النساء وصناعة القرار في سوريا بعد سقوط الأسد
- updated: 20 أكتوبر 2025
- |
*هيام
بعد سنوات طويلة من الحكم الفردي الذي ألغى دور المجتمع وأقصى النساء عن مراكز صنع القرار يفتح سقوط نظام الأسد باب أمل جديد أمام السوريين والسوريات لبناء دولة تقوم على المشاركة والمواطنة. وفي هذا السياق، تبرز المرأة السورية كقوة فاعلة يجب أن تكون في قلب المرحلة الجديدة لا على هامشها، فخلال سنوات الحرب لم تكن النساء مجرد ضحايا كما يظن البعض، لقد تحمّلن أعباء جسيمة في ميادين مختلفة، أدرن شؤون الأسر في غياب المعيل، تولّين أدواراً إغاثية ومجتمعية وسياسية، شاركن في الوساطة وحل النزاعات المحلية كمدربات وغيره، وأسسن مبادرات مدنية محلية. هذه التجارب منحت النساء رؤية أدوار قيادية وخبرة عملية وشجاعة قيادية تؤهلهن اليوم للمشاركة الفعلية في صناعة القرار.
صناعة القرار في سوريا الجديدة من التجميل إلى الشراكة الحقيقية!
إعادة بناء الدولة السورية تتطلب تغييراً جذرياً في مفهوم السلطة بحيث تُصبح عملية اتخاذ القرار تشاركية، تقوم على الكفاءة والخبرة لا على النوع أو الولاء السياسي. والنساء اليوم يمتلكن خبرات تراكمية اكتسبنها من الميدان ومن العمل المدني والإنساني تؤهلهن لأن يكنّ شريكات فعليات في بناء المؤسسات، وليس مجرد رموز تستخدم لتجميل المشهد السياسي.
إن إشراك النساء في مواقع صنع القرار ليس مطلباً نسوياً، إنما هو شرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان أن تكون سوريا الجديدة دولة لجميع مواطنيها ومواطناتها. فوجود النساء في مواقع المسؤولية يعزّز التوازن في السياسات العامة، إذ يملن غالباً إلى التركيز على الجوانب الاجتماعية والتنموية، مثل التعليم والصحة والعدالة والخدمات، وهي ملفات تمسّ حياة الناس اليومية وتشكل أساس السلم الأهلي. ومن هنا تأتي أهمية مشاركة النساء بوصفها قيمة مضافة للحوكمة الرشيدة، وليست مجرد بند في أجندة المساواة.
البرلمان الجديد والكوتا النسائية ضرورة مرحلية
سيكون البرلمان السوري القادم اختباراً حقيقياً لمدى جدية القوى السياسية في بناء نظام ديمقراطي عادل. ويُعدّ فرض كوتا نسائية خطوة ضرورية في المرحلة الانتقالية لضمان تمثيل النساء، خاصة في ظل استمرار العوائق الثقافية والاجتماعية التي تحول دون مشاركتهن الطبيعية. فقد أثبتت التجارب الدولية أن غياب الكوتا يؤدي غالباً إلى بقاء النساء على الهامش مهما كانت المؤهلات والكفاءات متوفرة، لأن البُنى الذكورية والهيمنة السياسية تقصيهن تلقائياً من دوائر النفوذ ومراكز صنع القرار.
لكن من المهم التأكيد أن الكوتا ليست غاية بحد ذاتها، بل هي وسيلة مرحلية لتصحيح الخلل البنيوي في الحياة السياسية ولفتح الطريق أمام ثقافة جديدة تؤمن بمبدأ المساواة في الفرص، ونجاح الكوتا يتوقف على التمثيل الفعلي للنساء اللواتي سيصلن إلى البرلمان، فيجب أن يكنّ منخرطات في الشأن العام، قادرات على الدفاع عن قضايا النساء بحزم، لا مجرد وجوه رمزية تُستخدم لتلميع صورة النظام السياسي الجديد. إن وجود نساء مؤهلات داخل البرلمان سيغيّر من مضمون النقاشات السياسية نفسها، إذ سيضاف صوت اجتماعي وإنساني لطالما غاب عن التشريع والرقابة، كما سيكسر ذلك النمط السائد الذي يحصر السياسة في أيدي الرجال واعتبارها مجالاً مغلقاً على النخب. لكن بدا الشارع السوري يعيش في صدمة، وتحديدًا بعد الإعلان عن أسماء الناجحين والناجحات في الانتخابات، وغياب واضح لدور النساء، مما شكل ردة فعل وتساؤلات كثيرة، فلماذا تترك نسبة تمثيل النساء لتعيينات جاهزة من قبل الرئيس، ولم يسعى الناخبون والناخبات إلى ذلك؟
كيف يمكن للنساء أن يغيّرن شكل السياسة السورية؟
السياسة السورية في العقود الأخيرة ارتبطت بالاستبداد والإقصاء وغياب المشاركة المجتمعية، لكن دخول النساء إلى الحقل السياسي بعد سقوط النظام يمكن أن يفتح الباب أمام نموذج جديد من السياسة، قائم على الحوار والتوافق، بدل الصراع على النفوذ.
فالنساء نتيجة تجاربهن مع المعاناة والنزوح والخسارة غالباً ما يمتلكن حساً واقعياً وميلاً نحو الحلول العملية، بعيداً عن الشعارات الأيديولوجية. إنهن يفكرن في السياسة من منطلق خدمة الناس والمجتمع، لا السيطرة عليهم، وهذا التحول في الذهنية السياسية هو ما تحتاجه سوريا اليوم لتجاوز آثار الحرب والانقسام. كما أن وجود النساء في مواقع صنع القرار سيُسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، إذ يشكّل دخول أصوات مختلفة إلى المجال العام عاملاً يحدّ من احتكار السلطة داخل دوائر ضيقة.
ومع الوقت يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير الثقافة السياسية ذاتها، لتصبح أكثر ديمقراطية ومواطنة، وتستند إلى قيم العدالة والمساواة، لا إلى الولاءات الشخصية أو العائلية.
التحديات والمعوقات أمام المشاركة النسائية
رغم التقدم النسبي الذي أحرزته النساء خلال سنوات الثورة السورية والعمل المدني ما تزال التحديات أمامهن كبيرة ومعقدة، ومنها:
الثقافة المجتمعية التقليدية، حيث ما زالت شريحة واسعة من المجتمع ترى أن السياسة مجال خاص بالرجال، وتعتبر ترشح المرأة أو قيادتها تجاوزاً لدورها الطبيعي. إن هذه النظرة تخلق ضغطاً اجتماعياً هائلاً، وتحدّ من رغبة النساء في الانخراط بالشأن العام.
العوائق القانونية، حيث ما تزال القوانين السورية بحاجة إلى تعديل، لضمان تكافؤ الفرص في الترشح والمشاركة السياسية والأحوال الشخصية، بما في ذلك تشريعات الأحزاب والانتخابات والإدارة المحلية وغيرها، وهذا تحدي عام وليس فقط على النساء.
الضغوط النفسية والتهديدات، حيث تواجه النساء العاملات في الشأن العام أشكالاً متعددة من المضايقات والتشهير خاصة في مجتمع هش يعاني من الانقسام والتوتر الأمني، وهذا ما شهدناه حاليًا من حملات تشهير واضحة تطال المرشحات للمجلس من قبل بعض الأشخاص لإضعاف فرصة وصولهن.
نحو مشاركة حقيقية وفعّالة
المرأة ركيزة في بناء سوريا الجديدة، فرغم هذه التحديات أثبتت النساء السوريات إصراراً نادراً على الاستمرار والمقاومة المدنية، ولتحويل هذا الإصرار إلى مشاركة مؤثرة لا بد من العمل على عدة مستويات، منها إرادة سياسية حقيقية من القوى الفاعلة لضمان وجود النساء في مواقع القرار، وليس عبر الوعود فقط، بل عبر إجراءات ملموسة وإصلاح تشريعي يضمن المساواة ويُقرّ الكوتا كخطوة مرحلية، والعمل على تمكين مجتمعي وإعلامي يغيّر الصورة النمطية للمرأة، ويعزز ثقة المجتمع بقدرتها على القيادة، وأخيرًا بناء قدرات مستمر من خلال التدريب والدعم الفني لتأهيل النساء للقيام بدور تشريعي ورقابي فاعل.
إن مشاركة النساء في البرلمان وصناعة القرار ليست مطلباً فئوياً، بل هي شرط لبناء دولة ديمقراطية عادلة، فالديمقراطية لا تكتمل إذا غاب عنها نصف المجتمع، والنساء السوريات اليوم لا يسعين فقط إلى الحصول على موقع داخل مؤسسات الدولة بل إلى إعادة تعريف السياسة نفسها، لتصبح أداة لخدمة المواطنين والمواطنات وحماية حقوقهم، لا وسيلة للسيطرة عليهم.
سوريا الجديدة لن تُبنى على أنقاض الماضي، إنما على شراكة حقيقية بين نسائها ورجالها في التفكير والتخطيط واتخاذ القرار، وحين تصل المرأة السورية إلى مواقع صنع القرار فإنها لا تمثل جنسًا أو فئة، إنما تمثل قيمة المواطنة والمساواة التي تستحقها سوريا منذ زمن بعيد.