أصوات نسوية، مقابلة مع سلام الغدير

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع الناشطة النسوية والاجتماعية سلام الغدير
حاوتها رجا سليم
 

سلام الغدير من دير الزور، مقيمة في مدينة غازي عينتاب التركية منذ عام 2015، تحمل إجازة في اللغة العربية وعملت مدرّسة قبل خروجها من سوريا. بعد انتقالها إلى تركيا تغيرت طبيعة عملها وأصبحت مدرّبة في مهارات الحياة والجندر (النوع الاجتماعي). 

مرحباً بكِ

1- ماهي طبيعة نشاطكِ النسوي\السياسي\الاجتماعي؟ وكيف بدأ اهتمامكِ بهذه القضايا؟
أنا ناشطة في الشأن العام وخاصة في المسار المجتمعي الذي أعتبره شاملاً للعملين السياسي والاجتماعي. بدأ شغفي بالعمل العام قبل قيام الثورة، فمنذ طفولتي وأنا محاطة بجو من النشاط السياسي والاجتماعي، وهذا بسبب أسرتي عموماً، ووالدي على وجه التحديد، لقد كان معارضاً سياسياً ومبادراً مجتمعياً في عدة قضايا محلية ووطنية. أما الاهتمام بالقضايا النسوية فلقد بدأ قبل الثورة عندما عملت في الريف ولاحظت التجاوزات والانتهاكات الممارسة على النساء، فكانت البداية بأن بدأت أحاول توعية طالباتي اليافعات بضرورة المطالبة بحقوقهن وخلق الدوائر المشتركة لأن النساء لا يمتلكن منابر حقيقة للتعبير عن احتياجاتهن وحقوقهن في مجتمعاتنا. وبرأيي تأتي أهمية العمل النسوي من أهمية حقوق الإنسان نفسها، مضافاً إليها المعاناة التي تثقل كاهل النساء في مجتمعات كثيرة، وأعني المعاناة القائمة على النوع الاجتماعي.

2- سلام من دير الزور، كيف تصفين الواقع النسوي في دير الزور خلال سنوات نشأتكِ؟ وهل تغير هذا الواقع اليوم؟ كيف؟
وضع النساء في دير الزور، وهنا أتكلم عن الريف والمدينة قبيل الثورة (2011)، أفضل من غيره مقارنة بمناطق سورية أخرى، وذلك كون معظم الأهالي كانوا يحرصون على تدريس بناتهم وأبنائهم وهذا بدوره رفع سن الزواج فبات من النادر أن تتزوج الفتاة قبل إتمام المرحلة الثانوية، كما أن الكثير من نساء دير الزور كن عاملات وهذا بدوره لعب دوراً إيجابياً بشكل ما. ما سبق لا يعني أنني راضية كلياً عن واقع النساء في مدينتي، فما زلن يعانين من تمييز في عدة جوانب حياتية مثل الحرمان من الميراث، وتحكم الرجال بمصادر دخلهن وغيرها. بعد الثورة تغير الأمر، مع الأسف، للأسوأ، وهنا أقصد بعد فترة التحرير وهي سيطرة المعارضة على أجزاء من المدينة، فبتنا نشهد انحساراً في عمل النساء، وصعوبة التنقل، وازداد الوضع سوءاً بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على المدينة وتحكمه بمفاصل الحياة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود حراك مجتمعي نسائي، مثل حملة المناصرة التي قمت بتنظيمها مع مجموعة النساء من أجل التعليم، وحصلنا على مكتسبات معقولة خلال فترة حكم “داعش” لمدينة دير الزور.


3- عانى أهالي دير الزور لعدة سنوات من سطوة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وفرضت على النساء حينها قيوداً طالت كل تفاصيل حياتهن، كيف أثرت هذه التجربة على تعامل النساء مع حرياتهن الشخصية بعد خروج التنظيم؟
لا شك أن خضوع المنطقة لسيطرة تنظيم “داعش” المتطرف أثر على الحياة العامة وخاصة على النساء، وبرأيي من المهم جداً أن نسلط الضوء على  التغيرات التي طرأت على واقع النساء ليس فقط خلال سيطرة التنظيم وإنما بعد خروجه من المنطقة لأن المشكلة لم تنتهِ بخروجه، فأنا أعرف بعض اليافعات لم يقوين على خلع النقاب، ولم يستطعن مواجهة العالم الخارجي بدونه، وكذلك أخريات رفضن العودة للعمل، كل هذا بعد انتهاء سيطرة التنظيم على المنطقة. هذا بالتأكيد أدى لانتكاسة مجتمعية مازال المجتمع المحلي يحاول التعافي منها من خلال خلق أنشطة مجتمعية تستهدف مختلف الشرائح تقوم بتنفيذها مبادرات محلية وفرق تطوعية، ومحاولة مساعدة النساء على وجه الخصوص عبر برامج توعوية وبرامج إدماج لليافعات.

4-ما نسبة حضور العمل النسائي والنسوي في دير الزور؟ هلّا شاركتنا بعضاً من النماذج؟ وهل من معيقات لهذا العمل؟
نسبة حضور النساء مقبولة، ولا أقول جيدة بسبب وجود عدة معيقات لتعزيز هذا الحضور منها، منظومة العادات والتقاليد التي تحد من حضور النساء في العمل بالشأن العام، وكذلك التحديات الجغرافية فخلال فترة التحرير كانت المنطقة مغلقة وهذا ما أعاق حركة السكان سواءً من النساء أو الرجال، وساهم هذا أيضاً بالحد من الكثير من الأعمال والنشاطات وليس فقط النسائية والنسوية. رغم صعوبة الوضع في المنطقة إلا أننا نرى نسبة مشاركة النساء في المجلس المحلي لدير الزور عام 2018 هي الأعلى بين المدن السورية. على ذكر الأمثلة المتعلقة بنشاط النساء، لدي صديقة كانت تعمل في المدارس الميدانية في دير الزور، ومع دخول “داعش” وإغلاق معظم المدارس، تحولت للتدريس في البيوت، وكانت تعلم أطفال الحي وتردد عبارة: “إذا ما لقيت مكان أدرسهم راح أحطهم بقلبي”، واستشهدت بقصف على المدينة خلال فترة حكم الدواعش، ولا أستطيع الحديث عن مشاركة النساء دون ذكرها.

5- ماهي أبرز المحطات على صعيد العمل النسائي\النسوي في دير الزور خلال العشر سنوات الفائتة؟
من أهم المحطات برأيي، مشاركة النساء بنسبة عالية في المظاهرات خلال السنة الأولى من الثورة، هذه المشاركة ساهمت بإيصال فكرة تضرر النساء من واقع الحياة في ظل حكم الأسد مثلهن مثل الرجال وأنهن طامحات للتغيير ومعنيات بالحرية والمواطنة، بالإضافة إلى المشاركة النسائية الكبيرة بالعمل الإغاثي بعد وصول نازحات/ين من مدن وقرى مجاورة إلى المدينة، والمشاركة في العمل مع تنسيقيات الثورة حيث كان لنساء دير الزور سبق جيد في الإطار التنظيمي والتنسيق، كما كان لهن دوراً في العمل العام خلال فترة التحرير عبر الانضمام للمجالس المحلية المتعاقبة، ووجودهن في غالب المبادرات المحلية والفرق التطوعية.

6- هل تعتبر نساء دير الزور أنهن ممثلات وحاضرات بالحراك النسوي والسياسي السوري بإطاره العام؟ كيف؟ كيف لا؟
ممثلات إلى حد ما، فهن حاضرات في الإطار العام للعمل السياسي من خلال نسبة وجودهن، ولكن ضمن المسار الثاني، مسار المجتمع المدني الذي يجب أن يكون حلقة وصل بين المسار الأول والمقصود به صنّاع القرار، وبين المسار الثالث وهو المجتمع. أما على مستوى صانعات القرار والمسار الأول فأعتقد أن النسبة متواضعة، بل ومتواضعة جداً.

7- ما مدى تبلور أهمية دور المجتمع المدني ومنظماته لدى النساء في دير الزور؟ وهل هناك قنوات تواصل معهن وبرامج دعم وتمكين من قبل منظمات المجتمع مدني؟
تفعيل دور المجتمع المدني لعب دوراً في الحياة العامة بدير الزور، وخاصة في واقع النساء، وباتت الغالبية تعي ما معنى العمل المدني وكيف له في فترة من الفترات أن يكون من أهم الأسباب لتأهيل قدرات الأفراد والتأثير بواقعهن\م. لمست النساء دور المجتمع المدني من خلال اهتمام منظماته في تضمينهن بالمؤسسات المدنية، ومن خلال تبني المشاريع المحلية لقضايا النساء، وهذا ساهم في بلورة فكرة هذا النوع من العمل في أذهان السكان. أما عن قنوات التواصل فهي موجودة وإن كانت ليست بالمستوى المطلوب، ويتم اليوم تنفيذ بعض المشاريع المتعلقة بتمكين النساء اقتصادياً إضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي.


8- كيف تصفين دور المرأة السورية في ميدان السياسة اليوم، وهل من معيقات وتحديات أمام النساء في السياسية؟ ما هي؟
لا أستطبع اعتبار أن النساء حاضرات بنسبة مقبولة في المشهد السياسي السوري، رغم وجود أصوات نسائية على قدر المعرفة والمسؤولية ومحاولاتهن المستمرة لإشراك عدد أكبر من النساء والتأثير في الواقع السياسي الحالي، إلا أن الهيمنة الذكورية في هذا المجال ما تزال طاغية. مسؤولية تحسين هذا الواقع تقع على عاتقنا جميعاً، نساءً ورجالاً، ومن أهم التحديات من وجهة نظري إحجام النساء أحياناً عن الانخراط بالعمل السياسي تجنباً للانتقادات التي قد تطالهن على المستوى الشخصي والمتعلقة بالسمعة و”الشرف” واستنكار مشاركتهن في وسط يسيطر عليه الرجال بشكل شبه كامل.


9- الكثير من النساء الناشطات في الشأن العام يتعرضن لضغوط اجتماعية معيقة لهذا العمل، ماذا تخبرينا عن تجربتك الشخصية مع هذا الموضوع؟
فيما يتعلق بتجربتي الشخصية، فأنا أعتبر نفسي من المحظوظات بوجود بيئة داعمة في الأسرة والمحيط القريب، ووضح لي هذا الأمر بعد اضطراري مثلاً للتنقل والسفر المتكرر، وبسبب صعوبة الطريق وفرض “داعش” لرفقة ما يسمى “المحرم” أي رجل مرافق للمرأة ويكون من عائلتها، كان أخي الرفيق والداعم في تلك الفترة عند اشتداد الضغط علي من قبل “الدواعش”، وكذلك أمي كانت المشجع الأكبر لي قبل وبعد خروجي من سوريا.


10- لو أتيح لك المجال بلعب دور سياسي بشكل رسمي، ما هو الدور الذي تختارين القيام به ولماذا؟
أختار الدور المدني في المسار الثاني (المجتمع المدني) لقناعتي أنه الحلقة الأكثر أهمية في الوضع السوري حالياً، لأنه من وجهة نظري هو القادر، وربما الوحيد، على إعادة تشكيل الأطر المجتمعية التي بدورها تعمل على تمكين مختلف الشرائح المجتمعية ومنها النساء.
ما أريد قوله إن النساء السوريات اليوم أمام استحقاق كبير كمواطنات وكنساء، وهذا بحد ذاته يجب أن يحفزنا على الانخراط أكثر وأكثر في الشأن العام.

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة