أصوات نسوية، مقابلة مع لمى قنوت

“أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري “

مقابلة مع السياسية النسوية لمى قنوت

إعداد: كبرياء الساعور

 

أهلاً بكِ لمى، 

 

1- لمى قنوت ناشطة سياسية ونسوية سورية، صدر لها العديد من الكتب والدراسات البحثية، هل يمكنك مشاركتنا قصة رحلتك كناشطة سياسية وتعريفك الشخصي كنسوية؟

ولدت في بيت سياسي علماني، خبزه اليومي هو الانشغال بالشأن العام، والدتي شاعرة وأديبة، ووالدي سياسي، فكان المناخ مزيج من هذا وذاك. بدأ اهتمامي بالنقاشات السياسية مبكرًا جدًا، وبالتوازي مع عملي كسيدة أعمال كان مكتبي مخصصًا للقاءات السياسية والنشاطات المدنية المتنوعة خلال احتلال العراق، واستمر حتى مغادرتي سوريا بعد الثورة في عام 2013. اهتمامي بالفكر النسوي بدأ مع بداية الثورة، ومعظم كتاباتي مزيج من السياسي -النسوي.  

 

2- انتقل الحراك النسوي في سوريا مع بدايات الثورة من نضالات فردية أو مجموعات صغيرة إلى فكرة التغيير الاجتماعي والسياسي. كيف تقيمين دور وفاعلية النضال والعمل النسوي في سوريا بعد مرور أكثر من عقد؟

 الحراك النسائي والنسوي كان جزءًا من النضال السياسي للخلاص من الاستبداد وإقامة الدولة الديمقراطية المنشودة، ولكن العمل النسوي بدأ قبل الثورة، وتوسع بشكل أفقي وعامودي بعدها على شكل منظمات مجتمع مدني، ولولا النشاط النسوي لم يكن أثر الجرائم والانتهاكات ضد النساء والفتيات مرئيًا، باستثناء العنف الجنسي، ولم تكن التجارب والأدوار المختلفة للنساء بتنوعاتهن موثَقة ومرئية، ولما كان حق مشاركتهن في صناعة وبناء المستقبل حاضرًا في المنابر الدولية، لكن، ولنعترف، أن المنظمات النسوية والمنظمات التي تقودها النساء كانت مدعومة من بعض دول الشمال العالمي، وساهمت  بإسماع أصواتهن ومطالبهن، لكن وبنفس الوقت، أُسر العمل النسوي في إطار منظمات NGOS كشكل وحيد للناشطية، ووقع في أغلب الأحيان في مصيدة الأنجزة، كما وأَبعد الكثيرات عن العمل الحزبي السياسي المنظم، وعن بناء حركات اجتماعية.

 

3- ما هي التحديات التي ستواجه العمل النسوي في المرحلة الحالية بعد سقوط النظام من أجل تحقيق المساواة والعدالة؟

مازالت التحديات كبيرة جدًا، فنحن أمام سلطة انتقالية أوتوقراطية، ذات مرجعية سلفية معسكرة، تخشى التعددية السياسية والتشاركية، وتتعاطى مع مشاركة النساء بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن بطريقة رمزية وأدائية، كتعيين وزيرة واحدة في الحكومة الانتقالية، وسبق وأن تعاطت بردة فعل بعد الاحتجاجات الواسعة على تصريحات ذكورية لكل من عائشة الدبس مديرة مكتب المرأة، وعبيدة  وأرناؤوط المتحدث السابق باسم الإدارة السياسية، فعينت عددًا من النساء في مناصب عليا لترد عنها تهمة التشدد والانغلاق تجاه المختلفين/ات سياسيًا وثقافيًا ومعرفيًا مع مرجعيتها الأيديولوجية. وعلى أرض الواقع، فإن هذه السلطة تكرس مركزيتها وتجذر حكمها القمعي الذكوري تجاه الحريات الفردية والجماعية، وأعتقد أن العمل النسوي بحاجة إلى تحالفات واسعة وعمل قاعدي وأدوات مختلفة عن تلك التي استخدمَت قبل سقوط النظام الأسدي.          

 

4- في مقال في جريدة عنب بلدي بعنوان “عن مخرجات الحوار الوطني” ذكرت أن “من المفيد الاشتباك مع السلطة سياسيًا ونقديًا للحد من نزعتها نحو التفرد والاستئثار”. هل تعتقدين أن السلطة الحالية تتجه نحو التفرد بالسلطة؟ ماهي السبل التي ترينها مناسبة لتخليص سوريا من إرث الاستبداد والوصول إلى دولة القانون والتداول السلمي للسلطة؟  

بالتأكيد هناك استئثار وتفرد بالسلطة وحرب على الحريات الفردية والجماعية، وجرائم ترتكب بحق العلويين، نساءً ورجالًا وأطفالًا، كما ذكرت أعلاه، فالرئيس الانتقالي له صلاحيات مطلقة في الإعلان الدستوري، ويسعى مع تياره السياسي للهيمنة على جميع مفاصل المؤسسات أفقيًا وعاموديًا، وتطغى السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وما زالت هذه السلطة تتجاهل أهمية عقد مؤتمر وطني. 

فضاء الاستبداد نسيج شائك معقد للسلطة، يستشري في السياسة والثقافة والمجتمع والإعلام وحتى ضمن الأسرة، ويُفسد الأخلاق والعلاقات، وتُنحر فيه السياسة، وما التفكك الذي نحن فيه الآن إلا ثمرة الاستبداد المديد، وطالما أن مقاومة استئثار السلطة الانتقالية بأذرعها المسلحة السلفية التكفيرية محدود، فسنغرق أكثر في مستنقع آسن.     

 ويمر الطريق إلى تفكيك الاستبداد، مثلًا، بالإصرار على حيادية الدولة تجاه جميع مكوناتها وأيديولوجيتهم، واستقلال القضاء، وفصل السلطات، وحرية الإعلام، واستقلال النقابات، والمجتمع المدني المنظم والنشط، والأحزاب الفاعلة، والانتخابات الحرة والنزيهة في كل المستويات، وبناء جيش وطني مدرب على احترام حقوق الإنسان، بعيدًا عن اللون الواحد والجماعات التكفيرية ومرتكبي الجرائم. وتأتي أهمية عقد مؤتمر وطني يضم كل القوى الحية في المجتمع من أجل بناء عقد اجتماعي.    

                                                                          

5- بالرغم من أهمية أن يتحاور السوريون/ات بعد حقبة الاستبداد، برزت العديد من الانتقادات حول التسرع في عقد جلسات الحوار وخاصة حول مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد مؤخرًا. كيف تقيمين آليات ومخرجات هذا المؤتمر؟

لم تتعامل الإدارة الجديدة على أن الحوار الوطني استحقاقًا هامًا يتطلع إليه السوريون والسوريات، فقد طغى على الدعوات الشللية والاستنسابية وعدم الشفافية، واختاروا أن تكون مخرجاته غير إلزامية، وسُلق الحوار بساعات محدودة واستبعدوا دعوة الأحزاب والتكتلات السياسية والمنظمات المدنية، وهو يعكس خشية الإدارة من التعددية والديمقراطية والتشاركية، كما أن الجملة التي قالها أحمد الشرع في مستهل أعمال المؤتمر: “كما قبلتم منا هذا النصر نرجو متكرمين أن تقبلوا منا طرائقه” أثارت قلق العديد من التقدميين، نساًء ورجالًا، وهي جملة تماثل ما قاله أسعد الشيباني وزير الخارجية: “نحن حررنا الشعب السوري… وإذا حررت خطيفًة أو مختطفًا من خاطفه فلا يُمكن أن يسألك بعد ذلك إلى أين ستأخذني.”، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هل هذه السلطة معنية بالتوافق الوطني، وبناء عقد اجتماعي، وهل لديها الإرادة والرغبة ببناء نظام ديمقراطي تشاركي تعددي! حتى الآن ما تقوم به هذه الإدارة هو احتكار للسلطة وللقرار الوطني.

أما عن المخرجات، فمثلًا، تم إغفال الآلية التي سيتم فيها تشكيل لجنة دستورية لإعداد دستور دائم للبلاد (البند السادس)، وانسحب ذلك على الإعلان الدستوري، أي تم تجاهل أهمية عقد مؤتمر وطني ينجم عنه انتخاب لجنة لكتابة دستور دائم للبلاد، وتجاهل (البند التاسع) الذي ينص على: “ترسيخ مبدأ المواطنة، ونبذ كافة أشكال التمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب…” التمييز على أساس الجنس، أما البند العاشر المتعلق بالعدالة الانتقالية، فقد نص على إصلاح المنظومة القضائية دون الإشارة إلى إصلاح القطاع الأمني، والذي تحتكر تأسيسه وفق رؤيتها وعقيدتها الأيديولوجية، وركزت المخرجات على المحاسبة دون ذكر ركيزتي جبر الضرر ومعرفة الحقيقة. أما (البند الثامن) والذي ينص على: “احترام حقوق الإنسان، ودعم دور المرأة في كافة المجالات، وحماية حقوق الطفل، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل دور الشباب في الدولة والمجتمع.” فقد حشر العديد من القضايا الهامة في بند واحد، بينما كان الأفضل التنصيص على كل قضية منهم على حدا.

  

6- تمرّ سوريا بمرحلة انتقالية حساسة بعد سقوط نظام الأسد. ما هي الضمانات الدستورية والقانونية التي تضمن للنساء دورًا فاعلًا في المرحلة الانتقالية وصياغة الدستور؟

لقد وضعنا في “تجمع سوريات من أجل الديمقراطية” منذ عام 2012 عدة مبادئ لدستور متوافق مع الجندر: أن يكون الدستور علمانيًا، أي أن تكون الدولة حيادية تجاه جميع المكونات وأيديولوجياتهم، وأن ينصّ بشكل واضح على المساواة الجندرية بوصفها مبدأ دستوريًا، وأن تسمو جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، التي تصادق عليها الدولة، على القوانين الوطنية، وينبغي مواءمة الدستور والتشريعات الوطنية لتتوافق مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن يحظر الدستور التمييز المباشر وغير المباشر على أساس الجندر، وأن ينصّ الدستور على أن تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد النساء بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن، وحمايتهن، وأن ينص الدستور على إنشاء هيئات دستورية معنية تحديدًا بتحقيق المساواة الجندرية والتكافؤ بالفرص والنتائج، شرط أن تكون مستقلة وتتمتع بالصلاحيات والموارد، وأن يضمن الدستور آليات لتعزيز مشاركة النساء في أوجه الحياة السياسية والعامة كافةً، ويجب ضمان عدم تقييد الحقوق تحت أي ذريعًة كانت، وأن يكون القضاء مستقلًا وهناك فصل بين السلطات. 

 

7- “المشاركة السياسية للمرأة السورية بين المتن والهامش” بحث للمى قنوت صدر في عام 2017 رصد البحث استبعاد وتهميش النساء السوريات من دوائر صنع القرار. ما هي توصياتك لضمان مشاركة فعالة للنساء في الأحزاب والحركات السياسية وتعزيز دورهن في العمل السياسي في المرحلة الحالية؟

برأيي أننا بحاجة إلى بناء عقد اجتماعي وعملية سياسية حقيقية من خلال عقد مؤتمر وطني جامع، تكون قراراته ملزمة، ويضم سوريين وسوريات من مختلف المشارب والانتماءات، وينجم عنه هيئات ولجان سيادية متعددة كهيئة للعدالة الانتقالية وأخرى لكتابة الدستور الدائم وإعداد قانوني الانتخابات والأحزاب، أما عن تعزيز المشاركة السياسية للنساء فأعتقد من المفيد بناء شبكات على مستويين، منظمات غير حكومية تشجع وتدعم الراغبات في النشاط السياسي سواءً كن منخرطات في تلك المنظمات أو من خارجها، وشبكات قاعدية عابرة للمنظمات غير الحكومية والأحزاب تدعم خياراتهن في الانخراط بالعمل النقابي والإداري والسياسي، إعلاميًا واقتصاديًا وقانونيًا وسياسيًا واجتماعيًا.   

  

8- بصفتك باحثة ومتخصصة في العدالة الانتقالية عملتي مع مراكز أبحاث ومؤسسات لتوثيق قصص الناجيات، ما هي برأيك فرص وتحديات العدالة الانتقالية في سوريا اليوم بعد سقوط النظام؟

هناك خشية من التسرع ومن الإهمال بنفس الوقت، وخاصة مع الترهل المؤسساتي والتعيينات التي تقوم بها الإدارة الحالية القائمة على الولاء واللون الواحد في النظام القضائي والقطاع الأمني، بالإضافة إلى تعيين أفراد لديهم سجل حافل في انتهاكات حقوق الإنسان، ناهيك عن التسويات التي تعقدها مع مجرمين ومرتكبي جرائم اقتصادية تقوض العدالة الانتقالية القادمة وتسبب الأذى لمجتمعات الضحايا والناجين/ات، واستمرار الجرائم في الساحل حتى يومنا هذا ينسف الثقة بالسلطة وبإرادتها السياسية في تحقيق العدالة الانتقالية، وأنا أخشى ألا تحظى هيئة العدالة الانتقالية بالاستقلالية اللازمة، وألا توفر لها موارد كافية.  

 

9- بعد أن ظن السوريون/ات أنهم نجحوا في بداية عملية التحرير وسقوط النظام، وأنهم على طريق بناء سوريا المأمولة، غير أن انفجار الأحداث في الساحل السوري وسقوط مئات القتلى من المدنيين/ات تضعنا أمام سؤال: كيف يمكن تطبيق العدالة الانتقالية لضمان السلم الأهلي ومنع قيام حرب أهلية؟

استمرار الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين/ات تعزز الشكوك حول عدم رغبة السلطة الحالية في بناء عقد اجتماعي والقطع مع ثقافة الإفلات من العقاب التي سادت لعقود مع نظام الأسدين، والاستسهال أو التغاضي عن مجرمين متحالفين معها من الفصائل المسلحة، ناهيك عن وجود تكفيريين ضمن تركيبتهم، يصورون وينشرون خطابهم وتهديداتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون ردعهم ومحاسبتهم بشكل علني، وتجريم قانوني لهذا الخطاب والممارسات، الأمر الذي يعزز قلق العديد من السوريين والسوريات من مختلف المشارب والانتماءات، إضافةً، إلى أن بناء مسار العدالة الانتقالية يحتاج إلى توازن بين الحاجة الملحة للعدالة الانتقالية ووجود مؤسسات قوية للدولة تديرها كفاءات لتحظى بثقة جميع السوريين، نساءً ورجالاً، ويحتاج إلى حد أدنى من الاستقرار ومعالجة الفوضى الأمنية وجمع السلاح المتفلت، وإلا سيؤدي إلى محدودية المشاركة العامة وربما ترهيب للشهود وزعزعة الأمن سواءً خلال المحاكمات المختلطة أو الوطنية، وستؤدي إلى عكس النتيجة المرجوة من العدالة الانتقالية. 

 

10- في كتابك “العدالة الانتقالية الحساسة للجندر في سوريا” الذي يتناول قضايا العدالة الانتقالية من منظور جندري، لم الإلحاح على الحساسية الجندرية؟ وما هي أهمية مشاركة السوريات في بناء مسار العدالة الانتقالية؟

لا يمكن أن تسير العدالة الانتقالية التحولية دون مشاركة روابط الضحايا التي كان للنساء دور طليعي في تأسيسها وتنظيمها، كما أن خلو مسار العدالة الانتقالية من العدسة الجندرية ومشاركة الخبيرات فيها ستكون من وجهة نظر الرجال فقط، كما أود أن أشير إلى أن مشاركة النساء بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن، كما الرجال، في كامل مسارها يجب أن تكون وفق خبراتهن المتنوعة، السياسية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية وغيرها.

 

11- عبرت عن نظرة نقدية لعمل منظمات المجتمع المدني، كيف تقيمين عمل المنظمات النسوية والنسائية ودور التمويل في تعزيز فاعليتها وتأثيرها على النساء السوريات في القاعدة الشعبية العريضة؟

أشرت في جوابي على السؤال الثاني عن بعض الجوانب الإيجابية في دور المنظمات النسوية والمنظمات التي تقودها النساء، وفي المقابل ثمة جوانب ظهرت مع مأسسة بعض المنظمات كشكل وحيد أو طاغ على الأشكال التنظيمية الأخرى، ووقع عدد منها في فك الأنجزة، وانجروا أو تقوقعوا في ديناميات وسلوكيات وقوالب هي بالتضاد مع المبادئ والقيم والفكر النسوي، سواء أدركوا ذلك أم استُدرجوا إليها وتقولبوا معها، ولاشك أن إطار الـ NGOS حال دون تطور الحرك النسوي والنسائي ليصبح حركة اجتماعية، وقد كتبت عدة مواد تتحدث عن أثر الأنجزة في الحراك النسوي. 

 

12- في مقالك بعنوان “من أجل إعادة تسيس الحراكات المدنية” قدمت انتقادات للحركات النسوية الليبرالية بأنها تتجاهل الجذور السياسية لمشاكل النساء السوريات، كما أن خضوع منظمات المجتمع المدني لمؤسسات نيو ليبرالية أدى إلى نزع الطابع السياسي لعمل هذه المنظمات، هل يمكن توضيح ذلك؟

يكمن نقد النسوية الليبرالية في مقارباتها التبسيطية ومعالجتها السطحية لبناء وإصلاح المؤسسات، فهي من جهة لا تشتبك مع تحالف الأبوية مع الرأسمالية والاستعمار والامبريالية، ومن جهة أخرى وفي مرحلة صعود شعبوية اليمين السياسي، تناور بأسلوبٍ مهادن واعتذاري مع التشدد الديني، رغبة في استمرار برامجها أو بسبب تضارب مصالح بعض المنضويات في عضويتها مع السلطات الدينية والسياسية، كما وأنها حذرة جدًا في مناهضة الاحتلال الصهيوني بالتحديد، أو لا تريد لمصالحها أن تتهدد مع الجهات التمويلية في الشمال العالمي، وغالبًا عندما تفحص علاقات القوة والسلطة وأنماط التمييز المتقاطعة مع الجندر العرق والإثنية والطائفة والطبقة والدين والعمر والميول الجنسية والقدرة البدنية، تتعامل معها بأسلوب سياسات الهوية وليس كإطار عدالة تقاطعية تفكك جذور البنى القمعية في الممارسة، وعليه توصف بأنها “نسوية بيضاء” وتعبر عن نساء الطبقة الوسطى والعليا أصحاب الامتيازات، ولا تخوض بشكل بنيوي في المشاركة السياسية للمرأة إلا كأرقام تستخدمها البنى الاستبدادية الذكورية والمعسكرة في تبييض صورتها، وتحتفي بالمشاركة الرمزية كإنجاز فردي، وتتبنى مصطلحات بشكل غير نقدي مثل تمكين النساء بدل تحررهن، والناشطية بدل النضال، والفقر بدل الإفقار سواء فسادًا ممنهجًا أو/ و جراء السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، إضافة إلى تجزئة القضايا السياسية – الاجتماعية. 

بشكل عام، إن انجذاب المسيسات والفاعلات القاعديات إلى العمل في أطر منظمات غير حكومية بعد الثورة، وتحديدًا بعد عسكرتها، بدل انخراطهن المباشر في بناء حركات اجتماعية – سياسية أو أحزاب أو المشاركة في التكتلات السياسية أضعف تواجدهن السياسي، وحاولن تعويضه بالتواجد في المنابر الدولية لنشر رؤية منظماتهن والضغط من أجل مشاركتهن في المسار التفاوضي الديبلوماسي، الأمر الذي سمح بظهور تنافسية وإقصاء وشللية بدل التضامن النسوي.                 

 

13- قدمت النساء السوريات تضحيات كبيرة خلال فترة الصراع ولعبن دورًا مهمًا في دعم صمود مجتمعاتهن. كيف ترين دور النساء في إعادة بناء سوريا بعد الحرب؟

للأسف مع العقوبات والفقر والتذرر المجتمعي والانفلات الهوياتي وتفشي خطاب الكراهية وانتشار السلاح والانتهاكات والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وبضمنه الفصل الجندري، وانعدام الأمن في الكثير من المناطق، إضافة إلى التغير المناخي وتدني الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء وخدمات الصحة الإنجابية، ستتحمل النساء العبء الأكبر وستزداد معاناتهن وستؤثر على مشاركتهن في المجال العام، وهنا تأتي أهمية بناء حركات اجتماعية تضامنية تستند على المعونة المتبادلة، وتتبنى الاقتصاد التضامني، وشبكات الحماية المجتمعية.

 

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية