الهجوم المسلح على القاعة الموسيقية في موسكو وتبعاته على الوضع في سوريا

 

*نضال جوجك

 

 جرت الانتخابات الرئاسية الروسية في جو من التشديد الأمني والمراقبة المركزة على قصر الكرملن، خاصة بعد التحذيرات الأمريكية لهجوم إرهابي مرتقب على موسكو، وكما أفشّلت قوى الأمن الروسية عدة محاولات لداعش في القيام بتفجيرات في موسكو، وذلك خشية من أن يشاع عن أن حكومة بوتين غير قادرة على ضبط أمن البلاد، هذا الأمر دفع لتشديد القبضة الأمنية إلى أن سارت الانتخابات على نحو ناجح، في ظل أوضاع صعبة، أقل ما تصفها روسيا بأنها تواجه حربًا ضد الغرب برمته في حربها على أوكرانيا.

إلا أن الهجوم المسلح الذي وقع في ٢٠٢٤/٣/٢٢ على قاعة الموسيقى في أطراف العاصمة الروسية موسكو تسبب في صدمة للروس والعالم، وحسب وسائل إعلام روسية أن ٤٠ شخصًا على الأقل قتلوا وأصيب نحو ١٠٠، وتوجهت أصابع الاتهام الروسية مباشرة إلى أوكرانيا، فيما تبنت داعش خراسان الهجوم المسلح في تصريحات لها.

 

لماذا هذا الهجوم المسلح وفي هذا التوقيت بالذات ومن هم داعش خراسان؟

يأتي توقيت هذا الهجوم تزامنًا مع الذكرى التاسعة لإلحاق شبه جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية في ١٦ آذار ٢٠١٤، وكذلك بعد سيطرة روسيا على ١٥ بالمئة من أراضي أوكرانيا في إطار الحرب التي تشنها منذ شباط ٢٠٢٢.

 بعد وصول الحكومة الجديدة إلى سدة السلطة في كييف، تحركت القوات الروسية في قاعدتها المتمركزة في شبه جزيرة القرم، لتنتشر بمدن الجزيرة، منتهكة الاتفاقات الموقعة بين أوكرانيا وروسيا بشأن موقع أسطول البحر الأسود الروسي في القرم. وبدأ الموالون لروسيا بالضغط على برلمان القرم لضم شبه الجزيرة إلى روسيا، في ٢٥ شباط ٢٠١٤ حيث طالب حوالي ٤٠٠ من برلمانيّ القرم باتخاذ قرار الاستفتاء لإعلان استقلال القرم. استمرت المظاهرات لأسابيع، مما اضطر يانوكوفيتش لمغادرة البلاد في ٢٢ شباط ٢٠١٤، ليتسلم السلطة من بعده سياسيون موالون للغرب. احتج تتار القرم في ٢٦ شباط ٢٠١٤ في مسيرة أمام برلمان القرم، في مدينة “سيمفروبول” التي تُعرف لدى تتار القرم باسم “آق مسجد”، احتجاجاً على ضم روسيا للإقليم الذي كان يتمتع بالحكم الذاتي ضمن أوكرانيا. ليقوم موالون لروسيا بمسيرة احتجاجية في نفس المكان مما أدى للصدام بين الطرفين. سيطر مسلحون بالزي العسكري بلا رموز أو إشارات على المباني في شبه جزيرة القرم في ٢٧ شباط ٢٠١٤.

استولت الميليشيات الموالية لروسيا والتي كانت تعرف آنذاك بـ (الرجال الخضر) على المباني الحكومية في جمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي وبرلمانها. بعد اعتراف الحكومة الروسية بنتائج الاستفتاء، تم ضم شبه جزيرة القرم بروسيا بشكل غير قانوني في انتهاك لمذكرة بودابست ١٩٩٤ بشأن الاعتراف بوحدة الأراضي الأوكرانية.

ازدادت فيما بعد الضغوطات على أتراك قرم التتار وبدأت حملة انتهاكات بحقهم، وخاصة الإداريين الموالين لأوكرانيا تحت ذريعة أحداث ٢٦ شباط وصنفت روسيا المجلس الوطني لتتار القرم كتنظيم متطرف تم حظره.

لم يهدأ التنظيم في إثارة قلق الكرملن كردود فعل على تلك الضغوطات، فقام بالهجوم على مسرح الموسيقى في إحدى ضواحي موسكو، ولم يكن هذا الهجوم هو الأول الذي تتبناه داعش في الأراضي الروسية، فقد استهدفت عدة هجمات في السنوات الأخيرة محطات المترو والقطارات وأوقعت عشرات الضحايا، آخرها في تشرين الثاني ٢٠٠٩ وأودى بحياة ٢٧ مسافر/ة في هجوم على خط سكة حديد لقطار يقوم برحلاته بين موسكو وسان بطرسبرغ. ومن أشد الهجمات دموية كان هذان الهجوم اللذان وقعا على خط القطار بين موسكو و بطرسبرغ، الأول كان في كانون الأول ٢٠٠٣ الذي أودى بحياة ٤٧ شخصاً، والثاني في شباط ٢٠٠٤ الذي أودى بحياة٤٠ شخصاً.

وأيضًا حادثة الطائرة الروسية ٢٠١٥، لكن الهجوم الأخير أحدث الصدى الأوسع في الأوساط الروسية، وتعالت الاحتجاجات الشعبية مطالبة بالانتقام من أوكرانيا، قد يكون هذا ما تسعى إليه حكومة بوتين كذريعة لاستمرار حربه على أوكرانيا، خاصة أن  أصابع الاتهام تتوجه نحوها رغم اعتراف داعش بتنفيذ الهجوم من خلال البيان الذي أصدرته عن تنفيذها للهجوم.

يمكن القول إن العداء بين روسيا وهذا التنظيم ليس جديدًا، وإذ تعود بنا الذاكرة إلى تصريح بوتين في بداية تدخله العسكري في سوريا، حيث قال علينا قتالهم هناك قبل أن يعودوا ونضطر لقتالهم في أراضينا، مشيرًا إلى رجال روس من جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى كانوا سابقًا في تنظيمات مثل تنظيم القوقاز وحركة أوزبكستان الإسلامية. وبعد ظهور داعش بايعت هذه التنظيمات داعش وانتشرت للقتال في بلدان مختلفة ومنها سوريا. لكن بعد أن هدأت الحرب في سوريا ومع بداية الجبهة الساخنة في أوكرانيا، توجهت تلك التنظيمات للقتال هناك.

 

هل يؤثر الهجوم المسلح على قاعة الموسيقى في موسكو على استراتيجية روسيا في سوريا؟

إن حالة الاستعصاء السياسي في الملف السوري أدى إلى تبعثر أوراقه بين مختلف القوى الإقليمية والدولية، وقبل الحرب الروسية الأوكرانية، فقد كان الملف السوري يُعاني حقيقةً من غياب إطار دولي مُحدد للتسوية السياسية، الأمر الذي أبقاه رهيناً ضمن خرائط النفوذ والمصالح الروسية – الأمريكية، وكذلك لدى القوى الفاعلة والمؤثرة في الساحة السورية، الأمر الذي يُمكن بموجبه القول، بأن الأزمة السورية استقرت ضمن ما يُمكن تسميته بقبول الوضع الجغرافي الراهن، لكن مع بقاء معادلات توازن القوى والمصالح، خياراً ثابتاً، ومع بقاء خرائط النفوذ العسكري دون أي تغيّرات.

في تحليل للحرب الروسية الأوكرانية، بالنسبة لجهة الاستراتيجية الأميركية تُجاه روسيا ومحيطها الحيوي، والرغبات الأمريكية بتوسيع نطاق الناتو، ومحاصرة الفضاء الاستراتيجي لروسيا، كذلك استثمار تأثيرات تلك الحرب على الساحة السورية تحديداً، خاصة أن روسيا تُعد حليفاً استراتيجياً للنظام السوري، الأمر الذي يُزعج الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسعى من خلال الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تسعير الأوضاع في أوكرانيا، عبر تسليح القوات الأوكرانية، ودعمهم بجيوش من المرتزقة، عبر ما يُسمى الحروب بالوكالة، كل ذلك للضغط على روسيا، وانتزاع الورقة السورية منها.

 لقد بات واضحاً أن الأزمة الأوكرانية داهمت الملفات المشتركة بين موسكو وواشنطن، خاصة في الملعب الشرق أوسطي، وبالتالي، ثمة مفاعيل وتأثيرات واضحة على ملفات التفاعل الشرق أوسطية، بين الجانبين الروسي والأمريكي، لا سيّما أن جُلّ الملفات بينهما، يتم استخدامها واستثمارها كأدوات للضغط، بُغية الوصول إلى ما يمكن تسميته بـ “المقايضات الجيوسياسية”.

 

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية