الشابات السوريات بين تحديات المشاركة والتمثيل الفعلي وصنع القرار

*هيام حاج علي

 

تواجه غالبية الشابات السوريات تحديات كبيرة في الوصول إلى مواقع صنع القرار والمشاركة الفعلية في تشكيل مستقبل سوريا، في ظل تعقيدات سياسية واجتماعية واقتصادية، ورغم الجهود المبذولة لتعزيز تمثيل النساء في الحياة العامة، ما تزال هناك فجوة واضحة بين التمثيل الشكلي والتأثير الفعلي على القرارات.

عند تحليل أسباب هذه التحديات نجد أن الهيمنة الذكورية على المشهد السياسي والاجتماعي تأتي في المقدمة. ما تزال الهياكل السياسية والاجتماعية محكومة بثقافة تقليدية تعزز دور الرجل في القيادة، مما يحدّ من وصول النساء، وخصوصًا الشابات، إلى مواقع صنع القرار. تجد الكثير من النساء أنفسهن محاصرات بأدوار نمطية تقلل من فرص مشاركتهن الفاعلة في السياسة والحوكمة.

إضافة إلى ذلك، ما يزال التمثيل الصوري عقبة كبيرة، فرغم وجود بعض النساء في المجالس المحلية أو الهيئات السياسية إلا أن غالبية هذا التمثيل يبقى رمزيًا، حيث لا تتمتع النساء غالبًا بسلطة حقيقية تؤهلهن لصنع قرارات مؤثرة، وغالباً ما يُنظر إلى مشاركة النساء كإجراء شكلي لتلبية معايير المانحين أو لإظهار التعددية والضرورة الجندرية دون  إفساح المجال الفعلي لهن في اتخاذ قرارات حقيقية.

كما أن غياب البيئة الداعمة والتأهيل السياسي يلعب دورًا أساسيًا في إضعاف المشاركة النسائية، إذ تفتقر الكثير من الشابات إلى التدريب والتأهيل الذي يمكنهن من خوض العمل السياسي أو الإداري بفعالية، فمع غياب برامج بناء القدرات والدعم تجد الشابات أنفسهن في مواجهة تحديات معقدة دون أدوات تمكّنهن من التعامل معها بفعالية واعتبارهن صف ثاني وإفساح المجالات من ذوات الخبرة والعمر.

ولا يمكن إغفال الأوضاع الأمنية والتهديدات المباشرة التي تشكّل عائقًا كبيرًا، فالوضع الأمني غير المستقر إضافةً إلى التهديدات التي تواجه الشابات الناشطات يعتبر أحد أهم العوائق الرئيسية أمام مشاركة النساء في العمل السياسي وصناعة القرار في بعض المناطق، حيث تتعرض الشابات لضغوط وتهديدات مباشرة تمنعهن من الانخراط في الشأن العام، مما يحدّ من قدرتهن على التأثير في الواقع السياسي.

تعتبر الأعباء الاقتصادية من أبرز التحديات التي تواجه العديد من الشابات، حيث تضطر الكثيرات منهن للتركيز على تأمين سبل العيش في ظل الأزمات الاقتصادية العامة، مما يعوقهن عن التفرغ للعمل السياسي أو المدني، في المقابل تُضاف الأعباء الاجتماعية التي تفرض عليهن أدوارًا تقليدية، مثل مسؤوليات الأسرة ورعاية الأطفال، مما يزيد من صعوبة مشاركتهن الفعالة في الحياة العامة.

في هذا السياق ترى “حسناء بركات” الناشطة المدنية والاقتصادية أن غياب التمثيل الحقيقي للنساء في مراكز صنع القرار سواء على المستوى المحلي أو الدولي لا يقتصر فقط على عدم توفر المقاعد المخصصة لهن، بل يمتد ليشمل عوامل عديدة تعيق وصول النساء إلى مواقع التأثير الفعلي وتضيف: “تساهم سلطات الحكم المحلي في تحجيم أدوار النساء بينما تفرض الأعراف المجتمعية قيودًا تحدّ من مشاركتهن الفعالة، مما يؤدي إلى اقتصار أدوارهن في مجالات محدودة لا تعكس قدراتهن الحقيقية.”

إلى جانب ذلك، تؤكد “حسناء” على أن ضعف حضور الشابات في المحافل الدولية يجعل قضاياهن عُرضة للتجاهل أو التوظيف السياسي دون تحقيق تغيير ملموس. كما أن الكثير من المشاريع التي يُفترض أن تعزز حقوق النساء تُنفَّذ شكلياً دون إيصال أصواتهن الحقيقية أو العمل على تحقيق مطالبهن. وتشير أيضًا إلى أن النساء يواجهن تحديات إضافية، مثل الخوف من الهجمات المجتمعية الذكورية، والابتزاز الإلكتروني والتشهير، مما يجعل العديد منهن مترددات في الانخراط بالعمل العام خشية العواقب.

هذا بالإضافة إلى أزمة التمويل التي أدت إلى إغلاق العديد من المراكز النسائية، وغياب استراتيجيات الاستدامة من قبل الجهات المانحة، مما يعمّق من هشاشة المشاريع النسوية ويجعلها رهينة الدعم المؤقت غير المنتظم وفي ظل كل هذه العقبات تسعى بعض الجهات إلى إنشاء مراكز مدنية مُسيسة تحت غطاء دعم النساء بهدف استجلاب التمويل دون تقديم دعم حقيقي ومستدام لهن.

“منذ نشأتنا، نجد أنفسنا مبعدات عن أي مشاركة سياسية، ليس فقط من قبل الأسرة، بل أيضًا من المجتمع وحتى المدرسة”، تقول “كاميليا” طالبة جامعية متحدثة عن التحديات التي تواجه الشابات عند الانخراط في الحياة السياسية وتضيف “يُترك الأمر لاحقًا لاختيار التخصص الجامعي لكن حتى حين ترغب الفتاة بدراسة العلوم السياسية تجد نفسها مضطرة لتبرير اهتمامها وتوضيح الدافع الشخصي. ومع ذلك فإن الفرص الفعلية أمامها تظل محدودة، حيث نادرًا ما تحصل النساء على أدوار حقيقية تناسب طموحاتهن في هذا المجال”.

وتوضح “كاميليا” أن هذا التهميش لا يقتصر على غياب الفرص بل يمتد إلى خلق بيئة غير مرحبة بأي طموح سياسي نسائي وتحديداً للشابات، حيث يُنظر إلى مشاركة الشابات في الشأن العام بعين الريبة وكأنها تتجاوز الأدوار التقليدية المحددة لهن، وتضيف: “حتى عندما نحاول شق طريقنا في هذا المجال نجد أنفسنا أمام تحديات متعددة من التمييز في العمل والدراسة وغيره، إلى اقتصار حضور الشابات على الجلسات الشكلية أو البرامج التوعوية دون منحهن فرصة حقيقية لصناعة القرار أو التأثير فيه”.

في النهاية، لا يمكن إحداث تغيير حقيقي في سوريا دون مشاركة فعلية للشابات في صياغة مستقبل البلاد، فتمكين الشابات في مواقع صنع القرار ليس مجرد مطلب حقوقي، بل هو ضرورة لتحقيق سلام مستدام وتوزيع أدوار عادل يضمن تمثيلاً حقيقياً لكافة شرائح المجتمع.

لضمان مشاركة فعلية للشابات السوريات في مواقع صنع القرار لا بد من اتخاذ خطوات عملية، مثل تعزيز البرامج التدريبية التي تزوّد الشابات بالمهارات اللازمة لخوض العمل السياسي والإداري، تعديل القوانين والتشريعات لضمان تمثيل حقيقي للنساء وخصوصًا الشابات في مواقع القيادة مع فرض سياسات تعزز المساواة في الفرص، خلق بيئة آمنة وداعمة لحماية النساء الناشطات من التهديدات وضمان إمكانية مشاركتهن دون خوف، بالإضافة إلى تعزيز الدور الإعلامي والتوعوي لتغيير الصور النمطية عن مشاركة النساء، وتشجيع المجتمع على قبولهن كشريكات وصانعات قرار.

إن تمكين الشابات السوريات ليس مسؤولية المؤسسات السياسية والمدنية فقط، بل هو مسؤولية مجتمعية تتطلب سعي وتكريس الجهود لضمان مستقبل أكثر عدالة وشمولية للنساء في سوريا.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية