النسوية البيئية: مفهوم تقاطعي شامل
- updated: 7 فبراير 2025
- |
*لمى راجح
مع بروز حركات النسوية التي تسعى لتحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز حقوق المرأة، تصاعدت التحديات البيئية، وتصاعد معها اهتمام النسوية البيئية في المخاطر التي تؤثر على حياة الفئات المهمشة والمستضعفة سيما النساء والفتيات. ومن هنا بدأ مصطلح “النسوية البيئية” بالظهور.
إذ تأتي النسوية البيئية كحركة فكرية تسعى لأن تدمج بين القضايا البيئية وتقاطعها مع فكرة المساواة بين الجنسين في الامتيازات والفرص وكيفية إدارة المخاطر البيئية بشكل عادل لكل من الرجال والنساء، وتسلط الضوء على التغيرات البيئية التي تؤثر على الفئات المستضعفة كالنساء والفتيات، كما تسلط الضوء على دورهن كمؤثرات ومتأثرات في التغيرات المناخية. إذ أدركت العديد من الحركات النسوية خطورة النظام الأبوي الرأسمالي الذي يستغل النساء والبيئة في معظم الأحيان، ويسعى للسيطرة عليهما من خلال الممارسة القمعية.
وفيما تتقاطع النسوية البيئية مع العدالة الاجتماعية التي بالأصل تسعى لها النسوية، تدعو العدالة الاجتماعية بدورها إلى الوصول العادل في الفرص والخدمات بغض النظر عن العرق، أو الجنس، أو القومية، أو الطبقة الاجتماعية والاقتصادية، والعمل على تطوير قوانين تضمن العدالة البيئية لكافة الفئات الاجتماعية. وتتكاتف النسوية البيئية مع العدالة الاجتماعية بهدف السعي لحماية المجتمعات الفقيرة والمهمشة، والتي تتحمل تأثيرات التغيرات المناخية أكثر من غيرها من المجتمعات، وتحمل الأنظمة الأبوية والرأسمالية مسؤولية الأضرار التي تتسبب بها للبيئة.
في سوريا تتقاطع التغيرات المناخية مع تزايد وتيرة الحرب خلال السنوات السابقة من أثرها المضاعف على العديد من النساء، مع الأخذ بالحسبان صعوبة تقييم الوضع البيئي، حيث تفتقر سوريا لتوثيق الانتهاكات البيئية، وبالتالي نجد من الصعوبة رصد آثار الحرب بشكل دقيق على النساء والفتيات من خلال الإحصائيات والأرقام.
في هذا الصدد أشار تقرير أصدرته مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات بعنوان “البيئية قضية نسوية” إلى أن سوريا تحتل المرتبة 13 من ناحية التلوث وهو ليس بالأمر القليل، حيث شهدت سوريا خسارة كبيرة في الأشجار إما بسبب الحرائق أو التحطيب لصناعة فحم السنديان الذي بات نجاة للسوريين/ات من أجل التدفئة وغيرها من الاستخدامات.
كما تواجه سوريا اليوم مخاطر في الجفاف والتصحر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، والإجهاد المائي، مما يهدد قطاع الزراعة والغذاء، كما أدى تنوع وكثرة استخدام الأسلحة إلى إلحاق الضرر في التربة والهواء، بالإضافة لموجات النزوح واللجوء التي حدثت على مدار سنوات، وعدم توفر مقومات الحياة الآمنة ضمن المخيمات.
تحديات لا تنتهي…
لا نستطيع تجاهل حجم التغيرات المناخية الخطيرة في سوريا، والتي تهدد بشكل مباشر حياة النساء والفتيات على وجه الخصوص، ونركز على هذه الفئة رغم أن المخاطر البيئية تطال جميع الفئات الاجتماعية، غير أن معظم النساء اليوم في سوريا هن الأكثر ضرراً نتيجة تأثرهن بالتغيرات المناخية بشكل مباشر بحكم طبيعتهن البيولوجية والفيزيولوجية وكذلك أدوارهن الاجتماعية. وهنا الحديث عن المخاطر البيئية التي تواجهها معظم النساء كثيرة وسنحاول أن نركز على أبرزها ضمن هذا المقال.
فعلى سبيل المثال تواجه العديد من النساء ضمن البيئات المحلية الفقيرة أو المهمشة أو أحياناً الريفية مجموعة تحديات كونهن يعتمدن على الموارد الطبيعية بشكل مباشر، ويتأثرن أكثر من غيرهن بالتغيرات المناخية، مما يقلل من فرص وصولهن للخدمات والموارد مقارنة بوضع النساء أو باقي الفئات الاجتماعية ممن يعشن/وا في بيئات أكثر رفاهية. وما يزيد الطين بلة هو عدم قدرة العديد منهن ضمن البيئات المحلية الفقيرة أو الهشة في الحصول على خدمات الطبية والإغاثية اللازمة لصحتهن. إذ تعمل العديد منهن اليوم في الزراعة سيما بعد تبدل الأدوار الجندرية بين النساء والرجال نتيجة للحرب، وقد تواجه العديدات أضرار جسيمة نتيجة التغيرات المناخية، حيث يتحملن مهمة الرعي وجمع المحاصيل والتعامل مع المواشي، ضمن درجات حرارة مرتفعة وظروف مناخية وطقسية متقلبة، مما قد يؤثر بدوره على صحتهن الإنجابية والجنسية.
كما أدى تدمير البنى التحتية في كثير من المناطق لعدم توفر المياه الصالحة للشرب والاستخدام اليومي، مما دفع بالعديد من النساء -وانطلاقا من الدور الرعائي الذي يقمن به-، في البحث الدائم عن المياه الصالحة للاستخدام، وهنا واجهت بعضهن مخاطر العنف القائم للنوع الاجتماعي كالتحرش أو العنف الجنسي، وذلك وفقاً لما ذكر تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان. الذي أشار إلى ارتفاع وتيرة تزويج الطفلات، نتيجة لتدمير سبل العيش وتفاقم الفقر، مما قد يدفع ببعض الأسر لتزويج بناتهن بهدف الرغبة بعدم تحمل تكاليف معيشتهن.
بالإضافة لما سبق، لا يمكن التغاضي عن خطورة الهواء الملوث، والذي يؤدي لإصابة بعض النساء بسرطان الثدي، فعلى مدار سنوات ساهمت الغازات المنبعثة نتيجة القصف المتكرر والمتواصل على العديد من المناطق إلى تلوث الهواء، كما تساهم اليوم انتشار الحراقات التي تعمل على انبعاث الغازات السامة وتلوث التربة والمياه المحيطة بها، وهذا بدوره يرفع من مستويات تلوث الهواء. وأشار تقرير نشره راديو روزنة: “يمكن أن تؤدي المستويات العالية من التعرض للملوثات والدخان والمواد السامة الملوثة للهواء إلى عدم انتظام الدورة الشهرية للمرأة، مما قد يكون له آثار طويلة الأجل على الصحة الإنجابية”.
قلة مقاعد النساء ضمن قرارات المناخ
لسنوات طويلة اعتبرت قضية العدالة البيئية عبارة عن مجرد رفاهية شكلية يهتم بها عدد محدود من منظمات المجتمع المدني والهيئات والمؤسسات المعنية بذلك، وتحظى بتغطية قليلة إن لم نقل نادرة من قبل بعض المؤسسات الإعلامية.
ومع تفاقم مخاطر التغيرات البيئة التي باتت تعصف بكافة المجتمعات، ومع حدوث أزمة كورونا وما رافقها ذلك من الانتباه إلى حجم المخاطر البيئية، كل ذلك أدى لأن تحظى مواضيع البيئة باهتمام دولي موسع. وجاءت النسوية بدورها لتوسع من مجال هذا الاهتمام، وتحارب السيطرة الرأسمالية والذكورية، وتسلط الضوء على التحديات التي تواجهها النساء في سبيل إشراكهن في صناعة القرار البيئي، أهمها وجود صور نمطية مستمرة للعديد من النساء المشاركات أو الفاعلات في المجال البيئي. وتزداد هذه التحديات مع مجموعة العادات والتقاليد التي تعيق العديد منهن الوصول إلى مراكز صنع القرار، وغالباً ما يتم استبعاد أصواتهن، مما يحد قدرتهن على المساهمة في تشكيل السياسات البيئية. إذ تكشف بيانات الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة أنه في عام 2020، شغلت النساء 15% من المناصب العليا كوزيرات للقطاعات البيئية.
يتوافق ذلك حسب تقرير شبكة الصحفيات السوريات الذي يشير هو الآخر إلى ضعف مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات التي ترسم سياسات العمل المناخي عالمياً، فرغم الجهود التي تبذل لزيادة مشاركة المرأة في إدارة المناخ بشكل فاعل، ما يزال الرجال يسيطرون على ذلك. ففي عام 2014، تبنى مؤتمر “كوب 20” برنامج عمل ليما حول النوع الاجتماعي لتشجيع إشراك المزيد من النساء في المفاوضات المُتعلقة بتغير المناخ.
لكن بعد خمس سنوات، وفي مؤتمر المناخ “كوب 25” الذي انعقد في مدريد، كان 60٪ من المندوبين الحكوميين و 73٪ من رؤساء ونواب رؤساء الوفود من الرجال، وقد أدى هذا الاختلال إلى اعتماد “برنامج عمل ليما” وخطة العمل المعززة حول النوع الاجتماعي، وتعهدت الأطراف المشاركة في محادثات المناخ العالمية بتعيين ودعم جهات التنسيق الوطنية المعنية بالقضايا الجندرية، ومع ذلك في الفترة ما بين 2019 و2021، شغلت النساء 33٪ فقط من جميع المناصب القيادية في مفاوضات تغير المناخ وآليات الخبراء. غير أن الجهود ما زالت مستمرة لإشراك النساء في صنع القرارات البيئية، فقد تضمنت الاتفاقية النهائية الصادرة في ختام مؤتمر “كوب 26” 2021 المساواة بين الجنسين وقيادة المرأة باعتبارهما عنصرين رئيسيين في سياسات المناخ واستراتيجيات العمل.
ربما أصبح من الأهمية اليوم أن نسعى كنسويات ومؤمنات بالعدالة الاجتماعية للمناداة الدائمة لتعزيز دور النساء في المجالات البيئية، والاهتمام بالمبادرات الفردية والنسائية والنسوية التي تقوم بها العديد منهن في مجال البيئة، كالمبادرات التي قامت بها بعض النساء في مجال تنظيف الشوارع والزراعة، والزراعة المنزلية، وغيرها من المبادرات. إذ أن الاعتراف بأهمية تمثيل النساء في صنع القرار البيئي لم يعد فقط ضرورة اجتماعية، بل أيضاً حاجة بهدف دمج تجاربهن وآرائهن، والتأكيد على أن النساء لسن فقط ضحايا للأزمات البيئية، بل هن أيضاً فاعلات في صنع القرارات البيئية وتنفيذها.