أصوات نسوية، مقابلة مع هُناده الحريري

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع هُناده الحريري

حاورتها رجا سليم

هُناده الحريري، من مدينة داعل في درعا، لكنها ولدت في منطقة الضمير في ريف دمشق، باعتبار والدها كان ضابط طيار في الجيش، وتقاعد قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011 . في عمر الـ ١٢ انتقلت هُناده إلى مسقط رأس والدها في داعل، وعاشت هناك إلى حين التحاقها بجامعة دمشق لدراسة الأدب الإنكليزي، حيث باتت تتنقل بين المدينتين. بعد التخرج عام 2009، سافرت إلى دبي للعمل في العلاقات العامة، وبقيت هناك حتى عام ٢٠١٣. في بداية ذلك العام اتخذت القرار بتغيير مجال عملها ومكان إقامتها، وانتقلت حينها إلى تركيا، وتنقلت بين كلّس وغازي عنتاب واسطنبول، وعملت في عدة مشاريع ومؤسسات مجتمع مدني كلها معنية بالشأن السوري. في أوقات الفراغ، تلجأ هُناده عادة للرياضة والأكل، أمّا حالياً، فتقول: “أشاهد المسلسلات التركية ذات المحتوى السطحي، من باب تحسين لغتي التركية، ولتذكير نفسي بوجود محتوى سطحي مثل هذا في الحياة، إلى جانب المشاكل الجدية والمصائب”.

١ – ماهي طبيعة نشاطك النسوي\السياسي\الاجتماعي؟

حقيقة لا يمكنني أن أقول أن لدي نشاط نسوي بالمعنى التقليدي للكلمة. بالنسبة لي، أرى النسوية من خلال أي شيء أقوم به. مثلاً أسلوب تعاملي مع الأشخاص، المبادئ التي أتّبعها في العمل، وحتى طريقة حياتي. مفهوم النسوية مطبّق أيضاً في مؤسسة “بدائل” التي أعمل معها كمديرة برامج، حيث نعتبر النسوية صفة للمنظمة، ونعرف عن أنفسنا بها، وتحكم مبادئنا وتصرفاتنا وخياراتنا، إلا أننا لسنا مختصين فقط بمشاريع موجهة للنساء. شخصياً طريقة رؤيتي لنشاطي النسوي تشبه طريقة “بدائل” في التعامل مع الأمر.

٢ – متى بدأ اهتمامك بالعمل النسوي\السياسي\الاجتماعي، وكيف؟

أعتقد أنني سأؤكد على فكرة أنني أود من خلال أجوبتي التوسع بتوصيف العمل النسوي عن الأنشطة التقليدية، هذه على الأقل هي رؤيتي الشخصية للموضوع. أقول ذلك لأن خيار أن أكون نسوية اتخذته منذ الطفولة، ولم أكن قد سمعت بمصطلح نسوية حينها، بحكم أن عائلتي من النمط التقليدي والمحافظ، فهناك عدد لا نهائي من المشاهد التي تعرضت فيها للتمييز لكوني امرأة. أولى ذكرياتي كانت بعمر الـ ٧ سنوات، كنا نؤدي صلاة جماعية، وأمّنت (قلت آمين) بعد سورة الفاتحة بصوت عالٍ. كان عمي موجوداً، وبعد نهاية الصلاة، نادى علي ليقول لي إن صوت المرأة “عورة” ولا يجب أن أؤمّن بصوت عال. لست في صدد الخوض بالخيارات الدينية لأي كان ولا بمدى صحة أي تفصيل، لكنني لا أعتقد أن عمي نفسه كان يفهم أنني بكل الأحوال لست امرأة، كنت طفلة. في السنوات اللاحقة من حياتي وحتى هذه اللحظة، هذا التمييز هو جزء من الحياة، لا نتعرض له فحسب، بل نمارسه كثيراً. لا بد أن أذكر أبي بأحد الأمثلة، فهو سبب كبير لكوني نسوية. أبي ينكر حتى اليوم التمييز والأخطاء التي قام بها. أبي الذي أجبرني أن أرتدي الحجاب والمانطو (المعطف الطويل) عندما كنت طالبة، لا يتذكر هذا اليوم. لا يتذكر أنه اختار شكل حياتي عندما كان بإمكانه ذلك. لذلك لا بد أن أعطيه فضل جعلي مهتمة للغاية بالعمل النسوي، ومهتمة أكثر ألا تكون السلطة الأبوية هي الطاغية على حياة الفتيات.

٣ – بالنظر إلى الحراك النسوي السوري قبل وبعد 2011، كيف تطور مسار هذا الحراك؟

إذا كنا نتحدث عن الحراك النسوي السوري كحراك سياسي واجتماعي نخبوي، فاعتقد أن هناك شرخاً كان موجوداً قبل الثورة بين الحراك النسوي وباقي الفئات، وزاد بعد الثورة. شيء من قبيل أن هناك صحيح مطلق غير قابل للنقاش، وهناك ممارسات يجب نقدها بشراسة بغض النظر عن الظروف. للتوضيح من خلال مثال شخصي: عندما كنت في أوائل العشرينات، كنت لا أتوقف عن نقد النساء اللواتي يتعرضن للعنف المنزلي، فعندما تحدثني صديقة أو قريبة عن وضعها، كنت أدفعها لاتخاذ قرار بهذا الخصوص، بدون تقديم أي نوع من الخيارات الملموسة. نقد حاد فقط، إلى أن وجدت نفسي ضحية للتعنيف وغير قادرة على وضع حد له بسبب الأولويات، وصلت إلى مرحلة عميقة من الذل والقهر ولكنني لم أكن قادرة على اتخاذ القرار الذي كنت أوصي به الأخريات. كانت هذه التجربة بمثابة صفعة أدركت بعدها مدى انفصالي عن الواقع حتى عشته بنفسي.

أشعر أن الحراك النسوي السوري في كثير من الأحيان يسعى إلى تغيير الأشخاص، وتحديداً النساء. تغيير ما تؤمنّ به، وكيف تؤمنّ به. كفتاة قروية من بيئة محافظة، أشعر أن الخيار الأنسب هو توفير الخيارات والفرص للجميع، واحترام ما سيختاره كل شخص.

طبعاً أعتقد أنه لابد أن نتحدث عن الحراك النسوي من خلال الحياة اليومية، وهنا أود التأكيد على أن هناك قوة جبارة أظهرتها النساء السوريات في ظروف كارثية ما بعد الثورة، وتطورات عظيمة جداً، وبنفس الوقت أظهر الكثير من الرجال قابلية للاستماع والتفهم أكبر مما سبق. لكن من الضروري التذكر أن أي تحسين حقيقي في الوصول، يجب أن يأخذ السياق وظروف الحياة اليومية بعين الاعتبار.

٤ – ماهي أبرز المحطات في هذا الحراك خلال التسع سنوات الفائتة؟

أعتقد في كل مرة اتخذت امرأة سورية قراراً جعلها أقوى وأعطاها سلطة أكبر على حياتها، وكل مرة قامت امرأة بتمهيد الطريق لأخرى ليكون لها وصول لخيارات أفضل، هي بالنسبة لي أبرز المحطات. لا يخطر في بالي أحداث كبرى تركت لدي نفس الأثر.

٥ – كيف تقيمين التمثيل السياسي للنساء السوريات في الأجسام السياسية التي تشكلت بعد الثورة؟

أعتقد أن هذا السؤال لا يحتاج الكثير من التفكير. بثقة أقول إن ما يسمى تمثيلاً نسائياً للسوريات هو شبه معدوم. الأجسام السياسية السورية التقليدية يمكن اعتبارها مدارس في الذكورية والسلطوية والأبوية. ليس هناك الكثير للتوسع به في هذه النقطة، نظرة على الأجسام السياسية الأبرز وتواريخها، يعطي فكرة جيدة جداً عن طبيعتها.

٦ – كيف تصفين دور المرأة السورية في ميدان السياسة اليوم، بعيداً عن الانخراط بأجسام سياسية محددة؟

ليس جيداً جداً، لكن أعتقد أنه في تحسن، هناك إدراك أكبر لضرورة سلوك هذا الطريق. هناك تضامن أفضل وأقوى، وهناك ميل لتخفيف الشروخ بين النخب النسوية والمجتمعات المحلية. أعتقد ربما من الجيد أن نرى في المستقبل المزيد من النساء يفرضن أنفسهن على كل الطاولات، وبنفس الوقت، يمهدن الطريق لأخريات للانضمام. بالتأكيد من الجيد أن يكون لدينا حلفاء ذكور في هذا المجال، لكن لا يمكننا إنكار أنهم مهما حاولوا وضع أنفسهم في مكاننا، فهم لا يعرفون تفاصيل تجاربنا الحقيقية.

٧ – عملتي كمسؤولة لقسم الإعلام والحريّات في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، كيف تصفين وصول الأصوات النسوية إلى كافة شرائح المجتمع السوري، هل تعتقدين أن الأصوات النسوية متواجدة وممثَلة بالشكل الصحيح والقدر الكافي على المنصات الإعلامية؟

يعتمد الجواب على من هي الأصوات النسوية بالنسبة لي. في السنوات الأخيرة وبحكم التجارب القاسية التي مررن\مروا بها، أصبح عدد أكبر من النساء والرجال ممارسين لقيم نسوية متنوعة. ولو أن الموضوع لم يكن بالضرورة طواعية، وفي الغالب، كانوا مدفوعين بالظروف الراهنة، مثل موضوع عمل النساء وموضوع إشراف النساء على مهام إدارية وقانونية أكثر فيما يتعلق بالأسر، الأمر الذي زاد معرفتهن واطلاعهن بصورة عامة. تطور هذه المهام في المجتمع، فسح المجال لمساحة تواصل وتبادل أكثر بين الأصوات النسوية البارزة وباقي شرائح المجتمع، والانتقال لتطبيق أكبر للمبادئ النسوية.

بالتأكيد، كما في باقي المنصات، ليس هناك تمثيل كافٍ للأصوات النسوية على المنصات الإعلامية، وخصوصاً حينما يتعلق الأمر بتنوع هذه الأصوات. مثلاً هناك محاولات حقيقية للمنصات لدعوة أصوات نسوية، لكن هناك نتيجة غير واعية لتنميط الأصوات النسوية، من خلال دعوة متكررة لنفس الوجوه النسوية المألوفة. عندما أقارن تجربتي النسوية بتلك لإحدى النساء في أي مدينة سورية، تعرضت لظلم وإجرام نظام الأسد، أستطيع الجزم أن بإمكانها التحدث عن ما يهم وما يعني الناس بصورة أفضل مني بكثير. هناك شح في الأصوات المتنوعة للنساء في الإعلام بصورة عامة، ليس فقط الأصوات النسوية، الأمر الذي يتعارض مع المبادئ النسوية.

٨ – تعملين حالياً مديرة برامج في مؤسسة “بدائل”، ما مدى ارتباط عملك الحالي بالنساء، وبرأيك ما مدى تبلور أهمية دور المجتمع المدني ومنظماته لدى النساء السوريات من خارج الوسط النسوي والسياسي؟

كما ذكرت سابقاً، “بدائل” تعرف عن نفسها كمؤسسة نسوية، وحقيقة أشعر بفخر كبير عندما أعرّف عنها بهذه الطريقة. باعتبار أنني عملت مع عدد من المنظمات الدولية والسورية العاملة في الشأن السوري، وجدت هذا التعريف شيئاً مميزاً جداً لدى “بدائل”. أحاول دائماً أن أشرح للآخرين فكرة أننا منظمة نسوية من حيث التنفيذ، وليس تعريفاً فقط. مثلاً عندما ننفذ أي مشروع، ليس بالضرورة أن يكون موجهاً للنساء، لكن حتماً يتم أخذ المبادئ النسوية بعين الاعتبار، مثلا التمثيل (representation) في موضوع التوظيف، أو خلال تنفيذ الأنشطة، والتفكير بالطرق التي تجعل الوصول للأنشطة عادلاً للنساء والرجال.

فيما يتعلق بأهمية المجتمع المدني لدى النساء السوريات، فمن الصعب الإجابة بصورة دقيقة، بحكم تنوع الظروف في مختلف المدن السورية ومدن المهجر، وبالتالي تنوع الوصول. لكن، اعتقد أنه من تجربتنا على الأقل، من المهم العمل دائماً على تحسين الوصول وتوسيعه، وأيضاً من المهم بنفس الوقت توضيح الدور الحقيقي للمجتمع المدني وعدم خلطه مع أدوار المؤسسات الحكومية، وإدارة التوقعات في كل الأوقات.

٩ – برأيك ماذا ينقص العمل النسوي السوري اليوم، وما هي المبادرات التي يمكن أن تقوم بها التجمعات والأجسام النسوية لتطويره، ولم تعمل عليها حتى اللحظة؟

اعتقد أنه من المهم العمل على تنوع الأصوات والوصول، وإفساح المجال من حيث الفرص لفئات جديدة من النساء، كما من الضروري التركيز على فكرة أن العلاقة بين العمل النسوي والمجتمع ليست علاقة عامودية يقوم من خلالها طرف بتوجيه الآخر، برأيي على الأقل، أرى أن العلاقة أفقية يجب أن يكون فيها تسيير متبادل للمحتوى من الطرفين.

١٠ – برأيك هل من الممكن أن يتم التعاون بين منظمات المجتمع المدني والأجسام السياسية لزيادة تمكين وتمثيل المرأة سياسياً؟

أعتقد أن هذا التعاون ضروري، وأن الوقت قد حان ليخرج هذا الموضوع من حيز طلب الإذن والبحث عن تبرير، ويصبح جزءاً طبيعياً من العملية السياسية وجزءاً طبيعياً من أدوار المجتمع المدني.

١١ – هنا مساحة حرة نتركها للمشارِكة لإضافة ما ترغب، خارج نطاق الأسئلة

النسوية ليست مساحة نخبوية. أعتقد أن الأثر الأكبر للنسوية تقوم به نساء ورجال قد لا يدركن/ون حتى أنهن/م نسويات/ون. شخصياً أتمنى، أنه لو تغير نمط تعاملنا مع النسوية، بحيث نقوم كنساء ممن لدينا منصة للتعبير بدعم ظهور أخريات، وتعزيز تشارك الفرص والمنصات.

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي السيدة التي تمت مقابلتها ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة