المرأة والمسرح السياسي، العوائق أمام خوض النساء المجال السياسي
- updated: 21 أكتوبر 2020
- |
شمس عنتر
المشاركة النسائية في العملية السياسية تعني إدماج المرأة في التنمية الاجتماعية والثقافية والسياسية، وهذا يعني ضمان حقها في المشاركة المباشرة في كافة الأطر السياسية والاجتماعية، كالأحزاب والجمعيات والاتحادات، فضلاً عن مشاركتها الفعالة في مراكز صنع القرار المختلفة. فمشاركة المرأة السياسية لم تعد شأناً داخلياً للمجتمعات، بل غدت إحدى مؤشرات التنمية البشرية حول العالم.
ويُعد تهميش دور المرأة في عمليات التنمية بمجالاتها المختلفة، نمطاً من أنماط هدر الطاقة الإنتاجية، وهذه المشاركة مرتبطة بظروف المجتمع الذي تعيش فيه، وتتوقف درجتها على مقدار ما يتمتع به المجتمع من حرية وديمقراطية من الناحية السياسية، وعلى ما يمنحه المجتمع من حريات اجتماعية للمرأة لممارسة هذا الدور، لذا فإنه لا يمكننا مناقشة المشاركة السياسية للمرأة بمعزل عن الظروف الاجتماعية والسياسية التي يمر بها أي مجتمع، كما أن هذا المفهوم يلعب دوراً مهماً في تطوير آليات وقواعد السلطة الديمقراطية، كالتدرج في العمل السياسي، ومشاركة الفرد في صور متعددة من النظام السياسي وهذه الصور والأنماط تشمل منصب سياسي، أو السعي نحو منصب سياسي، كما في عضوية الأحزاب، وضرورة مشاركتها في الأنشطة السياسية، والتطوع أي التوجه إلى العمل السياسي بدافع المسؤولية تجاه قضايا الوطن.
وإذا وقعت بين خيارات متعارضة، تغلّب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وتختار المرأة الترشيح لمنصب في الأحزاب لتخوض المعترك السياسي بنفسها، والعمل من داخل المطبخ السياسي، أو تكون ناخبة وهنا تحدد أن يكون لها صوت ودور في تحديد من يمثلها ومن يدافع عن حقوقها، ويعبر عن مشاكلها واهتماماتها.
إن الممارسة الفعلية لأي مستوى للمشاركة السياسية يتطلب اقتناعاً بجدوى أهمية المشاركة إلى جانب أن يتسم الفرد بالمسؤولية والالتزام واحترام الواجب.
ومن الضروري أن يكون لها دوراً في صياغة كاملة لمستقبل بلادها. ولابد من تهيئة المجتمع وهذه الخطوة مرتبطة بالقوانين وخاصة قانون الأحوال الشخصية، لأن إعداد المرأة للحياة السياسية بحاجة لتهيئة من داخل الأسرة أولاً، ومن المهم كذلك تعديل التشريعات الدولية التي تجيز التمييز والعمل على ادماج الاتفاقيات الدولية الخاصة بإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
يعد حالياً نظام الكوتا أحد آليات المساعدة في وصول النساء إلى مطبخ القرار، ومع أنه نظام مرحلي ويعتبر نوعاً من التميز الايجابي لكنه خطوة في طريق تحقيق المساواة.
فما الذي يعيق تقدم المرأة لتشارك الرجل في الحياة السياسية؟
أهم تلك المعوقات هي سياسية، مثل جو الانتخابات المشوب بأشكال العنف، أقلها شراء الذمم والمشاحنات وشراء الأصوات، والتشهير الذي يطال بعض المرشحات من الخصوم والذي يسيء إلى النساء بشدة، خاصةً في مجتمعنا الشرقي.
كذلك غياب القوانين المنصفة يعيق تقدمها فهي لا تحصل على حقوقها المدنية، وقانون الأحوال الشخصية يظلمها، كقانون الجنسية وقانون العمل والزواج والطلاق ـوقانون الميراث كلها غير منصفة للمرأة.
ومعلوم أن قانون الانتخاب يخص التصويت الأكثري، وبما أن الأغلبية ذكور فهذا يقلل من حظوظ النساء، وإن كنَ جديرات بذلك.
حتى المنظمات النسوية الموجودة فهي غير مؤهلة وغير متمكنة للدفاع عن حقوق النساء السياسية، لأن هذه المنظمات تتبع للأحزاب السياسية بشكل أو بآخر وأغلب الأحزاب مناهضة لحقوق المرأة فعلاً، وأن كانت تنادي بحقوقها فهي تعمل لجان مؤلفة من نساء وتهدف إلى تمرير سياساتها وتسويق برامجها لكسب عناصر نسائية أكثر لأنها تبحث عن أصوات فقط ولا تعمل حقيقة على بلورة قوانين المساواة بين الجنسين. ويتم استغلال الوهج السياسي والإعلامي لمشاركة المرأة، ولكن إيصالها لمصنع القرار لا يشكل أولوية لدى أي جهة سياسية.
أما المعوقات الاجتماعية والتي تمثلها الثقافة الشعبية السائدة التي تفرق بين الشأن العام والشأن الخاص، حيث تحدد دور المرأة المقتصر على العمل الخاص المتعلق بأمور المنزل والأولاد، بينما ترى السياسة عمل خاص بالرجال، إذاً المرأة تابعة للرجل وقواعد استقلالها ضعيفة، فالجمع بين العمل داخل المنزل وخارجه يضاعف الأعباء، فكيف إذا شاركت في الشأن العام، وخاصة الدور الإنجابي لها يثقل كاهلها، ويصعب عليها فرص تنمية دورها في هذا المجال. وجود المفاهيم البالية والتي تربط بين فشل الأسرة وخروج المرأة للعمل.
وما تزال نسبة الأمية القانونية مرتفعة، فنادراً ما نجد منشورات تهتم بالتثقيف القانوني والحقوقي في مجتمعنا.
ولا ننسى دور الاقتصاد كمعوق، فالمرأة لا تتمتع باستقلالية اقتصادية وهذا يؤخرها عن مواكبة الحياة السياسية والحزبية، وغالباً ما توظف النساء في أعمال خدماتية تقليدية، وبالتالي تدني الرواتب وضعف الموقف الوظيفي والاقتصادي، مما يعيقها لتصبح عنصراً فاعلاً ومؤثراً في مؤسسات صنع القرار.
وقد تكون المرأة مكتفية اقتصادياً، وقد تفلت من القهر لكنها لا تفلت مطلقاً من الاستلاب، إنها أداة رغم كل شيء يطمس عقلها، وتستلب في عالم الأسرة أو الزوج الذي يحتمي وراء حقوقه التاريخية، كما أن ظاهرة الفقر المتفشي ينعكس سلباً على كافة جوانب حياة المرأة.
كذلك الدين له دوره كمعوق فتصاعد التيارات الإسلامية والأصولية والراديكالية المتطرفة ومنها الإرهابية، وإن كانت ليست نابعة من داخل مجتمعنا لكنها ملاصقة له.
فوجود تنظيمات مناهضة لحقوق المرأة على صعيد العالم يخلق حالات نفسية تحد من مشاركة المرأة في العملية السياسية، فقد تعرضت الكثير من الناشطات النسويات للتهديد والقتل وانتهاك حقوقهن.
ورغم قلة هذه التيارات داخل مجتمعنا إلا أن تأثيرها يأتي من الخارج ويؤثر على المجتمع ككل وليس النساء فقط، لأن الدين أصبح حجة كل متشدد للضغط على المرأة.
وبعض التيارات المحافظة المتحالفة مع التيارات الدينية تعمل على تضيق الخناق عليها، في كل المجالات خاصة الحراك السياسي، وهؤلاء يتناولون نصوص القرآن ويفسرونها حسب أهوائهم.
والنصوص القرآنية لها قابلية كبيرة في تحمل الكثير من المعاني وتبرير المواقف، هذه القابلية أتاحت لهؤلاء المحافظين على مر التاريخ الإسلامي شرعنة القهر الاجتماعي للمرأة. وهكذا نجحوا في تكبيلها وتعطيل كفاءاتها المهنية والإنسانية والحط من كرامتها، وأثخنوا كل جزئية من النصوص القرآنية شرحاً وتشريعاً، وخاصة تلك المتعلقة بالمرأة، ليثبتوا أنها قاصر وتحتاج إلى من ينوب عنها وأنها مصدر كل فتنة وأن جسدها مصدر كل الشرور.
والإعلام هذا السلاح ذو الحدين، يساهم في هذه الإعاقة بمختلف أنواعه حيث إنه يهمش الجانب التوعوي ويكثر من الاستهلاك والترفيه دون التثقيف. فهو يعمل على تكريس الأدوار النمطية للمرأة كربة المنزل، الخائفة، والثرثارة، والمستهلكة، والغاوية، والمهتمة بالمظهر دون الفكر.
وفي بعض وسائله يربط بين خروج المرأة للعمل وفشل حياتها الأسرية واختزالها في أدوار تجردها من إنسانيتها وتحولها إلى سلعة، ويظهر ذلك جلياً في الإعلانات التي تركز على المرأة الجميلة التي ليس لها دور سوى إبراز جمالها.
كذلك محدودية الموضوعات الخاصة بالمرأة التي يتم معالجتها وعدم رؤية المشاركة السياسية على إنها قضية تستحق الاهتمام.
الدراما والدور النمطي المزمن للمرأة حيث لا يعرض نماذج للمساواة، إنما يظهر الأدوار التي تبقي على نمطية الدور مثل الأم المعطاءة، والزوجة المطيعة، والفتاة الغاوية، والضعيفة أو الخجولة.
مع أن التجارب العالمية أثبتت أن النساء يحافظن على موارد المؤسسات أكثر من الرجال وأن نسبة الفساد لديهن أقل منها إلى الرجال، وإن عالماً تحكمه النساء سيكون أكثر أماناً وسلاماً، وأن البلدان التي تكون فيها نسبة المساواة بين الجنسين أكبر نموها الاقتصادي أفضل، ومع ذلك أغلب الحكام والمتنفذين هم من الرجال.
وهناك عائق واضح ولا يجب إنكاره ألا وهو طبيعة تفكير المرأة ذاتها! الذي يجعل ملف مشاركتها للحياة السياسية ملفاً متشعباً ومتداخلاً إلى حد التعقيد علاوة على أنه لا يوجد هناك من يحاول تذليل الصعوبات والعقبات والمعوقات بإرادة حقيقية والجميع مشارك فيه نوعاً ما. فقلة الوعي السياسي وعدم ثقتها بنفسها وتدني مستوى الطموح لديها، والخوف وعدم الثقة بامرأة تمثلها فلا تعطي صوتها للمرأة. وهذا ناتج عن قلة وعي بأهمية من يمثلها ومن تنوب عنها، كل هذا يعيق تقدمها إلى مصنع القرار السياسي. وهي لا تعرف أهمية التعامل مع قضية المشاركة السياسية للمرأة كقضية مجتمع، إنما تنظر إليها على أنها قضية فئوية أو حتى رفاهية.
وتكاد تكون فاقدة لاستراتيجية خاصة بها لتكون قادرة على تحويل قضايا النساء إلى قضايا تهم كل النساء، بل تهم كل المجتمع. لأنها لا تعي مدى أهمية المشاركة لها وللجميع، وذلك لضعف الثقافة المدنية السياسية كل هذا يعود إلى التنشئة الأولى لها حيث تساهم في توسيع الهوة بينها وبين الحياة السياسية، فنراها تطالب بنظام الكوتا والحصص على أساس إنه الضامن الوحيد لحصولها على مناصب سياسية في مختلف المؤسسات، دون أن تركز على حاجتها إلى التمكين والتدريب وزيادة الاطلاع في مجال السياسة.
والكوتا كتخصيص حصص للنساء هي إحدى الآليات المقترحة في المؤتمر الرابع العالمي عن النساء في بكين عام 1995 كحل مرحلي في الحياة السياسية ومراكز صنع القرار، لما طالهنّ من تهميش وإقصاء أدى الى عدم تمثيلهن أو على أقل تقدير ضعف هذا التمثيل وعزوفهن في كثير من الأحوال عن المشاركة في مراكز صنع القرار. ولقد أوجد هذا النظام ليكون حلاً لزيادة نسبة المشاركة السياسية للنساء ولو لمرحلة معينة.
ومع كل هذه المعوقات نجد أن المرأة ناضلت وتخطت الصعوبات ووصلت في كثير من الأماكن إلى مصنع القرار، ولكن ليس بالنسبة المطلوبة وحتى نصل لتلك النسبة يجب إيجاد الحلول، وهي تتلخص بإزالة تلك المعوقات التي سبق وأن مررنا بها لنصل إلى عالم تتشارك المرأة عالم السياسية جنباً إلى جنب مع الرجل.
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة