الانتخابات التركية؛ ما بين الخوف من الترحيل والحلم بالديمقراطية

 

*منى عبود

 

 

مع بداية الشهر الخامس بدأت الانتخابات التركية تأخذ مكانها في نشرات الأخبار العربية والعالمية وفي الجلسات السياسية والاجتماعية أيضاً.

حيث تابع الكثير من الساسة العرب والأجانب تلك الانتخابات التي وصفت بأنها أكثر الانتخابات متابعة في العالم، ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في الانتخابات التركية هو نسبة التصويت العالية التي شهدتها هذه المرة، حيث تجاوزت نسبة التصويت في جولتها الأولى الـ 85%. 

لكن ماذا عن السوريات والسوريين المقيمات/ين على الأراضي التركية، وماذا تعني لهم هذه الانتخابات؟

عنت الانتخابات التركية الأخيرة الكثير للسوريات والسوريين، حيث تم اقحامهن/م في الخطط والبرامج الانتخابية لكلا الطرفين. 

فبينما كان كمال كليجدار أوغلو مرشح المعارضة يهدد بترحيلهن/م على مدى عامين في برنامجه الانتخابي الأول، قبل جولة الإعادة، أصر المرشح القومي سنان أوغان، الحاصل على 5% من الأصوات، على ترحيلهن/م أيضاً بحجة أن القومية التركية مهددة من كل اللاجئات/ين الذين يعيشون في تركيا وبالأخص السوريات/ين منهن/م، خاصة بعد حصول عدد منهن/م على الجنسية التركية وأصبح بذلك من حقه/ا الإدلاء بصوته/ا في هذه الانتخابات.

لكن المرشح الرئاسي والرئيس الحالي لتركيا رجب طيب أردوغان كان الأشد تعقلاً وهدوءًا في التعاطي مع اللاجئات/ين، فهو بسياسته المحنكة استطاع إقناع أنصاره أن مسألة عودة اللاجئات/ين السوريات/ين حتمية إلى بلادهن/م، لكن الحكومة التركية لن تتركهن/م عرضة للقصف والقتل، وإنما ستقوم ببناء مساكن آمنة لهن/م تعيدهن/م إليها.

لكن التجييش العنصري ضد السوريات والسوريين بدى أكثر وضوحاً في الجولة الانتخابية الثانية.

تقلصت فترة السنتين إلى سنة واحدة في خطاب كمال كليجدار أوغلو وازداد عدد اللاجئات/ين لـ 13 مليون لاجئ/ة. وبدأت اللافتات تنتشر في شوارع إسطنبول تتحدث عن ترحيل قسري للسوريات والسوريين تحديداً.

ساق هذا السوريات والسوريين إلى خوف كبير من نجاح المعارضة التركية في الانتخابات، أضف إلى ذلك زيادة الممارسات العنصرية ضدهن/م، وعمليات القتل والضرب التي تعرض لها عمال سوريين وأفغان لا دافع لها سوى العنصرية التي تبثها المعارضة في صفوف مؤيديها.

 

الوضع الاقتصادي التركي وتأثيره على السوريات والسوريين 

كان الأتراك ومازالوا بحاجة لمن يلقون باللوم عليه بسبب الوضع الاقتصادي الصعب والتضخم الكبير الذي تعيشه تركيا.

وبالطبع اللاجئات/ين السوريات/ين هم شماعة هذه الضائقة، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما انفك يعيد ويكرر في خطاباته أنه أنفق قرابة 44 مليار ليرة تركية على اللاجئات/ين السوريات/ين، لكنه لم يوضح ولو لمرة واحدة أنها ليست من الميزانية التركية.

وقد استغلت المعارضة هذا الخطاب استغلالاً جيداً، في حين دفع سوريو تركيا ثمن تلك المشادة بين الطرفين وأنصارهما بالكثير من الحوادث الإجرامية العنصرية، وعمليات الترحيل العشوائية الفردية والجماعية، خاصة في مدينة إسطنبول التي يترأس بلديتها الكبرى أكرم إمام أوغلو معارض من أكبر الداعمين لترحيل السوريات/ين والتضييق عليهن/م.

 

بين المهاجرين والأنصار 

مع بداية الثورة السورية واضطرار الكثير من السوريات والسوريين الرحيل من مناطقهن/م، وبعد عمليات الترحيل إلى إدلب وريفها وريف حلب، كان لابد للسوريات/ين من إيجاد ملاذ آمن للحياة الكريمة، وكانت تركيا هي البلد الأقرب والأقل تكلفة في البداية، لكنها ومع مرور الوقت أصبحت التكلفة تزداد ارتفاعاً وصعوبة، فما بين الـ 2000 دولار إلى فقدان الحياة برصاص الجندرما الحدودية كان أمل الحياة الكريمة هو ما يدفع السوريات والسوريين للتضحية والمحاولة للهرب من عشرات الفصائل وآلاف الأسلحة والتضييق الذي عاشوه وما زالوا يعيشونه في ما سمي بالمناطق المحررة.

لكن الوضع الاقتصادي التركي ومع اجتياح الكورونا للعالم كله بدأ بالتراجع، وازداد التضخم، وازداد معه العنف ضد اللاجئات/ين السوريات/ين.

حاولت الكثير من السوريات والسوريين توضيح الصورة الحقيقة للمجتمع التركي من خلال تعلم لغتهم والاندماج معهم في حياتهم، لكن الأخير ورغم معرفته لنصف الحقيقة على الأقل، والتي تقول أن الدولة التركية لا تقدم أي معونات للشعب السوري والأصدقاء السوريين على أراضيها، وأن ما يحصل عليه السوري/ة من مساعدات هي أوروبية المصدر، إلا أنه بحاجة إلى إفراغ غضبه من حكومته ومن وضعه الاقتصادي ومن الوضع التركي العام وليس أمامه سوى اللاجئ/ة السوري/ة، فهو بلا حقوق تقريباً، ضيف على أرضه كما تصفه الحكومة التركية، لا يملك الحقوق الدولية للاجئات/ين.

وتتعلق السوريات/السوريون بقشة أن يفوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بالانتخابات التركية باعتقاد أن شبح الترحيل سوف ينتهي ويزول عنهن/م هذا الكابوس، رغم أن الرئيس أردوغان أكد، وبأكثر من مناسبة، أنه سيتم إعادة مايقارب المليون سوري/ة إلى ما سمي بالمنطقة الآمنة.

 

الفرحة والحلم 

في يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر أيار كانت جولة الإعادة للانتخابات التركية، وقد اقتصرت الجولة على المرشحين الأبرز رجب طيب أردوغان وكمال كلجدار أوغلو.

أي بين الترحيل القسري والعودة الطوعية، كانت الانتخابات مبعث توتر وقلق كبير لكل السوريات والسوريين. 

ففي الجولة الأولى التي استمرت فيها عملية فرز الأصوات حتى الساعة السادسة والنصف صباحاً قضتها السوريات والسوريون في تأمل وانتظار وقلق يفوق انتظار الشعب التركي نفسه للنتيجة.

كانت فرحتهن/م مبالغ بها في نظر البعض حين أعلنت النتيجة في الجولة الثانية بفوز الرئيس أردوغان لفترة رئاسية جديدة.

تنفست السوريات والسوريون الصعداء، وهن/م يحتفلن/ون بفوز منقذهن/م على حد تعبير البعض، وراح البعض الآخر لأكثر من ذلك حيث اعتبر أن الذين لا يفرحون وهم يعيشون على الأراضي التركية منافقون ولا يستحقون الأمان الذي وهبته تركيا لهم.

لكن الحلم الأكبر في هذه الانتخابات، الذي عاشه العرب بشكل عام والسوريات والسوريون بشكل خاص، هو حلم التجربة الديمقراطية الفريدة التي لم نعشها في سوريا منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

كان حبس الأنفاس بانتظار النتيجة متعة، يحلم بها العالم العربي بكل ربيعه الذي كان على مدى السنوات الخمسة عشر السابقة.

عشنا في تركيا مالم تحققه لنا كل دولنا العربية، وإن بالغ الشعب العربي والسوري في فرحته بفوز الرئيس الحالي أردوغان فما هو إلا فرحة بتجسيد الديمقراطية الحقيقية في نظر الكثيرات/ين، والحلم بالوقوف خلف الستارة ووضع صوتك بكل ثقة دون أن تعرف النتيجة مسبقاً، والتي دائمًا ما تتجاوز الـــ 99،99%.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية