أصوات نسوية، مقابلة مع سارة خياط

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع الفنانة البصرية والناشطة النسوية سارة خياط

إعداد: رجا سليم 

سارة خياط من مواليد دمشق، درست في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، قسم الاتصالات البصرية، تخرجت عام 2015، وانتقلت بعدها  إلى تركيا، اختارت أن تتوقف عن العمل باختصاصها-التصميم – وتوجهت للرسم، نتاجها الفني معني بقضايا المرأة، والهويات، وتوثيق الذاكرة، إلى جانب شغفها برسم قصص الأطفال؛ وهو ما تصفه بمصدر الطاقة، تقول سارة إنها تحب الأفلام الوثائقية والقراءة عن الصحة النفسية وكيفية تعاطي أجسادنا مع حالاتنا النفسية المتغيرة. 

أهلاً بكِ سارة،


1- بداية، يتمحور نتاجك الفني حول القضايا الاجتماعية وقضايا النساء على وجه الخصوص، حدثينا عن مراحل عملية خلق العمل الفني، ولماذا النساء؟ 

بداية انطلق من مرحلة القراءة والبحث عن الموضوع الذي أريد التعبير عنه، أبحث عن الدراسات والقوانين والإحصائيات المتعلقة، وفي السنوات الأخيرة صرت أعتمد أيضاً على الشهادات التي تشاركها نساء عشن تجارب معينة، في مرحلة لاحقة ابدأ بالاطلاع على التجارب الفنية والحملات التي تناولت الموضوع لكي أحيط به بصرياً. أحياناً أرسم عن مواضيع تخص تجربة شخصية مررت بها وهنا يكون الموضوع عائداً كلياً لمخزوني النفسي والحياتي وانطباعاتي الشخصية، وهذا بالفعل مرهق كثيراً لأن غالبية التجارب التي جسدتها فنياً، سواء الشخصية أو غيرها، تتعلق بالظلم ومعادلة اختيار الصمت أو المطالبة بحقك وتحمل عواقب اللوم الاجتماعي. اختياري لتجسيد هموم وحاجات النساء نابع من إيماني أن الأشخاص الأقدر على التعبير عن تجربة ما هن\م من عايشنها، وأنا على الصعيد الشخصي كامرأة في هذا المجتمع مورست علي معظم الضغوطات التي تمارس على النساء في لوحاتي. وبالمحصلة أتعامل مع عملية التعبير الفني كوسيلة للتعرف إلى ذاتي والتصالح معها. من المهم أن أذكر أيضاً أنني معنية جداً بقضايا مجتمع الميم-عين وبالتطرق للقضايا التي تؤرقهن\م ومساندة حقهن\م في الحياة بشكل طبيعي دون أدنى فرق بينهن\م وبين الأشخاص من خارج مجتمع الميم.


2- أنتِ من الشابات السوريات اللواتي يقدمن أنفسهن كنسويات بشكل واضح وتمتلكين الجرأة للتطرق لمحرمات اجتماعية ودينية وشخصية من خلال رسوماتك، كيف تصفين دور الفنون البصرية اليوم في التأثير بالقضايا السياسية والاجتماعية؟ 

قناعتي أن الفن هو وسيلة للنضال والمقاومة لأنه لغة مشتركة يفهمها الشارع وتفرض نفسها على المتلقي بسبب عامل الجذب، كما أنه يصل لجميع الأفراد على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، الفكرية، السياسية، وغيرها، لذلك فهو أداة مهمة للتعريف بالقضايا. أذكر عام 2014 كنت في الجامعة أعمل على مشروع تخرجي، طلب مني المشرف على المشروع عدم التطرق للجنس والدين والسياسة كي لا نتعرض لأي مشكلة، هذا بالنسبة لي دليل واضح على إدراك السلطة لقوة الرسالة التي يوصلها العمل الفني وخوفها منه، فدور الفنان لا يقل عن دور الصحفي والسياسي، بل يفوقهما أهمية في بعض الحالات، لذا لا أؤمن أبداً بمبدأ فصل الفن عن السياسة، وكما شهدنا في الثورات، تحرر الفن ولم يعد حكراً على الطبقات التي تطلق على نفسها اسم النخب أو الفئة المثقفة والتي ليست جميعها قريبة من الناس وهمومهم.

3- أنجزتِ مؤخراً عملاً فنياً يصور رحلتك مع “النهام” أو الإفراط في تناول الطعام، مصحوباً بنص يصف صعوبة هذه الفترة من حياتك، ولاقى العمل تفاعلاً كبيراً، ما الرسالة التي أردتِ إيصالها؟ وأهمية مشاركة التجارب الشخصية النساء؟

في البداية كانت الرسالة موجهة لنفسي قبل أي أحد آخر، بالنسبة لي كانت خطوة مهمة في رحلتي للتعافي والتي كانت تتأرجح بين التصالح مع النفس أحياناً والرفض أحياناً. أتى هذا المشروع من ضمن هذه الرحلة وعشت فترة صعبة خلال إنجازه بسبب محاولات تحريض الذاكرة في وقت كان يصعب عليَّ الاعتراف بوجود المشكلة بتفاصيلها، وتذكر حالات التنمر التي تعرضت لها بسبب زيادة الوزن التي يسببها النهم. خلال البحث أكثر في الموضوع اكتشفت كمّاً من المعلومات كنت أجهلها تماماً عن هذا المرض، حتى اسمه لم أكن أعرفه، وجدت تشخيصاً للأعراض ومسميات طبية ومسببات لكل ما أمر به. ساعدتني المعرفة على مسامحة نفسي والتعامل معها بلطف، وفتحت لي مجالاً لاكتشاف حقوق جسمي عليَّ، تلك الحقوق التي من المفترض أن نكون على دراية بها كبديهيات، لكن للأسف لم تتوفر تلك المعرفة للكثير منا لذلك أرى أنه من الضروري مشاركة التجارب مع الآخرين لأنه يعزز الشعور بالانتماء للوصول إلى مرحلة التعافي. تخيلي كمية الرسائل التي وصلتني بعد مشاركة العمل الفني والنص المرافق له عن موضوع النهام، لم تكن المتجاوبات نساء فقط، بل رجالاً أيضاً وصفوا لي كيف أنهم يعانون من نفس المرض. منحتني رسائلهن\م تشجيعاً ودعماً مضاعفاً.

 

4- شاركتِ منشوراً على صفحتك في فيسبوك يربط موضوع غضب النساء الذي طالما استخدم ضدهن، بانعدام الأمان، هلا عرفتي لنا الأمان من وجهة نظرك؟ كيف يتحقق؟ ومن المسؤول عن تحقيق الأمان؟

يتحقق الأمان برأيي عن طريق القانون، بداية نحتاج قوانين عادلة ومصاغة ومطبقة على أساس المساواة والمواطنة، للأسف في الوقت الحالي هذا غير متوفر لذلك نحن كنساء اليوم نحاول خلق أساليب بديلة لتحقيق الأمان، كاللجوء للفضاءات العامة أو المحيط القريب والذي من المفروض أن يكون آمناً لكنه في معظم الأحيان يكون مجحفاً بحق النساء أكثر من القوانين بحد ذاتها، هذا المحيط هو عبارة عن نساء ورجال، نساء مظلومات في الأصل يتحولن إلى جلادات على رقاب نساء أخريات وكأننا في حلقة مفرغة من عدم الشعور بالأمان.

5- في لوحة لك عن تأثير الحرب في سوريا في تغيير الأدوار الجندرية، رسمت نساءً يعملن في مهن كانت حكراً على الرجال، إذا اتفقنا أن المجتمع أجبر على القبول بهذه التغييرات بسبب الحرب، هل تعتبر التغييرات حقيقية؟ وهل تدل على تغيير في عقلية المجتمع؟ كيف؟

يلعب الاقتصاد دوراً بالتغييرات الجذرية، وبرأيي نعم يمكن اعتبار هذه التغييرات حقيقية وواقع جديد فرض نفسه نتيجة تبدل ميزان القوى المادية في معظم البيوت السورية، والذي اختلف بعد تغير وضع الرجل في المجتمع، فالكثير من الرجال لم يعودوا قادرين على العمل بسبب السفر أو الاعتقال أو الإصابة أو الوضع الأمني، وغيرها. هنا أخذت النساء خطوة في العمل وإعالة العائلة، هذا لا يعني أن التغيير سيتم بين ليلة وضحاها، تلك عملية تراكمية تبدأ بمشاركة المرأة في مصروف المنزل ثم مع الوقت والتجربة تصبح شريكة بكل شيء، كاتخاذ القرارات سواءً كانت العائلية المشتركة أو على مستويات أكبر. على سبيل المثال، بعد الحرب العالمية الثانية تغيرت أدوار النساء في أوروبا نتيجة لنقص أعداد الرجال الذين قضوا أو فقدوا في الحرب، فقامت النساء بكل أعمال إعادة الإعمار وتسيير الأمور الحياتية اليومية داخل البيوت وخارجها، واليوم في سوريا نحن نشهد حالة مشابهة على مستوى مختلف. 


6- أنتِ من جيل الشباب السوري، هل ترين نفسك ممثلة سياسياً بشكل من الأشكال؟ هل من أجسام أو أصوات سياسية تعبر عن همومك وتطلعاتك؟ كيف أو كيف لا؟

للأسف ما من صوت يعبر عني، لا أرى نفسي تحت مظلة أي تشكيل سياسي لأني لم أجد بعد المظلة  الجامعة لكل الأطياف والهويات والمتقبلة للاختلافات. لغاية اليوم أنا غير قادرة عن التعبير بشكل حر ومطلق عن ما أفكر به لأني أعرف أنني ببساطة سأكون خارج القالب المتوقع مني أن أتحرك ضمنه كنسوية، وفي الحقيقة ليس لدينا القدرة دائماً على مجابهة الهجوم الذي يطالنا عندما نعبر خارج الصندوق. 

مهمة تغيير النظرة والتعامل معنا كنساء لا تقع فقط على عاتقنا، الرجال مطالبون بالتعلم والانفتاح والتقرب من الفكري النسوي وفهمه، ومعاً يمكننا تغيير الأفكار المغلوطة والتفكير ببناء مجتمع لا يميز بين أفراده، نحن النسويات علينا مسؤولية مهمة وهي عدم افتراض أن الجميع يعرف ما نعرف، علينا نقل معرفتنا بالطرق التي يفهمها الجميع بدون فوقية، وبطريق تتناسب مع وضع الشخص المتلقي وطريقة تفكيرها\ه، نحن كنسويات شابات في وقت من الأوقات تم التعامل معنا بفوقية من جيل أكبر من النسويات، أتمنى في المستقبل أن يكون لنا وجود حقيقي على الأرض وأن نكون قادرات على التغيير واستيعاب الكل وتقبلهن\م دون أن نصنع قوالب جديدة نضعهن\م فيها.


7- سارة لو طلب منك وصف واقع النساء السوريات بلوحة، ماذا سترسمين؟ ولماذا؟

لا يمكنني اختصار واقعهن بلوحة واحدة، واقع النساء سيء للغاية، ومن تجربتي الشخصية، النسوية لم تكن خياراً بل ردة فعل على كل الخوف الذي عشته في حياتي ولم أستطع التحدث عنه، على كل المواقف الصعبة التي تعرضت لها ولم أخبر أحداً خوفاً من تكذيب روايتي، ردة فعل على كل مرة تم التعامل معي بها كأني شخص شفاف فاقد القدرة على التأثير وفاقد الحقوق ومشكك بنفسه وبمدى صحة حكمه على ما يتعرض له. مؤخراً شكلت وعياً عميقاً بكل تلك المشاكل، نعم لا أستطيع أن أعود بالزمن وأغير ما حدث لكن إيماني بالقدرة على التغيير اليوم أصبح حقيقة غير قابلة للتشكيك.

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية