الشباب والشابات ثروة المجتمع

 

*هناء الخضر

 

يصادف يوم الثاني عشر من آب الذكرى السنوية ليوم الشباب/الشابات الدولي، والذي اعتمدته الأمم المتحدة قبل نحو ربع قرن بهدف تسليط الضوء وإيلاء الاهتمام الأكبر بقضايا الشباب/الشابات المتعددة والمتنوعة على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي وأيضاً القانوني، لكونهم/ن الفئة الأكثر أهمية في المجتمع والمحرك الأساسي لعملية النمو والازدهار والحركة في أي مجتمع سواءً كان مجتمعاً متقدماً أو متأخراً، مستقراً أو يعيش حالة من نزاعات واضطرابات مستمرة، إلا أنه وخلال ربع قرن مضى من تاريخ اعتماد هذا اليوم نجد بأن قضايا الشباب/الشابات اختلفت وتنوعت وتزايدت بشكل كبير عن السابق نتيجة التطور التكنولوجي الذي حصل لا سيما في البلدان التي تعيش حالة الاستقرار، وهذا التطور جعل قضايا الشباب/الشابات أكثر تعقيداً في البلدان التي عاشت وما تزال تعيش حالة الحرب والنزاعات التي تترافق مع غياب الحريات والحقوق، ليشمل هذا التعقيد كافة مجالات الحياة. 

 

دور الشباب والشابات في بناء المستقبل

يلعب الشباب/الشابات دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل المجتمعات، فهم/ن لديهم/ن القدرة على الابتكار، والطاقة، والرؤية لتغيير العالم نحو الأفضل، كما أنهم/ن الثروة البشرية القوية لأي مجتمع يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة في مجالات الحياة المتنوعة والمختلفة، وخاصة إن تم استثمار هذه الثروة بالشكل الصحيح والأمثل من خلال إشراك الشباب/الشابات في صياغة المستقبل بعيداً عن محاولات تدجينهم/ن في نمط وسياق محدد وتحويلهم/ن إلى أدوات لخدمة مصالح آنية ومكاسب شخصية لأفراد أو جماعات تدعي مناصرة قضايا الشباب/بات وتمكينهم/ن لتحقيق طموحاتهم/ن، والإشراك الصحيح للشباب/ات يقتضي العمل على وضع الخطط المناسبة التي تتوافق مع متطلباتهم/ن واحتياجاتهم/ن، ويقتضي أيضاً إشراكهم/ن في تحليل بيئاتهم/ن لمعرفة نقاط القوة والضعف وكيفية استثمارها والفرص وكيفية استغلالها والتحديات وكيفية تجاوزها، وهذا يساعد الشباب/ات في معرفة توجهاتهم/ن وأدوارهم/ن ومعرفة الميادين التي يمكنهم/ن العمل فيها بما يحقق لهم/ن ولبلدانهم/ن المستقبل الأفضل.

 

الشباب والشابات في مناطق النزاع

في سوريا مثلاً ومنذ اندلاع الثورة كان الشباب/الشابات ضحية ما نتج من أحداث وتطورات جعلت مستقبلهم/ن في غياهب الضياع والغموض، وفريسة تقتات عليها الأطراف المتنازعة ما بين سياسيين وعسكريين، وكان المستقبل الواضح للشباب/ات يتأرجح ما بين قتلٍ واعتقال واختطاف وعنف لا تُعرف نهايته، أو سعي مستمر لتأمين لقمة العيش في ظل أوضاع اقتصادية تزداد سوءاً بعد سوء، مما دفع العديد منهم/ن إلى الهجرة والهروب إلى بلدان مختلفة بحثاً عن مستقبل ضاع في بلدهم/ن. 

وعلى الرغم من أن فئة الشباب/الشابات تتمتع بقدرات ومهارات في مجالات وتخصصات عدة إلا أن هذه المهارات والقدرات لم يتم استثمارها في سنين الثورة على الوجه الأمثل، بل تم قتلها بسطوة السلاح المادي والفكري والثقافي الذي غزا سوريا وجعل معظم الشباب يتوجهون لحمل السلاح، وجعل الشابات يبحثن عن أمان مفقود في بلد لم تترك لهن الحرب رقعة يعشن فيها بحرية تمكنهن من اكتشاف وممارسة مهاراتهن وقدراتهن التي دفنها رماد الحرب، وبات المستقبل والأدوار التي كانت من حق الشباب/الشابات أسيرة لدى سلطة الأمر الواقع، وعلى المستوى الفردي فقد تمكن العديد من الشباب/الشابات من إثبات وجودهم/ن في ميادين مختلفة سواء داخل سوريا أو في بلاد المهجر، إلا أن هذه القدرات الشبابية والوجود والتميز الواضح لم يكن يلقى أية اهتمام من قبل المؤسسات المحلية التي غالباً ما كنت تنظر إلى الشباب/الشابات وتقيمهم/ن بناء على صغر السن وأنهم/ن لا يمتلكون/ن الخبرة والمعرفة الكافية للعب أدوار وتولي مناصب ذات سلطة بل اقتصر استقطاب الشباب/الشابات للعب أدوار ذات مهام روتينية لا تفيد حتى في بناء الحاضر فكيف المستقبل.

  

المبادرات الشبابية

إن خلق روح المبادرة لدى فئة الشباب/الشابات تعتبر عامل مهم في استثمار وتوجيه طاقاتهم/ن لا سيما في البلدان التي شهدت وتشهد حروب ونزاعات ، وفي سوريا، على سبيل المثال، كان هناك العديد من منظمات المجتمع المدني التي أولت الأهمية الكبرى لدور الشباب/الشابات وتنبهت لضرورة تمكينهم/ن في مختلف المجالات وتعددت المشاريع التي تصب في هذا الإطار فانتشرت تدريبات المناصرة وإدارة النزاع والمشاركة المدنية لتوعية الشباب/الشابات بالقضايا المجتمعية وتزويدهم/ن بالآليات والأدوات التي تمكنهم/ن من فهم واقعهم/ن لإنتاج مبادرات تسهم في حل بعض القضايا المحلية، سواءً أكانت تمسهم/ن بشكل مباشر أو غير مباشر فتكون هذه المبادرات وسيلة لإشراك الشباب/ات في حل قضايا مجتمعهم/ن حتى وإن كانت على نطاق ضيق وضيق جداً، بالإضافة إلى برامج سبل العيش التي هدفت إلى تمكين الشباب/ات اقتصادياً، وليس انتهاءً ببرامج التمكين السياسي لتوعيتهم/ن بمختلف المواضيع السياسية، ونتج عن ذلك تجارب ناجحة بينت قدرة الشباب/الشابات على معالجة بعض قضايا مجتمعاتهم/ن، وقدرتهم/ن على تنفيذ مبادرات متنوعة على المستوى المحلي. 

 

أهمية وجود بيئة حاضنة للشباب والشابات

إن التغيير المنشود لمستقبل أي بلد لا يمكن أن يكون ما لم يكن الشباب/الشابات المحرك الأساسي فيه، فهم/ن القوة الدافعة للتغيير والتطور، وهذه القوة تحتاج إلى بيئة حاضنة وداعمة توفر الأدوات اللازمة في مختلف المجالات لتمكين الشباب/ات من تحقيق طموحاتهم/ن في بلد مثل سوريا، وإلا بقيت تلك الطموحات مجرد أحلام تدفن فيها إبداعاتهم/ن وأفكارهم/ن الخلاّقة، بدلاً من أن تتحول إلى واقع ملموس ومعاش. في البيئة الحاضنة تتشكل الفرص المتنوعة التي تساعد الشباب/الشابات على المشاركة الحقيقية والفعلية للمساهمة في عملية التغيير، والبيئة الحاضنة أيضاً يجب أن تتماهى مع التطور التكنولوجي الحاصل لا سيما في أساليب التعليم ومجالاته الحديثة، كما أنها توفر المنصات التي يمكن فيها للشباب/الشابات التعبير عن آرائهم/ن وتطلعاتهم/ن في المجالات المختلفة، والبيئة الحاضنة تحفز لديهم/ن الإبداع والمساحة للمشاركة الفعالة وتؤمن بقدراتهم/ن وأفكارهم/ن، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن للشباب/الشابات تحويل أفكارهم/ن إلى مشاريع استثمارية في حال وجود بيئة توفر لهم/ن التدريب والإرشاد والتمويل اللازم.

 

إن حاضر الشباب/الشابات يدل على مستقبلهم/ن، وبمناسبة يومهم/ن الدولي نأمل بأن تكون أيامهم/ن كلها دولية وأن تلقى قضاياهم/ن الاهتمام الأكبر وأن تسعى جميع المؤسسات الدولية والمحلية لتكون على صفحة واحدة ورؤية استراتيجية تتشارك فيها مع رؤية الشباب/الشابات في معالجة قضاياهم/ن الحالية والمستقبلية، وعلى المستوى المحلي نأمل من الأجيال السابقة أن تحتوي الأجيال الشبابية الحالية، وتتعامل مع الاختلاف الحاصل في الاهتمامات والتوجهات والطموحات بكل حب وحرص لردم الفجوة، من خلال إشراكهم/ن في مختلف المجالات وعدم إقصائهم/ن، حتى يكون المستقبل الأفضل حاضراً جميلاً لجيل شبابي قادم.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية