أصوات نسوية، مقابلة مع جلال نوفل
- updated: 27 مايو 2021
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع الطبيب والناشط السياسي جلال نوفل
حاورته رجا سليم
جلال نوفل طبيب نفسي ومدرب دعم نفسي اجتماعي في الأزمات، درس الطب في جامعة دمشق، ثم تخصص وتدرب في الطب النفسي في مشافي وزارة الصحة السورية. كان يقيم في دمشق وريف دمشق حتى خروجه من سوريا في كانون الأول 2014، مقيم حالياً في مدينة غازي عنتاب التركية، ويعمل في مركز للصحة النفسية كطبيب نفسي. مهتم بتطوير معلوماته وخبراته في الطب النفسي والدعم النفسي الاجتماعي وتحديثها باستمرار، والتعاون مع و/أو تدريب كوادر العاملين في الصحة النفسية في مدينة غازي عنتاب، إلى جانب اهتمامه بتطوير معرفته الأدبية والسياسية وتوسيع مساحات تحاور وتلاقي السوريات والسوريين و/أو الأتراك المهتمين بالشأن العام في مدينة غازي عنتاب وتنظيم نشاطات مشتركة معهن/م.
مرحباً بك دكتور جلال
١- جلال نوفل من الناشطين السياسيين الذين تعرضوا للاعتقال عدة مرات ضريبة التعبير عن الرأي، حبذا لو شاركتنا بنبذة عن طبيعة نشاطك السياسي السابق والحالي.
كانت بدايات نشاطي السياسي مع الحزب الشيوعي السوري- منظمات القاعدة في المرحلة الثانوية ثم انتقلت إلى حزب العمل الشيوعي مع بداية حياتي الجامعية واعتقلت في سياق نشاطي مع الحزب. ودام اعتقالي ثمان سنوات ونصف. كما شاركت في فعاليات الثورة السورية في تنسيقية أحياء دمشق وتنسيقية أطباء دمشق، ائتلاف اليسار السوري، والحوارات التأسيسية لحركة النداء الوطني ونشاطات ميدانية متعددة. حالياً أشارك في حوارات ونشاطات لخلق مساحة مشتركة بين ناشطات وناشطين سوريات وسوريين تجمعهم مبادئ وغايات الثورة الأساسية في الحرية والكرامة وتشارك المواطنات/ين المتساويات/ين في دولة مدنية.
٢- من خلال تجربتك الشخصية، كيف أثر اضطرار الكثير من الناشطات والناشطين السياسيات/ين لمغادرة سوريا على مساهمتهن\م برفد المشهد السياسي السوري؟ وما هي سبل المشاركة المتاحة؟
برأيي إن تهجير السوريات والسوريين كان كارثة على الثورة السورية وعلى العمل السياسي في سوريا، فأساس السياسة العمل على إصلاح أو/ وتغيير النظم السياسية، مما جعل عمل الناشطات والناشطين من خارج البلد هو عمل من خارج فضاء الفعل الواقعي منخفض القيمة المضافة للصراع السياسي وإفقار للقوى الفاعلة في البلد وبالتالي مكسب مهم لقوى الإرهاب الأسدي والإسلامي.
من ناحية أخرى ساهم في تطوير الخبرات الشخصية- وأقل منها الجماعية- ثقافياً وأكاديمياً والتعرف على آليات اشتغال الديمقراطية واقعياً؛ ما يمكن أن يغني العمل السياسي والثقافي في التحضير والتأسيس لعقد اجتماعي عصري بين السوريات/ين في المرحلة الانتقالية بعد انتهاء مرحلة تعفن نظام الأسد ومقاومة قوى الاحتلال المتحكمة بالمتحاربين حالياً، لكن يعيق ذلك عمق التنافر والتقاتل بين ممن ما زلن/وا ناشطات/ين ومهتمات/ين وكأن منطق التحارب سائد على منطق التعاقد والتحاور.
٣-دكتور جلال، هل أنت من المتابعين للحراك النسوي السوري؟ كيف تصفه؟ وكيف تتفاعل معه؟
يبدو لي أن الحراك النسوي السوري مبتلٍ بأمراض الحراك السوري عموماً؛ ضعيف ومهمش ومتنافر الأولويات، ويلملم أدواته للانتقال للفعل النسوي وامتلاك فهم مشترك لواقع النساء السوريات واتجاهات التغيير وآليات تفكيك السلطات الذكورية في بلدنا وفي المنافي. وتفاعلي هو من موقع المراقب عن سابق إصرار.
٤- ترفض شريحة كبيرة من الرجال\الذكور وصفهم بنسوي، هل هذا عائد فقط للفهم المغلوط للنسوية؟ ما هي العوامل الأخرى المساهمة بتشكيل هذه النظرة برأيك؟
أشير سريعاً أن نساء كثيرات يرفضن هذا الوصف. يقوم الرفض على أساس الجهل بالنسوية المعاصرة من ناحية، وعلى أساس الموقع الذي يجد الرجل نفسه فيه؛ أي كصاحب امتياز في نظام ذكوري راسخ في الواقع والذهن، وتصوري أن الفهم المغلوط هو بعد فقط من أبعاد الرفض؛ لكن لأكون واضحاً فإن الفهم الصحيح للنسوية سيجعل معظم الرجال مقاومين لها كونها تسعى لتقويض سلطانهم وسلطاتهم. وعلى النسوية المناضلة ألا تخشى هذا الرفض بل أن تقبل تحدي تغيير النظام الذكوري بما يفرضه ذلك مع “العالم الرجالي”.
من الضروري الأخذ بعين الاعتبار وجود نسويات متغايرة ومتناقضة مع جوهر النسوية أحياناً كـ “النسوية الإسلامية” مثلاً، كونها تعمى عن أن الإسلام نظام ذكوري بامتياز فكيف يمكن لمكون ذكوري أن يقوض نظامه. المنطق ذاته مضلل. سقف حركات النساء الإسلاميات ذكوري بالضرورة. وهذا مفهوم في الطور الحالي لتشكل المفهوم النسوي، وهو تشكل صراعي محكوم بالتطور التاريخي بالضرورة.
٥- من هو الرجل النسوي؟ وهل تعرف نفسك بنسوي؟ لماذا؟
أفهم النسوية كما تفهمها وتعرضها “كاترين ماكينون” في كتابها “نحو نظرية نسوية في الدولة” بأنها نظرية لتغيير واقع النساء في النظام الذكوري باتجاه تغيير الواقع الذكوري نفسه بكل آلياته ونظمه وأشكال هيمنته، وبهذا المعنى الجذري تكون النسوية مكون ضروري لي كثوري (مازال للمكون الماركسي الثوري صدى “لا يمكن لمضطهدٍ أن يكون حراً” فعلاقة الاضطهاد سالبة لحرية طرفيها). بهذا المعنى التغييري والتفكيكي للسيطرة الذكورية العميقة الجذور أكون نسوياً، لكن السمت الأبعد غوراً هو نفي كل اضطهاد وهو الوعي الأعمق اللازم للنسوية المعاصرة.
٦- في خضم الظروف المعيشية القاسية التي تعيشها السوريات والسوريون، بات ينظر للمطالب النسوية، كالمساواة والتمثيل السياسي للنساء، على أنها “رفاهية” في غير أوانها. ما رأيك في هذا الطرح؟ وأين ترتيب هذه المطالب على سلم الأولويات السورية برأيك؟
برأيي على النسويات والنسويين أن يحددن/وا الأولويات ليس كتنازلات ومساومات بين طرفين، بل على أساس المساواة المواطنية والفاعلية، بهذه الطريقة لن تحتاج النساء “للكوتا”، ولن يحتاج الرجال لتدليل النساء بقبول “الكوتا” شكلاً وتجميلاً لسيطرتهم، فمناورات النساء في “خضم الظروف المعيشية القاسية” تحمي الحياة التي يدمرها الرجال غالباً؛ ووعي ذلك شرط لزعزعة مداميك في البناء السياسي الذكوري.
٧-برأيك، ما مدى ارتباط النسوية بالسياسة؟ وهل هذه العلاقة تجعل من النسوية حكرًا على مجموعة محدودة من الأفراد، وبالتالي ليست خيار الشريحة العامة؟
يجب أن يتحول رصيد الإسهامات الاجتماعية للنساء في زمن الثورة والأزمة إلى مكاسب اجتماعية وسياسية في كل مرحلة. وباعتبار السياسة إدارة للصراعات والسيطرة فنزع السياسة من النسوية يحولها عن المعنى الذي حددته لها، فإما أن تخضع للسياسات الذكورية الناظمة للمجتمع الذكوري فتصير من أدوات إصلاحه فقط؛ وإما أن تتحول لحركة نخبوية نسائية، وشتان بين الحركات النسائية والحركات النسوية المعاصرة.
٨- كيف تقيم مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية اليوم؟ ولماذا؟
الحياة السياسية السورية تتسم حالياً بالتفاهة والتفكك والتنازعات الرخيصة واستجداء رضى قوى الاحتلال أو “الدول الفاعلة”. في هذا السياق توهم السوريات والسوريين بأنهن/م يمارسن/ون السياسة.
لابد من اجتراح سياسة تليق بتضحيات وآلام السوريات والسوريين غير إدارة الأوهام الحالية التي رسم إيقاعها المايسترو الاجرامي ديمستورا/بوتين. إن إعادة الاعتبار للسياسة مهمة يبدو أنها شاقة، لكن من الضروري أن تبدأ من نزع الغطاء عن المعارضة، وفضح أنها لا تمثل إلا شخوصها الجيدين أو السيئين وأنهم إنما يفاوضون على أدوار لهن/م، وبدء تشكيل حلقات نقاش عام للتدرب على التعاقد الاجتماعي/السياسي بين أفراد أحرار يشكل اجتماعهن/م مجالاً عاماً وفضاء عيش يؤسس لسوريا حديثة تتجاوز الحرب العامة الحالية. في هذه الورش المواطنية ستنبت سياسة مختلفة وتدريب جديد على أن نختار ونكون مسؤولات/ين عن خياراتنا. تصور معقد وبطيء لكنه يستحق فتح النقاش فيه، فالوقت وقت الأسئلة الصحيحة أكثر مما هو وقت الأجوبة اليقينية.
*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة