المجلس الاستشاري النسائي؛ هل أخفق في تحقيق ما أنشئ من أجله؟

 

*مزن مرشد 

 

“نساء ديمستورا”، هي التسمية التي أجمعت عليها مختلف الأطراف الفاعلة في الملف السوري سياسياً وإعلامياً، بعد الإعلان عن إنشاء المجلس الاستشاري النسائي التابع للأمم المتحدة، والذي أسس عام 2016 بقرار من المبعوث الدولي إلى سوريا “ستيفان ديمستورا”، بهدف منح المرأة دوراً في رسم مستقبلها ومستقبل البلاد، بالإضافة إلى جندرة العملية السياسية في سوريا ككل، بحسب ما كان معلناً وقتها من قبل مؤسس المجلس والمشاركات فيه، وقد لا يكون من المبالغة إن قلت بأن تلك التسمية قد تكون الشيء الوحيد الذي نال إجماعاً في الأوساط السورية على مختلف انتماءاتها، لكنه حظي باستياء الحركات النسوية والناشطات النسويات لما فيه من انتقاص من النساء بشكل عام، والنساء المشاركات في المجلس بشكل خاص.

واعتقد أن هذه التسمية كانت كفيلة بأن تظهر أي تحديات تواجه المجلس الاستشاري النسائي الوليد آنذاك.

ولا أخفي سراً إن قلت إن هذه التسمية مستفزة للغاية ولا تذكرني إلا بتسمية “حريم السلطان”، وحقيقةً؛  لم تأت هذه التسمية إلا من إرث كبير مترسخ في مجتمعاتنا الذكورية، حملت وزره النساء، فكنَّ ضحايا الذكورية السياسية السائدة، ونتيجة تفكير نمطي أطرهنَّ ضمن قوالب بائسة ومحدودة، مستمرة حتى اللحظة، مازلنا نحاول بكل ما أوتينا من قوة -نحن كنساء- تغييرها والتخلص منها. 

وبغض النظر عن التسميات، فإن المهم تقييم مدى فاعلية هذا المجلس وإجراء سبر لما تم إنجازه بعد سبع سنوات من مولده.

بالعودة إلى الوراء؛ وتحديداً إلى العام 2016، يوم أعلن ديمستورا عن إنشاء المجلس الاستشاري النسائي، قيل إن الهدف منه هو تمكين المرأة السورية من حقوقها، ومنحها دوراً منصفاً في رسم مستقبل البلاد، والعمل بفاعلية ضمن الجهود الساعية لحلحلة الأزمة السورية. ولتقييم مدى فاعلية المجلس ودوره لابد من طرح التساؤلات لنكون منصفين في ذلك التقييم، فهل تمكن المجلس من تحقيق أي وجود للمرأة على الخارطة السياسية السورية، أكثر من النسبة التي تواجدت بها النساء ضمن تشكيلات الصورة من قبل؟  

هل نجح المجلس الاستشاري النسائي في العمل على تحويل دور المرأة من المكانة الاستشارية إلى المكانة المؤثرة؟ أو صاحبة الرأي والمشاركة الفعلية التي تتناسب مع دورها في الثورة؟

أُخِذَ على المجلس الاستشاري النسائي؛ ومنذ اليوم الأول لتشكله غياب المعايير في اختيار عضواته، حتى أن بعض السياسيات البارزات اللواتي كان لهن دور كبير في العمل والضغط من أجل إنشاء هذا المجلس كن مستغربات ولم يعرفن كيف تم اختيار العضوات حتى الآن. 

ووفقاً لما قرأته وتابعته، وأنا أصنف نفسي بين المتابعات/ين للملف السوري بحكم الانتماء والاختصاص معاً، فإن المجلس الاستشاري النسائي لم يحقق أياً من الأمور المذكورة أعلاه، على حد علمي، والتي تصنف ضمن أبجديات عمله وأبسط أهدافه، ولأن الهدف هنا هو النقد البناء بعيداً عن التهجم كان لابد من الوقوف على الأسباب الحقيقية، على الأقل من وجهة نظري كسورية وككاتبة للمقال، لهذا القصور في تحقيق الأهداف وتفعيل جهود المجلس، ولا أريد القول هنا فشله.

البداية في الحديث عن أسباب الفشل، ولنكون منصفات/ين ومنطقيات/ين، لابد أن يمر من الآلية التي اعتمدها المبعوث الدولي السابق إلى سوريا “ديمستورا” في اختيار عضوات هذا المجلس، فلا أعرف كيف اعتقد “ديمستورا” أن المجلس الاستشاري النسائي سيكون فعالاً، وهو يضم في عضويته بعض النساء ممن لا زلن حتى اليوم مقيمات داخل مناطق سيطرة النظام السوري، وهنا لو استبعدنا سوء نية البعض منهن وولاء البعض الآخر له، فكيف ستتمكن تلك النسوة من تبني أي قرار أو توجه يطال نظام بشار الأسد، الذي كان على استعداد تام لتدمير بلد بأكمله لمجرد أن بعض الأطفال هتفوا وكتبوا للحرية قبل 12 عاماً، نظام لم يقبل حتى مجادلة المتظاهرات/ين بمطالبهن/م، ومن هنا أسأل أيضاً بصوتٍ عالٍ: “هل تستطيع إحدى تلك النسوة أن تطالب أو تصرح بضرورة تنحي الأسد، أو إزالته، أو إسقاطه، وتعود بعدها بشكل طبيعي إلى دمشق دون تبعات؟، سؤال لا يحتاج إلى الكثير من التفكير”.

وعلى ذات السياق؛ لابد للمتابع/ة السوري/ة أو المهتم/ة بهذا الشأن، أن يتساءل  أيضاً عن ما كان يدور في ذهن ديسمتورا، عندما اختار في مجلسه مشاركات بعضهن تمسكن بنشر صورهن مع علم النظام في إشارة واضحة إلى تأييدهن للنظام السوري، الذي بات يصنف دولياً كواحدٍ من أكثر الأنظمة إجراماً على مر التاريخ، كيف “لديمستورا” الذي جاء ليدعم تطلعات السوريات والسوريين في الحرية والكرامة والعدالة ويعمل على دعم حقوق المرأة أن يضع إلى جانبه بعض النساء ممن أيدن قتل المرأة واغتصابها وتشريدها، كيف لمن آمنت بالقبضة الأمنية والآلة العسكرية ودافعت عن قصف المدنيات والمدنيين وقتل الأطفال أن تكون طرفاً في منح النساء حقوقهن وأن تعتبر ممثلة لهن، بعد أن نصبت نفسها محامية دفاع عن جلاد لم يترك أي انتهاكٍ لحقوق المرأة إلا ومارسها، بما في ذلك حق الحياة.

ربما كانت تساؤلات مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، “هيلاري كلينتون”، عن سبب غياب التمثيل النسائي عن مؤتمر أصدقاء سوريا، الذي عُقد في 24 من شباط 2012، والتي نقلتها الراحلة الدكتورة “بسمة قضماني”، هي التي أيقظت لاحقاً “ديمستورا” على فكرة ضرورة التمثيل النسائي، لكن يبدو أن ما غاب عنه هو الأخذ بأسباب وظروف نجاح ذلك المجلس في تحقيق ما أنشئ لأجله، وخاصة من ناحية آلية اختيار العضوات ومستوى التمثيل ومده بكافة الآليات والأدوات المطلوبة لتحقيق أهدافه، فلا يمكن للمرأة ومهما آمنت بقضيتها وقاتلت لأجلها أن تحقق أي تقدم دون دعمٍ حقيقيٍ من قبل الأطراف الفاعلة في الساحة الدولية.

وللإنصاف؛ وكي لا أنال من جهود العديد من عضواته ولا أدخل في إشكالية التعميم وتضييع جهود الأخريات، وللأمانة الصحفية، لابد من القول بأن مجموعة لا يستهان بها من النساء العضوات في المجلس الاستشاري النسائي، وعلى الرغم من كل الظروف المحيطة والمذكورة سابقاً، حاولن إيصال أصوات النساء السوريات وتوضيح مخاوفهن فيما يخص مستقبل القوانين وما طال المرأة في سوريا على أرض الواقع، إلا أن عوامل الفشل والظروف المحيطة محلياً ودولياَ وعلى مستوى التشكيلة التي اختيرت للمجلس كانت أقوى من كل تلك الجهود.

كل من يتابع المشهد السوري، ويغوص قليلاً في وضع النساء على الساحة السياسية السورية ستتضح له الصورة، ببساطة لم يختلف إنشاء المجلس الاستشاري النسائي كثيراً عن بروتوكولات إشراك النساء في الأجساد السياسية، لن أقول ديكور-حاشى لنسائنا أن يقبلن بذلك- ولكن أيضاً؛ وبالمقابل كل هذه التحركات لم تكن إلا تحقيق لمطالبات المجتمع الدولي بوجود أكبر للنساء، فكان المجلس، وكان إدخال النساء إلى الهيئات السياسية تحقيقاً للشروط، دون إعطائهن دوراً حقيقياً وفاعلاً، وهذا يتحمل مسؤوليته كافة الفاعلات/ين في الملف السوري وأولهم السياسيين السوريين، ففي كل مرة لابد للنساء أن يخضن المعارك من أجل الحصول على حصة في تمثيلهن، وتبرير هذا التحليل أن المعارضون للنظام من الرجال أسهموا بشكل مباشر في تهميش دور المرأة سياسياً، وحصر أدوارها في الإغاثة أو كنائب رئيس -كما في الائتلاف على سبيل المثال- أشبه بتحفة فنية لتجميل المشهد وإسكات الأصوات التي تطالب بوجود النساء، ما يعزز قناعتنا بأنهم ليس لديهم حتى الآن قناعة بأهمية دور المرأة، فلا يؤخذ برأيها، ولا تعطى فرصها للعمل الجدي والحقيقي. وما زاد طين تهميش المرأة بلة هيمنة التيارات الأيديولوجية في مرحلة من المراحل، على عمل المعارضة- الإسلامية منها والشيوعية- التي لديها قوالب محددة للنساء تحاول تقييد دورهنّ ضمنه، وبالتالي فإن فكر النساء السوريات المستقل المتحرر من هذه القيود بقي غائبًا.

برأيي؛ كان المجلس الاستشاري النسائي كتشكيل ما هو إلا نسخة مكررة لتشكيل وفود مباحثات السلام بوجود نساء كذر الرماد في العيون والتبجح بتمثيل النساء في العملية السياسية.

 ومع الاحترام مرة أخرى لعضواته إلا أنه يمثل نساءه فقط وليس نساء سوريا، وعضواته يتحدثن باسمهنَّ الشخصي، وباسم مجلسهنَّ الاستشاري، وليس باسم كل النساء السوريات، خاصة أن بعض العضوات ومنذ اليوم الأول لتعيينهن به، يحاولن بكل ما أوتين من جهد وبراعة وبلاغة، ترسيخ رواية النظام بأن ما يحصل في سوريا أزمة عابرة، أنتجت إرهاباً، وارتقت لتصبح حرباً أهلية، مع تعمد إهمال أي تلميح لطرح الانتقال السياسي كأساس للحل، أو لمسؤولية النظام عما حصل من دمار وموت وسواه. فتلك النسوة وجودهن في المجلس لن يكون لا مؤثراً ولا فاعلاً في العملية السلمية، فحال المرأة في تشكيل المجلس كان كحالها لدى السلطة الحالية الحاكمة في دمشق، وحالها في هيئات المعارضة فهو وجود ناتج عن تعيينات يحكمها المحاصصة السياسية، وأحيانا العلاقات الشخصية أو المحسوبيات حتى أنه كان بضغط دولي أحياناً، بعيداً عن أي إيمان بدور المرأة وضرورة وجودها، من هي المرأة المنتقاة ومؤهلاتها.

فإذا كان المجلس الاستشاري النسائي سيؤدي دوره الفاعل الذي أنشئ من أجله، لا بد من إجراء تعديلات جذرية على عضواته الحاليات، وضمان وصول نساء يمثلنَّ بحق النساء السوريات، منتخبات من الحركات السياسية والجمعيات الفاعلة والتجمعات والتيارات والأحزاب بما يضمن وصول من تستطيع العمل على مصلحة المرأة السورية أولاً، ومصلحة سوريا بالتحول السياسي المرجو ثانياً، ولو كان هذا الأمر بتدخل مباشر من الأمم المتحدة التي من غير المسموح لها التدخل في الشأن السوري والقرار السوري، إلا بما يخص حقوق النساء.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية