أصوات نسوية، مقابلة مع ماري تيريز كرياكي
- updated: 12 نوفمبر 2021
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع الناشطة الاجتماعية والنسوية ماري تيريز كرياكي
إعداد: رجا سليم
ماري تيريز كرياكي، من مواليد دمشق ومقيمة في النمسا منذ نهاية الثمانينات. حاصلة على ليسانس في اللغة الفرنسية، من كلية الآداب في جامعة دمشق، كاتبة ورئيسة تحرير سابقة لمجلة “بلسم” الصادرة عن رابطة المرأة العربية، فيينا، وحالياً معدة النشرة ومخرجتها. عضوة مؤسسة ورئيسة رابطة المرأة العربية، فيينا/ النمسا، ومديرة ومدرِّسة في مدرسة اللغة العربية فيها. عضوة مؤسسة في الحركة السياسية النسوية السورية. عضوة مؤسسة في رابطة موظفي الأمم المتحدة العرب، فيينا/ النمسا. مؤسسة ومديرة لمشروع “بلسم” الذي يعنى بالأطفال والنساء اللاجئات/ين السوريات/ين منذ العام 2011 وحتى تاريخه. من مؤسسات المنتدى العربي، منظمة حقوق الإنسان العربية (فرع النمسا)، تنسيقية النمسا. تعمل موظفة في الأمم المتحدة منذ عام 1987 وحتى تاريخه، بدأت مع الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئات/ين الفلسطينيات/ين)، من ثم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
مرحبا بكِ ماري
1- متى بدأ اهتمامك بالعمل النسوي\السياسي\الاجتماعي، وكيف؟
تتكون عائلتي من ثلاث نساء والدتي وأختي وأنا، وتنتمي إلى الطبقة الوسطى من الطائفة المسيحية، قامت أمي قبل خمسين سنة بطلاق أبي وهذا كان نادر الحدوث في طائفتنا، والأصعب كان أن تقوم والدتي بتطليق أبي وأخذ حضانتنا أختي وأنا، وقد كانت من القوة بحيث واجهت العائلة والمجتمع وعاشت تقريباً في مقاطعة اجتماعية، إذ أن كلمة “مطلقة” كانت تخيف من حولها.
ولكي تتمكن من تأمين حياتنا كانت والدتي تعمل ثلاث ورديات، ولم تكن تنم أكثر من أربع أو خمس ساعات، وكان العائد بالكاد يكفينا. كان هم أمي الأول أن نكمل دراستنا كي لا نحتاج أحد ولطالما كنا نتساءل كيف لجارنا الذي يقوم بعمل واحد أن يكفي متطلبات عائلته المؤلفة من سبعة أشخاص؟
كانت أمي تتحاشى أي صدام وإن حصل فلا تعبر عن رأيها بصراحة خوفاً من أن تتعرض لأي مساءلة في ظل غياب قوانين الحماية الاجتماعية لكنها كانت تعلم أننا بتعاضدنا وبالوقوف بجانب بعضنا يمكننا الوصول إلى طموحاتنا، والأمثلة كثيرة التي لم أكن أعرف أنها صبت في وعيي وإدراكي إلى ما بتنا نعرفه حالياً بالعمل النسوي/السياسي/الاجتماعي، والظلم التاريخي الذي لحق بالمرأة وبكل الفئات المهمشة.
وما هي طبيعة هذا العمل؟
تعلمت من راهبات “القلب المقدس” العمل الإغاثي منذ طفولتي، إذ كنا نقوم على المشاركة في تنظيم خمس حملات إغاثية سنوياً للقرى المحيطة بمدينة حماة، كنا خلالها نعد سلات غذائية وصناديق أخرى للملابس والأحذية وهذا العمل يتطلب الكثير من العمل والتنظيم.
وبعد عودتنا من حماة إلى دمشق عام 1967، كان قد صدر قرار بإلغاء أي عمل مدني، وتوقفنا لفترة، ومن ثم في نهاية المرحلة الثانوية بدأت بالعمل في مجال محو الأمية، ومن ثم خدمة الأطفال العراقيين اللاجئين خصوصاً في المجال التعليمي، ودام هذا الأمر لمدة ما يقارب الثلاث سنوات وما لبثت الدولة السورية أن منعتنا من مواصلة تقديم المساعدة.
2- غادرتِ دمشق إلى النمسا في الثمانينات، كيف تصفين الواقع النسوي\النسائي خلال سنوات نشأتك في سوريا؟ وكيف تصفين الواقع النسوي\النسائي السوري اليوم؟ ما الذي تغير، وما هي العوامل التي أدت إلى هذا التغيير؟
في ظل غياب القوانين التي تحمي المرأة في سوريا وانحسار دور الدولة لصالح المؤسسة الدينية بكل طوائفها، همش دور المرأة السورية في المجتمع، مما أثر على استقلاليتها، خاصة وأن اعتمادها الاقتصادي على الرجل، إن كان أباً أو أخاً أو زوجاً، جعلها أسيرة لهذا الشخص ولأحكامه.
ومن الغريب أن الدولة التي تدعي “علمانيتها” تقوم مؤسساتها على محاصصة طائفية، وعلى سبيل المثال، وحسب مشاهداتي كان لـ “الاتحاد النسائي” في سوريا قوانين غير مكتوبة مثل أن تكون رئيسة الاتحاد مسلمة سنية، نائبتها مسلمة شيعية أما باقي المناصب فتتوزع حسب رغبة فرع الأمن.
هناك بعض القوانين المتقدمة التي تصب في مصلحة النساء لكن كان هناك تعتيم مقصود عليها. وكذلك هناك قوانين مع بعض الاستثناءات التي تقوم بتفريغ هذه القوانين من فعاليتها.
اليوم ساهم الانتشار السوري في كل أنحاء الأرض، وانفتاح الفضاءات أمام المرأة، واطلاعها على تجارب النساء في العالم، والإحساس بالمساحة الواسعة من الحرية، في تمكين المرأة من التعبير عن ذاتها ورغباتها، وكذلك البدء في الاعتماد على الذات. وتمكين النساء اقتصادياً مكنها من المشاركة في اتخاذ القرارات الحياتية الخاصة بعائلتها أولاً، ومن ثم المجتمع الذي تعيش به ثانياً، وتحول دورها من المتلقي إلى الفاعل.
بالخلاصة العلم والحرية والعمل والقوانين الداعمة، وبالتالي الإحساس بالكرامة في المجتمعات المضيفة ساعدت على التغيير في دور المرأة وأدائها.
3- بعد انتقالك إلى النمسا عملتِ مع منظمة غوث للاجئات/ين الفلسطينيات/ين “الأونروا”، ماذا اكتسبتِ من هذه التجربة؟ وكيف وظفتِ هذه الخبرة لمساعدة اللاجئات واللاجئين السوريات والسوريين في النمسا؟
فتح عملي في منظمة غوث للاجئات/ين الفلسطينيات/ين “الأونروا” آفاقاً كبيرة في كيفية تنظيم عمل مؤسسي لخدمة اللاجئات واللاجئين، وتعلمت الدرس الذي فهمته الفلسطينيات والفلسطينيون بأن العلم هو أقوى الطرق النضالية، إضافة إلى العديد من البرامج الإغاثية وكيفية العمل الجماعي وأهميته.
كل هذه الخبرات إضافة لما تعلمته على أرض الواقع ساهمت في تعزيز قدرتي على تنظيم العديد من المشاريع لخدمة اللاجئات واللاجئين، فبالإضافة لما قمت به في سوريا، بدأت في النمسا، العمل على مساعدة اللاجئات واللاجئين العراقيات\ين والفلسطينيات\ين. ومنذ العام 2011 أسست مشروع “بلسم” لمساعدة النساء والأطفال السوريات\ين على الحدود السورية التركية، عملت مع فريق كبير من المتطوعات والمتطوعين السوريات\ين والنمساويات\ين وجنسيات أخرى في مدن ييلاداغ، وكليس، وأنطاكية، وتركز العمل في 9 قرى حدودية قرب أنطاكية التركية. وتمكنا من إقامة ورشات عديدة للدعم النفسي من خلال الرسم والموسيقى والمسرح والرياضة والرقص، وكذلك معسكرات طبية وعمليات جراحية، وأسسنا عيادتين طبيتين للنساء وللأطفال، ومؤخراً أنشأنا مركزاً ثقافياً للشباب وللأطفال، وما زلنا نعمل حتى تاريخه.
وكذلك عملت منذ ست سنوات على إنشاء مشاريع فنية ثقافية جمعت السوريات والسوريين في فيينا/النمسا، وكان نتاجها تأسيس أول أوركسترا شرقية في أوروبا “ناي”، عدد أفرادها 80 شخصاً (موسيقيات\ين، وكورال) ثلثي أعضاؤها سوريات\ين والباقي من جنسيات متعددة. وأسسنا أيضاً فرقة شباب أوركسترا “ناي” وعددهم 18 موسيقية\اً والجميع سوريات\ين. ومن ثم أسسنا مدرسة “نينوى” للموسيقى والغناء على أساس أكاديمي، وفرق مسرحية والكثير من الأنشطة الثقافية الأخرى، ومن المهم الإشارة أن كل هذه الأنشطة الموسيقية والغنائية تمت بالتعاون مع الأستاذ عروة الشوفي.
والفكرة الأهم هي العمل على جمع السوريات والسوريين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والدينية وغيرها، وعملنا على تعزيز القواسم المشتركة.
4- سيدة ماري، من الواضح انخراطك الكبير بالشأن السوري وتبنّيكِ لقيم دعم الطاقات الشّابة والمساواة والحرية وغيرها، هلّا حدثتنا عن الدوافع وراء هذا الإيمان؟ وما هو التغيير الذي تسعين إلى تحقيقه؟
من الطبيعي أن أقوم بدعم الشابات والشباب والوقوف وراء كل طموحاتهن/م وهذا يتناسب مع ما أؤمن به من حقوق الإنسان وإيماني بأن فضاء الحرية هو ما أسعى إليه. وكذلك أسعى لتعزيز الأمل لدى الفئة الشابة بأن دورهم قادم وأساسي في تغيير مستقبل سوريا.
5- أنتِ من المؤسسات للحركة السياسية النسوية السورية، حدثينا من فضلك عن البدايات، كيف بدأت الفكرة، وكيف تمت بلورتها، وما هي التحديات التي واجهتكن خلال فترة التأسيس؟
تلقيت الدعوة من الصديقات للانضمام لتأسيس الحركة السياسية النسوية السورية وبعد أن قرأت أدبياتها الأولية، في وقت كان هناك تحركات متواضعة لتنظيم الحراك النسائي، إضافة إلى الحاجة الماسة لتنظيم دور النساء السوريات وتأهيلهن لممارسة دورهن السياسي وللمشاركة في صناعة القرار وبناء سوريا المستقبل. تم الاجتماع التأسيسي ونوقشت الأوراق المقدمة وتم التوافق على بنودها رغم الاختلاف في وجهات النظر، حيث أن معظمنا قادمات من خلفيات متعددة وغالبيتنا من الناشطات في العمل المدني وهو يختلف اختلافاً كاملاً عن العمل السياسي. لكن وجود نساء ممن لهن باعاً طويلاً في العمل السياسي ساعد على بلورة طريقة هذا العمل وكذلك على ردم الهوة في الرأي ما بين العضوات المؤسسات.
ومن المعروف أن السياسة علم، وهي من أهم التحديات التي تواجه عملنا، ولكننا، وهو المهم برأيي، نعرف تماماً إمكانياتنا ولا نبالغ في وصفها ونعمد على الدراسة لتطوير قدراتنا.
6- بعد أكثر من ثلاث سنوات على تأسيس الحركة السياسية النسوية السورية، تضم الحركة اليوم ما يزيد عن 150 عضوة وعضواً وباب الانتساب مفتوحاً، برأيكِ ماذا حققت الحركة اليوم؟ وبماذا تعثّرت؟ وماذا على سلّم أولوياتها في الوقت الحالي؟
أهم ما قامت الحركة السياسية النسوية السورية بتحقيقه هو التواصل ما بين عضواتها وأعضائها في داخل سوريا وخارجها، ووجود كل الأجيال ومختلف مكونات المجتمع السوري، إضافة لتسليطها الضوء على عدد كبير من النساء الضالعات في الشأن السياسي، وإعداد جيل جديد من الشابات المؤهلات للانخراط في المشاركة السياسية من منظور نسوي ومؤطر علمياً.
وتعثرنا في إعداد المنتسبات إلى الحركة السياسية النسوية السورية وشرح أهدافها منذ البداية بأسلوب مبسط مما خلق بعض الإشكاليات في فهم التحديات التي علينا مواجهتها.
أعتقد أن من أولويات الحركة السياسية النسوية السورية العمل على إنشاء لوبيات (مجموعات ضغط) في دول اللجوء للتواصل مع العاملات\ين في مراكز صنع القرار في هذه البلدان لشرح القضية السورية ولحشد الأصدقاء فيها، إذ أننا مع الأسف ما زلنا نتكلم فيما بيننا ولا نخاطب المجتمعات المضيفة، ولم نتمكن حتى الآن من تكوين صداقات مع النائبات\النواب، أو الوزيرات\الوزراء، أو الأحزاب أو الصحافة في بلدان اللجوء، وكل ذلك ينعكس سلباً علينا، وهو بحد ذاته خسارة كبيرة لقضيتنا العادلة لأننا لم نحشد قوانا وقوى الأصدقاء للتأثير على سياسة البلدان المضيفة لصالح قضيتنا.
7- خلال مقابلاتنا مع عدد من السوريات والسوريين، وصف معظمهن\م مشاركة النساء في الأجسام السياسية التي تشكلت بعد الثورة في سوريا بالخجولة وغير الكافية، ما رأيكِ؟ وما الذي أعاق تحقيق مشاركة أفضل للنساء؟
هناك أسباب عديدة منها السيطرة الذكورية على المشهد، وأحياناً أحادية الرؤية ومحاولة فرضها، وإن سمحت المؤسسات القائمة على مشاركة المرأة فهي مشاركة تجميلية لنفي فكرة الإقصاء أو التهميش لهذه المؤسسات. طبعاً ولا ننفي أن هناك خجل لدى النساء وأحياناً خوف من المشاركة في هذه الأجسام القائمة وذلك للممارسات التي تواجهها في حال إبداءها رأي آخر فتقمع بشكل مباشر وأحياناً توجه لها انتقادات شخصية لا تتعلق بعملها أو أدائها.
8- لا يخفى على أحد أن المشهد السياسي السوري، وهنا أقصد الطرف المعارض، ليس بأفضل حال، وهذا سبّب الإحباط لكثير من السوريات والسوريين المؤمنات\ين بقيم الثورة وبالعمل السياسي المستند لتلك القيم، برأيكِ كيف يمكن إعادة توجيه بوصلة العمل السياسي؟ أين مكامن الخلل؟ وأين موقع الحركة اليوم في هذا المشهد؟
اسمحي لي هنا استحضار مقولة الأستاذ عبد العزيز الخير بما معناه “علينا الحذر فإن الثورة إذا تسلَّحت تأسلمت وإذا تأسلمت تطيَّفت” ونحن مع الأسف وصلنا إلى هذه النقطة، وتعدد الفصائل المسلحة المحلية والغريبة صادرت قرار السوريات والسوريين وحياتهن\م. وعانت وما زالت النساء تعاني من كل أنواع الضغوطات والتي تصل إلى حد القمع ابتداءً من اللباس وانتهاء بالأفكار والممارسات.
ومن أهم التوجهات التي تساعد على إعادة توجيه بوصلة العمل السياسي هو التخلص من هذه الفصائل، وخلق فضاء من الحرية، وأنا أعلم أن هذا الأمر من الصعوبة بمكان لأنه أمر ليس بيد السوريات\ين، وفي حال حصول المعجزة علينا العمل على خلق فضاء من الثقة والشفافية.
9- يطلق عليكِ بين أوساط السوريات والسوريين في النمسا لقب “الأم”، ما قصة هذه التسمية؟ وما هو تأثيرها، سلباً وإيجاباً، على حياتك الشخصية وعملك ونشاطك؟
بدأت مناداتي بـ “ماما” من قبل الأطفال في مخيم الشاطئ في غزة عندما قمت وأصدقائي بحملة لشراء كراسي لذوات\ي الاحتياجات الخاصة، وعندما قمنا بتوزيعها ناداني الأطفال المستفيدون بـ “ماما”. ومنذ العام 2015 بدأ اللاجئات\ون بالتوافد إلى النمسا، والغالبية كانوا من الفئة الشابة وبمفردهن\م، ووجدوا الملاذ والمحبة لدي وبدأوا بمناداتي بهذا الاسم. زاد هذا الاسم من الأعباء والمسؤوليات التي أخذت الكثير من وقتي ومن الوقت المخصص لعائلتي التي لطالما دعمتني في عملي هذا.
أود في نهاية المقابلة أن أتوجه بالشكر لكن على هذا اللقاء والمودة، وأتمنى لحركتنا المزيد من النجاحات والتوصل لتحقيق الأهداف والمشاركة في بناء سوريا من جديد كنساء الحجارة في ألمانيا.
*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية
في رصيد ماري تيريز كرياكي مجموعتان قصصيتان، وعدد من الجوائز:
المنطقة الرمادية (مجموعة قصصية) – الحضارة للنشر- القاهرة 2014 باللغة العربية، ورابطة القلم النمساوية باللغة الألمانية – فيينا 2015.
الهروب إلى الأمام (مجموعة قصصية) – الحضارة للنشر- القاهرة 2015، فيد الترجمة إلى اللغة الإنكليزية.
جائزة الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” للعمل الطوعي عن مشروع “بلسم”- 2015.
جائزة رابطة نساء الأمم المتحدة في فيينا/النمسا عن مشروع “بلسم”- 2016.
جائزة رابطة نساء الأمم المتحدة في نيويورك/أمريكا عن مشروع “بلسم”- 2017.