النساء السوريات يخضن ثورتين

فادي نشتاوي (اسم مستعار) من مواليد اللاذقية، مقيم في ألمانيا، درس إدارة الأعمال، ومع انطلاق الثورة، انتقل للعمل المجتمعي والإغاثي، عضو في الحركة السياسية النسوية السورية.

يقول فادي، تزامن انتهاء المرحلة الجامعية مع انطلاق الثورة السورية، لذا فقد بدأت حياتي العملية في المجال الإغاثي. ولعب جو اللاذقية الآمن نوعاً ما حينها دوراً بسهولة حركة العاملات/ين في هذا المجال. وبعد هجوم قوات النظام على حمص، نزح الكثير من الأهالي إلى اللاذقية، وبالتالي ازدادت الحاجة للعمل الإغاثي، فبدأت مع صديقاتي وأصدقائي بتنظيم أنفسنا لإيجاد السبل لتخطي الصعوبات الأمنية. وبدأنا عملنا مع الأطفال في مجال الدعم النفسي، وخاصة المتسربات/ين من المدارس بسبب النزوح، بالإضافة لتوجهات أخرى ضمن العمل المجتمعي، بسبب إيماننا بضرورة تحمل مسؤولياتنا تجاه بلدنا ومجتمعنا والتي كانت إحدى نتائج الثورة بعد عقود من الاحباط وعدم الإيمان بدورنا كأفراد ضمن المجتمع. وبالتوازي مع العمل الإنساني، انخرطت في النشاط السياسي وانضممت لإحدى التحركات السياسية التي نشأت مع بداية الثورة، ولأنني ضد العنف وحمل السلاح، كان يجب أن أغادر البلد قبل أن أجبر على الالتحاق بالخدمة العسكرية والمشاركة في قتل السوريات/ين. توجهت إلى تركيا ثم إلى ألمانيا، وبدأت بالعمل في المجال المجتمعي، وفي نفس الوقت أحرص على مزاولة النشاط السياسي من خلال المشاركة في تجمعات ونشاطات من شأنها إيصال صوت السوريات والسوريين والقضية السورية.

يشرح فادي علاقته بسوريا وبمدينته اللاذقية قائلاً، لست متعصباً للقوميات، لكن بالتأكيد تربطني بسوريا علاقة خاصة فهي هويتي وثقافتي، وهناك تكوّن محيطي الاجتماعي، ولا يخفي فادي حنينه إلى اللاذقية، لطبيعتها وبحرها الذي تربطه به علاقة خاصة. بالمقابل وبعد مرور أربع سنوات على وجوده في ألمانيا، يقول فادي أحاول خلق علاقة مع البلد الجديد، وبالتأكيد يلعب عاملا الثقافة واللغة دوراً في صعوبة الانتماء، إلا أنني بدأت أعتاد المكان رغم التحديات التي أواجهها. وعن بدايات الثورة في سوريا يقول فادي: كنت مؤمناً أنه من حق السوريات والسوريين أن يكون لهن/م صوت، وأن يطالبن/وا بحقوقهن/م ويسائلوا الفاسدات/ين، وأن يكونوا أصحاب قرار حقيقي في انتخابات رئاسية وبرلمانية شرعية في بلدهن/م، يختارون عبرها من يمثلهن/م، وأن يتم تمثيلهن/م بنقابات نزيهة. رأيت في الثورة بداية لتحقيق هذه المطالب.

أؤمن بالحراك السياسي للوصول إلى سوريا التي نريد، فالسلاح لن يودي بنا إلا لمزيد من الخراب. مطالبنا المتمثلة بخلق سوريا حرة ديمقراطية مبنية على أسس المواطنة والمساواة بين جميع السوريات والسوريين؛ لن تتحقق بالسلاح إنما بالعمل السياسي المنظم. يؤكد فادي أن العمل السياسي غير محدود بمنطقة جغرافية يقول: حتى وأنا خارج سوريا الآن، ما زلت أشارك في حملات الدعم والمناصرة وحشد الرأي العام وتوجيه أنظار العالم إلى قضية السوريات/ين المحقة، ومنذ فترة نحاول أنا و بعض الصديقات والأصدقاء أن نقوم ببعض النشاطات، التي تقلصت في الفترة الماضية بسبب اضطرارنا للخروج من سوريا وانتقال كل منا إلى بلد، من خلال استثمار المناخ السياسي و الاجتماعي لبلدان المهجر فيما يساعدنا كسوريات/ين لإيصال صوتنا لمنصات اتخاذ القرار، وللاستفادة من تجارب هذه البلدان خلال عملنا المجتمعي والسياسي.

إلى جانب الحراك السياسي، يؤمن فادي بالعمل الاجتماعي للتعريف بالقضية السورية ونقاش مفاهيم مثل المواطنة، والحقوق، والواجبات بين السوريات والسوريين أنفسهن/م، حيث كنا ممنوعين من التطرق لهذه المواضيع والعمل عليها علناً في سوريا، لأنها تشكل خطراً عل الأنظمة المستبدة، طرح هذه المفاهيم ونقاشها المتكرر من شأنه أن يؤسس لجيل يؤمن بالعدالة ويعمل لنيلها، يضيف فادي.

’’أؤمن بالحراك السياسي للوصول إلى سوريا التي نريد، فالسلاح لن يودي بنا إلا لمزيد من الخراب. مطالبنا المتمثلة بخلق سوريا حرة ديمقراطية مبنية على أسس المواطنة والمساواة بين جميع السوريات والسوريين؛ لن تتحقق بالسلاح إنما بالعمل السياسي المنظم.‘‘

يرى فادي أن أكبر التحديات التي تواجه العمل السياسي في سوريا هو النظام السوري الذي يرى في العمل السياسي المنظم وسيلة للإطاحة به، لذا فهو يستخدم كل أساليب البطش لقمعه، ويقر بأن سنوات القمع والاستبداد التي عاشها الشعب السوري في ظل حكم عائلة الأسد وحزب البعث قوّضت الخبرة السياسية لمعظم السوريات والسوريين. يضيف فادي أن خصوصية الوضع السوري الراهن وتعقيداته تبعاً لتوزع القوى وحلفائها، هي بحد ذاتها تحدٍ كبير يواجه العمل السياسي في سوريا بشكل عام.

أما عن التحديات التي تواجه المرأة السورية في العمل السياسي، فيقول فادي بالإضافة إلى التحديات التي ذكرتها والتي تعاني منها النساء والرجال على حد سواء، تواجه المرأة تهميشاً لأن صاحب الصوت على الساحة السورية اليوم للأسف هو من يملك السلاح ويتحدث لغة العنف، والنساء لسن كذلك، كما أننا لا نستطيع إنكار تحجيم مجتمعاتنا لدور المرأة، ولاستعادة هذا الدور لابد من بذل جهد مضاعف، ليس فقط من النساء أنفسهن، بل منا جميعاً لإفساح المجال للنساء لاسترداد مساحتهن المستلبة.

يؤمن فادي أن نسبة التمثيل السياسي للسوريات يجب أن تصل إلى 50%، يقول: أعرف أننا مازلنا في بداية الطريق، لكن موضوع حقوق النساء ومشاركتهن السياسية العادلة بدأ يأخذ حيزاً أكبر وبات مألوفاً حتى في بعض المجتمعات المحافظة، وأرجع هنا الفضل للثورة التي حررتنا من الخوف من المطالبة بحقوقنا وخلقت ثورة موازية هي ثورة نسوية.

عن انضمامه لـ “الحركة السياسية النسوية السورية” يقول فادي: في السابق لم أعر الاهتمام الكافي لوضع النساء في سوريا، كنت على دراية أن حقوق النساء منقوصة، لكني لم أكن أعي حجم هذه المشكلة، بعد الثورة أعدت النظر بكل الثوابت التي كبرنا عليها دون مراجعتها. وعندما أحسست بكمية الظلم التي تقع على السوريات والسوريين بدأت بالتفكير بكل المستضعفات/ين والمهمشات/ين والذين عانوا ويعانون ظلماً مضاعفاً، فاتخذت موقفاً واضحاً وعلنياً كمناصر ومؤيد للنساء في حراكهن لاسترداد مكانتهن السياسية والاجتماعية وعلى جميع الأصعدة، حالهن كحال الذكور بلا فرق. في الوقت نفسه سمعت عن “الحركة السياسية النسوية السورية” ورأيت بها منصة وطريقة لتوحيد الجهود لمناصرة الثورة وبنفس الوقت للمطالبة بحقوق المرأة.
وأعتقد أن وجود جهة سياسية نسوية مثل الحركة؛ هو بحد ذاته خطوة في طريق التمثيل السياسي المنصف للنساء السوريات، وحتى على صعيد المجتمع، من شأن هذه التجمعات والحركات أن تحدث تغييراً في المجتمع على المدى الطويل، وأن تعزز فكرة حضور النساء وأحقيتهن في المشاركة في صناعة القرارات المتعلقة ببلدهن.

’’أعرف أننا مازلنا في بداية الطريق، لكن موضوع حقوق النساء ومشاركتهن السياسية العادلة بدأ يأخذ حيزاً أكبر وبات مألوفاً حتى في بعض المجتمعات المحافظة، وأرجع هنا الفضل للثورة التي حررتنا من الخوف من المطالبة بحقوقنا وخلقت ثورة موازية هي ثورة نسوية.‘‘

وعن أجمل اللحظات العالقة في ذاكرة فادي يقول: لا أنسى أول مرة شاركت بها في مظاهرة في سوريا، كان شعوري مزيجاً من السعادة والأمل، وفي نفس الوقت مقروناً بالحزن، لأن المظاهرة نفسها كانت تشيعاً لأحد الأصدقاء والذي قضى تحت التعذيب. لحظة أخرى يقول فادي إنه لا يمكن نسيانها، هو لقائه بوالدته بعد أربع سنوات من الفراق.

وعن سوريا التي يحلم بها يقول فادي: ببساطة أحلم أن أعيش في سوريا البلد الديمقراطي، الذي يحترم بناته وأبنائه ويعاملهن/م بناءً على أسس المواطنة والحقوق والواجبات.

يقول فادي لنساء سوريا، نضالكن تجاه القضية السورية مضاعف، أنتن تخضن ثورتين، واحدة من أجل الحرية والعدالة في بلدكن سوريا، والثانية هي ثورتكن كنساء لنيل حقوقكن وحريتكن. ويعرب فادي هنا عن سعادته وتفاؤله بالإنجازات التي تحققها السوريات على صعيد حقوق المرأة ومشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية.