أصوات نسوية، مقابلة مع دلير يوسف

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع الكاتب والصحفي دلير يوسف

حاورته رجا سليم

أنا دلير يوسف أحبّ أن أعرّف عن نفسي كصانع أفلام وكاتب وصحافي. في جعبتي ثمانية أفلام قصيرة وكتابان وعدد كبير من المقالات والتحقيقات والتدوينات التي نشرت على مدار اثني عشر سنة في عدد كبير من الصحف والمجلات والمواقع. وأنا كذلك أب فخور لطفلة تبلغ سنتان ونصف. أقيم حاليًا في برلين، بعد أن ولدتُ وكبرتُ في دمشق.

مرحبًا بك دلير،

١- هل تركّز في كتاباتك الصحفية والإبداعية على مواضيع معيّنة؟ ماهي؟ ولماذا؟

في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة نشرت الكثير من التدوينات التي تحكي قصصًا استوحيتها من الذاكرة، أردت أن أفهم أشياء في شخصيتي فعدت إلى الذاكرة وكتبتُ عن البيت الذي نشأت فيه وعن الشارع الذي لعبتُ فيه كرة القدم لأول مرة، وعن جدتي وجدي، وعن أخي الذي رحل عن عالمنا منذ خمسة عشرة عامًا. كما كتبت عددًا من القصص القصيرة تتمحور حول فكرة الخوف. أردت أن أفهم الخوف.

كما عملت على تحقيقات صحفيّة عديدة وأذكر منها تحقيق عن التحرش الجنسي بالأطفال في سوريا، وتحقيق عن الكتب التي يتركها المُهجَّرون خلفهم، وتحقيق عن الأمراض النفسيّة التي تُصيب السوريين في أوروبا بعد ٢٠١١، وغيرها.

كذلك كتبت بعض التدوينات والمقالات عن مواضيع مختلفة أذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر، مقالات متعلقة بحقوق النساء ومقالات متعلقة بالعنصرية في بلادنا وعن ثورة العراق وهكذا.

٢- نشرت في موقع رصيف 22 تدوينة بعنوان “رجل نسوي؟ هل هناك مشكلة؟” تناقش فيها تساؤلاتك الشخصية حول مفهوم الرجل النسوي. ما الذي دفعك للكتابة حول هذا الموضوع؟

نعم، وكنت قد نشرت على نفس الموقع تدوينة أخرى سبقتها بعنوان “هل أنا أيضًا متحرش بالنساء؟” وخضتُ الكثير من المناقشات حول موضوع النسويّة ومواضيع أخرى متعلقة بالنساء. ربما كانت الموجة النسويّة الحاليّة وتصاعد أصوات النساء ما دفعني للتفكير بالأمر.

لا يخفى على أحد بأنّنا ولدنا في مجتمعات ذكوريّة لا تفكر بحقوق النساء ولا بالمساواة ولا بأيّ أمر يتعلق بحق من حقوق النساء. دائمًا ما كان الذكر هو المُفضل على الأنثى. لكن، ولأنّني قد نلتُ حظًا طيبًا من الحياة فقد صادفت نساءً عظيمات خلال حياتي القصيرة ممن قادوني في طريق آخر وأظهرن لي جانبًا من أفعالي. هذا ما دفعني إلى مراجعة نفسي ومراجعة أفعالي مع النساء، مما دفعني في النهاية إلى الكتابة عن الموضوع.

٣- تناولت في التدوينة المذكورة مجموعة صفات وممارسات تعرّف الرجل النسوي. من هو الرجل النسوي؟ هل تعرّف نفسك كرجل نسوي؟

أقتبس جزءًا من إجابتي من التدوينة التي نتحدث عنها هنا: “أفترض أنّ الرجل النسويّ هو الرجل المؤمن بحقوق النساء والمؤمن بالمساواة والعدالة بين البشر المختلفين في كلّ تفصيل من تفاصيل الحياة، وهو الرجل المؤمن بأنّ نوع جنس الإنسان لا يوفر له/لها أيّ أفضلية في أيّ مجال علمي أو نظري أو تطبيقي. وإنّ هذا الإيمان لا يكمن في القول فقط بل يجب أن يكون مقترنًا بالفعل اليومي. هذا يعني أن يتوقف الرجل عن التعريف عن نفسه كرجل فقط، وأن يفترض أنّ له أفضلية على النساء بمجرد كونه رجلًا. كذلك يعني أن يتوقف عن “التحكم” بحياة النساء، فقط لمجرد ولادته بعضو جنسيّ ذكريّ، وأن يحترم خصوصيّة الأفراد وقرارتهم بغض النظر عن جنسهم، وهذا يعني أيضًا أن تتوقف الشتيمة التي تستخدم أعضاء النساء الجنسيّة. كما أفترض أنّ الرجل النسوي يؤمن بأحقيّة اختيار الأفراد لتوجهاتهم الجنسيّة، وأن يدافع عنها دون أن يطلق أحكامًا مسبقة على من يخالفه التوجه”.

أفترض إنّ ما كتبته في هذه التدوينة يعبّر بشكل ما عمّا يدور في ذهني حين أتحدث عن النسويّة. لا تعريف واضح للرجل النسويّ عندي، أو للمرأة النسويّة، لكنني أعتقد بأنّ من يؤمن بالمساواة بين كلّ الأجناس (الذكر والأنثى والأجناس الأخرى التي يحددها أصحابها) وبالعدالة ويسعى/ تسعى إليها في حياته/ا اليوميّة يمكن أن نطلق عليه صفة نسوي.

أما بخصوص سؤالكِ فيما كنتُ أعتبر شخصًا نسويّاً. فجوابي هو نعم ولا. نعم أعتبر نفسي، بكلّ تواضع لكن بفخر، شخصًا نسويّاً، حسب تعريفي وفهمي للنسويّة، لكن في الوقت نفسه النسويّة مفهوم ثوري وأخلاقي، لذا عليّ إصلاح بعض الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي السابقة قبل أن أتشدق على الناس بتوصيفات وآراء كبيرة.

على كل الأحوال، أعتقد بأنّني متصالح جدًا مع نفسي وعندي من الشجاعة ما يكفي كي أنظر إلى الماضي وأحاسب نفسي وأغيّر سلوكياتي وأحكي عن أخطائي وأحاول إصلاحها (إن كانت قابلة للإصلاح)، وأعتقد بأنّ عندي من التواضع ما يكفي لكي أتعلم، وأبقى أتعلّم، في كافة مجالات الحياة، وبالطبع النسويّة جزءٌ من ذلك.

٤- ترفض شريحة كبيرة من الرجال\الذكور وصفهم بنسوي، هل هذا عائد فقط للفهم المغلوط للنسويّة؟ ما هي العوامل الأخرى المساهمة بتشكيل هذه النظرة برأيك؟

أعتقد أن كلمة نسوي/ة غير مفهومة بشكل كبير، لكن وبشكل عام فهناك نظرة عامة في مجتمعاتنا (وهنا أتحدث عن مجتمعات الشرق الأوسط) سلبية تجاه النساء والرجال ممن يدافعون عن حقوق النساء، وأعتقد بأنّ هذا مرتبط ارتباطًا قويًا بذكوريّة المجتمع ككلّ واستضعاف النساء وإبقاء الرجال في موقع قوي ومُفضل عن النساء، وهذا بدوره يؤدي في النهاية إلى وجود حالات اعتداء واغتصاب وتحرّش وتعنيف أكثر من أن تُعّد.

أجدّ ثلاث عوامل رئيسيّة لذكوريّة المجتمع، أولّها النصوص الدينيّة التي تقدّم الرجال على النساء وثانيّها عدم وجود قوانين وتشريعات مدنيّة تردع المعتدين وتحمي الضحايا وثالث العوامل هو اللغة التي نستخدمها في حياتنا اليوميّة وفيما نكتب، حتى يمكنني القول بأنّ اللغة العربيّة هي لغة ذكوريّة، أو على الأقل يتم استعمالها بشكل ذكوري، مثلًا ترجمة جملة “Do You want” إلى العربيّة هي “هل تريد”. لا نترجمها “تريدين”. مؤخرًا بتُّ أعتمد بشكل شخصي على صيغة الجمع في الحديث فأترجم الجملة السابقة لـ “هل تريدون”، بالطبع الأمر متعلق كذلك بسياق الجملة.

أرى أنّ لهذه العوامل الثلاثة تأثير هائل على علاقاتنا اليوميّة وعلى نظرتنا للحياة بشكل عام وللمرأة بشكل خاص، وإذا ما أردنا تغيير الواقع فعلينا كمجتمع كامل مراجعة هذه العوامل الثلاثة وتغيير ما يجب تغييره.

٥- أقتبس من تدوينتك مايلي: “عادة، يكون الامتحان الحقيقي للرجل النسوي عند اقتراب القضية من حياة نساء في حياته…حالات تُظهر حقيقة إيمان الرجل بحقوق المرأة وقدرتها على اتخاذ قراراتها”. ما مدى أهمية تجاوز هذا الامتحان برأيك؟ وكيف يمكن للرجل أن يعمل على تجاوزه؟

كنتُ طالبًا في المرحلة الثانويّة حين قال لنا أستاذ الفلسفة إنّه يدّعي الحريّة الآن وإيمانه بحقوق النساء، لكن امتحانه الحقيقي يكون حين تكبر طفلته الصغيرة. بقيت هذه القصة عالقة في ذهني.

كذلك، وخلال حياتي عرفت عددًا من الأصدقاء ممن ادعّوا إيمانهم بالحريات الفرديّة وضمنًا حريّة المرأة، لكن الأمر كان يتغير حين يتعلق الأمر بالزواج أو بحريّة الأخت أو الأم أو الشريكة.

أعتقد بأنّ هذا الامتحان موجود فقط عند أولئك الذين يكيلون بمكيالين ويقولون عكس ما يفعلون. المرء المؤمن بأمر ما يفعله ولا امتحان في ذلك. لا يمكن أن يقول المرء أنا أؤمن بالحريات لكن خارج بيتي. لا يمكن أن يقول المرء مثلًا بأنّه يحق لي أن يكون لي صديقات إناث ولكن لا يمكن أن يكون لأختي أصدقاء شبان. هذا الشخص لا يؤمن بالحريات وليس نسويًا ولا قريبًا منها، هذا شخصٌ منافق، ولا أهمية لتجاوزه الامتحان من عدمه. الرجل الصادق المؤمن بحقوق المرأة لا يقف أمام أمور كهذه. في الاقتباس المأخوذ من تدوينتي كنتُ قد قصدت من يدّعي بأنّه رجل نسوي يعجز أمام هذا “الامتحان”.

٦- ما ردود الأفعال التي يواجهها الرجل الذي يعرف نفسه بنسوي؟ هل يمكن أن يتجنب الرجل الإفصاح عن تبنيه للفكر النسوي تجنباً للتعرض لأحكام اجتماعية مغلوطة؟ كيف تصف تجربتك الشخصية مع الموضوع؟

في الحقيقة لا أملك إجابة واضحة عن الموضوع. في فقاعتي التي أعيش فيها، وأقصد أصدقائي وبيئتي البرلينيّة (نسبة إلى برلين) فالأمر مقبول نسبيًا وموضع ترحيب، فمواضيع الدفاع عن حقوق النساء والحديث عن المساواة وما إلى هنالك دائمة الحضور في جلساتي مع أصدقائي، لكن أقابل أحيانًا بجُمل من نوع “أنت متطرف عندما يتعلق الأمر بهذا الموضوع”. وأعتقد أنّ الفقاعة التي أعيش فيها، والتي تدّعي الحريّة، هي جزء من المجتمع الكبير والذي، مثلما ذكرتُ سابقًا، لا يفهم/ لا يتقبل/ لا يعرف مصطلح النسويّة.

كثيرًا ما أسمع بأنّ النسويّين متطرفين، وهذا ما لا أفهمه في الحقيقة. كيف تكون الدعوة إلى المساواة تطرفًا، بينما تكون جرائم الشرف وحوادث الاعتداء والتحرش أمرًا عاديًا في المجتمع.

على كل حال، وبشكل شخصي، لا أخفي أنّني أتبنى الفكر النسوي وأدعو إلى المساواة التامة.

٧- برأيك هل شكّل انطلاق الثورة السورية عام 2011، تغييراً في طبيعة الواقع النسوي السوري؟ كيف؟

أعتقد أنّه من الإجحاف القول بأنّ النشاط النسوي أنطلق مع الثورة السوريّة. ربما كانت الثورة دافعًا لتطوير وتنظيم وقولبة الحركة النسويّة السوريّة، لكن وقبل الثورة كانت هناك حركة نسويّة في سوريا. أذكر على سبيل المثال لا الحصر حملة في العام ٢٠٠٩ على ما أذكر ضد ما يُسمى بجرائم الشرف.

الثورة السوريّة أحدثت تغييرًا هائلًا في المجتمع السوري لن نعرف حجم أثره إلّا بعد سنوات طويلة، وبالطبع الواقع النسوي السوري تأثر أيضًا. وأعتقد أنّ التغيير الأكبر كان تنظيميًا، فقد وُلدت الكثير من المنظمات والمؤسسات التي تعنى بالنسويّة ساهمت في وعي فئات جديدة من المجتمع للواقع النسوي في البلاد.

٨- هل ترى أن الحراك النسوي السوري بإطاره العام يتوجه لكافة النساء السوريات على اختلاف خلفياتهن وتوجهاتهن؟

حقيقة لا أستطيع الإجابة فلستُ على اطلاع كامل على كامل النشاط النسويّ في سوريا. لكن أتمنى أن يكون التوجه لكلّ النساء على اختلاف خلفياتهن وتوجهاتهن كما أتمنى أن يكون موجهًا للرجال كذلك، فالنسويّة هي قضيّة مجتمعية ولا تخص النساء فقط. أتمنى حقًا أن يكون التوجه للجميع وليس محصورًا بفئة نخبويّة ما أو بطبقة ما.

٩- كيف ترى أثر الحراك النسوي على واقع المرأة السورية اليوم، سواء داخل سوريا أو خارجها؟

لن أكون كاذبًا إذا قلتُ بأنّ واقع المرأة السوريّة من سيء إلى أسوأ، لكن ربما (وعلى أمل) كانت الأحاديث والنقاشات التي تدور بين السوريين بعد انتشار خبر جريمة ما أو اعتداء ما على امرأة في مكان ما أثرًا إيجابيًا ما في المستقبل. أعتقد أنّ هذه النقاشات تحدث بأثر من أحاديث ونقاشات النسويات والنسويين.

١٠- كيف تقيم مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية اليوم؟ ولماذا؟

عن أي مشاركة نتحدث؟ نتحدث عن جهات الحكومة السوريّة مثلًا حيث نرى أنّ أفعال بعض نساء هذا النظام (بثينة شعبان مثلًا) تهين المرأة مثل الرجل، ونرى أنّ هذه المرأة تتصرف كما لو كانت رجلًا ذكوريًا. أما في جهات المعارضة السوريّة فكاد تخلو المجالس والائتلاف وغيرها من وجود النساء، وحتى المنظمات والمؤسسات التي تدّعي الحريّة والمساواة بين الرجال والنساء نكاد لا نرى نساءً في مجالس إدارتها أو حتى في محاضرتها وندواتها. أما في مناطق سيطرة الأكراد ورغم كلّ الادعاءات بالمساواة بين الرجل والمرأة التي تذكرها سلطات الإدارة الذاتيّة ورغم إنّ الوضع أفضل نسبيًا من باقي المناطق إلّا أنّ الواقع سيء والرجال يتحكمون بكلّ مفاصل الحياة، وجريمة قتل أخ لأخته في ناحية الدرباسيّة منذ أيام قليلة خير شاهد على ذلك.

ما نراه من مشاركات للنساء في الحياة السياسيّة هو جهد شخصي وإصرار من بعض النساء وبعض المنظمات النسويّة، غير ذلك لا أرى، مع الأسف، أي وجود للنساء في الحياة السياسيّة السوريّة.

١١- برأيك ماذا ينقص العمل النسوي السوري اليوم، وما هي المبادرات التي يمكن أن تقوم بها التجمعات والأجسام النسوية لتطويره، ولم تعمل عليها حتى اللحظة؟

لست في موقع التنظير هنا لكن هي ملاحظات قليلة أو أشياء أحسّ بها ولا أستطيع أن أثبتها. أعتقد بأنّ كلّ مقاربات وحلول المسألة السوريّة لا تتناول المشكلات في العمق بل تكون المقاربة والمعالجة سطحيّة. كما أنّ ردات الفعل تتحكم بالعمل النسوي. كما قلت هذه ملاحظات أحسّ بها ولا أستطيع إثباتها.

١٢- هنا مساحة حرة نتركها للمشارِكات\المشاركين لإضافة ما يرغبن\يرغبون به، خارج نطاق الأسئلة.

النسويّة هي دعوة إلى المساواة، وهي مهمة للرجال كما للنساء كما للأجناس الأخرى. ولا يمكن حصر النضال النسوي بالنساء فقط، على الرجال أيضًا أن يقولوا ويفعلوا ويعملوا من أجل تحقيق هذه المساواة، وهذا لا يعني بالضرورة الانضمام إلى أيّ منظمة أو مؤسسة نسويّة، جوهر الأمر هو فعلٌ وممارسة يوميّة.

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة