أصوات نسوية، مقابلة مع علياء أحمد المصطفى

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

مقابلة مع علياء أحمد المصطفى

حاورتها رجا سليم

علياء أحمد المصطفى، خريجة علم اجتماع. غادرت دمشق ومقيمة في ألمانيا منذ أربع سنوات. عملت علياء كباحثة اجتماعية ومرشدة مدرسية في وكالة “غوث”، وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا – “UNRUA في عدد من المخيمات الفلسطينية. تعمل حالياً في منظمة “داميغرا – DaMigra”، وهي مظلة جامعة وتحالف لأكثر من 70 منظمة نسوية من أصول مهاجرة تناضل من أجل حقوق النساء اللاجئات والمهاجرات في ألمانيا. تتمحور اهتمامات علياء حول حقوق المرأة والطفل، كما تساهم في أنشطة تدريبية متنوّعة لرفع الوعي المجتمعي بحقوق الإنسان، إضافة لكتابة مقالات ودراسات عن واقع النساء والأطفال في المجتمع السوري داخل سوريا وخارجها.

١- ماهي طبيعة نشاطك النسوي\السياسي\الاجتماعي، وهل هو جزء من عملك؟

أنا مناصرة لحقوق الإنسان، أؤمن بأن الحقوق لا تتجزأ تحت أي مسمّى، أسعى لامتلاك رؤية نسوية أتمثّلها سلوكياً وفكرياً، وأعمل على دراسة واقع النساء في المجتمع، وتحليل الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع، في محاولة لفهم وتحديد آليات التغيير المؤثرة والفعالة.

أشارك في الفعاليات الاجتماعية والسياسية المطالبة بالعدالة والمساواة الحقوقية وتعديل القوانين التمييزية ضد النساء، خاصة المهاجرات واللاجئات، والهادفة إلى محاربة الصور النمطية حولهن. هذا جزء أساسي أيضاً من عملي في “DaMigra” حيث أعمل كمنسقة في مشروع “صانعات الشجاعة”، وفيه نقوم بقياس وتحديد احتياجات الفئة المستهدفة لتلبيتها ضمن نطاق عملنا والإمكانيات المتاحة، من خلال تنظيم فعاليات وأنشطة مختلفة كورشات العمل والمحاضرات واللقاءات التفاعلية، وحتى تنظيم تظاهرات واحتجاجات، للتعريف بحقوق المهاجرات واللاجئات في المجتمع الجديد، والاستفادة من مؤهلاتهن والتركيز على نقاط القوة لديهن لإظهار مساهماتهن الفاعلة في المجتمع وقدراتهن، ورفع كفاءاتهن لتحقيق استقلاليتهن وإثبات جداراتهن، وكذلك حمايتهن من العنف والتمييز بكافة اشكاله، ودعمهنّ في تقرير مصيرهن.

٢ – متى بدأ اهتمامك بالعمل النسوي\السياسي\الاجتماعي، وكيف؟

خلال دراستي الجامعية بدأت القراءات المتعلقة بحركات التحرر النسوي في العالم تثير اهتمامي، وترافق ذلك مع تطوعي كباحثة اجتماعية في مركز للفتيات الأحداث. بدايةً كان ذلك جزءاً من دراسة ميدانية اجتماعية نقوم بها كطلبة في قسم علم الاجتماع، ثم تابعت كمتطوعة لكن ذلك لم يستمرّ طويلاً، إذ صُدمت بما تعيشه الفتيات في مدرسة الأحداث، وعلى إثر خلاف مع المشرفات على المدرسة، رفضن استمراري بالعمل التطوعي، ومنعن تواصلي مع الفتيات القاصرات اللواتي يردن السيطرة عليهن بشكل سافر، وفرض قرارات تحدّد مصيرهن. أسقطت تلك التجربة وغيرها من تجارب سابقة ولاحقة على حياتي الشخصية، فأنا أكافح طويلاً للحصول على حقي بتقرير ما أريده بدءاً من أبسط الأمور لأعقدها، ووصلت إلى نتيجة مفادها أننا جميعاً ضحايا في مجتمع ذكوري يتغلغل فينا، ويفرض علينا عقليته المتحجرة والتي تقصينا كنساء وكرجال أيضاً، بعيداً عن خياراتنا الحقيقية في الحياة. آمنت بضرورة النضال في وجه هذه العقلية وتغييرها لنمتلك ذواتنا حقاً ونكون أحراراً بها، عندها نستطيع بناء مجتمع تتجذر فيه القناعة الحقيقة بحقوق الإنسان بدون تجزئة أو انتقائية، ونتمكن من وضع القوانين والأسس الضامنة لهذه الحقوق والحامية لها.

٣ – بالنظر إلى الحراك النسوي السوري قبل وبعد 2011، كيف تطور مسار هذا الحراك؟

تاريخياً شهد “الحراك النسوي السوري” الكثير من التقلبات، من فترات ذهبية برز فيها دور النساء بشكل فعّال كقائدات لعملية التغيير المجتمعي، حاضرات على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وبين فترات شهدت ركوداً واقتصر الأمر على وجود صوريّ لممثلات هذا الحراك، طبعاً مع عدم التقليل من أهمية وجود نساء سوريات ناضلن طويلاً من أجل المساواة ورفع الظلم المجتمعي والتمييز القانوني ضدهن، إلا أن مصطلح الحراك النسوي الدال على منظومة فكرية معرفية، وممارسة تستخدم آليات تنفيذية وخطاب جريء مباشر يتوجّه لأفراد المجتمع كافّة دون محاباة أو خجل، بهدف تغيير بنى السلطة المجتمعية القائمة على الهيمنة الذكورية وكذلك النضال الديمقراطي، لم يكن ليتحقق في ظل دولة مستبدة تمنع أي حراك مجتمعي، فضلاً عن صعوبة ذلك مع هيمنة آيديولوجيات تمييزية واستبدادية.

أما بعد آذار 2011 فقد بدأت إرهاصات حراك نسوي جديد يسعى للتبلور في أشكال نسوية متنوعة، وظهرت مئات المنظمات والمناضلات والناشطات النسويات اللواتي يعملن لتحديد معالم هذا الحراك، وبناء منظومته الفكرية ورؤيته. غير أن التحديات كبيرة جداً، منها ما يسببه التمثيل الخاطئ لبعض من يعملن في المجال النسوي من غير إيمان بالقضية النسوية بحد ذاتها، وإنما كفرصة عمل أو لأسباب مختلفة غير نسوية في النهاية. وهناك تحدّيات خارجية متعلقة بالظرف الراهن والصراع متعدد الأطراف في سوريا.

٤- ماهي أبرز محطات هذا الحراك خلال السنوات التسع الفائتة، وكيف تأثر بالثورة السورية، وكيف أثرت مآلاتها على مساره؟

سجل خروج النساء الشجاع للمشاركة في الحراك الثوري والمظاهرات، بادرة، أعتبرها شخصياً من أهمّ ما حدث في السنوات الماضية ويسجل لصالح ما أسمّيه “حراك نسوي عفوي”. كثيرات دفعن حياتهن ثمناً لهذه الشجاعة، وهناك من تقبعن في السجون والمعتقلات حتى الآن. نساء كثيرات كسرن “تابوهات” وتجاوزن الخطوط الحمراء، متحلّيات بشجاعة وجرأة لم يتخيل أحد في محيطهن أنهن قد يمتلكنها بعدما تمّ ترهيبهن منها سنوات وأجيال، لكنهن فعلن ذلك بإصرار يثير الإعجاب، ومن منطلق أنثوي فطري سلمي ينشد الحرية والسلام. هذه الموجة من الساعيات للتغيير بدأت تشكّل نوعاً من مجتمعٍ موازٍ، حرّ وثائر في طروحاته وسلوكياته، ورغم صغره نسبياً إلا أنه شكّل تحدياً للمجتمع البطريركي (الأبوي) القابض على مفاصل كثيرة في حيوات النساء.

ليس خافياً أن تحوّل الثورة من السلمية إلى العسكرة وكذلك طغيان الخطاب الإسلامي ثم التنظيمات الجهادية عليها، أثّر سلباً على قوة وأثر حضور النساء في الحراك الثوري، ودفعت النساء أثماناً باهظة لذلك التحوّل، فكن ضحايا العنف بأشكاله وسياقاته المختلقة. كما أرخت الانقسامات والخلافات السياسية بظلالها الثقيلة على الحراك النسوي السوري، فلم يكن في معظم تمثيلاته مستقلاً عن الانحيازات السياسية، والتي تخضع في كثير من الأحيان لآيديولوجيات سلطات الأمر الواقع المسيطرة على الأرض. بالتالي، لم يستطع الحراك النسوي حتى الآن بلورة هويته أو رؤيته لمختلف القضايا من منظور نسوي، وما زال يعاني تشظياً وانقساماً، فضلاً عن التناقضات والفجوة ما بين الشعارات والطروحات النظرية من جهة والممارسات العملية من جهة ثانية.

٥ – كيف تقيمين التمثيل السياسي للنساء السوريات في الأجسام السياسية التي تشكلت بعد الثورة؟

لنتفق أولاً أن المشاركة السياسية هي معيار المواطنة الحقيقي، والمؤشر الدالّ على الديمقراطية بدلالة مشاركة المواطنات والمواطنين في العملية السياسية. ولكن للأسف واقع التمثيل السياسي للنساء السوريات مازال ضعيفاً ودون المستوى المنشود، بل إنه في معظم الأجسام السياسية لا يتعدى الدور الصوري، كما هو الحال لدى النظام قبل الثورة وبعدها. كثيرات ممن انخرطن في تنظيمات سياسية انسحبن منها لاحقاً لأسباب مختلفة، مما يعدّ مؤشراً على هامشية مشاركة النساء في هذه الأجسام التي لم تمثل مصالحهن ولم تضعها على أجنداتها، بل على العكس استخدمت وجودهن لتجميل واجهات تخفي مضامين وسياسات ذكورية لا تتناسب مع حقوق المرأة، الأمر الذي جعل كثيرات يشعرن بالاغتراب في هذه المؤسسات ويخترن الانسحاب منها.

إن الإرادة الدولية بشأن سوريا والتسوية السياسية فيها مازالت متأرجحةً ومرتبطةً بمصالح القوى العالمية. لكن رغم سوء الظروف وتواطؤ الدول ضد مأساة السوريات/ين، يقع على عاتق الحركة النسوية السورية الآن عبء كبير لتعزيز دور النساء في صنع السلام، والعمل على مبادئ العدالة الانتقالية. فالفرصة متاحة إذا أرادت السوريات الاستفادة منها لوضع موطئ قدم في العملية السياسية كخطوة في طريق الديمقراطية الوعر الطويل. التراخي في المبادرة سيجعل من السوريات والسوريين أبعد وأبعد عن المشاركة الحقّة في تقرير مصيرهن\م.

من هنا يجدر بالرؤى النسوية المتنوعة أن تنأى بنفسها عن الآيدولوجيات المريضة بالكراهية، والمسيطرة على مفاصل العلاقات بين السوريين، وأن تُجمع على نبذ العنف والعمل معاً على أساسيات العدالة الانتقالية لتحقيق السلام المستدام. وتبقى الإشارة إلى أنّ الجهود الفردية، خصوصاً في ظل حالة الاستقطاب الحاد والاصطفافات السياسية المتناحرة، تضيع سدى مما يؤكّد أهمية قيام الهيئات والمؤسسات بتنسيق جهودها معاً لإنجاز دورها والتمسك بقوة بالمكتسبات المستحقة لمشاركة النساء الفاعلة. ولكن يجب دوماً العمل على تذكير النساء بضرورة وأهمية قول كلمتهن متحدات، فاتحادهن من موقع نسوي رغم الخلافات السياسية سيشكل نقطة قوة وتحول في واقع ومستقبل النساء في المجتمع والدولة.

٦- كيف تصفين دور المرأة السورية في ميدان السياسة اليوم، بعيداً عن الانخراط بأجسام سياسية محددة؟

أعتقد أن كلمة السياسة ما زالت تخيف كثيراً من السوريات والسوريين وفي الحد الأدنى لا تجذبهن\م. فرغم ازدياد عدد المنشغلات بالسياسة والمشتغلات بها على الصعيد العام، إلا أننا نشهد في المقابل تراجعاً في الاهتمام والمشاركة بالأنشطة السياسية، وجهلاً أو حتى تجاهلاً للحقوق والواجبات السياسية، من قبل النساء داخل سوريا وخارجها. أرى أن الأمر أشبه بصدمة نفسية بعد العنف الهائل الذي تعرض له المجتمع السوري بعامّة، والذي كانت النساء والأطفال أكبر ضحاياه بشكل خاص.

على صعيد آخر يُلاحظ استفحال خطاب الكراهية ضد النساء وتواتر الدعوات إلى عودتهن للأدوار التقليدية من قبل حماة الفكر البطريركي، والذي لا يكفّ أصحابه عن محاربة الفكر النسوي، واعتباره تهمة وعار يهدّد ثقافة المجتمع وعاداته ودينه وتقاليده، وإلى ما هنالك من هذه الأسطوانة. أمام هذا الوضع تشعر كثيرات ممن يصفن أنفسهن بالنسويات بأنّهن مهدّدات فعلاً، لدرجة أن هناك من ينفين عن أنفسهن وعن منظماتهن صفة النسوية تحسّباً لما يترتب عليها من تبعات لا تُحمد عقباها. كل ما سبق جعل غالبية النساء منصرفات عن المشاركة السياسة حتى في بلدان اللجوء التي تتيح لهن فرصة المشاركة.

٧ – كباحثة اجتماعية عملك مرتبط بالواقع ومستقى من مشاكله، ما مدى اقتراب الحراك النسوي السوري من هموم المرأة السورية عموماً؟

أرى أنّ الخطاب النسوي السوري السائد حالياً لم يحدد هويته بعد، فهو متشظٍّ ويفتقد لرؤية واضحة تنسجم مع تطورات الحركة النسوية في العالم. تبعيته للاصطفافات السياسية أو لإرادة الممولين والداعمين أفقدته بعده الثوري نسوياً، وانعكست في طروحات خجولة محابية للآيديولوجيات الدينية والقومية وغيرها، مما لا يتناسب في جوهره مع الرؤية النسوية. هذا يجعل من الحراك النسوي السوري هشاً وفاقداً القدرة على التأثير مقارنةً بالحراك النسوي في بلدان مجاورة كلبنان أو مصر مثلاً. وحتى إن تقاطعت بعض مطالبات هذا الحراك مع واقع النساء السوريات، إلا أنه لا يلامس عمق وجوهر همومهن، ولم يجد حتى الآن طرق الوصول إلى شرائح نسائية واسعة من منظور نسوي.

ورغم أهمية الطروحات التي تتكرر منذ سنين لعدم إنجازها، إلا أن الخطاب واللغة المستخدمة ما زالت قديمة لم تتغير ولم تواكب تغيّرات الواقع وقضاياه المستجدّة. ومع خروج قضايا لم تكن متداولة من قبل إلى العلن، كالمثلية الجنسية والتحول الجنسي والاغتصاب الزوجي وحتى الإلحاد، إلخ، نجد “نسويات” ينحين منحىً لا يقل بطركية وقمعاً وتنمّراً عن السلطات التي يزعمن محاربتها في مواقع أخرى، فيما تؤثر أخريات الصمت وتجنّب تناول هذه القضايا خشية “استفزاز المجتمع”، الذي يعملن لاستمالته كعاشقات من طرف واحد! إنها قضايا متغلغلة في صميم مجتمعاتنا منذ قرون لكن في الخفاء، فإلى متى تكريس تابوهات المسكوت عنه، ولماذا الادّعاء بأنّها أمور غريبة وغربيّة لا تنتمي لمجتمعنا؟

٨ – كيف ترين أثر الحراك النسوي على واقع المرأة السورية اليوم، سواء داخل سوريا أو خارجها؟

شكّل الحراك الفرصة لكثير من النساء الشجاعات ليجدن طريقهن، ويحققن حريتهن على المستوى الشخصي/الفردي، واستطاعت كثيرات إنجاز نجاحات يحق لهن ولنا الفخر بها. لكن الأمر يبقى نسبياً فالفرص المتاحة لمن هنّ خارج سوريا، وخاصة في دول اللجوء الأوروبية أفضل بكثير ممن يرزحن تحت سلطة النظام واستبداده، أو في مناطق الإدارة الذاتية بآيديولوجيتها الستالينية أو القابعات تحت رحمة التنظيمات الإسلامية المتشددة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. أمّا في مخيمات اللجوء حيث تعاني النساء أسوأ الظروف المعيشية فلا مكان للطرح النسوي الذي سيُعدّ هناك “ترفاً ورفاهية” لا ضرورة لها في غياب الاحتياجات الأساسية.

٩ – كيف تصفين وصول الأصوات النسوية إلى كافة شرائح المجتمع السوري، هل تعتقدين أن الأصوات النسوية متواجدة وممثَلة بالشكل الصحيح والقدر الكافي على المنصات الإعلامية؟

ليس لدي إحصائيات تقيس مدى وصول الأصوات النسوية لشرائح المجتمع السوري، ولكن من خلال مشاهداتي وملاحظاتي خلال عملي واحتكاكي مع فئات متنوعة من السوريات، أجد أن ممثلات النسوية (ناشطات ومنظّمات) لم ينجحن بعد في الوصول إلى الفئة المستهدفة على أرض الواقع، فالطروحات النسوية عموماً تقتصر على منصات إعلامية بعيدة عن اهتمامات أو منظور غالبية أفراد المجتمع ولا شعبية لها تذكر. وأكثر من هذا أصبحنا نشهد تجمعات و”غيتوهات” نسوية واقعية وافتراضية مغلقة، تطرح شعارات براقة ولكنها في سلوكياتها وتفاعلاتها تتماهى مع العقليات البطريركية الإقصائية الرافضة للاختلاف، مما يدفع أحياناً نساءً اقتربن من هذه الأجسام النسوية أو تعاملن مع ممثلاتها، إلى رفض مصطلح الفكر النسوي وطروحاته، والنظر إليه بوصفه ادّعاءً لا أساس له ومجرد “عدة شغل وباب للرزق”.

ومن الأمور التي أرى أنها تؤثر سلباً على صورة العمل النسوي ومضمونه ظاهرة تعدد انتماء الناشطات النسويات والمشتغلات بالشأن النسوي إلى عدة مؤسسات في الوقت نفسه، حيث تتكرّر أسماؤهنّ في تجمعات وأجسام سياسية عدّة، إلى درجة أنّ هناك تحالفات أقيمت بين جهات متعدّدة تضمّ ذات العضوات، وهو ما يجعل من الصعب التحقّق من الحجم الفعلي للنشاط النسوي، ومن صحّة ودقّة تمثيله.

١٠ – برأيك ماذا ينقص العمل النسوي السوري اليوم، وما هي المبادرات التي يمكن أن تقوم بها التجمعات والأجسام النسوية لتطويره، ولم تعمل عليها حتى اللحظة؟

تفتقر الحركة النسوية إلى الأدوات والآليات التي تعبر عن فكرها دون مواربة، بلغة قريبة وواضحة تخاطب المجتمع بأطيافه كافّة، خلافاً لما هو شائع اليوم في خطابها الساعي لكسب ودّه وإظهار الجانب الذي يرضاه ويتقبّله فقط، معلّلةً ذلك بأنه السبيل لتحقيق انتشار أوسع. معطيات الواقع تؤكّد عدم نجاعة هذه السياسية في تحقيق مرادها، بل على العكس سمحت بالمزيد من التنمر ضد النسوية وممثلاتها، وأعادت إنتاج الذكورة ضمن هياكل تدعي مناهضتها، مما أدى لتعثّر ظهور هوية ورؤية نسوية واضحة بين التيارات النسوية المتنوعة.

يجب على المنظمات النسوية إيجاد بدائل بنيوية للهيكليات الذكورية السائدة، تنطلق من رؤية نسوية بعيدة عن التمييز والعنصرية، داعمة حقوق الإنسان ومتبنّية لها دون أي تحفّظات، تناهض خطاب الكراهية وتنبذ العنف وترفض تبريره بذرائع “سياسية”. وعليها السعي لتجذير هذه البدائل في المجتمع من خلال عمل منهجي مدروس ومنظّم، تصل من خلاله للشرائح المؤهلة لأن تكون ممثلة وداعمة لها، وبالتالي تستطيع إنجاز التغيير بشكل عميق وجذري.

١١ – هنا مساحة حرة نتركها للمشارِكة لإضافة ما ترغب، خارج نطاق الأسئلة.

من نافل القول إن الحراك النسوي عالمياً يواجه هجمة شرسة، فكراهية النساء والتمييز الجنسي ضدهن في تصاعد مستمر حتى في الدول التي تدعي الديمقراطية. لكن ما يميز أي حراك عن غيره هو مدى جرأته وجذريته وعدم تهاونه في طرح قضاياه، فضلاً عن تضامنه غير المشروط مع الضعيفات والمهمشات والمقموعات.

وأعود لأختم بالقول إننا كنسويات سوريات مازلنا مشرذمات، ونفتقر لرؤية نسوية حديثة وجامعة، ونحتاج مزيداً من النقد الذاتي، والانفتاح على الآخر وسماع نقده وملاحظاته. شخصياً أتمنى أن أستحقّ بالفعل صفة “نسوية” فكراً وسلوكاً، لذا أشعر أنني بحاجة دائمة لمراجعة ذاتي وأفكاري وردود أفعالي، وتعديلها عند الضرورة. إننا بحاجة علاج طويل الأمد للشفاء من أمراض الذكورة والتسلط والقمع والكبت التي ابتلينا بها لعقود فأثّرت فينا عن وعي أو لاوعي، بغير ذلك لن يمكن لنواة هذا المجتمع النسوي الجديد أن تنمو وتتوسّع وتحقق الاعتراف بقضاياه المحقّة والعادلة.

*كل ما ذكر في المقابلة يعبّر عن رأي السيدة التي تمت مقابلتها ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الحركة