العدالة من منظور السوريات

*شمس عنتر 

افتتحت الحركة السياسية السورية بتاريخ 23 آب 2021، أولى جلساتها عن ورقة العدالة من منظور النساء السوريات، والتي امتدت بين شهري آب وأيلول. شاركت في الجلسات حوالي 120 امرأة من خلفيات متنوعة ومن مختلف مناطق سوريا.

تعد هذه الورقة هي السابعة، فقد سبق للحركة أن أطلقت أوراقاً سياساتية عدة تناقش قضايا وتقدم مقترحات تخص أوضاع السوريات والسوريين.

حرصاً من الحركة السياسية النسوية السورية على إيصال صوت نساء سوريا إلى صناع القرار، نظمت جلسات جمعت فريقاً من نساء الحركة مع باحثة وبمشاركة منظمة “ماري” المسجلة في كندا، للوقوف على تجارب وآراء 120 امرأة سورية ضمن 12 مجموعة مركزة حول العدالة سواء كنّ داخل سوريا أو خارجها، والاستماع إلى تصوراتهن عن العدالة، كونها إحدى أهم السبل لتجاوز الصراعات الحالية وتجنب صراعات مستقبلية.  

“النساء الواعيات لحقوقهن يتعرضن لظلم مضاعف في بيئة لا تؤمن بالعدالة” 

هكذا بدأت إحدى المشاركات حديثها، فالوعي الفردي يصبح أحياناً وبالاً على حاملته بحيث تضطر إلى خوض معارك تفتقر إلى أدواتها، فتكون خسارتها الاجتماعية فادحة، بينما تلاحظ أن النساء اللواتي لا تعين حقوقهن وتناضلن من أجلها غالباً ما تكون أعبائهن أخف. ومعلوم أن الفئة الواعية بالحقوق هي التي تشعر بالظلم وتتحسسه بدرجات أكبر، وإلى جانب المجتمع ساهم النظام ونهجه في نشر الاستبداد، والعمل على زعزعة الثقة بين السوريات والسوريين، و احتكار كل ثروات البلاد لفئة معينة من الطبقة الحاكمة والمقربين منها دون الشعب، ولم يكتفِ بهذا بل عرّض الشعب للعقاب الجماعي بعد الثورة عام 2011، بحيث مارس بحقه جميع أنواع الترهيب من قتل واعتقال وتهجير وافقار ممنهج مما تسبب في نشر الفرقة والشقاق والظلم بين أفراد الشعب السوري نفسه، بالإضافة إلى الظلم الواقع عليه أصلاً من نظام الأسد. وبطبيعة الحال لحقت بالأطفال السوريين خسائر على مستويات عدة، فالمليشيات عملت على تجنيدهم في بعض المناطق وضاعف النزوح والتهجير والقصف من حالات التسرب الدراسي، ناهيك عن الزواج القسري الذي تعرضت وتتعرض له طفلات سوريات دون وجود قانون أو جهة من شأنها حماية هؤلاء وتوفير بدائل معيشية آمنة.

ونتيجة لتصاعد وتيرة العنف والاستبداد من قبل النظام وميليشياته فقد الشعب السوري أبرز مطالبه التي خرج ثورته في سبيلهما وهما الحرية والكرامة. 

خلال الورشة، أكدت النساء المشاركات أنهن لن ينعمن بالعدالة إلا بالانتقال السياسي للسلطة، وأن العدالة السياسية هي رأس الهرم وبعدها تأتي العدالة الاقتصادية ثم الاجتماعية. ولن تتحقق العدالة المرجوة إلا بمحاسبة الأشخاص والجهات التي ظلمت واستباحت كرامة المواطنات والمواطنين السوريات والسوريين، وكذلك بعودة اللاجئات واللاجئين بعد حصلوهن\م على ضمانات بعودة الحقوق لأصحابها. بالإضافة إلى ضمان تعزيز مشاركة عادلة للنساء في الحياة السياسية والمجتمعية والقضائية في المرحلة الانتقالية التي تتطلعن إلى حلولها قريباً. 

ومن الخطوات الهامة على طريق تحقيق العدالة هي تقييم أضرار الحرب بكافة أشكالها، المادية والمعنوية، وتعديل القوانين بما يتناسب مع مفاهيم دولة العدالة والديمقراطية والحقوق المدنية، وخاصة قانون الأحوال الشخصية.

 أشارت المشاركات في الجلسات إلى أن ضبط مفهوم العدالة من حيث الدلالة والمعنى صعب لأنه حمال أوجه وقابل للتأويل، لذا أكدن على ضرورة مراعاة العدالة الجندرية وذلك بصياغة دستور عادل وحساس للجندر، وأن تأخذ حقوق المهمشات والمهمشين بعين الاعتبار. 



تدرك النساء مكامن الظلم لأنهن اختبرنه ففكرن بالعدالة

 تقول إحداهن: العدالة بعيدة المنال، فلم تسلم أي عائلة سورية من الضرر وبأشكال مختلفة. 

تضيف أخرى: “البيئة المجتمعية في سوريا طاردة العدالة بل تمارس ويمارس عليها الظلم بشكل يومي خاصة خلال سنوات الحرب.

“لا توجد عدالة إلا في الموت”، تجيب ثالثة. 

اتفقت المشاركات على أن العدالة حق لكل البشر، ولباقي الكائنات على الأرض، وأنها يجب أن تكون أسلوب حياة، وممارسة ذاتية نابعة من قناعة الفرد بأن العدالة يجب ألا تُحجب عن أي شخص حتى الجناة. فبدون عدالة لا يمكن إرساء أسس الديمقراطية والحرية والتضامن والمساواة بين المرأة والرجل. العدالة ليست هبة من نظام لشعب أو جهة لشخص، بل هي حق طبيعي لكل إنسان، ولا يجب أن يتسول الإنسان كرامته. 

السلطات العادلة تساوي بين أفراد المجتمع في توفير فرص متكافئة، وتمكنهم من تحقيق الاستفادة القصوى من إمكانياتهن\م بغض النظر عن خلفياتهن\م الجندرية والجنسية والعرقية والدينية والاجتماعية وقدرتهن\م الجسدية.

تطرقت إحدى المشاركات في الجلسات للعلاقة بين الخوف والعدالة، باعتبار أن السلطة تنشر الرعب والخوف لتضمن خضوع الشعب، وهذا يتعارض مع أبسط مقومات العدالة بوصول الفرد إلى حقه بالتعبير والشعور بالأمان، فالقمع والوحشية ونشر الخوف يتسبب بتلاشي التضامن ويعزز عدم الثقة بين الناس، لذا يجب أن تلقى كل مظلومة ومظلوم المساعدة الكاملة للادعاء على من تسبب لهن\م بظلم أياً كان نوعه، والإيمان أن العدالة ستتحقق في يوم من الأيام.

ولا يمكن الحديث عن العدالة دون التطرق للحرية كحق إنساني واجتماعي، وفي السياق السوري تعتبر أولى شعارات الثورة السورية، وكان وما زال النظام يوجهها تهمة لكل معتقلة ومعتقل أثناء التعذيب بطرحه سؤال “بدكم\ن حرية؟”.

وختاماً أجمعت المشاركات على أن بناء العدالة يبدأ من المؤسسة الأولى وهي الأسرة، ثم يليها مناهج التعليم في المدارس، مشددات على أهمية صياغة مناهج تعليمية موحدة لكامل التراب السوري تراعي التعدد الثقافي، وترسخ مفاهيم العدالة والحرية والديمقراطية ونبذ العنف. وأن هذه الثورة التي أشعلها الأطفال يجب أن تضمن حقوقهم\ن قبل كل أفراد المجتمع. 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية