الجنس وانهيار المجتمع

*فرانسوا رئيفة زنكيح

يعرّف الجنس بأنه عملية التواصل التي تقوم بها الكائنات الحية (إنسان، حيوان، نبات) بغرض التكاثر وبالتالي الاستمرار، حيث تتشارك كل فصيلة من هذه الكائنات مورثاتها مع شريك أو شريكة وهذا ما يسمى بالتكاثر أو التزاوج. ما سبق هو التعريف البسيط والفيزيائي للجنس، لكن إذا ما نظرنا إلى كيفية التعامل مع الجنس في مجتمعات عدة منها الشرق أوسطية يتبين أنه موضوع مثير للجدل وحساس ومفصلي، وتتمحور حوله عادات وتقاليد وأعراف، وتستخدمه بعض المجتمعات لتقييد حرية مجموعات من الأفراد مثل النساء. ينعكس التعامل مع الجنس بهذه الحساسية ووفقاً لعادات وتقاليد كل مجتمع على عدة مناحٍ حياتية حيث تضطر الكثير من النساء للتكتم عن تفضيلاتهن الجنسية للشريك ويرضخن لما يفرضه عليهن المجتمع من خيارات الارتباط، كما تهمل فئة كبيرة من النساء صحتهن الجنسية كي لا يتعرضن لانتقادات ومسائلات عن حياتهن الشخصية، وبالتالي ينعكس ذلك سلباً على سلامتهن ليس الجنسية فحسب، بل النفسية والجسدية عموماً. 


الصحة الجنسية والتربية الجنسية

لا تقل الصحة الجنسية أهمية عن الصحية النفسية والجسدية وإهمالها له آثار خطيرة على الفرد والمجتمع، حيث يترتب التكتم عن مناقشة المشاكل أو التساؤلات الجنسية مشاكل كثيرة كجهل الشخص بفهم ميوله\ها الجنسية وكيفية التعامل معها، والتعرض لأمراض وعدوات إذا لم تعالج في البداية يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، بالإضافة إلى أن التوعية بالصحة الجنسية تجنّب سلوكيات خاطئة في المجتمعات، كتزويج القاصرات وتعريضهن للحمل والإنجاب. 

يعد التحرش من أخطر عواقب الجهل الجنسي، في إحدى المرات روت لي إحدى صديقاتي كيف أنها في طفولتها تعرضت للتحرش من امرأة ولم تكن تعي حينها أن ما تقوم به الامرأة يعتبر تحرش أو اعتداء حيث ادعت المتحرشة حينها أنها تعرف الطفلة على أعضائها التناسلية وكما معظم الأطفال تولد لدى الطفلة فضول لمعرفة ما هي الأعضاء التناسلية، ولهذا يعتبر الأطفال فئة سهلة للمتحرشين لاستغلالهم بحجة تعليمهم. هذه الحادثة ليست إلا مثالاً بسيطاً على ما يمكن أن يواجهه الأطفال إناثاً وذكوراً من تحرش أو اغتصاب.

لكن ماذا لو كانت المناهج المدرسية تضم مادة التربية الجنسية، حينها ستتلقى الطفلة والطفل معلومات مبسطة وتدريجية عن الجهاز التناسلي ووظائفه وطبيعة الجسم البشري واختلافاته وعملية التكاثر، ويتم تقديمها لهن\م من مختصات ومختصين في هذا المجال، كم كان سيوفر مثل هذا الإجراء على الأطفال التعرض لاعتداءات وصدمات قد تترك آثاراً سلبية طويلة الأمد عليهن\م. بطريقة أو بأخرى ستعرف الطفلة أو الطفل عن الجنس وستتبادر إلى مسامعهن\م قصصاً وتفاصيل عن هذا الموضوع سواءً من زميلات وزملاء لهن\م في المدرسة، أو من أحاديث جانبية مع أطفال أكبر قليلاً أو من مصادر متعددة مثل الإنترنت وغيرها، فلماذا لا تأتي هذه المعلومات من مصادر آمنة وتتدرج بحسب كل مرحلة عمرية؟ 

التوجهات الجنسية

هي الانجذاب العاطفي الجنسي أو أحدهما، بمعنى أن كل شخص لديه\ها ذوق جنسي وعاطفي مختلف، هناك أشخاص يميلون لشكل جسم معين دون سواه فمثلاً نجد شخصاً ينجذب\تنجذب للجسم الممتلئ بينما ينجذب\ تنجذب آخر للجسم النحيل، وهناك من يفضل\تفضل لون بشرة معينة وغيرهم\ن يعجبهم\ن لون بشرة مغاير، كما أن التفضيل لا يتوقف عند الشكل الخارجي فقط، ففئة كبيرة من الأشخاص يعيرون أهمية أكبر لطريقة تفكير الشخص الآخر ويحتل الشكل الخارجي مرتبة أقل. التفضيل الجنسي ومجاراة الذوق الشخصي ليس بالموضوع العابر عند اختيار الشريك\ة، باعتبار القبول بين الطرفين هو أحد شروط نجاح العلاقة، وقلما تراعي المجتمعات التقليدية الحرية الشخصية باختيار الشريك\ة الذي يستهويه الشخص، بل عادة ما تبنى الزيجات بين شخصين وفقاً لضوابط ومعايير يحددها الأهل والمجتمع وبالتالي يجد الشريكين نفسيهما في علاقة تبدو متكافئة ظاهرياً إلا أنها تفتقر حتماً للإشباع العاطفي والجنسي، وهذا من شأنه أن يؤثر على شكل حياة الشخصين وعلى حياة الأطفال لاحقاً، في بعض الحالات يعتاد أحد الشريكين على الآخر وتستمر حياتهما بشكل روتيني، وفي حالات أخرى يخلق عدم الانسجام تراكمات تؤدي إلى عنف أسري ويسبب مشاكل نفسية وجسدية لأحد طرفي العلاقة أو كليهما، وقد تتفاقم المشكلة وتنتهي بالطلاق.

إجبار الأفراد على الارتباط بشركاء\شريكات وتجاهل تفضيلاتهم\ن الجنسية لن يقدم للمجتمع سوى أشخاص يحملون مشاكل نفسية وأزمات تؤثر سلباً على حياتهم\ن وحياة الأشخاص المحيطين\ات بهم\ن. أعداد كبيرة من الأشخاص اضطروا للزواج من أشخاص لا يتوافقون معهم/ن فكرياً أو جنسيا بغية إرضاء الأهل والمجتمع والمنظومات الدينية، إلا أن معظم هذه الزيجات لم تثمر سوى عن تفكك أسري مضاعف وأزمات نفسية تراكمية تعود ارتداداتها السلبية ليس على أصحاب العائلة الصغيرة فقط بل على عموم المجتمع.

تزويج الأطفال

يعتبر تزويج الأطفال جريمة يجب أن يحاسب عليها القانون باعتبار أنه ليس بإمكان الطفلة\الطفل قبل سن البلوغ اتخاذ قرارات حياتية وحسبان عواقبها، ويترتب على تزويج الأطفال قبل سن الرشد عواقب خطيرة جسدية منها ونفسية لعدة أسباب منها أن جسد الإنسان يكون في هذه المرحلة العمرية في طور النمو، كما أن التفضيل الجنسي لكل شخص يتبلور مع الوقت والتجربة ولا يمكن لطفلة أو طفل أن يحدد من الشريك\ة الذي يرغب بإقامة علاقة معها\ه، عدا عن ذلك كله فإن الجنس بين شخصين يحتاج وعياً ومعرفة وموافقة من كليهما لتكوين علاقة سليمة.

جرائم الشرف” وغشاء البكارة  

تفيد آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية بأن 30% من النساء في العالم يتعرضن للقتل على أيدي رجال العائلة. ففي مجتمعاتنا الشرق أوسطية على سبيل المثال، تولد بعض لنساء بغشاء بكارة مطاطي غير نازف وعند ممارسة الجنس لأول مرة لا يتم فض الغشاء بسهولة وبالتالي لا تنزف المرأة، ووفق العادات والتقاليد في كثير من مجتمعاتنا تعتبر قطرات الدم النازفة بعد ممارسة الجنس لأول مرة هي دليل على عذرية الفتاة، ومن لم تنزف بالنسبة لهم فهي ليست عذراء. طبعاً عدا عن أن كل شخص من المفترض أن يملك الحرية الكاملة على جسده/ا، إلا أن العادات البالية مضافة إلى الجهل بالجسد ووظائفه، والاختلافات الجنسية من شخص إلى آخر تعرض النساء على وجه الخصوص لعنف عائلي ومجتمعي وقمع ووصاية عليهن وعلى أجسادهن سواء كن متزوجات أم عازبات.

لو نظرنا للدول التي تعاني من الحروب والأزمات نرى أن معظمها يعاني من ضغوط اجتماعية وكبت وأن غالبيتها يرزح تحت وطأة العادات والتقاليد مع تجاهل كامل لحرية الفرد ورغباته/ا. هذه التراكمات مضاف إليها العامل الاقتصادي والسياسي والجهل والبطالة ينتج عنها أفراداً ومجتمعات كاملة غير متوازنة نفسياً ولديها استعداد أكبر للانخراط بالعنف وممارسة الاستبداد الذي تتعرض له على دوائرها القريبة، هذا لا يعني أن الثقافة والحرية الجنسية هي الحل السحري لتك الأزمات إلا أنها بالتأكيد عامل مهم من شأنه أن يؤسس لأفراد يتمتعون بالحد الأدنى من الصحة النفسية المستمدة من تحقيق الفرد لأبسط رغباته/ا واحترام خياراته/ا الشخصية.


*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة