الديمقراطية هي الحل

*سوزان خواتمي

 

بعد الحرب العالمية الثانية تبنت الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان الديمقراطية، باعتبارها أفضل نظام حكم لإدارة المجتمع والدولة يحقق إرادة الشعب من خلال صناديق الاقتراع، ويحد من استغلال المناصب واستبداد الحكام، ويضمن التداول السلمي للسلطة، وقد تم اختيار 15 أيلول ليكون يوماً دولياً للديمقراطية. 

تبدو كلمة الديمقراطية شائعة ومتداولة، حيث شهد الربع الأخير من القرن العشرين انتقالات ناجحة من أنظمة حكم استبدادية إلى الحكم الديمقراطي لعل أبرزها تنصيب نيلسون مانديلا رئيساً لجنوب أفريقيا، أما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وثورات دول شرق أوروبا فقد بلغ عدد الدول التي تأخذ بالنظام الديمقراطي 119 دولة.  

وبحسب كتاب (الانتقال إلى الديمقراطية) للدكتور علي الدين هلال: “يستند النظام الديمقراطي إلى أساسين؛ مجموعة القيم التي تمثل الديمقراطية ومجموعة المؤسسات والترتيبات التنظيمية التي تتمثل وتجسد تلك الديمقراطية”. 

  إن عملية بناء الديمقراطيات ليست سهلة، فالأنظمة الاستبدادية لا تتخلى عن السلطة طواعية، وتنشئة الفرد على القيم المتعلقة بالحرية واحترام الحقوق وحرية التعبير لا تتحقق بالسرعة التي نرجوها.

نعم التي لا نعرف غيرها 

يدّعي بشار الأسد أمام العالم بأنه رئيس منتخب من قبل شعبه، وليس أدل على الديمقراطية المزيفة من فوزه في الانتخابات غير الشفافة وغير النزيهة قبل أشهر من هذا العام بنسبة 95,1% وهو المسؤول المباشر عن دمار سوريا، وتشريد شعبها. 

أعرف كما يعرف غيري مهزلة الانتخابات السورية، وكيف يساق طلبة الجامعة والموظفات/ين الحكوميات/ين من كلياتهن/م وأماكن عملهن/م لضمان مشاركتهن/م، حتى أن الإجازات المرضية ممنوعة خلال فترة الانتخابات، حيث يحرص كتبة التقارير الأمنية وموزعي شهادات الوطنية على مراقبة المترددات/ين، أما الأصوات الانتخابية فهي معدة سلفاً… (نعم) التي لا نعرف غيرها. 

لا يبدو هذا غريباً على تاريخ سوريا الأسد، ففي عام 2000 تم تعديل المادة الدستورية التي تحدد عمر الرئيس بسن 40 عاماً بإجماع برلماني استغرق وقتاً أقل مما يحتاجه غليّ فنجان قهوة، وبعد موجة التصفيق والتأييد تولى بشار سدة الحكم “الديمقراطي”!… 

كذلك جاء تعديل المادة 88 من الدستور عام 2012 لتسمح له بأربع فترات ولاية بدل اثنتين، أي ما يعادل 28 سنة متتالية دون أي يخدش إجماع الأصوات روح الديمقراطية. في الواقع إذا أردنا تعداد مظاهر الديمقراطية الزائفة، فمؤكد أننا لن ننتهي. 

نحن المواطنات والمواطنون (الغلابة) لم نمارس الديمقراطية، ولم نتعامل معها لا على المستوى السياسي، ولا باعتبارها قيمة اجتماعية، فثقافتنا الأبوية لا تعترف بحقوق المرأة ولا الأقليات والتكافؤ الاجتماعي واحترام الرأي الآخر والمعتقدات الدينية… هذا ما يجعل إلمامنا بالديمقراطية يقف عند مستوى الشعارات، والادعاء بأن سوريا ديمقراطية. 

انتقاد الديمقراطية

ما من نظرية أو فكرة أو طرح أعلى من الانتقاد، سواء تلك التي نتفق عليها أو نختلف حولها، وقد وجهت عدة انتقادات للديمقراطية تتلخص بعدة نقاط: 

– هي تخدم مصالح المشاركات/ين في التصويت أياً كانت نسبة المصوتات/ين بالنسبة للكل، وعندما يكون العدد محدوداً فهل يعني الفوز بأنه رأي الأغلبية؟ 

– إرادة الأغلبية قد لا تكون مصيبة عند إقرار قوانين تعارض الحريات الشخصية، أو عندما يتم التصويت لصالح أفكار عنصرية، أو تكون السبب في وصول شخصيات غير مؤهلة للحكم. 

– ترجح رغبة الأغلبية الكم على الكيف، فصوت غير العارفات/ين وغير المؤهلات/ين يطغى على رأي ذوي العلم والاختصاص.  

– عندما يكون اختيار الأغلبية سيئاً، فلا يمكن إصلاحه مهما كانت نتائجه وخيمة، ولا بد من انتظار مرور الفترة المقررة حتى يحين موعد دخول معترك الانتخابات من جديد، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع. 

رغم ثغرات الديمقراطية، فإن السعي إلى أن تكون سوريا دولة ديمقراطية تعددية قائمة على أسس المواطنة دون تمييز، هو التصور الذي تسعى له أغلب قوى المعارضة السورية، باستثناء الفرق ذات التوجه الإسلامي تلك التي تجد في الحريات تعارضاً مع النصوص الدينية، والتي تستفيد من الديمقراطية للوصول إلى السلطة ثم تعود إلى ديكتاتورية النص، كما حدث في التجربة التونسية والمغربية والمصرية.  

يحتاج التطبيق الفعلي للديمقراطية إلى وقت وجهد وعمل حتى يطور مجتمعنا السوري نفسه، وهو الدور المنوط بمنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية ومناهج التعليم والمنابر الثقافية والإعلام المحايد، لنخطو نحو مستقبل مشرق، فقد شبعنا من الديمقراطية المزيفة، وآثارها. 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية