الشابات والشباب ما بين الاحتفاء العالمي ومطرقة الحرب

 

*حنان أحمد

 

لا بد لنا أن نستهل بقول أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة: “تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب تحولاً جذرياً – وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا إذا قمنا بتمكين الشباب والعمل معهم على قدم المساواة.”

 

يوم الشابات/الشباب العالمي:

يحتفل العالم بيوم الشابات/الشباب العالمي في 12 آب من كل عام، بهدف تسليط الضوء على القضايا التي تهم الشابات والشباب وتعزيز مساهمتهن/م في التنمية والسلام العالمي. يأتي هذا اليوم كفرصة للتأكيد على أهمية دور الشابات والشباب في صياغة مستقبل مجتمعاتهن/م والمشاركة في صناعة السياسات التنموية.

جاءت فكرة يوم الشابات/الشباب العالمي كمقترح من مجموعة الشابات والشباب الذين شاركوا عام 1991 في العاصمة النمساوية فيينا في الدورة الأولى لمنتدى الشباب العالمي. أوصى المنتدى بإعلان يوم دولي للشباب لجمع تمويل يدعم صندوق الأمم المتحدة للشباب بالشراكة مع المنظمات الشبابية. وفي عام 1998، اعتُمد يوم 12 آب كيوم دولي للشابات/الشباب. معلومات أساسيه | الأمم المتحدة (un.org)

 

السياق التاريخي للاهتمام بـ الشابات/الشباب: 

علينا أولاً أن نتطرق للسياق التاريخي عن إدراك الأمم المتحدة لأهمية دور الشباب والشابات في تحقيق التنمية المستدامة والسلام العالمي. ففي عام 1965 اعترفت الدول الأعضاء بطاقات الشابات والشباب، وفي عام 1985 احتفلت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالسنة الدولية للشابات/الشباب تحت عنوان: المشاركة والتنمية والسلام. وفي عام 1995، وتزامنا مع الذكرى السنوية العاشرة للسنة الدولية للشابات/الشباب، عززت الأمم المتحدة التزامها تجاه فئة الشباب باعتماد استراتيجية دولية بعنوان: برنامج العمل العالمي للشابات/الشباب حتى عام 2000 وما بعد. وفي كانون الأول 1999، أقرت الجمعية العامة في قرارها 54/120 التوصية الصادرة عن المؤتمر العالمي للوزراء المسؤولين عن الشابات/الشباب (لشبونة، 8-12 آب 1998) بإعلان يوم 12 آب اليوم الدولي للشباب، ويركز الاحتفال في كل عام على موضوع مختلف.

 

موضوع يوم الشابات/الشباب العالمي لعام 2024:

موضوع عام 2024 هو “من النقر إلى التقدم: مسارات الشباب الرقمية للتنمية المستدامة”، وهو ما يؤكد على أهمية استخدام التكنولوجيا الرقمية في تمكين الشابات والشباب وتعزيز مشاركتهن/م في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

القرار 2250 وأهمية إشراك الشابات والشباب:

في عام 2015، اتخذ مجلس الأمن بالإجماع القرار 2250، الذي شجع الدول على النظر في إنشاء آليات تمكن الفئة الشابة من المشاركة بشكل هادف، من أجل بناء السلام ومنع انتشار العنف في جميع أنحاء العالم. وبصفة أن هذا القرار مخصص بالكامل للشابات والشباب للدور الحيوي والإيجابي الذي سوف يقومون به في تعزيز السلام والأمن الدوليين، ويضعهم بوضوح كشركاء في الجهود العالمية الرامية إلى تعزيز السلام ومكافحة التطرف.

نجد أن هذا القرار يتمحور في خمسة مجالات وركائز عمل رئيسية: الحماية، الوقاية، المشاركة، بناء الشراكات، وفك الارتباط/إعادة الإدماج.

 

الشابات والشباب في سوريا في مواجهة التحديات الراهنة:

منذ ثلاثة عشر عاماً، تشهد سوريا استنزافاً لطاقات وإمكانيات الشابات والشباب، خاصة خلال النزاعات المسلحة والحرب الدائرة. تواجه الشابات والشباب في سوريا تحديات كبيرة تتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما تعد العسكرة إحدى التحديات الكبرى. منذ بدء الثورة وهذه التحديات تؤثر على الشابات والشباب على الصعيدين الشخصي والمجتمعي. ومنها:

  • التعليم: تأثر قطاع التعليم بشكل كبير، مما أدى إلى انقطاع عدد كبير من الشابات والشباب عن الدراسة، وعلى مستقبلهن/م الأكاديمي والمهني، كما أن التعليم في بيئة غير مستقرة يؤثر على الأداء الأكاديمي والتركيز لديهن/م مما يزيد معدلات التسرب. الشابات بشكل خاص يواجهن صعوبات إضافية تتعلق بالقيود الثقافية والاجتماعية والأمنية التي قد تعيق حصولهن على التعليم في ظل النزاعات.
  • الهجرة والنزوح: اضطر الملايين من الشابات والشباب وأسرهن/م إلى النزوح داخل سوريا أو اللجوء إلى الخارج، مما أدى إلى انعدام الاستقرار وفقدان الأمان. النساء والفتيات يعانين بشكل خاص من مخاطر العنف الجنسي والاستغلال خلال رحلات النزوح واللجوء مما يحد من فرص حصولهن عن أماكن توفر لهن الحماية واللجوء بالمقارنة مع أقرانهن مما يزيد من عبء تحمل هذه المسؤولية والمخاطرة بحياتهن أيضاً.
  • الصحة النفسية والجسدية: من أهم الجوانب التي تأثرت بشدة نتيجة النزاعات المسلحة والأوضاع الصعبة في سوريا. تعاني الشابات والشباب من ضغوط نفسية كبيرة نتيجة لفقدان الأمان والاستقرار، والتعرض للمشاهد العنيفة، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية. تؤثر هذه العوامل سلباً على الصحة النفسية، مما يزيد من معدلات الاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة بين الشابات والشباب. الفتيات والشابات قد يتعرضن بشكل أكبر لاضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق نتيجة للأدوار الاجتماعية الإضافية التي وضعن للمعاملة معها من دون أن تتوفر البيئة السليمة والمناسبة لها، ودون توفر الدعم الكافي لهن بعد ذلك. كما تعرضت الشابات والشباب للإصابات الجسدية نتيجة للنزاعات المسلحة والقصف الممنهج، مما يترك آثاراً طويلة الأمد على حياتهن/م.
  • الوضع الاقتصادي: يعاني الاقتصاد السوري من تدهور كبير، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر بين الشابات والشباب. العديد منهن/م يجدون صعوبة في العثور على فرص عمل تلبي احتياجاتهن/م الأساسية، مما يدفعهن/م للعمل ضمن مهن غير لائقة مجتمعياً أو التوجه نحو العسكرة لتوفير مصدر رزق يتيح لهم سد احتياجاتهن/م بالحدود الدنيا. النساء يعانين من قيود إضافية في الوصول إلى فرص العمل بسبب التمييز الجنسي والأعباء المنزلية.
  • المشاركة السياسية: تواجه الشابات والشباب تحديات كبيرة في المشاركة في العملية السياسية. الظروف السياسية المعقدة وعدم الاستقرار السياسي يحدان من فرصهن/م في التعبير عن آرائهن/م والمشاركة في صنع القرار. كما أن نقص التمثيل الشبابي ينعكس سلباً على قدرتهن/م على التأثير في السياسات والقرارات التي تؤثر على حياتهن/م ومستقبلهن/م. النساء والشابات بشكل خاص يواجهن تحديات مضاعفة بسبب الوضع الأمني اللامستقر، وعدم توفر قوانين حماية تحميهن من ممارسة كافة أشكال التهديد والعنف لهن في حال قررن الانخراط سواء بالشأن العام أو السياسي، كما أن المؤسسات نفسها ليس لديها الرغبة بتضمينهن ضمن هذه العملية.
  • التجنيد والعسكرة: في ظلم الحكم الدكتاتوري والميليشيات وقوى أمر الواقع وانسداد الأفق لدى الشباب والشابات على كافة الأصعدة راح الكثير منهن/م باتجاه التجنيد والعسكرة سواء بحمل السلاح أو تجنيدهن/م لنقل المعلومات وتوريطهن/م بالتحزب للقوى العسكرية مما يجعلهن/م عرضة للقتل في حال تم التعرف على الأسماء ونرى زيادة الحالات بسبب تردي الوضع الاقتصادي .إن انتشار الأسلحة بين يديّ الشابات والشباب يجعلهن/م أكثر عرضة للتورط في النزاعات وحمل السلاح. النساء والفتيات يتعرضن للاستغلال الجنسي والعنف المرتبط بالنزاعات بشكل أكبر، ويواجهن تهديدات متزايدة في ظل انتشار العسكرة. كما تم استغلال النساء والفتيات لتجنيدهن بالقوة ضمن القوى العسكرية وممارسة التهديد عليهن للامتثال لذلك، كما الجدير بالذكر إكراه الأهالي لتزويجهن لأمراء الحرب تحت سطوة السلاح أو سبيهن كما حدث مع النساء والشابات الإيزيديات تحت حكم سيطرة داعش. إن تأثر النساء والفتيات والشابات من كل عمليات التجنيد والعسكرة والفقر كثيرة ومعقدة، وهي بحاجة دراسات أكثر تضعنا بضوء ما يتأثرن به.
  • الثقافة والهوية: النزوح واللجوء أدى إلى تشتت الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع ككل، مما أثر على الانتماء والهوية الشخصية للشباب والشابات. النساء والشابات يواجهن ضغوطاً إضافية للمحافظة على القيم الثقافية والتقاليد المجتمعية في ظل أهوال كل التغيرات المناطة بالمجتمع والبقعة الجغرافية السورية وهذا يضعهن موضع مسائلة ومحاسبة في حال كانت النتائج لا ترضي المجتمع وعاداته. بالمقابل، سعت بعض الشابات والشباب إلى تعزيز هويتهن/م من خلال الأنشطة الثقافية والفنية التي تسهم في التعبير عن تجاربهن/م وتعزيز الروابط المجتمعية.
  • الزواج المُبكر: يعد الزواج المُبكر من القضايا الاجتماعية البارزة التي تؤثر على حياة العديد من الشابات والشباب في سوريا، وخاصة الفتيات والشابات. قد يُنظر إلى الزواج المبكر كحل لتخفيف الأعباء المالية عن الأسر، حيث يُعتبر الزواج وسيلة لتقليل عدد الأفراد المعتمدين على الأسرة، أو وسيلة لحماية الفتيات من المخاطر المرتبطة بالنزوح أو النزاعات، بما في ذلك تعرضهن للعنف أو الاستغلال. كما تعتبر بعض المجتمعات أن الزواج في سن مُبكرة هو جزء من القيم الثقافية والدينية، مما يؤدي إلى تقييد فرص التعليم والعمل للفتيات ويحد من قدراتهن على تحقيق الاستقلالية.
  • المخدرات: تعاني فئة الشابات والشباب في سوريا من مخاطر تعاطي المخدرات، والتي زادت بشكل ملحوظ نتيجة للحرب والنزاعات. تُستغل الشابات والشباب في تهريب المخدرات والاتجار بها، كما يلجأ البعض إلى المخدرات كوسيلة للهروب من الواقع الصعب الذي يعيشونه. تعاطي المخدرات يزيد من تفاقم المشكلات الصحية والاجتماعية والنفسية، ويؤدي إلى انتشار الجريمة والعنف داخل المجتمع. النساء والفتيات يتعرضن لمخاطر إضافية تتعلق بالتعاطي والاستغلال الجنسي في سياق تهريب المخدرات.

 

لإعادة بناء سوريا بعد سنوات الحرب، يجب التركيز على محاور القرار 2250 من خلال تعزيز مشاركة وحماية الشابات والشباب، وفك الارتباط والإدماج، ووضع خطط وقائية للحيلولة دون نشوب نزاعات جديدة. ومن الضروري تبني استراتيجيات شاملة لمساعدتهن/م على التغلب على الأزمات وتعزيز فرصهن/م في المساهمة الفعالة في بناء المستقبل. من الضروري أن تأخذ هذه الاستراتيجيات في الاعتبار الأبعاد الجندرية وتأثيراتها، لضمان توفير الدعم المناسب للفتيات والشابات في مواجهة التحديات الفريدة التي يواجهنها. لتحقيق هذه الأهداف، من المهم العمل ضمن خطة وطنية شاملة تُعنى بإدماج الشباب والشابات في جميع جوانب التنمية وبناء السلام، مع توفير الموارد والدعم اللازمين لتنفيذ هذه الخطط بشكل فعال ومستدام. هذه الخطة يجب أن تكون متكاملة، تتناول كافة جوانب حياة الشابات والشباب، بما في ذلك التعليم والصحة والاقتصاد والمشاركة السياسية، وتضمن أن تكون أصواتهن/م جزءاً من عملية صنع القرار.

في النهاية، لابد من القول إن الشابات والشباب يمثلون الشريحة الأكثر تأثراً بالحروب، لكنهن/م في نفس الوقت يحملن/ون الأمل والإمكانات لتحقيق التغيير الإيجابي والمساهمة في بناء مستقبل أكثر استقراراً وسلاماً. تمكين الشابات والشباب وتفعيل دورهن/م في مجتمعاتهن/م هو المفتاح لتحقيق التنمية المستدامة والسلام العالمي. فلا حلول مستدامة في سوريا دون وضع خطط وطنية مبنية على مشاركة كافة فئات وشرائح المجتمع.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية