أصوات نسوية، مقابلة مع سوسن زكزك

“أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري “

مقابلة مع السياسية النسوية سوسن زكزك

إعداد: كبرياء الساعور

 

أهلاً بكِ سوسن، 

 

1- سوسن زكزك; سياسية ونسوية سورية، وباحثة في حقوق النساء لديك العديد من الأبحاث في هذا المجال، هل يمكنك مشاركتنا قصة رحلتك كسياسية وتعريفك الشخصي كنسوية؟

ولدت ونشأت في عائلة لديها اهتمام بالشأن العام، وكان لوالدتي تجربة في العمل السياسي قبل زواجها، فتأثرت بتوجه والدتي السياسي وباهتمام عائلتي بالشأن العام الذي كان حاضرًا دائمًا في حياتنا العائلية، إلى أن انتسبت إلى الحزب الشيوعي السوري في أواخر عام 1980، وارتبطت برفيق لي بالحزب مما ساعدني على القيام بواجباتي الحزبية باندفاع والتزام كبيرين. وعندما تعرض الحزب عام 1986 للانقسام اخترت الوقوف في صف الفريق الديمقراطي، الذي وقف ضد عبادة الفرد واستئثار “خالد بكداش” بقيادة الحزب لعقود، والذي آمن بنظرية التغيير التي كانت سائدة في الاتحاد السوفييتي واقتنع أن استئثار الحزب الشيوعي السوفييتي بالحكم لعقود طويلة وغياب الديمقراطية عن الحزب والمجتمع السوفيتيين، والأمر ذاته في بقية الدول الاشتراكية، كانا من أهم أسباب السقوط المدوي لتلك التجربة، حتى عندما برز تيار ديمقراطي جريء في الحزب لم يقف عند انتقاد الممارسة بل انتقد حتى النظرية، كنت جزءًا من هذا التيار. وعندما بدأ ربيع دمشق حاولت مع عدد من رفاقي ورفيقاتي بأن نجعل حزبنا جسرًا بين التيار المعارض وبين السلطة، لكننا للأسف لم نفلح في ذلك بسبب قوى ممانعة أصولية في الحزب. وانخرطت في نشاط ملتقيات ربيع دمشق بالتنسيق مع الأمين العام للحزب “يوسف فيصل” وبالتشاور مع رفيقتي “نوال يازجي”.

لم يجذبني النشاط النسائي في بداية حياتي السياسية بسبب طريقة تعامل الحزب مع رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة، حيث كان الحزب يرى فيها مجرد تابع له، وكانت تقتصر اجتماعات الرابطة على قراءة جريدة الحزب ومناقشة مقالاتها، إلا أن بدأت الرائدة النسوية “نوال يازجي” مع عدد من رفيقاتها بعملية تحويل الرابطة من منظمة رديفة للحزب إلى منظمة نسوية مستقلة تتبنى خطابًا نسويًا رائدًا بحيث يمكن القول عن الرابطة بأنها كانت أول منظمة نسوية تنشأ في سوريا. وشاركت مع زميلاتي الرائدات بهذا العمل وانضممت عمليًا إلى الرابطة عام 1989، وحذفنا من اسمها لحماية الأمومة والطفولة لتصبح “رابطة النساء السوريات” التي تشتمل قضاياها على كل القضايا النسوية وفي مقدمتها العنف والتمييز ضد المرأة. ونمى وعيي النسوي مع اغتناء عمل الرابطة بكل جديد بالحركة النسوية العربية والعالمية التي أصبحنا جزءًا فاعلاً فيها منذ عام 1995، وأسسنا أول لجنة وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة في سوريا عام 1996، ضمت النائب العام وعددًا كبيرًا من الصحفيين والمحامين والناشطين، نساءً ورجالاً، وكان من أبرزهم الدكتور “محمد شحرور”. واغتنت تجربتي النسوية مع كل تطور كانت تعيشه الرابطة، مثل نشر مفهوم الجندر، وحملة حق المرأة السورية بمنح جنسيتها لأبنائها التي استطاعت الرابطة تحويلها لقضية رأي عام، ومن خلال التفاعل مع المجموعات النسوية التي شكلت تجمع سوريات عام 2006 بدعوة من الرابطة، ومع حملة إلغاء قانون الأحوال الشخصية السيء عام 2009… الخ.

 

2- انتقل الحراك النسوي في سوريا مع بدايات الثورة من نضالات فردية أو مجموعات صغيرة إلى فكرة التغيير الاجتماعي والسياسي، كيف تقيمين دور وفاعلية النضال والعمل النسوي في سوريا بعد مرور أكثر من عقد؟

على الرغم من أن المشهد العام، في غالبه، للحراك النسوي قبل الثورة كان على شكل مجموعات صغيرة ينجح بعضها ويفشل بعضها الآخر لضعف الخبرة بالعمل الجماعي، إلا أن السمة العامة لهذا الحراك كانت التلازم بين النضال النسوي والنضال الديمقراطي، وهذا ما جرى التعبير عنه من خلال مقولة “لا ديمقراطية بدون حقوق النساء”. وهذا ما جعل المجموعات النسوية والناشطات النسويات ينخرطن بالثورة من أيامها الأولى. أثر الانخراط بالثورة بدايةً على أهمية النضال النسوي، إلا ان هذا الانفصال توارى بعد فترة قليلة بعد أن اقتنعت الحركة النسوية بأن هناك ارتباطًا عضويًا بين النضال النسوي والنضال الديمقراطي، خاصة بعد وصول الإسلام السياسي إلى الحكم في بعض البلدان العربية، حيث بدأ بالانقضاض على ما حققته النساء العربيات في تلك البلدان. وساهمت الرابطة في تعزيز الربط بين النضال النسوي والنضال الديمقراطي عندما بدأت بالعمل على تعديل الدستور السوري من خلال وجهة نظر نسوية عام 2012.

أما بعد مرور أكثر من عقد على نشوء عشرات المنظمات النسوية فيمكننا القول إن هذه المنظمات قد نجحت بالحفاظ على التلازم بين النضال النسوي والنضال الديمقراطي من خلال طرح برامج تجمع بين هاتين الأولويتين وتعمل من أجلهما. وأثبتت الحركة النسوية حضورًا مؤثرًا في كل مراحل الثورة، باستثناء مرحلة العسكرة والأسلمة، لأن هذه المرحلة تتناقض مع الانتقال السلمي الديمقراطي الذي تمسكت به الحركة النسوية.

 

3- في اللحظة الحالية في سوريا تتقلص المساحات المتاحة للنساء في الفضاء العام عوضًا عن الشراكة مع النساء وحضورهن بالسلطة السياسية، ما هي أولويات العمل النسوي في هذه المرحلة من أجل إيصال أصوات النساء؟

أعتقد أن أهم أولويات العمل النسوي في هذه المرحلة هو التوافق على أجندة نسوية واحدة تؤكد على:

  • تمسك النساء بحقوقهن المنبثقة من الشرعة العالمية لحقوق الإنسان؛
  • التصدي لمحاولات الاستئثار بالسلطة من قبل التيار السلفي الحاكم؛
  • وضع مطلب إشراك النساء بما يتناسب مع حجمهن في المجتمع ومع تاريخهن النضالي المشرف؛
  • الدفاع عن الحقوق العامة والحقوق الفردية التي بدأنا نرى محاولات السلطة للتحكم بها؛
  • العمل على السلم الأهلي والذي يشكل دعامة لعيش المجتمع السوري الغني بتنوعه؛
  • محاربة خطاب الكراهية والتصدي له بجميع الأشكال؛
  • التحالف مع القوى المدنية الديمقراطية.

 

4- في مقالك; على موقع 180 “الإعلان الدستوري في سوريا بين الانسجام والتناقض… وجهة نظر نسوية” ماهي أبرز نقاط التناقض؟ هل يمكن توضيح ذلك؟

أبرز هذه التناقضات التناقض بين المادة التي تنص على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام والمادة التي تتحدث عن أن المواطنين متساوون بغض النظر عن الدين، ومرجعية الإعلان التي تمثلت بمؤتمر النصر الذي شارك فيه عدد من الفصائل العسكرية التي “انتصرت” وأطاحت بحكم عائلة الأسد، ومن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني (25 شباط 2025) الذي وُجهت الكثير من الانتقادات لطريقة اختيار أعضائه وعضواته ولأن توصيات هذا المؤتمر لم تعكس كل ما جرى طرحه في جلساته. وبهذا الشكل تكون شرعية الإعلان مستمدة من قرارات ممثلي الفصائل “المنتصرة” ومن توصيات لم تمثل محصلة إرادة المشاركين والمشاركات في المؤتمر، وليست مستمدة من شرعية وطنية تمثيلية، حتى ولو لم تكن منتخبة. التناقض بين مبدأ الفصل بين السلطات والصلاحيات الكبيرة لرئيس البلاد، صيانة حرية الاعتقاد ولكن فقط لمعتقدي الأديان السماوية، وعندما تربط كفالة حرية القيام بجميع شعائر الأديان السماوية بعدم الإخلال بالنظام العام! وقضية الإخلال بالنظام العام مسألة فضفاضة يمكن أن يندرج تحتها تقييدات واسعة طالما أنه خاضع لإرادة السلطة الحاكمة، ويمكن أن تضيف إليه أو تلغي منه ما تشاء من القواعد بحجة أن المجتمع “عايز كدة”، ومن أهم مظاهر التناقض الداخلي ما يرد في المادة 23 التي تنص على “تصون الدولة الحقوق والحريات” ولكن “يجوز إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة”، وشكلت مسوغات الإخضاع للضوابط مروحة كبيرة يسهل استخدامها من السلطة الحاكمة عند أصغر مخالفة أو تحد لسياسات هذه السلطة؛ وهذا ما نعيشه الآن من مصادرة للحريات الشخصية في لباس البحر وارتداء الشورت ومنع منح بعض المحلات تراخيص لبيع المشروبات الكحولية بدعوى حماية النظام العام والآداب العامة.

 

5- بالرغم من أهمية أن يتحاور السوريون/السوريات بعد حقبة الاستبداد، برزت العديد من الانتقادات حول التسرع في عقد جلسات الحوار وخاصة مؤتمر الحوار الوطني. هل تحتاج سوريا مجددًا في ظل الانقسامات الحالية لمؤتمر حوار وطني مفتوح يشمل جميع مكونات المجتمع السوري؟

بداية أعتقد أنه لا يمكننا القول إن حقبة الاستبداد قد ولت، لأننا نعيش حقبة جديدة من حقبات الاستبداد. أما بالنسبة للحوار فهو لم يجر بسرعة، لكن جرى بطريقة خاطئة من خلال آليات اختيار المشاركين والمشاركات فيه، وكون نتائجه مجرد توجهات غير ملزمة. في الحالة السورية نحتاج إلى العشرات من مؤتمرات الحوار، فالحوار هو الطريقة الأساسية للوصول إلى السلم المجتمعي وإلى توافقات تراعي تنوع المجتمع السوري، وتحترم هذا التنوع وتضمن حقوقه.

 

6- تمر سوريا بمرحلة انتقالية حساسة بعد سقوط نظام الأسد، ماهي الضمانات الدستورية والقانونية بحيث يكون للنساء دور فاعل في المرحلة الانتقالية وصياغة الدستور؟

أعتقد أننا بحاجة إلى إعلان دستوري جديد، يتجاوز كل سلبيات الإعلان الحالي، ويؤسس لمرحلة ديمقراطية لصياغة دستور دائم للبلاد، يضمن أن السيادة للشعب، ويضمن إنشاء جيش وطني ذي عقيدة وطنية لا دينية ولا يحق له العمل بالسياسة، ويضمن نسبة لتواجد النساء في جميع مراكز القرار المنتخبة والمعينة لا تقل عن 40%، ويعتمد قانونًا للامركزية يطلق طاقات الشعب في المحليات ويعزز الحوار الوطني بدءًا من أصغر وحدة مجتمعية، وقانون جديد للجمعيات يسمح للجمعيات المدنية ومن ضمنها النسوية بحرية الإنشاء والعمل ويعتمد الرقابة اللاحقة، ليمكن هذه الجمعيات من توعية المجتمع حول أهمية المشاركة السياسية، خاصة للنساء، في كل المسائل العامة، وفي مقدمتها صياغة الدستور الديمقراطي الذي نطمح إليه.

 

7- صدرت لك “دراسة مقارنة حول التمييز في قوانين الأحوال الشخصية السورية عام 2009” ما هي برأيك فرص وتحديات تغيير هذه القوانين في المرحلة المقبلة لتعزيز المساواة والعدالة؟

هذه الدراسة ليست لي فأنا كنت من المشاركات فيها مع الزميلات نوال يازجي وصباح الحلاق والراحلة فردوس البحرة.

تخلص هذه الدراسة إلى أن تعديل جميع قوانين الأحوال الشخصية في سوريا لن يكون قادر على النهوض بأوضاع النساء، ولا بد من قانون أسرة مدني يساوي بين المرأة والرجل في الحياة العائلية. وللأسف أرى أن هذا المطلب بعيد المنال في ظل السلطة السائدة، ولكننا لن نتوقف عن النضال من أجله إلى أن نصل إليه.

 

8- ظن السوريون والسوريات أنهم نجحوا في بداية عملية التحرير وسقوط النظام وبأنهم على طريق بناء سوريا المأمولة، غير أن انفجار الأحداث في الساحل السوري وسقوط مئات القتلى من المدنيين والمدنيات وما تلاها من اضطرابات في مناطق مختلفة، تضعنا أمام سؤال: كيف يمكن تطبيق العدالة الانتقالية لضمان السلم الأهلي ومنع قيام حرب أهلية؟

إن انفجار الأحداث في الساحل السوري تدل على أن عقلية هذه السلطة ما تزال عقلية جهادية انتقامية طائفية، ولا يمكن تبرير هذه الأحداث على أنها أخطاء فردية، لأن حشودًا مسلحة تكفيرية انطلقت بالمئات، إن لم نقل بالآلاف، وعبرت عشرات الحواجز الأمنية، كما رافق مسيرة هذه الحشود المسلحة تأجيجًا طائفيًا انطلق من عشرات الجوامع على مرأى ومسمع من السلطة الحالية. إنني أرى في ما جرى عملية انتقامية لا علاقة لها بالعدالة الانتقالية التي نعرف جميعنا ماذا تعني وما هي آلياتها. خاصة أن السلطة لم تحاسب أحدًا حتى الآن، كما أن تشكيل لجنة التحقيق كان قاصرًا ولم يضم ولا شخص من المتضررين ولم يضم أيضًا ولا امرأة، فكيف سيثق المتضررون والمتضررات بها، وهي حقيقة واجهت ضعفًا كبيرًا في تعاون المجتمع المنكوب معها، ولم تستطع حتى الآن إنجاز عملها.

 

9- اليوم سؤال العدالة الانتقالية سؤال تأسيسي يحدد شكل سوريا المستقبل، ما هي أهمية مشاركة النساء السوريات في بناء مسار العدالة الانتقالية؟

أعتقد أن من حق جميع السوريين والسوريات المشاركة في رسم مسار العدالة الانتقالية في البلاد، وتأتي أهمية مشاركة النساء من حساسية الجرائم التي تعرضن لها خلال فترة النزاع والتي قد تدفع البعض لعدم التصريح عنها خوفًا من الوصمة أو من معاقبة المجتمع لها بدلاً من معاقبة الجاني، لذلك لا بد بداية من أن تبدأ مسيرة العدالة الانتقالية بالمشاورات الوطنية التي يقرر فيها أبناء الشعب السوري وبناته الآليات التي سيتبناها لإحقاق هذه العدالة. ولا بد من أخذ البعد الجندري في جميع هذه الآليات حتى تتمكن النساء من تحصيل حقوقهن بكرامة وفخر.

 

10- قدمت النساء السوريات تضحيات كبيرة خلال فترة الصراع ولعبن دورًا مهمًا في دعم صمود مجتمعاتهن. كيف ترين دور النساء في إعادة بناء سوريا بعد الحرب؟ وما هي أهمية مشاركة النساء في عملية إعادة الاعمار؟

لن يكون هناك عملية إعادة إعمار إن لم تشارك فيها النساء السوريات، فعدا عن كونهن يمثلن نصف المجتمع ولا يمكن النهوض بالمجتمع إذا كان نصفه غائبًا او مكبلاً، فقد اكتسبت النساء السوريات خبرات كبيرة خلال سنوات الصراع في الحفاظ على المجتمع السوري وفي تدبير سبل عيش أسرهن. المهم الآن في عملية إعادة الإعمار أن نضمن حقوق النساء السوريات ونحفظ كراماتهن في أعمال يحصلن فيها على فرص العمل مع ضمان حقوق هذه الفرص، وأن نلغي جميع القوانين التمييزية التي يمكن أن تعيق هذه المشاركة الفاعلة.

 

11- هناك جدل وانتقادات للنسوية الليبرالية بأنها تتجاهل الجذور السياسية لمشاكل النساء السوريات، هل تعتقدين أن النسوية التقاطعية اليوم قادرة على فهم تعقيدات النضال النسوي في سوريا من وجهة نظرك؟

أرى أن الحل الوحيد للقضية النسوية في سوريا هو النسوية التقاطعية، لأننا نخوض نضالنا على جبهات عديدة. فعلينا مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الذي يزداد توغله في سوريا، وعلينا النضال من أجل أبسط حقوقنا كنساء التي تحرمنا منها العديد من القوانين التمييزية، وعلينا النضال من أجل حقوقنا بالمشاركة الكاملة في إعادة الإعمار، وعلينا مواجهة سلطة سلفية متشددة واستبدادية.

أخيرًا، أشكر لكن هذه المبادرة لإتاحة الفرصة لي للحديث، كما أقدر عمق الأسئلة التي طرحتنها.

 

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية