أصوات نسوية، مقابلة مع لمى راجح
- updated: 4 أبريل 2022
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع الصحفية والناشطة النسوية والمدافعة عن حقوق الإنسان لمى راجح
إعداد: رجا سليم
لمى راجح من دمشق، منطقة الميدان، تقيم حالياً في مدينة غازي عنتاب التركية. صحفية وناشطة نسوية ومدافعة عن حقوق الإنسان، حائزة شهادة ماجستير بالإعلام، جامعة بيروت العربية اضطرت لمغادرة سوريا في بداية عام 2013 نتيجة للظروف الأمنية وعملها في المجال الصحفي في تلك الفترة، إذ كانت تعمل على التغطيات الصحفية داخل المناطق المحاصرة مثل المعضمية، وداريا حيث دخلتهما بعد المجزرة التي ارتكبت حينها عام 2012، كما عملت على إعداد تقارير صحفية في منطقة مخيم اليرموك والتي كانت أيضاً محاصرة آنذاك. حالياً، تعمل لمى مع عدة مواقع صحفية بشكل مستقل.
أهلا بكِ لمى،
- لمى راجح من الصحفيات السوريات الناشطات في شؤون النساء والنسوية، حدثينا عن بدايات وأسباب اهتمامك بهذا المجال.
بدأت اهتماماتي في القضايا الجندرية منذ عام 2009 عندما عملت على إعداد رسالة الماجستير والتي تمحورت حول تحليل العلاقات الجندرية بين الجنسين في الدراما السورية، ونتيجة للثورة السورية وقدرتها على كسر التابوهات الاجتماعية، وازدياد النشاط النسوي والنسائي، وهنا عملت بداية مع شبكة المرأة السورية كمسؤولة تواصل ومن ثم انتقلت للعمل مع منظمة النساء الآن من أجل التنمية أيضاً كمسؤولة تواصل، حينها بدأ الفكر النسوي ينشط بين العديد من السوريات والسوريين، وهنا بدأت أدرك ما معنى النسوية كنمط حياة، ونمط تفكير. قد بدأت أتجرأ على طرح نفسي كصحفية نسوية منذ عام 2019 أي عندما بدأت أعمل مع شبكة الصحفيات السوريات كصحفية نسوية وباحثة في القضايا الجندرية، أما سبب اهتمامي فهو نتيجة لطبيعة مجتمعاتنا المحلية ومنها المنطقة التي أتيت منها، والتي تجعل منا نحن النساء عبارة عن أجساد فارغة مهمتها الإنجاب وإمتاع الزوج فقط، كما أدى التعمق في الدراسات النسوية والجندرية لنمو الفكر النسوي ومحاولة التفكير بشكل مستمر عن النظريات النسوية وإمكانية تطبيقها في مجتمعاتنا مع الحفاظ على خصوصية تلك المجتمعات.
- شاركتِ بإعداد بودكاست عن الانتهاكات التي تواجهها الصحفيات في بيئات عملهن المختلفة، هلّا عرفتنا بهذه الانتهاكات وتأثيرها على الصحفيات على الصعيدين المهني والشخصي؟
للحقيقة ما تم الإدلاء به هو عبارة عن غيض من فيض فقط ولكن ممكن بالإجمال اختصار أهم التحديات التي تواجهها العديد من الصحفيات السوريات سيما في الداخل السوري:
- التضييق في اللباس وحرية الحركة، إذ تفرض القوى المسيطرة على الصحفيات العمل مع “محرم” ولا يسمح لهن بالاختلاط بالرجال.
- النظرة النمطية المجتمعية لهن من قبل مجتمعاتهن المحلية وتعرضهن لنظرات الرفض، سيما إن كن يعملن في مجالات إعلامية عادة يعمل بها الرجال كالمجالات السياسية أو العسكرية، بينما يحظين بالقبول عندما يعملن في مجالات متعلقة بالطفل والمرأة.
- تنميط عمل الصحفيات سيما في المؤسسات الإعلامية أي يفرض على أغلبهن العمل المكتبي وفي مجالات كالفن والنساء والأطفال وغيرها من هذه المواضيع، بينما لا يستطعن العمل في مجالات كالسياسة والرياضة والاقتصاد.
- الفروق في المناصب الإدارية إذ يترأس الرجال أغلب المؤسسات الإعلامية البديلة، بينما تتولى النساء المناصب كالتحرير والأعمال المكتبية، ونادراً ما نرى مؤسسات إعلامية تدار من قبل نساء.
- تنميط اللباس للنساء وفقاً للأهواء السياسية والإيديولوجية بمعنى أن أغلب المؤسسات الإعلامية تتعامل مع الصحفيات والإعلاميات كمظهر، مثلاً مؤسسة إعلامية لا تسمح للنساء بالظهور الإعلامي من دون حجاب، بينما مؤسسة أخرى ترفض توظيف المحجبات.
- التحرش والتنمر وعدم وجود سياسة شكاوي في حال تعرضت الصحفية للتحرش أو أي نوع آخر من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بمعنى عدم وجود بيئات عمل آمنة للصحفيات والإعلاميات.
- غياب السياسات الحساسة جندريًا بمعنى عدم توفر إجازات للرضاعة والأمومة والحضانة وإجازات الدورة الشهرية.
- برأيكِ، كيف يمكن الحد من هذه الانتهاكات وخلق بيئات عمل صحفية احترافية وآمنة؟
من خلال عدة خطوات
- وجود مؤسسات ولوبيات معنية لتولي دورها في الحشد والمناصرة في حال تعرضت أي صحفية لخرق أو انتهاك.
- تولي هذه المؤسسات دورها في التفاوض مع المؤسسة التي وقع فيها الخرق للوصول إلى حل يضمن حق الصحفية.
- استعانة هذه المؤسسات بالمرجعيات القانونية والحقوقية في البلد الذي تعمل به المؤسسة الإعلامية لتكون مرجعًا لحماية الصحفية.
ملاحظة: المرجعيات القانونية تتوفر حسب البلد الذي تتواجد به المؤسسة الإعلامية، مثلاً في سوريا وفي ظل هشاشة الوضع القانوني والتشريعات الإعلامية الناظمة لعمل الإعلام لا يمكن الاعتماد على المرجعيات القانونية.
- كنتِ من الباحثات المشاركات في إعداد بحث بعنوان “سقطن سهواً: تحليل نقدي نسوي لخطاب عينة من إنتاج وسائل الإعلام السورية الناشئة”، وجاء في البحث أن وسائل الإعلام هذه تعيد إنتاج وتكريس الصور النمطية عن النساء، برأيكِ، كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تطور أدواتها لتساهم بكسر الصور النمطية عن النساء بدلاً من تكريسها؟
للحقيقة خرجنا من خلال البحث بعدة توصيات أهمها:
- من المهم عند تناول قضايا العنف والتمييز الممارس ضد النساء، تسمية الممارسات بدقة ووضوح فلا نساهم في تطبيعها، بل نحفز على العمل الفعال في سبيل إنهائها. إلى جانب أهمية مراعاة ربط هذه القضايا بالسياق العام، والإشارة بوضوح إلى أسبابها المتجذرة في القانون والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير العادلة، لتجنب إعادة استضعاف النساء.
- تعريف المصادر من النساء بأسمائهن الكاملة، ووظائفهن، وفي حال الاضطرار لاستخدام الأسماء المستعارة يمكن استخدام اسم مستعار كامل، والإشارة إلى الأمر ضمن سياق النص، وتجنب التعريف عنهن بـ “إمرأة” “النساء” “أم فلان”.
- من المهم أن نؤكد أثناء الحديث عن دور النساء في المجال العام، عدم تقليلنا من قيمة العمل المنزلي وحصر الإنتاجية والمساهمة الاقتصادية والاجتماعية في الأعمال المأجورة فقط.
- التنبّه لعدم حصر النساء والرجال في أدوار وصفات جندرية تقليدية التي بدورها تكرس هويات جوهرانية وثابتة، وعدم ربط النساء برجال عائلاتهن وأطفالهنّ كإسقاط تلقائي على جميع النساء. بمعنى آخر؛ الأخذ بعين الاعتبار دائماً البناء الاجتماعي والثقافي ودوره في تشكيل المفاهيم والهويات والأدوار وغيرها وتقديمها على أنها ثابتة.
- تجنب استخدام الأسلوب الإنشائي والسردي والشاعري في الحديث عن قضايا النساء، والتركيز على تحليل الأسباب واستعراض التأثيرات واقتراح الحلول والإجراءات.
- تقوية الحساسية الجندرية على مستوى اللغة، والاهتمام بتفاصيلها من أفعالٍ وتعبيرات مختلفة، والتي قد تساهم في إعادة إنتاج ممارسات قمعية، إلى جانب مراعاة إضافة صيغة المؤنث بدلاً من استخدام البنيويات اللغوية المذكرة العامة، والابتعاد عن المفردات التي تفترض وجود طبيعة أو صفات ثابتة وجوهرانية لدى كل من النساء والرجال أو أي من الفئات الاجتماعية أو العرقية أو القابليات الجسدية والعقلية والمختلفة.
- مراعاة فرد مساحات تمثيل متساوية لكلا الجنسين في التغطيات الصحفية، ومختلف الأطراف المعنية في القضية المطروحة سواء أكانت جهات أم أفراد.
- الاهتمام بمعايير اختيار المصادر بما يضمن التصوير العادل وعدم إعادة خلق علاقات قوى هرمية. وبنفس الوقت؛ التركيز على طريقة طرح الشهادات والأفكار والآراء الواردة على لسان المصادر، فبعيداً عن تهميش تلك الآراء أو قمعها من الضروري جداً مجادلتها وتحليلها، وألا يتم تقديمها كمسلّمات أو كلام أكيد ونهائي.
- التركيز على التجارب الفردية والظروف الشخصية واختلافاتها، وعدم التعامل معها ككتلة واحدة ومتماثلة. والنظر إلى الاختلاف بأشكاله المتعددة والتعامل معه على أنه فرصة لتحقيق التنوع والعدالة والشمولية وزيادة الإبداع لا كتهديد ضد الأكثر شيوعاً. والإيمان بأن الاختلاف حتمي الوجود حتى في تفاصيل صغيرة قد لا تكون بارزة أو في الحالات التي تبدو على أنها متماهية.
- من المواضيع الحاضرة في المحتوى الإعلامي الذي تقدمين، العنف الأسري، وأشرتِ إلى الافتقار للوعي المجتمعي ببنية القوانين مما يجعل النساء اللواتي تتعرضن للعنف يحجمن عن تقديم شكوى ضد المعتدي لضعف إيمانهن بجدواها. أولاً، هل برأيك أن القوانين الحالية كفيلة بالحد من العنف الأسري بشكل فعلي؟
من خلال الاطلاع على قانون العقوبات السوري نوعًا ما يوجد به بعض الفجوات ولكنه يكفل معاقبة المعنف ولكن الفجوة هي أن القانون السوري لا يميز بين جرائم العنف الأسري وجرائم أخرى، وبالتالي نحن بحاجة لعقوبات رادعة أو تمييز إيجابي للعقوبات في العنف الأسري كي تكون رادعة بوجه المعنفيين/ات.
- ثانياً، كيف يمكن تعزيز الوعي المجتمعي بهذه القوانين وضمان حماية النساء بموجبها؟
للحقيقة تولت العديد من المنظمات النسائية والنسوية دورها في خلق توعية ببنية القوانين التي تتعلق بالعنف الذي تتعرض له النساء، سواء القوانين الوضعية أو الدولية، ولكن تبقى العقبة الأكبر هي النمطية المجتمعية وخوف النساء من تحمل المسؤولية أو عدم وجود معيل اقتصادي لهن في حال فقدان معيلهن الاقتصادي. بمعنى نحن اليوم نسعى للأثر التراكمي، مثلاً خلال عشر سنوات بدأنا نلمس التغيير المجتمعي في عمل النساء وإسهامات العديد منهن في عدة مجالات كانت ربما حكراً على الرجال في معظم الأوقات، هذا الأثر وإن كان غير واضح المعالم وفوضوي ولكنه يساهم ولو بشكل بسيط في تعزيز الوعي المجتمعي.
- تناولت إحدى موادك الصحفية “القاصرات، ضحايا ظروف الحرب، والشريعة والقوانين أيضاً”، اشتراك عدة عوامل في ارتفاع نسبة تزويج القاصرات، اليوم ومع ازدياد العزلة في كافة مناطق سوريا وتردي الأوضاع على كافة الصعد، كيف برأيكِ يمكن المساهمة بالحد من هذه الظاهرة؟ وعلى من تقع هذه المسؤولية؟
للحقيقة باتت قضية تزويج القاصرات متفاقمة جداً في سوريا، بحسب ملاحظات شخصية مع الافتقار إلى إحصائيات دقيقة، وبرأيي اليوم ورغم كل الجهود ولكن مازالت المشكلة موجودة ومتفاقمة، وربما تحتاج لجهد حكومي ومؤسساتي وقوانين جديدة سيما فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية لتجريم تزويج القاصرات، وللأسف ربما لن نلمس الأثر إلا من خلال القوانين، وفي ظل الوضع الحالي في سوريا وعدم الاستقرار يبدو أن سن قوانين تحرج تزويج القاصرات مازال بعيد المنال.
- تطرقتِ في إحدى موادك الصحفية للوصمة التي تلحق بالنساء اللواتي يعرفن بأنفسهن كنسويات حتى في بعض مؤسسات المجتمع المدني، ولديك تجربة شخصية في هذا الصدد، لماذا برأيك يتم إضفاء صبغة سلبية على النسوية في مجتمعنا؟
لعدة أسباب
- النسوية تثمن التجارب الذاتية والحريات الفردية بما فيها الحريات الجسدية والجنسية والإنجابية، وهو الذي ترفضه مجتمعاتنا المحلية في سوريا في ظل مجتمع بطريركي، وهذا ما يدعوهم/ن للهجوم على النسويات وتنميطهن وشتمهن ورفضهن.
- النسوية كأي حركة فكرية مثل الشيوعية مثلاً تتعرض للانتقادات والهجوم نتيجة للأفكار والأيديولوجيات التي تطرحها.
- التطرف الذي طرح من قبل بعض النسويات السوريات وأفكارهن التي تمثل إننا كنسويات كارهات للرجال أو أن الرجال منافسين لنا خلق ردة فعل من قبل البعض رافضة للنسوية من قبل كلا الجنسين.
- شتم النسوية بات يحقق “ترند” لدى البعض عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهنا نلاحظ أن هناك العديد ممن شتم النسوية والنسويات عبر منصات التواصل الاجتماعي فقط من أجل خلق “ترند”.
- خلال السنوات الماضية بات العمل النسوي والتقارب بين النساء السوريات الفاعلات في العمل المدني والنشاط المجتمعي واضح وآخذ بالتوسع، كيف يمكن استغلال هذا التعاون في خلق قوة مؤثرة على الصعيد السياسي؟
بالفعل بدأنا نشهد قوة نسوية دافعة للمشاركة السياسية، منها مثلاً الحركة السياسية النسوية السورية نفسها، ولكن بالمقابل وبرأيي الشخصي يوجد فصل واضح بين العمل النسائي والنسوي في سوريا، بمعنى يوجد العديد من المؤسسات التي تعمل على دعم النساء في المجالات السياسية والمدنية ولكنها ترفض النهج النسوي، أو عدم وجود إدراك ووعي لمعنى النسوية وبالتالي هذا التقارب بين النسوي والنسائي مازال خجولاً جدًا، وربما نحتاج نحن النسويات السوريات للاستمرار بخلق وعي عن النسوية كنهج.
- بالعودة للمجتمع المدني، لفت نظري سؤال طرحته مؤخراً وهو: لماذا تستهدف منظمات المجتمع المدني في ورشات التمكين خاصتها، النساء فقط، ماذا عن الرجل أليسوا بحاجة لتمكين؟ حدّثينا أكثر عن هذه الفكرة، ولماذا برأيك قلما نسمع عن تدريبات تمكين للرجال؟
نحن بحاجة لتوعية مجتمعية وليس نسائية، لأننا بشكل عام نعيش قهراً سياساً واجتماعيًا، نحن السوريين/ات من كلا الجنسين، وبالتالي من المهم أن يستهدف التمكين كلا الجنسين، النقطة الأخرى في هذا المجال هي أنه عندما يتم فقط استهداف النساء في ورشات التمكين دون باقي أفراد مجتمعها فهنا قد يؤدي لانسلاخها عن هذا المجتمع مما يخلق التصادم بينها وبينه، فالأجدر هنا لتلافي الانسلاخ استهداف كلا الجنسين.
النقطة الأخيرة، هي أن الفصل والتركيز على النساء فقط يوحي أن الرجال ممكنين والنساء وحدهن بحاجة لتمكين، ويوحي أن النساء السوريات قادمات من كوكب، والرجال السوريون يعيشون في كوكب آخر.
*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية