أطفالنا في السويد؛ ما بين الحقائق والتحريض 

*لينا وفائي

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة بقصة قيام الخدمات الاجتماعية في السويد -أو ما يسمى ب “السوسيال”- بسحب الأطفال اللاجئين من أهاليهم، ونقلهم إلى أسر بديلة، وقد يكون هاشتاغ -أوقفوا خطف أطفالنا- هو الترند الآن في وسائل التواصل الاجتماعي. وكعادة السوريين/ات أدت الحادثة إلى انقسام شديد بينهم/ن، بين مؤمن/ة بنظرية المؤامرة واستهدافنا كلاجئين/ات ومسلمين/ات، وبين مدافع/ة عن الدول الأوروبية التي هي دول يحكمها القانون. ولكن أين الحقيقة بين المعسكرين؟ 

وصلت ألمانيا منذ ثمان سنوات، وعملت فيها لأكثر من ست سنوات مع منظمات مجتمع مدني تعنى باللاجئين/ات، هذا جعلني أطلع على بعض الحالات للعلاقة بينهم وبين دائرة رعاية الأطفال، أو ما يسمى في ألمانيا بـ “اليوغند آمت”، ولكني رغم ذلك، عندما سمعت بحوادث السويد، لم أستطع الحكم على مدى صحة ما ورد، فربما يكون الموضوع في السويد مختلفاً عما عهدته هنا، إلى أن استمعت صدفة وعبر اليوتيوب إلى شهادة امرأة تعيش في ألمانيا تم سحب أطفالها منها -حسب روايتها- دون أي إنذار، عندها بدأت البحث ومتابعة الموضوع، الاستماع إلى الروايات والشهادات، البحث عن رد الحكومة السويدية، كل ما يساعدني في البحث عن الحقيقية وتشكيل رأي. 

في عملي قمت بالترجمة عدة مرات لأهالي اشتكاهم أطفالهم المراهقين لليوغند آمت، في كل المرات كان الموظف/ة متفهم/ة لموقف الأهل وحرصهم على مستقبل أطفالهم، بل كان/ت داعم/ة لهم وقدم/ت المعونة والاستشارة، وساعد/ت في التعامل مع الأطفال، نصحهم وتربيتهم. كان الأهل دائماً قلقين وخائفين، إذ طالما سمعوا عن موضوع اليوغند آمت وسحب الأطفال، لا يعرفون ما هي حقوقهم بالتربية وما هي حقوق أطفالهم، وبكل هدوء كان موظف/ة اليوغند آمت يشرح القوانين، ما هي حقوق الأطفال، ما هي العقوبات المسموحة للتربية وما الذي يقع ضمن العنف، وفي كثير من الحالات قدم المكتب مساعدة طويلة الأمد للأسر. في إحدى المرات وبعد شكوى من ألمان يعرفون الأسرة، ويعرفون أن الأطفال يعانون من الإهمال وأنهم يعانون البرد داخل المنزل، قام المكتب بإيجاد مسكن دافئ ولائق للأسرة كلها ونقلها إليه، ولم يقم بسحب الأطفال الذين يعانون من البرد لعطل في التدفئة داخل المنزل. 

ولكن ذلك لا يعني أن اليوغند آمت في ألمانيا لا يتخذ قرار إذا كان هناك ضرر للأطفال، ففي حالة أخرى وبعد حصول الطلاق في أسرة، لم تشتك المرأة من العنف لأنها تعرضت لعنف معنوي وليس جسدي، ولكن مكتب رعاية الأطفال تابع أطفالها لتقديم الدعم النفسي كي لا يتأثروا بحالة الطلاق، أثناء المتابعة أخبر الأطفال المكتب أن الأب كان يعنفهم ويضربهم، قام المكتب برفع دعوى على الأب أدت إلى حرمانه من رؤية أطفاله الذين بقوا مع أمهم وفي رعايتها. 

إذاً ما أعرفه جيداً أن مكتب رعاية الأطفال لا يسعى لسحب الأطفال من أهاليهم، وأنه قبل ذلك يحاول كثيراً إصلاح حالة الأسرة، تقديم المعونة والمشورة لها، تعريفها بالقوانين النافذة وبحقوق الطفل، يقدم معونة للطفل تساعده على الاندماج الحقيقي، مساعدته على إيجاد طريقه في الحياة من حيث الدراسة حتى الوصول للعمل، ويقدم عدة إنذارات للأسرة قبل اتخاذ قرار سحب الأطفال. 

هل يختلف الوضع في السويد عما هو قائم في ألمانيا؟، هذا ما خطر لي عندما بدأت حملة -أوقفوا خطف أطفالنا-، ولكن بالعودة إلى شهادة السيدة من ألمانيا، فهي شهادة على اليوتيوب لقناة إسلامية، ولشخصية بدون صورة وبدون اسم صريح، اسمها فقط أم علي، ومن المفترض أن نصدق ما ترويه أم علي دون أي إثبات، ودون القدرة على التأكد، فلا يوجد اسم، ولا صورة، ولا مكان إقامة، يفترض بي إذاً أن أصدقها وأكذب كل ما خبرته وعرفته من حياتي هنا، سواءً في عملي أو من احتكاكي بالجالية السورية وبعموم اللاجئين/ات. 

هناك تحريض واضح في الحملة التي تشن، بحيث تختلط فيها الحقائق مع الأكاذيب، وبحيث يغطى على الأسباب الحقيقية التي تؤدي لسحب الأطفال من أهاليهم، هذه الحملة التي تصور الموضوع وكأنه استهداف ومؤامرة على المسلمين/ات، متناسين فرق الثقافات الذي يوقع اللاجئين/ات بإشكاليات مع البلدان المضيفة. 

حدثتني طبيبة، هي لاجئة الآن في ألمانيا، كانت تعمل كطبيبة نسائية بين اللاجئين/ات في تركيا، أن رجلاً طلب منها أن تقوم بتوليد زوجته في المنزل، شرحت له أن ذلك يحرم طفله من التسجيل والإقامة، وأن السلطات لا تسجل الولادات إلا إذا وقعت في المشفى، وهذا يحرم طفله من القيد، ومن الدراسة، ومن العمل مع التأمين مستقلاً، ناهيك عن الخطورة الصحية التي ستتعرض لها الأم في الولادة المنزلية، ولكنه ببساطة أجاب: “هذه زوجتي وهذا ابني وأنا حر، لا أريد أن أسجله أو أن أرسله للمدرسة”. 

في ثقافتنا الأسرة ملكية شخصية للأب، الذي يعتبر ربها، وله مطلق الصلاحية في التعامل مع ما يملك، دون حقوق تذكر للزوجة أو للأولاد، وفي ثقافتنا الضرب وسيلة للتأديب والتربية، سواءً للزوجة الناشز أو للأطفال، حتى أن أمثالنا الشعبية تناولت ذلك، “اضرب ولدك وأحسن تربيته، إن عاش بعيش مربى وإن مات بموت بأجله” إذاً الضرب العنيف حتى المؤدي للموت غير مستنكر في هذه الثقافة الشعبية، بينما ترى هذه البلدان وقوانينها أن الطفل قيمة مستقلة عن أهله، وأن مستقبله ونشأته هو الأهم. بالطبع إحساس الملكية هذا لا يعني عدم المحبة لهؤلاء الأطفال، وعليه من الممكن أن يعاني من يسحبون منه طفله عاطفياً، حتى لو كان مُعنفاً لهذا الطفل. 

تتقاضى الأسر هنا معونات خاصة للأطفال، حتى لو كان الأب يعمل، وتتلقى الأسر التي لا تعمل معونة عن كل طفل، إضافة إلى أن الدولة تتحمل من ضرائبها تكلفة نشاط اجتماعي للطفل، رياضة أو موسيقى، وتتكفل بتقديم إعانة دراسية للطفل المحتاج على كلفتها أيضاً، إذاً هي تؤمن كل ما يلزم لتأمين مستقبل هذا الطفل ودراسته وصحته النفسية وهواياته. هناك أسر تعتبر أن هذه المعونة ملكاً لها كما هم أطفالها، وعليه لا تقدم الرعاية الكافية للأطفال رغم تلقيها تكاليف هذه الرعاية، وهذا يعتبر أيضاً عنفاً يوجه للأطفال، فالعنف ليس عنفاً جسدياً فقط، الإهمال هو عنف، التغذية غير الجيدة، سوء الملابس وعدم ملاءمتها للبرد، عدم الاهتمام بهوايات الأطفال وبصحتهم النفسية، كل هذا يعتبر عنفاً، وكل هذا يتم محاسبة الأهل عليه، هذا قد يؤدي إلى سوء تفاهم كبير بين السلطات والأهل. 

قطعاً ليست السلطات المخولة بمحاسبة الأهل وسحب الأطفال منزهة عن الخطأ، قد تحدث بعض الأخطاء هنا أو هناك، هذه الأخطاء قد تسببها البيروقراطية وعدم قدرة الأهل على التعامل معها، أو سوء تصرف موظف ومزاجه وعدم قدرة الأهل الدفاع عن أنفسهم أمام المحاكم بشكل جيد، عدم معرفة الأهل بالقوانين وجهلهم لها وعدم معرفتهم باللغة، ولكن قطعاً هذه الأخطاء هي ليست حالة عامة وشاملة لكل عمل هذه السلطات. 

حسب جريدة الكومبس، وهي جريدة سويدية ناطقة باللغة العربية، تُقدم سنوياً ٣٣١ ألف شكوى قلق تجاه الأطفال في السويد، يتم التحقيق في ١٢٨ ألف حالة لأنها تستدعي التحقيق، ويتم إصدار أحكام قضائية بالسحب بحق ٣٠ ألف حالة منها، أي ليست كل شكوى تصل للسحب، ولا يتم السحب بدون تحقيق وبدون أحكام قضائية. 

هل كل حالات الأطفال الذين تم سحبهم من أهاليهم كانت في مصلحتهم؟ ليست لدي إحصائية دقيقة ولكني أعتقد جازمة أن لا، فقطعاً  قد لا يمكن إصلاح ما فسد، خصوصاً في حالات المراهقة، كما أن النقل لأسر بديلة -إن وجدت- قد يكون له أثر نفسي سيء على الطفل، فتعلق الطفل بأهله لا يلغيه بعض العنف أو الإهمال، خاصة إذا لم يكن شديداً، وتغيير البيئة الثقافية للطفل سيخلق عنده إشكالات نفسية جديدة ناتجة عن صعوبة الاندماج، ويزداد الأمر سوءاً في حال بقاء الطفل في دور الرعاية وعدم إيجاد أسرة بديلة، هذا يقتضي دراسة جدية لكل حالة، وهل الأفضل بقاء الطفل مع أهله، مع تقديم الرعاية لهم جميعاً طالما ذلك ممكناً، وعدم اللجوء إلى السحب إلا في الحالات المستعصية. 

ما يمكن التأكيد عليه أن هذه الحملة التي يدعمها الإسلاميون، والتي تشن حملة شعواء على قوانين البلدان المضيفة وأهمها السويد، هي حملة لا تستند على حقائق وتلجأ للكذب ولاستغلال عواطف الجماهير-قد يكون وراء الأكمة ما وراءها، وهذا ما ذكره العديدون على صفحات التواصل الاجتماعي- وأن نتيجتها ستكون عكسية على وضع اللاجئين/ات، وعلى وضع هذه البدان، فاليمين المتطرف الأوروبي سيستغلها لتحريض معاكس، سينال وجودهم/ن واستقرارهم/ن.

  

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية