أصوات نسوية، مقابلة مع زينة قنواتي

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع الصحفية والناشطة النسوية زينة قنواتي

حاورتها رجا سليم

زينة قنواتي، من مواليد دمشق، درست الأدب الإنجليزي في كلية الآداب بجامعة دمشق، تزوجت بعدها وانتقلت للعيش في إحدى دول الخليج لمدة عشر سنوات. بعد انفصالها عن زوجها انتقلت إلى أوروبا واستقرت وطفليها في العاصمة التشيكية براغ. درست الصحافة في براغ. لديها اهتمام بالكتابة ونشرت عدداً من القصص القصيرة وقصص الأطفال، وتعمل حالياً على روايتها الأولى.


مرحباً بكِ


1- كيف تصفين سنوات نشأتك كفتاة\امرأة في بيئتك المحيطة؟ وكيف كان واقع النساء السوريات عموماً حينها؟ وكيف تصفين واقعهن اليوم؟

نشأت في بيئة محافظة، مع أنني أنحدر من عائلة منفتحة وتميل إلى التحرر، لكن القواعد المجتمعية كانت حاضرة رغم عدم إدراكي لماهيتها في صغري، ومع الوقت بدأت أواجه الكثير من الحواجز المقيدة لحريتي الجسدية والفكرية ولتصرفاتي، وكانت لدي قناعات محدودة عن أدوار النساء في المجتمعات. خلال سنوات نشأتي كانت النساء تعشن واقعاً تقليدياً بالمعنى العميق للكلمة، فكان متوقعاً منهن أن يتصرفن وفقاً للأدوار النمطية المنوطة بهن، كالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، وكانت الفكرة السائدة أن جميع النساء مصيرهن الزواج، كنت أرى صديقاتي في المدرسة يستقبلن الخاطبين ويتحضرن للزواج في سن مبكرة، وكان هناك نظرة عامة إلى النساء العازبات أو المطلقات أو الأرامل على أنهن أضعف، وغالباً ما كن يقابلن بالشفقة. لا أعتقد أنني الوحيدة التي عانت من ذلك، فحتى جدتي التي كانت امرأة مستقلة وتعيش في منزل لوحدها، كان ينظر لها على أنها وحيدة وبلا سند. الحقيقة أنها كانت ترغب بأن تكون معيلة نفسها ومستقلة، وكنا نحترم ذلك ونتطلع إليها بإعجاب في العائلة.

تغير واقع النساء السوريات اليوم على عدة مستويات، فهناك النساء اللواتي كسرن كل القيود وواجهن المجتمع واتخذن خيارتهن الكاملة، سواء داخل سوريا أم خارجها، ولكن أيضا ازدادت الأعباء على النساء السوريات أثناء الحرب، فمنهن من تواجه أعباء مضاعفة منها المادية ومنها المعنوية ترتبت على فقدان معيل\معيل شريك أو أكثر من العائلة، إضافة إلى ظروف النزوح والتهجير. 


2- زينة قنواتي صحفية وكاتبة، كيف بدأ اهتمامك بالصحافة؟ هلّا حدثتنا عن تجربتك العملية ومتغيراتها تبعاً للظرف السوري في العقد الأخير؟

بدأ اهتمامي بالكتابة عموماً منذ أن كنت طفلة، نشأت في أسرة مهتمة بالأدب، والمسرح، والفنون. عائلة والدتي عائلة مثقفة للغاية ومنخرطة في العمل السياسي والفكري، جدتي كانت إحدى النساء الرائدات في مدينة حمص وفي سوريا عموماً، كانت في غاية القوة ولها أفكارها وآرائها الواضحة تجاه المتغيرات السياسية والمجتمعية والتاريخية، كانت داعمة لنا كنساء في العائلة، وداعمة لمشروعي في الكتابة والاستقلالية. كانت مصدراً للقوة والإلهام في عدة مراحل من حياتي. والدتي أيضاً كانت قارئة من الدرجة الأولى، وكان لدى أبي وأمي مكتبة من أكبر المكتبات التي رأيتها في حياتي، فكانت الكتب وسيلتنا لملء أوقات الفراغ. بدأت في كتابة أول قصة قصيرة بعمر الست سنوات، مع الوقت شعرت أنه يمكنني قراءة ما في وجوه الناس وترجمته على الورق، وأنني قادرة على كتابة قصصي الشخصية، دون أن أجرح خصوصيتي وأعتقد أن ذلك هو سرٌ للكتابة.

جاء الاهتمام بالصحافة من رغبتي باستكشاف ما يجري خلف الصورة الإعلامية المنقولة لنا، وخلف ما يروى لنا، ولأننا في حياتنا كنساء سوريات وأنا بشكلٍ شخصي، تعرضت للكثير من الأذى بسبب المجتمع، كانت لدي الرغبة دائماً في البحث عن الأسباب وعن الدوافع التي تجعل الناس تروي القصص بطريقة مختلفة، وعن الأجندات التي يعبث بها أصحاب القرار والسلطة، سواءً ضمن العائلة أو المجتمع أو على صعيد السياسة، كنت أريد دائماً أن أبحث عن القصة الحقيقية وراء ما نسمع وما نرى.

أما عن تجربتي الخاصة في العقد الأخير، كنت أحاول دومًا التطرق للكتابة عن القصص التي لا يرويها أحد، كحكايات الأفراد داخل سوريا، ما لا نراه ولا نسمع به، فعندما ترين أسرابًا من اللاجئات\ين أو الهاربات\ين، أو صور القتلى والدمار، هذا ليس إلا خبرًا يعكس صورة الوضع العام، لكن لو دققنا في الصورة واقتربنا من تفاصيلها سنكتشف قصة مختلفة وراء كل وجه، وأنا أريد أن أصنع من هؤلاء الأشخاص أبطالاً لقصصهن\م. لا يمكننا التأثير بالناس إذا لم نخدش جدار إنسانيتهن\م،  والصور العامة التي تنقل المآسي العظمى ينفصل عنها الناس بشكل لا إرادي، فلا يمكنهم تغيير الواقع وليس لديهم وسيلة للمساهمة لإنقاذ ملايين الناس، لذلك فهم يحيدون أنفسهم عن هذه المأساة الهائلة، بينما عندما تروين قصة واحدة بتفاصيلها الكاملة، عن امرأة أو رجل أو طفل، سيصبح للمأساة اسم، ووجه، وصوت.  


3- لكِ مشاركات كتابية وتحريرية مع منصات تعنى بالنسوية، هل تعتبر الكتابة النسوية حديثة العهد في الصحافة السورية، كيف تصفين العمل على محتوى صحفي نسوي؟ وما هي أكبر تحدياته؟ 
لدي مشاركات كتابية وتحريرية وأقوم بإنتاج المحتوى النسوي أيضاً بالتعاون مع الفريق ضمن منظمة “النساء الآن”، كما أساهم في الكتابة عن الفكر النسوي وعن هذه التجربة من المنظور السوري، و أرى أن الكتابة النسوية هي حديثة العهد في الصحافة السورية بالمعنى المباشر، ويبدو أنها أيضا ماتزال في مرحلة التخبط، فحتى النسويات أنفسهن لسن متفقات على مبادئ واضحة  لما يردن قوله، ونحن نعاني أيضا من المساحات الضيقة في المجتمع وفي الفضاءات العامة وفي الفضاءات النسوية حتى. لم نمتلك الحرية الكاملة بعد للتعبير، وليست لدينا دائمًا القدرة على مواجهة الانتقاد أو الأذى، فقد يصل الانتقاد أو المعارضة لما نكتب عنه إلى حد الأذى الفردي والإنساني والمعنوي عامة.

مع ذلك، أعتقد أن العمل على المحتوى الصحفي النسوي هو في طور الإنتاج وتلمس الطريق. الكثيرات والكثيرين مهتمات\ين بهذا المجال، ولكن أكبر تحدياته هو الفهم المغلوط للنسوية نتيجة عدم الاطلاع الكافي على أبعادها. أعتقد أن علينا، كنساء أولاً، وكرجال بالتأكيد، أن نراجع ما مرت وتمر به النساء ابتداءً من عائلاتنا وصولاً إلى المجتمعات المحيطة بنا، وأن نفكر أين كان لنا أن نغير، وكيف نريد هذا التغيير أن يكون، وما معنى النسوية، وكيف يراها المجتمع، وكيف ندافع عنها نحن، من أجل إعلاء أصوات النساء والحصول على حقوقهن، من أجل العدالة والكرامة وحقوق الإنسان التي هي حقوق المرأة.


4- هناك فئة من النساء المؤمنات بالنسوية لكن يتجنبن التعريف بأنفسهن على أنهن نسويات، ما هو التصور العام عن النسوية برأيك؟ وهل من تصدير مغلوط للفكر النسوي برأيك؟  

كل الاحترام للنساء النسويات اللواتي يتجنبن التعريف بأنفسهن على أنهن نسويات، فكما ذكرت، الفضاء العام ليس آمنًا، هو فضاء جارح وخالٍ من الاحترام ليس هناك حدود للأذى المادي والمعنوي، هناك هجمات عنيفة تجاه النسويات كل من تعرف عن نفسها بأنها نسوية، وذلك يأتي من الرجال والنساء على حد سواء. هناك بعض النساء اللاتي تشعرن بتهديد من المجتمع الذكوري، ومن أصحاب السلطة ضمن العائلة أو المجتمع، وتشعرن بتهديد صورتهن أمام الآخرين فيتجنبن الحديث عن النسوية وبالأحرى يهاجمنها رغم أنهن يعانين بشكل شخصي من المنظومة الذكورية، وهذا ما يشعرني بأننا مازلنا بحاجة لأن نكتب الكثير عن النسوية وأن نساهم بشرحها وبتصحيح الفهم المغلوط بأنها لا تقبل سوى نمط واحد من النساء. على العكس النسويات عانين التنميط وليس من المفروض أن يمارسنه على أحد، نحن نسعى لأن يكون المكان آمناً ومتسعاً للجميع على اختلاف الخلفيات والتوجهات.


5- من خلال اطلاعك على الوسط الإعلامي السوري “البديل” إن صح التعبير، هل الأصوات النسوية، والسياسية النسائية السورية موجودة وممثلة بالشكل الصحيح والقدر الكافي على المنصات الإعلامية؟

الأصوات النسوية والسياسية النسوية السورية موجودة ولا يمكن إنكارها، لكنها ليست كافية، بشكلٍ عام هي محدودة وهي لا تمثل شرائح واسعة من النسويات ومن النساء. أنا لا أطالب أن تكون كل امرأة نسوية، ولكن أن تكون النسوية شاملة لكل النساء، وأن تقوم النسويات بالحديث عن جميع النساء وعن جميع أطياف المجتمع من مختلف الخلفيات الدينية والفكرية والسياسية، وأن يكون الحديث النسوي أشمل وحاضناً فعلاً لجميع النساء السوريات، فهنَّ جميعًا متأثرات بشكلٍ هائل بهذه المنظومة التي لا تؤمن لهن أبسط الحقوق.

نحتاج أن نكتب بشكل نسوي. أعتقد بأنه من مبادئ النسوية إتاحة فرص أكثر للنساء لكي يكتبن، وليس بالضرورة أن يكتبنّ عن النسوية بحد ذاتها، ولكن أن يكون تواجد النساء أكبر في جميع مجالات العمل، كالصحافة والكتابة وإنتاج المحتوى الفني والمهني والوثائقي في الفضاء العام، هذه الفرص ستساهم في تحقيق تمثيل نسائي ونسوي حقيقي، وسيكون جميلاً جداً لو أن النسويات ذوات التجربة يكتبنّ أكثر عن تجاربهن وعما قرأنَ وأن يقمن بنشر هذه المعرفة. شخصياً، لا أشعر بالخجل من كوني نسوية ولا أشعر بالخجل من النساء النسويات اللواتي تتحدثنَ عن الأمر بشكل مبالغٍ فيه إن صح التعبير، وذلك لأننا نحتاج إلى إيقاظ هذا المجتمع بنسائه ورجاله، وأنا نفسي منذ عشر سنوات لم أكن ملمة بالمفاهيم النسوية التي أعيشها اليوم وأمارسها وأدافع عنها وأنفذها وأشاركها مع كل من ترغب\يرغب، لأنني كنت أعيش تحت تأثير نظام ذكوري قاسٍ في البلدان التي عشت فيها سواءً في الحياة الخاصة أو العامة، لم تكن لدي فرصاً حقيقية في الحياة، ولذا أدافع يومياً عن أن تكون للفتيات والنساء فرصاً كاملة وحقيقية، سواءً رغبن بالتعبير عن حاجتهن لتلك الفرص أم لا، يبقى لديهنَّ هذا الحق فيها.

6- ختاماً، بماذا تحلم زينة الصحفية والامرأة للسنوات العشر القادمة؟

كصحفية وكامرأة، أحلم بأن لا يتم تأطيرنا أو تحديدنا بالمقالات والمقابلات وحتى بالنصوص، يعني ألا نبقى كلاماً على ورق، أن يكون لعملنا هذا الأثر الواقعي المباشر على المجتمعات. لا أعتقد أن المجتمعات حتى في الدول التي تعتبر نفسها متحضرة قد أعطت النساء حقوقهنَّ كاملة، النظام الأبوي والذكوري مسيطر وهو يخطف الفرص من النساء ويسعى إلى أن تكون مجالات تطورهن أضيق. ما زلنا نعاني يومياً من عدم الدعم للأمهات العازبات، وعدم تأمين الفرص، والتزويج المبكر في مجتمعاتنا، وفرض سلطات الرجل والسلطات الذكورية على إرادة النساء وعلى حقوقهن. لا أعتقد أننا قد أحرزنا الكثير بعد، ما أحرزناه حتى اليوم من وجهة نظري أننا تمكنا من الحديث وإحداث الضجيج الإعلامي ولو بالقدر البسيط حول ما نريد وحول ما نتعرض له، ولكن لدينا السنوات القادمة لنحقق التغيرات الحقيقية على الأرض ليتحول ما نتطلع إليه إلى قوانين على أرض الواقع، وإلى مجتمعات مبنية على العدالة، والمساواة ودعم النساء والفتيات.

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة