اليوم الدولي للمرأة في مجال العلوم – 11 شباط
- updated: 18 أغسطس 2019
- |
في عام ٢٠١٦ انتشر هاشتاغ #nobelforveraRubin، أيد المغردون ضرورة تكريم الباحثة Vera Rubin بجائزة نوبل على أبحاثها في الفيزياء بما يتعلق بشذوذات حركة المجرات والأدلة التي قدمتها على وجود المادة المظلمة، توفيت Vera في ٢٥ ديسمبر ٢٠١٦ دون أن يتم الاعتراف بإنجازاتها وتكريمها بالجائزة الأهم عالمياً حيث تعتبر جائزة نوبل الحلم الأكبر لأي عالمة/عالم ، أعادت هذه الحادثة الجدال حول التحيز في إعطاء جوائز نوبل وتفضيل إعطائها للرجال دون النساء، فمثلا أكد استطلاع للرأي أن معظم الناس بما فيهم العامة والعاملين في الإعلام والطلاب والأكاديميين يرون أن الحاصل على جائزة نوبل هو رجل أبيض متقدم في العمر، وهذه التوقعات مقاربة للحقيقة فعلاً حيث أن ٩٧% من العلماء الحاصلين على نوبل هم من الرجال، العالم ماثيو فرانسيس قال “إن الجائزة تُفضل الرجال والباحثين الأوربيين والأميركيين بشكل عام”
هذا الأمر طرح مشكلة حقيقة تتعلق بالتحيز ضد النساء العالمات فيما يتعلق بإعطاء الجوائز والأبعد من ذلك التمييز الذي تصادفه النساء في كافة المراحل الأكاديمية في كل بلدان العالم وليس فقط في الولايات المتحدة وأوربا.
بنظرة بسيطة عل العالمات الحاصلات على جائزة نوبل للفيزياء نجد أن هناك فقط ثلاث عالمات حصلن عليها هنّ:
ماري كوري Marie Curie عام ١٩٠٣، وبعدها ب ٦٠ عام Maria Goeppert-Mayer، والعام الماضي ٢٠١٨ كانت الجائزة من نصيب العالمة Frances Arnold.
ويعتبر اختصاص الكيمياء من أكتر الفروع الذي يهيمن عليه العلماء الرجال، حيث حصلت العالمات النساء على ٥ جوائز فقط في مقابل حصول العلماء الرجال على ١٧٦ جائزة، وفي العلوم الاقتصادية جائزة واحدة فقط للعالمات النساء في مقابل ٨٠ جائزة للعلماء الرجال، أما في الفيزيولوجيا والطب ١٢ جائزة للعالمات النساء مقابل ٢٠٤ للعلماء الرجال، وفي الآداب ١٤ جائزة للنساء مقابل ١٠٠ جائزة للرجال، وأخيرا عدد جوائز نوبل للسلام التي حازت عليها النساء ١٧ مقابل ٨٩ للرجال.
أي أن مجموع الجوائز كان ٥٣ جائزة للنساء (٥٢ امرأة لأن ماري كوي حصلت عليها مرتين في مجالين مختلفين الأولى في الفيزياء والثانية في الكيمياء في الأعوام ١٩٠٣، ١٩١١ على التوالي) مقابل ٨٥٦ جائزة للرجال.
هذه الفجوة الجندرية بين أعداد النساء والرجال الحاصلات/ين على جائزة نوبل والفجوة الجندرية أيضا بين أعداد العلماء والعالمات حول العالم تطرح تساؤلات عديدة عن أسباب نقص أعداد النساء في المجالات العلمية وأيضا عدم حصولهن تمثيل متساوي مع الرجال في كل من القاعات الدراسية والمختبرات والدرجات الأكاديمية كافة.
بشكلٍ عام تتعرض النساء لتحيز ضدهن في كل المجالات التي يسيطر عليها الرجال وغالباً ماينظر لهن على أنهن دخيلات أو غير كفوءات وتُستند لهن الأعمال الثانوية ويُنظر لوجودهن على أنه رمزي، كما تواجه النساء عوائق ضمنية وصريحة للتقدم في المجالات العلمية التي سيطر عليها الرجال تاريخياً، وتفتقر النساء إلى وجود كتلة حرجة لتمثيلهن وبالتالي لا يكنّ قادرات على تشكيل مجموعات ضغط ومناصرة للمطالبة بتمثيلهن بنسب متقاربة مع الرجال فمثلا في الولايات المتحدة حالياً ٢٠% من الحاصلين/ات على بكالوريوس في الفيزياء هن نساء و١٨% فقط من الحاصلين على الدكتوراه في الفيزياء هن نساء، وبالتالي مازال يُنظر للنساء الرائدات بالمجال العلمي كأقليات أو أن كل واحدة منهن هي حالة فردية استثنائية. ولعل من أهم أسباب ابتعاد الفتيات الصغيرات عن الأوساط العلمية تعود الى تعرضهن المبكر للصور النمطية التي تفترض مثلا أن “النساء لايُفضلن الرياضيات وغير جيدات في العلوم” (حسب دراسة أجابت عليها النساء والرجال بطريقة مماثلة)، كما ساهمت السياقات الثقافية وكذلك السياسات التعليمية في تعزيز هذه الصورة النمطية وقلة تعرض الفتيات في سن مبكر لنماذج عالمات يُحتذى بهن.
وتواجه النساء الأكاديميات عوائق هيكلية ومؤسساتية تجعل من الصعب عليهن التقدم في مكان العمل وتجعل من الصعب عليهن الموازنة بين أعمالهن والتزاماتهن الحياتية، وبشكل عام تتعرض النساء أيضا للتحيز في تقييم أعمالهن والاعتراف بانجازاتهن، وقد يمتد التحيز لكيفية توظيفهن وحصولهن على فرض تضمن تقدمهن الأكاديمي، فمثلا تتعرض النساء الأكاديميات اللواتي يبحثن عن فرص عمل غالباً للحكم عليهن بناء على معلوماتهن الشخصية ومظهرهن الخارجي، وقد يظهر التمييز ضدهن في بعض الحالات في كتابة رسائل التوصية التي قد تحمل لغة سلبية مقارنة بتلك التي يتم كتابتها للعلماء الرجال، وينطبق التحيز الضمني الذي تتعرض له العالمات النساء أيضا على قدرتهن على نشر أبحاثهن وبالتالي حصولهن على اعتراف بمجهودهن كما أن هناك فجوة جندرية في تمثيل النساء في هيئات تحرير المجلات العلمية. كما يمتد التحيز الضمني حتى لمرحلة أبعد حيث يعمل هذا التحيز ضد دعوة العالمات للتحدث في المؤتمرات وبالتالي ظهورهن في مجالاتهن وبالتالي الحصول على جوائز، أيضا تعطى النساء العالمات احتراما أقل من العلماء الرجال عند الاقتباس عنهنّ أو الإشارة لهن؛ فيشار للعلماء الرجال عند الاقتباس عنهم بكنيتهم أما العالمات النساء فيشار لهن باسمائهن الأولى.
بالعودة للأرقام الاحصائية لجوائز نوبل نجد أن بين الأعوام ١٩٠١ و ٢٠٠٠ حصلت على جائزة نوبل ٣٠ إمراة فقط ، بينما بين العامين ٢٠٠١ و ٢٠١٨ حصلت ٢٢ إمراة على جائزة نوبل، هذه الأرقام تدل بشكل واضح على تغيير السياسات التعليمية والسياقات الاجتماعية بهدف العمل على زيادة تمثيل النساء في المراكز العلمية المتقدمة والسعي للتمثيل المتساوي مستقبلاً، فخلال العقود الماضية هدفت الجهود العالمية إلى ضرورة دحض الأفكار النمطية من خلال التركيز على نماذج لنساء رائدات في كافة المجالات السياسية والعلمية والرياضية يحتذي للجميع بهن وليس للنساء والفتيات فقط، وإعادة هيكلة النظام التعليمي وتوفير برامج تعليمية موجهة تعمل على زيادة اهتمام وإقبال الفتيات والنساء على العلوم في كافة مراحل التعليم الاساسي و التعليم الجامعي والمراكز الاكاديمية وأيضا وضع سياسات صديقة للعائلة والطفل واستهداف النساء في التوظيف وزيادة الشفافية في تقارير الرواتب.
الكاتبة: منى خيتي Mouna Khaity عضوة الحركة السياسية النسوية السورية.