسد أو بتشكيل نظام ديمقراطي مدني، لكنها نجحت في إحداث ثغرات وتصدع في جدار النظام الأبوي، وفي المفاهيم التي كانت تعتبر من المسلمات، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت للنساء مساحات آمنة مكنتهن من التعبير، وتبادل الآراء والنقاش، الأمر الذي لم يكن متاحاً في السابق. تتمتع السوريات اليوم بقدرة ومساحة على التعبير عن مشاكلهن وقضاياهن، كما أن وعينا كسوريات بحقوقنا صار أعلى، وأصبحت لدينا القدرة على الاطلاع على الحركات النسوية في الغرب وعلى التجارب المشابهة لتجاربنا وعلى القراءة لنسويات أحدثن تغييراً في مجتمعاتهن. 

3– آلاء عامر صحفية وناشطة في المشهد النسوي، متى بدأ اهتمامك بالقضايا النسوية؟ وهل تزامن مع عملك بالصحافة أم جاء في مرحلة لاحقة؟

أعتقد أنني نسوية بالفطرة، ولكن لا شك أنني شأن الكثير من السوريات، تفتح الوعي النسوي لدي بعد الثورة، وأخذ شعار الحرية الذي نادينا به خلال الثورة شكل الحرية من القيود الذكورية. 

انخراطي بالعمل النسوي أتى في مرحلة لاحقة بعد مزاولة العمل الصحفي وتحديداً بعد الثورة.

4- لكِ مشاركات كتابية وتحريرية مع منصات تعنى بالنسوية، هل تعتبر الكتابة النسوية حديثة العهد في الصحافة السورية، كيف تصفين العمل على محتوى صحفي نسوي؟ وما هي أكبر تحدياته؟  

نعم الكتابة الصحفية النسوية السورية حديثة العهد لكنها رغم ذلك ناضجة وثرية وغنية، العديد من النسويات لجأن إلى ترجمة نصوص لنسويات عالميات، والعديد أيضاً من النسويات السوريات لجأن إلى كتابة تجاربهن الخاصة، والعديد منهن أجرين مقاربات بين التجربة النسوية السورية والتجربة العالمية.

 أعتقد أن الصحافة النسوية السورية تتطور بشكل سريع وثري وذلك لأن الثورة ساعدتها على التحرر من الثقل الذكوري الذي كانت راسخة تحته.

أكبر التحديات هي الحدود التي ترسمها المواقع ومنصات النشر حتى في الإعلام البديل مساحة التعبير النسوية محدودة، بالنسبة لي أطالب برفع سقف الحرية، فعلى سبيل المثال مازال التطرق إلى المواضيع الدينية في بعض المنصات النسوية تابو أو محرم علينا الالتفاف حوله بدل نقاشه والتطرق لدورها السلبي في حياة السوريات.

5- في مقال لك بعنوان “هل الحركة النسوية السوريّة مستجدة وغريبة عن المجتمع؟” ربطتِ خمول الحراك النسوي باستبداد نظام الأسد، كيف يؤثر المناخ السياسي على الحراك النسوي عموماً وفي الحالة السورية على وجه الخصوص؟

النسوية حركة حريات لا يمكنها أن تنتعش في ظل مجتمع عسكري قمعي ذكوري، آخر ما يتمناه الأسد أو أي ديكتاتور آخر هو تقوية الحركات المدنية المطالبة بالحريات، ولذلك عمل على تحطيم بذور النشاطات النسوية السورية التي ظهرت في بداية التسعينات، ولجأ إلى تكبيل المجتمع بسلسلة من النقابات والمنظمات المرتبطة كلها بحزب البعث الحاكم، وحدد أحلام المواطنة والمواطن بالحصول على قوت يومهن\م. التفكير بالحريات الفردية أو المجتمعية عقوبة تستحق الموت في سوريا الأسد، لذلك خملت الحركة النسوية وكذلك جميع النشاطات والحركات المدنية. 

6- هناك فئة من النساء المؤمنات بالنسوية لكن يتجنبن التعريف بأنفسهن على أنهن نسويات، ما هو التصور العام عن النسوية برأيك؟ ولماذا توسم النسويات في بعض المجتمعات بصفات سلبية؟  

مع الأسف توسم المرأة النسوية في مجتمعنا بأوصاف تنال من شرفها، كونه مجتمع يقسم الشرف والعار على أفراده وفق التزامهن\م بمعاييره الذكورية، لكن التمرد يحتاج إلى قوة خاصة ضمن مجتمع ذكوري بطركي يعتبر التمرد النسوي كفر بعادات القبيلة، فالنسوية قوة  تفتك  بالمجتمع الذكوري لذلك يلجأ هذا المجتمع إلى وسم النسويات بالشتائم والألقاب المؤذية خوفاً من تفشي النسوية بين نسائه، ولكن لا أعتقد أننا كما كنا سابقاً فالشتيمة لم تعد تخيفنا بالعكس هي دليل على إفلاس الآخر وخوفه. 

7- من يتابعك على منصات التواصل الاجتماعي يلاحظ جرأتك في نقد ممارسات ومعتقدات مجتمعية ودينية تعتبرينها خاطئة بحق المرأة، هلا أعطيتنا أمثلة عن هذه الممارسات وكيف ساهمت بالتضييق على النساء؟ 

لا شك أن الأديان ساهمت في تثبيت السلطة الذكورية وجعلتها مقدسة، فالمرأة في الأديان الإبراهيمية الثلاثة مظلومة وغير قادرة على التمكن، بداية من  كونها ضلع الرجل فهي الفرع وليس الأساس مروراً بسلطة القوامة الممنوحة للرجل، وبتعدد الزوجات وتقسيم الميراث، وتفاصيل عقود الزواج والطلاق…الخ، كلها ممارسات تكبل حرية النساء وتمنعنهن من التمكن.

8- من خلال تجربتك، ما هو هامش الحرية المتاح للنساء للتعبير عن آرائهن؟  وهل تعتقدين أن الأصوات النسوية تتمتع بحرية أكبر وحضور أقوى اليوم في منصات الإعلام السوري “البديل” إن صح التعبير، كيف؟ 

كل امرأة تحدد هامشها وفق قوتها، أصبحنا اليوم في فضاء مفتوح والحرية تؤخذ لا تعطى، لاشك أن الإعلام البديل ساهم في توسيع هامش الحريات، فعلى سبيل المثال عندما يصبح الحديث عن “الدورة الشهرية” موضوعاً مطروحاً في فيديوهات ومقالات عديدة يتحول من موضوع مرتبط بالعيب إلى موضوع بيولوجي طبيعي، لا أعتقد أن ذلك كان سيحدث لو أن الإعلام التقليدي مازال مسيطراً على المشهد.

9- خلال مقابلاتنا مع عدد من السوريات والسوريين، وصف معظمهن\م مشاركة النساء في الأجسام السياسية التي تشكلت بعد الثورة في سوريا بالخجولة، وغير الكافية، ما رأيكِ؟ وما الذي أعاق تحقيق مشاركة أفضل للنساء؟

نعم أوافق أن المشاركة خجولة، الذي أعاق النساء أن معظم الكيانات السياسية المعارضة ذكورية وناتجة مع مجتمع ذكوري مريض، لا أعتقد حتى أنها كيانات سياسية ناضجة بالأساس، التجربة السياسية السورية مازالت يافعة ونحن حرمنا، نساءً رجالاً، ولسنوات طويلة من تشكيل كيانات أو أحزاب سياسية  أو من المشاركة في الحياة السياسية. برأيي لا تختلف الكيانات السياسية المعارضة كثيراً عن الكيانات السياسية للنظام، ولكن على النساء القادرات على المشاركة والتأثير ألا ينتظرن أن يُمنحن فرصة المشاركة بل أن يأخذن فرصهن لأنها من حقهن ومن حقنا كسوريات وسوريين أن تمثلنا النساء في المحافل الدولية.

10- رغم الاختلافات إلا أن قواسم مشتركة كثيرة تجمع النسويات السوريات، برأيك هل يمكن لهن استغلال هذا التقارب والاستفادة منه للانخراط والتأثير بالمشهد السياسي؟ كيف؟

أنا سعيدة حقاً بالتجمعات الثقافية أو السياسية النسوية السورية وهي مؤشر على أننا نسير على الطريق الصحيح، نتعثر كثيراً ونسقط كثيراً لكننا نتابع السير، وأتمنى أن يكون هناك دعم لتمكين النسويات السوريات سياسياً، الكثير من النسويات السوريات وأنا واحدة منهن عكفن عن المشاركة بالشأن السياسي لشعورنا بالإحباط وبعدم القدرة على التغيير في المشهد السوري المعقد، والذي من الواضح أن مفاتيح عقده عند كيانات دولية كبيرة، ولكن لا شك أن نثر بذور التغيير ولو على مستوى ضيق سيشجع الكثيرات. 

 11- لا يخفى على أحد أن المشهد السياسي السوري، وهنا أقصد الطرف المعارض، ليس بأفضل حال، وهذا سبّب الإحباط لكثير من السوريات والسوريين المؤمنات\ين بقيم الثورة وبالعمل السياسي المستند لتلك القيم، برأيكِ كيف يمكن إعادة توجيه بوصلة العمل السياسي؟ أين مكامن الخلل؟

الخلل في عدم تمتعنا بالنضج السياسي بسبب حرماننا من المشاركة في الحياة السياسية، وبأن الكيانات المعارضة هي ابنة النظام ولو أنها معارضة له لكنها لا تختلف عنه كثيراً، نحن بحاجة إلى تدريب وتمكين سياسي، وإلى جو إيجابي يشعرنا أننا قادرات على إحداث فرق، لأن السياسة غير المجدية تحرق السياسي/ة وتجعل الشعب المنكوب يصب غضبه عليه/ا، ولذلك أعتقد أن كثيرات يحجبن عن الخوض في هذه التجربة رغم الحاجة إليها.  

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة