أصوات نسوية، مقابلة مع ربى بلال



أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع الناشطة النسوية والسياسية ربى بلال

إعداد: رجا سليم 



ربى بلال من مدينة دمشق، انتقلت إلى بيروت عام 2012 ثم غادرتها في عام 2016 إلى مدينة تورنتو في كندا من خلال برنامج إعادة توطين اللاجئات/ين السوريات/ين حيث تقيم مع عائلتها. مختصة في مجال الإدارة والحوكمة وتنفيذ المشاريع، تعمل حالياً بشكل تطوعي كمستشارة لبعض المنظمات غير الربحية في كندا، إلى جانب عملها في مجال إدارة الأبنية والتجمعات السكنية. عملت مع أكثر من منظمة وتجمع على تطبيق مشاريع في الداخل السوري لدعم الناشطات والناشطين بعدة مجالات.

أهلاً بكِ ربى،

  1. ربى من النساء اللواتي تحدّين المجتمع بطرح أسئلة حول الذكورية ووضع النساء قبل انطلاق الثورة بكثير وفي وقت لم تكن هذه القضايا مُثارة مثل اليوم، حدثّينا عن تلك المرحلة، كيف ولماذا اخترتِ مواجهة المجتمع؟

كنت دائما ثائرة ضد عادات مجتمعنا، لم أشعر يوماً بالانتماء لحالة المرأة الضعيفة والمسيّرة من قبل الجميع مع أني اضطررت أن أُختبر تجربة زواج سيئة جداً حين كنت في سن الـ17 واتخذت قرار الانفصال بعد 3 سنوات ومعي ابني ذو الأربعة أشهر. قررت الانفصال لإحساسي بالعجز والضعف، اتخذت هذا القرار وأنا أحلم أن أكون منتجة وناجحة وحرة من كل أشكال التحكم. 

كما تعرفين كامرأة في بلدنا نسمع الكثير من القصص والمآسي من صديقاتنا وقريباتنا، لطالما كان يشعرني الموضوع بالغضب والألم، لكني كنت في تلك الفترة مدركة بأن الحل بأيدينا نحن كنساء وليس بيد الرجل والمجتمع. نحن بحاجة لأن نكون جريئات وجاهزات للعمل والتضحية بالرفاهية المقدمة من الرجل إن كان زوجاً أو أباً أو أخاً أو غيرهم. قررت المضي في هذا الطريق وكنت أحقق الكثير مما كنت أحلم به. في فترة الألفينات عندما دخلت خدمة الإنترنت إلى سوريا، بدأت المشاركة بمنتديات ثقافية وسياسية، كانت تجربة جديدة جداً لنا كسوريات وسوريين نناقش فيها مواضيع الدين والمرأة والمجتمع والقليل جداً من السياسة. تعرفت على مجموعة من الشابات والشباب الذين يمتلكون نفس المفاهيم والجرأة في الطرح، أصبح لنا هامشاً أكبر من المعرفة والتواصل والقليل من الحرية والمساحة البسيطة التي تتيح لنا التعبير عن آرائنا ومشاعرنا وأفكارنا. كانت تجربة جميلة تعلمت منها الكثير. أنشأت أنا وصديق لي منتدى حر (هلوسات) بعد أن تم إقصاؤنا من أغلب المنتديات العربية بسبب جرأة طرحنا لمواضيع تخص الدين والمرأة والسياسة. ثم بدأت مشاركة بعضاً من تلك الأفكار ونشرها في مواقع عربية، تعرضت بعدها للكثير من الهجوم ومحاولة تشويه سمعتي واتهامي بالفجور. الحقيقة لم تسبب لي الحالة أي خوف أو تردد بل على العكس زادتني تصميماً وخصوصاً أني بدأت بتحقيق بعض الأهداف في حياتي الشخصية وكنت محصنة بقوة شخصية جعلتني لا أخاف من المجتمع. عائلتي كانت داعمة لقراراتي هذا ما سهل طريقي وسندني في حربي مع المجتمع. وهنا أود التأكيد على أهمية وجود دعم للنساء من أجل تحصيل حقوقهن المسلوبة فإن لم تكن العائلة هي مصدر هذا الدعم، فمن الممكن أن تكون شبكة الصديقات والأصدقاء أو مجموعات معينة تساعد وتدعم المرأة للتخلص من التبعية للرجل إن كان زوجاً، أباً أو أخاً. 



2. من تجربتكِ، ما هو الفرق بين الحراك النسوي السوري في مطلع الألفينات واليوم؟ ما التحديات التي اختلفت وهل من مكاسب تحققت لصالح النساء؟

من المؤكد أن حصول الثورة وانفتاحنا على العالم من خلال الإنترنت وفهمنا أكثر للحريات وتجارب البلاد الأخرى، قد طور مفهومنا للنسوية بشكل أكبر وعرّف شريحة كبيرة على هذا المفهوم الذي كان غائباً في الأساس، في مطلع الألفينات كان الحديث يقتصر على حقوق المرأة الأساسية، لم يكن مفهوم النسوية معروفاً في مجتمعي، كانت المرأة تحاول الحصول على أدنى حقوقها (وما زالت) وكان الحراك محصوراً بتجمعات نسائية صغيرة ومحاولات لتغيير بعض القوانين الظالمة بحق النساء، التي لم نستطع لليوم تعديلها، وكان هذا الحراك تحت جناح النظام. اليوم وبعد انطلاق الثورة وخلق هامش حرية أكبر للنساء باتت الأفكار والطروحات والمحاولات أهم وأكبر وأعقد بكثير. الثورة ساعدت على لفت النظر لقيمة المرأة وما قدمته خلال الثورة في جميع المجالات، ساعدت بكسر القيود وإظهار جوانب قوية وملحوظة ومهمة، كما طورت مفهوم النسوية وأصبحت خطواتنا باتجاه إرساء قواعد العمل النسوي أسرع، لا شك أن الدعم الدولي والتركيز على دعم المرأة ساعد أكثر بإيصال أصوات النساء ومشاكلهن وتطلعاتهن، مع ذلك يجب الاعتراف أننا لم نحصّل الكثير من الميزات وأن الطريق طويل جداً، إلا أنها مرحلة تأسيسية مهمة لربط حرية المرأة مع مفهوم النسوية ومع الحرية السياسية وحقوق الإنسان.

3.   ساهمتِ بتأسيس وبالعمل مع عدة منظمات غير ربحية في بدايات الثورة، كيف تصفين هذه التجربة في بداياتها؟ وكيف تقيمين أثر هذا النوع من العمل، الجديد نسبياً في السياق السوري، على أرض الواقع اليوم؟

سؤال جداً مهم وشائك. لا يخفى على أحد أن العمل المجتمعي كان شبه معدوم قبل الثورة، ولا يوجد خبرات مهنية بين الناشطات والناشطين السوريات/ين لإدارة مشاريع وأزمات في جميع المجالات. إلا أنني أرى أن ما قامت به السوريات والسوريين في هذا المجال ضخم جداً ومهم ويجب علينا اليوم النظر إليه بفخر. كمية العمل التطوعي، والانفتاح على التعلم، والحماس، والتشبيك كلها جهود عظيمة برأيي بناءً على المعطيات في أوائل سنوات الثورة. المجتمع المدني السوري تحمل مسؤولية ضخمة بموارد محدودة وكوارث مستمرة إلا أنه وعبر ناشطاته وناشطيه والفاعلات والفاعلين فيه قدم الكثير في السنوات الأخيرة وساعد بكافة المجالات. كما هو معروف أن المجتمع المدني في الحالات الطبيعية يعمل على دعم استراتيجية الدولة ويقوم بتطبيق مشاريع لمساعدتها للوصول للأهداف المخطط لها ضمن ميزانية الدولة، إلا أن الوضع السوري كان مختلف جداً فالمجتمع المدني كان مضطراً لأن يقوم بمقام الدولة بشكل كامل تقريباً دون وجود دعم كافي أو خبرات أو تسهيلات مصرفية أو إرادة دولية واضحة ضمن ظروف حرب شرسة ضد المدنيات والمدنيين وكل جوانب العمل المدني، علاوة على ما تم ذكره، كان على المجتمع المدني أيضاً العمل مع منظمات المجتمع المدني الدولي وضمن شروطهم وقراراتهم السياسية واستراتيجياتهم وميزانياتهم، بغض النظر عن الاحتياجات الحقيقية للسوريات والسوريين في ذلك الوقت. ومع ضعف المعارضة السياسية أصبح عمل المجتمع المدني شبه مستحيل.

 اليوم إذا نظرنا إلى كمية العمل المنجز ضمن الشروط المتوافرة فإني أرى أننا قمنا بجهود جبارة حيث عمل المجتمع المدني على خلق، ليس فقط مشاريع ومنظمات، بل أيضاً تطوير مبادئ ونقاشات وأهداف جديدة وفي جميع المجالات من طبابة، ودفاع مدني، وحقوق، وفرص عمل، وتعليم، وثقافة، وإعلام والكثير غيرها. لا شك أن الكثير من المشاريع والخدمات لم تكن ناضجة أو مكتملة أو لها أثر واضح إلا أن تقييمنا لما قمنا به في تلك الفترة يجب أن يضع في الحسبان الموارد المتوافرة والوضع الكارثي الذي كنا وما نزال نمر به.

هذا لا ينفي أن العمل في المجتمع المدني السوري بحاجة للكثير من التطوير، فنحن مازلنا نمارس العمل الإداري بشكل عشوائي وبناء على رغبات الداعم وفي الكثير من الأحيان دون تطوير آليات عملنا وخبراتنا وفريقنا. لا أقصد نوعية المشاريع وآلية التطبيق فقط بل أيضاً إجراءات الحوكمة والشفافية وتطبيق السياسات والقوانين واحترام حقوق الموظفات والموظفين في هذا المجال. أستطيع فهم هذه الحالة سابقاً إلا أننا اليوم وبعد عشر سنوات من العمل المجتمعي وتعرضنا للكم الهائل من التدريبات والموارد والخبرات يجب أن نكون قد تطورنا كإداريات وإداريين وخلقنا بيئة أفضل لمجتمعنا المدني. برأيي الشخصي أن أول وأهم مهارة ما زلنا نفتقدها هي العمل كفريق، مازلت أرى فردية وشللية في الكثير من منظمات المجتمع المدني وهذا ما أدى إلى فقدان ثقة المجتمع بهذه المنظمات على الرغم من الجهود المبذولة.



4.   رغم انخراطك بالحراك الثوري والنسوي إلا أنك وفي حديث بيننا أخبرتني أنك اخترتِ الابتعاد عن ساحة النشاط ومراقبة الوضع عن بعد. لماذا قررتِ الابتعاد؟ وما تبعات هذا القرار على حياتك العملية والشخصية اليوم؟

الوضع الثوري بشكل عام اليوم معقد وفيه انكسار وغضب، نحن مجتمع منهك ومحبط لأبعد الحدود وهذا طبيعي لما مررنا به من خذلان وسوء إدارة من قبل السياسيين جميعاً، تحول النشاط الثوري اليوم لخلافات شخصية وشللية وابتعد عن الهدف الرئيسي لعملنا كناشطات\ين وفاعلات\ين. من أحد مساوئ عمل المجتمع المدني هو تحويل الناشطات\ين والفاعلات\ين إلى موظفين وموظفات يعملن\ون لتحصيل راتب شهري يساعدهن\م على النجاة والاستمرار، وأنا هنا لا أنتقد هذه الحالة أبداً ولا ألوم أي شخص مازال يعمل في هذا المجال، بل على العكس أشعر بالتعاطف معهن\م وأحيي إصرارهن\م لتحمل الوضع الحالي، والعمل ضمن ظروف خالية من أي ضمانات لمستقبلهن\م وتعرضهن\م لانتقادات مستمرة. أنا من الأشخاص الذين قرروا أخذ استراحة من العمل المجتمعي المباشر حتى أستطيع التطور والتعلم وبناء خبرات جديدة، وإعطاء مساحة لي شخصياً للاستقرار في بلدي الجديد حيث أننا جميعاً منفيون ولدينا أيضاً الكثير من المسؤوليات العائلية والمشاكل النفسية التي أثرت علينا وعلى طريقة تفكيرنا وإدارتنا لعلاقاتنا مع بعضنا. ابتعدت أيضاً لإحساسي باختفاء الأثر الحقيقي لما نقوم به كناشطات\ين ومنظمات بسبب مقتل الثورة الشعبية بشكل عام وعدم وجود رؤية واضحة للمستقبل، طبعاً أنا لا أتحدث هنا عن منظمات العمل الإنساني التي مازالت تساعد الناس في الداخل والخارج للنجاة، بل أقصد العمل الثوري الذي بدأنا به منذ عشر سنوات.

أما عن الحراك النسوي فعند ابتعادي عن نطاق العمل الثوري والمنظماتي لم يكن هنالك بعد وجود لأجسام نسوية واضحة المعالم ومنظمة، كانت مشاريع صغيرة ومنظمات تعمل لدعم المرأة بشكل خاص ولا تحمل حساً نسوياً بالضرورة، حتى نحن كناشطات لم نكن نتعامل ونمثل النسوية كقيم وأسلوب لدعم بعضنا، بل كانت طريقة التعامل محكومة في كثير من الحالات بالعلاقات الشخصية وسياسات الداعمين، فنحن مازلنا مبتدئين في هذا المجال الضخم كأفراد وكمجموعات.

5.   عطفاً على قرار ابتعادك عن العمل النسوي والسياسي، مازال الحراك النسوي السوري في طور النمو، وأمامه عقبات كثيرة وبحاجة للدعم في مواجهة مجتمع قائم على الذكورية بكل مفاصله، ألا ترين أن ابتعاد أصوات ناشطة وتمتلك أدوات التغيير يجعل مهمة التغيير أصعب؟ 

مخاوفك حقيقية وهذا ما حصل مع معظمنا كناشطات وفاعلات بشكل عام وأنا بشكل خاص. أجل أشعر بالندم أنني لم أكن جزءاً من بناء المجموعات النسوية المتواجدة الآن إلا أنني أتابعهن بشغف وأراقب خطواتهن باهتمام. الحقيقة منذ وصولي إلى كندا وانخراطي بالمجتمع الكندي من نسويات ومنظمات وفهم الحقوق المكفولة دستورياً للمرأة، تكونت لدي أبعاد جديدة وفهم جديد لمعنى النسوية، بدأت أشعر بأثرها وأستمتع بنتائجها بشكل ملموس، هذا أعطاني دافعاً أكبر لدعم الجهود النسوية الفردية وفهم معنى الدعم النسوي وتقدير أهميته. أود التأكيد على أن نشاطي وفاعليتي بالشأن النسوي لم يتوقف، فأنا دائماً أحاول تقديم الدعم النسوي لكن في دائرة محيطي الصغيرة، ضمن عائلتي، صديقاتي وأصدقائي، زميلاتي وزملائي. ما توقفت عنه هو العمل الجمعي فقط. مؤخراً أرى الكثير من الجهود التي تقوم بها السوريات في هذا المجال وأشعر بالأمل رغم أننا مازلنا في خطواتنا الصغيرة الأولى إلا أنني أراها خطوات مهمة وثابتة.



6.   كمراقب للوضع السوري الراهن، وبعد 10 سنوات على انطلاق الثورة السورية، كيف تصفين نشاط السوريات والسوريين على صعيد العمل السياسي؟ وعلى صعيد العمل النسوي؟

النشاط السياسي والثوري ليس بأفضل أحواله، على العكس المشهد محبط ويفتقد للكثير من الشفافية ووضوح الرؤية. على صعيد النشاط النسوي أرى أنه يخطو خطى أفضل، فالنساء اليوم تعملن بتنظيم أكبر وتمتلكن أدوات ومهارات أفضل بكثير من الجماعات السياسية والثورية، هن برأيي منفتحات أكثر على التعلم والاستفادة من التجارب وإعادة النظر بالمفاهيم واستراتيجيات العمل، لذلك أنا فخورة بكل العاملات في هذا المجال وأقدر تماماً صعوبة البيئة التي يعملن بها.



7.   تقولين إن منظورك للحريات وحقوق النساء اختلف، حدثينا أكثر عن هذه الجزئية وكيف ترين وتتعاملين مع هذه القضايا اليوم؟ 

الحقيقة يطول شرح الموضوع، فالعمل النسوي في بلادنا ومجتمعاتنا ما زال يكابد للحصول على أساسيات الحياة للمرأة والمجموعات المهمشة، ما زلنا في مرحلة شرح حقوقنا والخوض في صراعات ذكورية وسياسية ودينية تحاول إسكاتنا ومسحنا وتجريمنا.

كمثال في كندا والبلاد المتقدمة على صعيد الحريات، أرى جهوداً كثيرة منصبة على التنشئة وتربية الأجيال الجديدة على مفهوم النسوية والاهتمام بإلغاء التنميط الجندري، نرى كيف يطبق هذا التوجه في الكثير من سياسات الدولة والمدرسة والعمل وفي مختلف نواحي النشاط المجتمعي، بالإضافة إلى ذلك، هنالك جهد كبير لنشر المعرفة وهذا ما ساعدني على فهم أهمية تربية الأطفال على هذه المفاهيم، ابتداءً من خطوات تبدو بسيطة كإلغاء اللون الزهري للبنات والأزرق للصبيان، وعدم الترويج لألعاب تنمط صورة الفتيات وطموحاتهن، كالباربي وغيرها من المنتجات المخصصة للأطفال والتي تنتج تنميطاً جندرياً وتحد من أفقهن\م وليس انتهاء بدعم المرأة سياسياً وفي مجال الشركات والمنظمات. أصبحت كأم أولاً وكمهتمة بالشأن العام، أركز على أهمية تنشئة الأطفال وكيفية بناء شخصياتهن\م الحرة من قيود المجتمع والدين والسياسة، نستطيع كنساء فاعلات أن نولي اهتماماً للعمل على هذا الموضوع لأهميته مستقبلاً في التخلص من الذكورية وأن نبدأ دورنا في نطاق عائلاتنا، ومع شركائنا وأطفالنا.



8.   هل يلعب الرجال السوريون الداعمون لحقوق النساء دوراً فاعلاً في مناصرة قضاياهن، برأيك؟ وكيف يمكن لهم أن يكونوا عنصراً مؤثراً على هذا الصعيد؟

أبداً بل على العكس تماماً، أرى أن دورهم حالياً مازال سلبياً وهداماً في بعض الأحيان، مقتصر على المناصرة الكلامية هنا وهناك، ولا أرى جهوداً ملموسة من قبل أي رجل فاعل أو ناشط سوري، هنالك وصمة بين أغلب الرجال السوريين وخوف على سمعتهم إن صرحوا بميولهم النسوية، والاستثناءات قليلة جداً. حتى مشاركتهم بالقراءات النسوية فهي شبه معدومة. لا أرى مشاركات من الناشطين السوريين في أي عمل أو منتج نسوي إن كان مقالات أو أفلام أو حتى فنون عامة ولا حتى نقاشات بناءة تشعرنا بوجودهم كشركاء. 

لن أطلب المستحيل من الرجال اليوم لكن أتمنى من المهتمين بالقضية النسوية، البحث في تاريخ الذكورية وكيف أنهم جزءاً منها حتى لو لم يتعمدوا ذلك، ومحاولة فهم التحديات التي تخوضها النساء والنسويات والمساعدة بتربية جيل جديد بعيداً عن منطق الذكورية. بالمناسبة هذا سلوك عالمي والذكورية متجذرة في أسس هذا العالم، حتى هنا في كندا مازال انخراط الرجال ضعيف ومازلت النساء تحاول الضغط وشرح أهمية دعم المرأة في مجالات السياسة والعمل.

9.   البعض يرى أن العمل النسوي والمطالبة بحقوق النساء هو ترف في ظل الظروف التي تعيشها السوريات والسوريون، ما رأيك بهذا الطرح؟ وهل توافقين أن قضية وضع النساء منفصلة عن الواقع العام؟ 

أولاً أود التأكيد على أن أي مشروع أو معلومة أو تدريب، هو ضرورة لنا كسوريات وسوريين، نحن بحاجة لكل شىء، نحن مجتمع عاش عزلة طويلة في ظل نظام سياسي، واجتماعي، وديني، وذكوري، ونفتقد للكثير من المعرفة وبحاجة للتجريب والفشل والنجاح والتعلم من أخطائنا.

أما عن النسوية فأعتبرها أهم مبدأ لبناء مجتمع حر وتعددي وناجح. لا أرى العمل النسوي والمطالب النسوية ترفاً، وخصوصاً أنها لا تركز على “نصف المجتمع”، كما اعتدنا القول في دروس القومية، فحسب، بل على العكس، العمل من منظور نسوي يعني عدالة وحقوق وواجبات للجميع دون تمييز أو استثناء على أساس الجنس أو العمر أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، إلخ.

إلا أننا يجب أن نرتب أولويات العمل مع المجتمع السوري في الداخل وأن نكون خلاقات\ين أكثر ببناء مشاريعنا وأهدافنا معهن\م حتى تكون خطواتنا آمنة للنساء، دقيقة في هدفها الآني، ومتقبلة للتطور بناء على وضع المنطقة وأولوياتها. علينا بذل جهود أكثر لاستكشاف الطرق الآمنة لإيصال الأفكار والمساهمة في بناء الأجيال الناشئة دون خلق شروخ جديدة في المجتمع. لا نستطيع مطالبة النساء بمحاولة تحصيل حقوقهن دون تأمين بدائل أو دعم لهن إن أردن التغيير لأننا قد نعرض حياتهن للخطر ونتسبب بمشاكل قد يكن غير قادرات على مواجهتها في الوقت الراهن، الموضوع حساس جداً وبحاجة لجهود جبارة من التفكير الخلاق والعمل كفريق.

10. من وجهك نظرك، ما هي أولويات العمل النسوي والنسائي في الوقت الراهن؟

من خلال متابعتي لنقاشات مجموعات من السوريات ممن يعشن داخل سوريا أو خارجها لاحظت أن هنالك مشكلة حقيقية بنوع التدريبات التي تتلقاها النساء في سوريا والتي لا تتماشى مع متطلبات سوق العمل، خاصة العمل عن بعد. هنا أوجه اقتراحاً للعاملات\ين في المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بشكل عام، وللحركة النسوية بشكل خاص لإعادة النظر في أدوات تمكين المرأة إن كان في الداخل أو الخارج، والعمل على تأمين تدريبات تفيدهن لبناء مستقبلهن من جهة وإيجاد رؤى نسوية في مجال تحليل البيانات وإشراكهن بسوق العمل العالمي. يجب علينا الآن التركيز أولاً على تعلم اللغة الإنكليزية أو محو الأمية فيها، ومن ثم تأمين شراكات مع معاهد دولية وجامعات لتقديم تدريبات متخصصة في الأمان الرقمي، والعلوم وتحليل المعلومات (Coding and Data analysis)، وإدارة وتسويق منصات التواصل الاجتماعي، وبناء وإدارة المواقع الإلكترونية، هذه التخصصات هي المستقبل وهذا ما تتوجه إليه معظم الدول والحكومات لبناء قدرات الشابات والشباب اليوم. هذه المجالات تؤمن مشاركة نسوية حقيقية في قطاع المعلومات الذي يدخل في كل مناحي الحياة اليوم، وبرأيي هناك شريحة كبيرة من النساء والفتيات الموهوبات في العلوم والرياضيات وبإمكانهن تعلم هذه الاختصاصات بمستويات مبتدئة في البداية والعمل من بيوتهن بأمان ثم تطوير أنفسهن وفق قدراتهن. يجب علينا تشجيع النساء للعمل في هذه المجالات ليس فقط لأنه اختصاص يخدم متطلبات السوق، وإنما كي لا يبقى تحليل المعلومات حكراً على الرجال ومبني على منظورهم، ولا ننسى أن فرص العمل في منظمات المجتمع المدني المعتمدة على التمويل آخذة في التضاؤل. تمكين المرأة يجب أن يتجاوز دروس الخياطة والطبخ والمهن التقليدية التي طالما لازمت النساء، قطاعات مثل المعلومات والتسويق ليست مستحيلة، أنا متأكدة أن هنالك الكثير من الشابات اللواتي تمتلكن القدرة والمهارة والمثابرة للتعلم. علينا نحن كنسويات اغتنام فرص الحاجة العالمية اليوم لهذه الاختصاصات ودعم النساء لتعلمها وامتهانها.

 

كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية