أصوات نسوية، مقابلة مع رجاء التلّي

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع السيدة رجاء التلّي

إعداد: رجا سليم


رجاء التلّي، من مدينة صيدنايا بريف دمشق. إحدى مؤسسات ومديرات مركز المجتمع المدني والديمقراطية، حاصلة على شهادة الماجستير في الرياضيات التطبيقية من جامعة في بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، مقيمة في مدينة مدينة غازي عنتاب التركية لمدة ثمان سنوات، عضوة في مجلس الإدارة لمركز المجتمع المدني والديمقراطية في أميركا وفي المجلس الاستشاري النسائي لمكتب المبعوث الأممي الخاص لسوريا.


مرحباً بكِ أستاذة رجاء،

 

1- بدايةً، رجاء التلي من الأشخاص الذين اختبرن/وا النشاط السياسي في محيطهن/م القريب منذ الطفولة. نود التزود بلمحة عن نشأتكِ، حياتك العملية، نشاطك السياسي والاجتماعي. 

امرأة سورية من مدينة صيدنايا بريف دمشق، قبل بلوغي الثانية عشرة من عمري تم اعتقال والدي للمرة الثانية من قبل فرع الأمن السياسي في دمشق، لنشاطه السياسي وانتماءه لحزب سياسي ديمقراطي سلمي، وتم إخفاءه قسرياً وتعذيبه حوالي سنة كاملة، ليتحول بعدها إلى سجن عدرا المركزي. سجن والدي ترك أثراً على عائلتنا ككل، وعلى سنوات مراهقتي بشكل خاص. كانت سنوات احتجازه الخمس، في سجن عدرا، الأسهل ضمن التسع سنوات التي أمضاها في المعتقل، باعتبار أننا كنا قادرين على زيارته بشكل دوري. تم نقل والدي بعدها إلى سجن تدمر سيء الصيت لحوالي ثلاث سنوات. عرفت منذ طفولتي خطورة العمل السياسي في سوريا، والضريبة الباهظة التي ندفعها وعائلاتنا إذا قررنا العمل من أجل الحرية السياسية. توجهت للتركيز على المجال العلمي، ودرست الرياضيات، وتخرجت الأولى على دفعتي من جامعة دمشق وحصلت على جائزة الطالبة/الطالب الأولى، وركزت اهتمامي على النظم المعلوماتية وبحوث العمليات ضمن دبلوم دراستي في جامعة دمشق، إلى جانب تدريس العديد من الطالبات  والطلاب كل من مواد الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء في سنوات التعليم الأساسي والثانوي، إضافة إلى اهتمامي بعلم الفيزياء الفلكية والمشاركة بالعديد من النشاطات للجمعية الكونية السورية، كما وشاركت في عدد من دورات الاختراع والتطوير في الجامعات السورية كمشاركة وكمحاضرة. حصلت على منحة “فولبرايت” من الخارجية الأميركية لدراسة الماجستير في الرياضيات التطبيقية في جامعة نورث ايسترن في بوسطن من عام 2007-2009 ومن ثم حصلت على منحة لدراسة الدكتوراة في الرياضيات الفيزيائية من خلال التدريس بالجامعة. بعد ثلاث سنوات أوقفت دراستي وسافرت إلى تركيا وأقمت في مدينة غازي عنتاب التركية لمدة ثمان سنوات، وشاركت بإدارة مركز المجتمع المدني و الديمقراطية حتى نهاية أيلول 2020. حالياً بالإضافة لكوني عضوة ضمن مجلس الإدارة لمركز المجتمع المدني والديمقراطية في أميركا، أنا عضوة في المجلس الاستشاري النسائي لمكتب المبعوث الأممي الخاص لسوريا منذ عام 2016 حتى الآن، ورئيسة مشاركة لمجموعة العمل للمجتمع المدني الخاصة بالنساء والسلام والأمن في أميركا (تحالف من أكثر من 60 منظمة مدنية أميركية)، وزميلة زائرة في مركز السلام وحل النزاعات في مدرسة الدبلوماسية والعلاقات الدولية في جامعة سيتون هيل. 

 

2- تركزين جهودك منذ بداية الثورة على المجتمع المدني ودعمه. كيف بدأ اهتمامك بمفهوم العمل المدني؟ خاصة أن سوريا لم تكن بيئة سياسية حاضنة لهذا النوع من النشاط.
الثورة السورية فجرت طاقات العمل المدني عند النساء والرجال السوريات والسوريين، وخاصة الفئة الشابة، وكان لحركة المقاومة المدنية في سوريا والذي نادت بالتغيير في المشهد السياسي وطالبت بتحسن نوعي في مجال حقوق الإنسان، وحقوق النساء، في سوريا، كما كان للكثير ممن عمل بالمجال المدني والحراك السياسي قبل 2011 دوراً ريادياَ وقيادياً في الضغط باتجاه دعم المجتمع المدني، من حراك نسائي إلى حراك حقوقي وقانوني، إلى حراك تعليمي وتثقيفي وغيرها من المبادرات المطالبة بتحقيق التغيير المنشود في سوريا. من خلال الاجتماعات والنقاشات المستمرة خلال عام 2011، بعضها بشكل فيزيائي وبعضها عن بعد، فكرنا بضرورة دعم وتقوية المجتمع المدني في سوريا ليساهم في التأسيس لديمقراطية منشودة بدأت المطالبات بها عبر  الثورة السورية. اعتبرنا أن المجتمع المدني هو بمثابة السلطة الخامسة بعد الإعلام المستقل، وضرورة دعم كل من هاتين الركيزتين من أجل ضمان توازن وفصل السلطات والحرية السياسية وحرية تشكيل التجمعات وغيرها من الحقوق والحريات التي نادت بها الثورة السورية.

 

3- خلال 10 سنوات عمل لمركز المجتمع المدني والديمقراطية شهد الشأن السوري تقلبات جذرية سياسية واقتصادية واجتماعية. كيف تعاملتن\م كمنظمة مجتمع مدني مع تلك المتغيرات؟ وكيف طوعتن\م برامج المركز للاستجابة لها؟

التغييرات التي شهدها الشأن السوري هي كبيرة والتي تطلبت تغييرات بآلية عمل مركز المجتمع المدني والديمقراطية الذي تم تأسيسه للعمل مع السوريات والسوريين في كل مكان داخل سوريا وخارجها. في الوقت الحالي المركز مسجل في الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، وتركيا ويعمل بشكل أساسي على دعم الأفراد، والمجموعات، والشبكات من أجل زيادة وحماية المساحة المدنية في سوريا، ودعم برنامج النساء والشباب والسلام والأمن، ودعم مكافحة التطرف العنيف. عمل المركز منذ تأسيسه على خلق ودعم مبادرات مدنية متعددة بشكل مباشر أو غير مباشر. أحد الأمثلة الواضحة على التعديلات التي قمنا بها؛ هي تركيزنا في بداية عملنا على برنامج العدالة الانتقالية ومن ثم التركيز على مشاركة النساء والمجتمع المدني في العملية السياسية بناء على بيان جنيف 2012 و من ثم بناء على قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، والمشاركة بالعملية الدستورية ومن ضمنها تشكيل اللجنة الدستورية (2019). ويعمل المركز منذ 2019 على ضرورة إيجاد إطار متكامل للعدالة والسلام المستدام في سوريا.

 

4- في الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس مركز المجتمع المدني والديمقراطية أكدتن\م الحرص على إيصال أصوات المجتمع المدني في المسارات الرسمية، والعملية السياسية والدستورية. برأيك ما هو دور المجتمع المدني في المعادلة السورية اليوم؟ وكيف يمكن تعزيز دوره مستقبلاً؟
المجتمع المدني السوري يلعب دوراً محورياً في العملية السياسية السورية فهو يشكل الثلث من اللجنة الدستورية بشكل رسمي إلى جانب وفد النظام ووفد المعارضة، كما يلعب دوراً استشارياً وتشاورياً لمكتب المبعوث الأممي الخاص لسوريا، من خلال غرفة دعم المجتمع المدني. بالإضافة إلى ذلك للمجتمع المدني دوراً في هاماً في الضغط من أجل تحسين الوضع الاقتصادي في كل مناطق سوريا، وضمان حقوق اللاجئات واللاجئين خارج سوريا أيضاً، ومكافحة التطرف والعنف، وتحقيق التنمية المستدامة في الأماكن الأكثر استقراراً، إلى جانب دوره في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة من قبل النظام السوري، وغيره من الأطراف، والسعي لتحقيق العدالة في سوريا. ما زال الطريق طويلاً أمام المجتمع المدني السوري للدفع لإرساء وتعزيز حقوق الإنسان بما فيها حقوق النساء والفئات المهمشة.

 

5- تولين أهمية كبيرة للمرأة ودورها في صناعة التغيير وذكرتِ في حديث صحفي سابق لـ “هنا أمستردام” عام 2013: هناك تحديات كبيرة أمام النساء السوريات للعب دور أكبر في المستقبل وسيعتمد ذلك على قدرة المرأة السورية على تجاوز القيود المجتمعية والسلطة الذكورية. هل ترين تقدماً في وضع المرأة السورية من هذه الناحية اليوم، مقارنة بثمان سنوات مضت؟ كيف؟
أعيد التأكيد على أن هناك تحديات كبيرة أمام النساء السوريات للعب دور أكبر في المستقبل، على الرغم من أن قصص النجاح لنساء سوريات خلال العشر السنوات الأخيرة، هي كثيرة ونماذج التغيير الإيجابي متعددة، فقد تم تجاوز الكثير من القيود المجتمعية من قبل العديد من النساء السوريات مما سمح ببروزهن في مجالات مختلفة. لكني ما زلت أعتبر بشكل عام أن القيود المجتمعية والسلطة الذكورية ما زالا عائقين أمام تقدم النساء، وبالعكس هناك تراجع كبير في مجال الحقوق والحريات بشكل عام، ومنها حقوق النساء والحريات التي تتمتع بها وتتفاوت القيود حسب المناطق المختلفة في سوريا. إضافة إلى ذلك، القوانين التمييزية ضد المرأة لم تتغير في أغلب المناطق السورية، فجرائم الشرف، والعنف المنزلي ضد النساء، بتزايد فاضح. ولا ننسى أن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي تم ارتكابها في سوريا من قبل النظام السوري والأطراف الأخرى، كان لها تأثيرًا كبيرًا على النساء السوريات بشكل مباشر أو غير مباشر، وساهمت بشكل كبير بتراجع وضعهن على كافة المستويات ومنها حق التعليم.

 

6- على صعيد عملك في مركز المجتمع المدني والديمقراطية، أنتِ امرأة في موقع إداري، ومشارِكة في صنع القرار وتصميم وتنفيذ برامج في مناطق تعيش حالات نزاع وظروف إنسانية صعبة. ما هي التحديات التي واجهتك في إنجاز عملك، سواءً على الصعيد الداخلي في المركز وعلى صعيد المناطق التي تعملن\ون بها في سوريا، أو الخارجي من حيث التعامل مع الممولين والأطراف السياسية والمجتمع الدولي؟
لقد واجهت العديد من التحديات بدءًا من تأسيسي لمركز المجتمع المدني والديمقراطية بالشراكة في كانون الأول 2011، وحتى نهاية دوري التنفيذي في المركز في أيلول 2020، كمديرة مشاركة. على سبيل المثال قمت بتيسير مفاوضات بين أطراف سورية عام 2015، وكان من الصعب القيام بذلك لأنه مخالف لما أعمل من أجله لمشاركة حقيقية للنساء في بناء السلام، كونه لم يكن هناك أي امرأة ضمن الوفود المتفاوضة. أهم التحديات الداخلية التي واجهتها ضمن المركز هي اختلاف خلفيات عضوات وأعضاء المركز  ما تسبب بحساسيات بين العلمانيات/ين والمحافظات/ين خلال العمل وخاصة حول برنامج النساء وحقوقهن. كلا التجربتين كانت تحدي كبير بالنسبة لي، ولم أحصل على النتائج التي كنت آملها بوقتها.

 

7- تتبع بعض منظمات المجتمع المدني السورية نهج التشبيك فيما بينها لتعزيز دورها وزيادة الأثر. من خلال تجربتك، كيف يخدم هذا المفهوم الجهات المستفيدة من خدمات تلك المنظمات، وكيف تستطيع المنظمات تحقيق التعاون بعيداً عن التنافس واحتماليات تضارب المصالح؟
التشبيك والتنسيق بين منظمات المجتمع المدني السوري ما يزال دون المستوى المطلوب، ومن المهم أن تقوم المنظمات بتحديد أهداف مشتركة بينها والعمل عليها لضمان تحقيق مصالح مشتركة بين المنظمات، من أجل خدمة القضية السورية، ولا مانع من التنافس ضمن هذا المنظور كونه ضروري واعتبره عاملاً إيجابياً لخدمة المجتمع.

 

8- بالعودة للنساء، نظمتِ بالشراكة مع مجموعة من النساء شبكة “أنا هي” الداعمة لتفعيل دور النساء في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. هلّا حدثتنا أكثر عن الشبكة وأماكن نشاطها؟ 

برنامج نساء من أجل مستقبل سوريا تم اعتماده في عام 2012، كأحد برامج مركز المجتمع المدني والديمقراطية وفي آذار عام 2013، أطلق المركز بالتعاون مع العديد من السوريات والسوريين، حملة “أنا هي” التي تسلط الضوء على العمل الذي تقوم به النساء السوريات لبناء مستقبل سوريا، وكذلك ما الذي يحلمن به في المستقبل. الحملة لاقت صداً واسعاً وشارك بها عدد كبير من النساء السوريات ضمن أنشطة فيزيائية، وكذلك ضمن حملة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما قام المركز بابتكار فكرة حلقات السلام النسائية والعمل خلال آذار – أيلول 2013 على تأسيس 25 حلقة سلام في سوريا تعمل على تعزيز مشاركة النساء السوريات في بناء السلام على المستوى المحلي والمستوى الوطني، من خلال مبادرات ترى عضوات الحلقة أنها مناسبة للمجتمع المحلي الذي يعملن به. تم دعم المركز للتنسيق والتشبيك بين الحلقات النسائية الـ 25 ودعم مبادراتها خلال هذه الفترة ودعم إطلاق شبكة “أنا هي” في آذار 2015 من قبل حلقات السلام. “أنا هي” إحدى الشبكات التي تم تأسيسها من قبل مركز المجتمع المدني والديمقراطية وتعمل كأحد الشبكات النسائية المستقلة المهمة على مستوى سوريا والتي تعتبر أحد الشركاء الاستراتيجيين لمركز المجتمع المدني والديمقراطية.

 

9- على مدار العشر سنوات الفائتة لعبت النساء السوريات دوراً فاعلاً في العمل المؤسساتي والمدني والاجتماعي والبحثي وغيرها، هل يمكن الاستفادة من هذه التجربة لخلق دور موازٍ للنساء في المشهد السياسي؟ كيف؟
برأيي لعبت النساء السوريات دوراً فاعلاً في المشهد السياسي أيضاً، لكن عدد النساء المشاركات كان مجحفاً وبالتالي يقلل من أهمية العمل الذي تم. من المهم خلق المساحة الكافية لتواجد النساء السوريات في الحركة السياسية. أعتبر تواجد كوتا نسائية لا تقل عن 30% بكل الأحزاب والتجمعات والوفود السياسية، هو شرط لازم لتحقيق تغيير سياسي في سوريا، ويجب ضمان مناصفة جندرية في أماكن صنع القرار السياسي؛ و إلا فإن التغيير السياسي لن يتحقق.

 

10- قلتِ سابقاً إن أكبر مخاوفك هو أن يتملك اليأس من السوريات والسوريين فنتقوقع مجدداً في دوائرنا الصغيرة، وهذا لن يبني دولة. وكما يقال إن الإنجازات الصغيرة تحفز الأمل، ما الذي يعطيكِ أملاً في المستقبل، ويشجعكِ على المضي قدماً رغم الصعوبات؟ 

التغيير صعب لكن ليس مستحيلاً. التغيير السياسي سيتحقق آجلاً أم عاجلاً نحو دولة أكثر ديمقراطية وتعددية ومتنوعة و ضامنة لحقوق النساء والإنسان. التغيير المجتمعي هو الأصعب والأطول والذي سيحتاج إلى تغيير جذري بالمفاهيم والثقافة والسلطة الذكورية. رفض العنف بداية التغيير، وكل المبادرات التي يساهم فيها الجيل الشاب لرفض العنف تزودني بالأمل بمستقبل أفضل لسوريا.

 

11- هنا مساحة حرة نتركها للمشارِكة لإضافة ما ترغبين، خارج نطاق الأسئلة.

من خلال منبر الحركة السياسية النسوية السورية، أشجع كل النساء السوريات على عدم الخوف من المطالبة بالحقوق المتساوية والنضال المستمر للحصول عليها في سوريا، كما أشجع المجتمع المدني السوري على مواصلة العمل لبناء هوية وطنية سورية مشتركة مبنية على التنوع مع ضمان حقوق جميع السوريات/ين من كل المجتمعات بغض النظر عن النوع الاجتماعي والانتماء الديني، الطائفي، العرقي والإثني.

 



* كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية