انتخابات لا شرعية

مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية السورية المقررة في أيار المقبل، وفي ظل أزمات جمّة اقتصادية، وسياسية، ومجتمعية، تشهد الساحة السورية جملة من التحركات المختلفة لشخصيات سورية منها سياسية وعسكرية، فيما يبدو إعادة تدوير للواقع السوري رغم اختلاف الإطار العام والأرضية.

انتخابات من خارج الشرعية


في جو يشوبه الكثير من الإرباك الدولي والتعقيد الداخلي يقترب الموعد المقرر لإجراء انتخابات رئاسية في سوريا وفقاً لدستور 2012؛ الذي جرى إقراره في مرحلة بداية تحول سوريا لميدان حرب مختلفة الأوجه، ومن خارج التوافق السوري العام، ولم يحظَ باعتراف المجتمع الدولي حينها. لتؤكد إعادة ترشح رأس النظام، بشار الأسد للانتخابات فقدان شرعيتها وشرعية قيامها الآن. 

فعلى ما يبدو أن مرحلة الحرب الطويلة لم تثنِ “سيد الحرب” الأسد عن ترشحه لمنصبه كما فعل في عام 2014، وما من مؤشرات تفيد بأنه قد يتنازل عن هذا المنصب بسهولة. بترشحه، يتجاوز الأسد من الناحية الداخلية، حالة الدمار ونقص الخدمات والوضع المعيشي البائس، وتشرد السوريات والسوريين بين لاجئات/ين ونازحات/ين، ووجود مناطق بكاملها خارجة عن سيطرة نظامه (الشمال السوري بشرقه وغربه)، وكذلك تحول مناطق سيطرته لمرتع لعشرات أو مئات الميليشيات “العصابات” المنفلتة، والخاضعة لأوامر روسيا وإيران، وغيرها من أزمات لا تؤهل الواقع السوري بعمومه لإجراء انتخابات رئاسية. 

وعلى الصعيد الدولي، يتجاهل الأسد محاولات المجتمع الدولي لتهيئة الأجواء لدستور جديد، وحكومة انتقالية، فما يزال النظام متمسكاً بمقعده كهدف أولي ونهائي غاضًا النظر عما يجري من مآسي في الداخل السوري، ليقوم بحملة ترويج للانتخابات المقبلة من خلال أفرع حزب البعث الداعم له ولاستمرار المأساة، ومن خلال كسب أصوات العشائر والاستفادة من حالة الفوضى الداخلية في  كافة مناطق سيطرته.

الأسد الذي فقد شرعيته حتى لدى طيف كبير من الموالاة أو من يحسبون عليها، ما يزال متمسكاً بمنصبه مستنداً على داعميه الخارجيين، روسيا وإيران، كونهما سبب استمراره في سدة الحكم طيلة فترة الحرب. فإن كان الداعم الإيراني قد التزم الصمت حتى الآن ولم يصدر عنه أي تصريح رسمي بخصوص هذه الانتخابات، فالداعم الروسي على خلاف ما أبدته الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بشأن الانتخابات الرئاسية التي يحضّر لها الأسد، وفقدانها الشرعية حسب بيان جنيف 1، وقرار مجلس الأمن 2254، ما يزال مصراً على اعتبار هذه الانتخابات وترشح الأسد تكتسب نوعاً من الشرعية، بحسب ما صرح به نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، لوكالة “نوفستي” في مطلع كانون الثاني من العام الحالي، قائلاً إن “دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سوريا، تقوض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة. وأن تصريحات في بعض المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم، وفي نفس الوقت يقوضون استقرار عمل مؤسسات الدولة السورية”. وفق وصفه.

تحركات سورية

الوضع السوري المعقد والذي تغيب فيه النخب السورية المعارضة وغير المعارضة، الرسمية والشعبية والمدنية، وعدم التوافق العام على شخصية تمثل السوريات والسوريين، لم يمنع من وجود بعض التحركات على مستوى شخصيات سورية تحاول تجميع ما لم يكن ممكناً جمعه، سياسياً وعسكرياً. 

التحرك الأول:
إعلان رجل الأعمال السوري المعارض “فراس طلاس”، عن تأسيس حزب جديد تحت اسم “الحزب الوطني السوري” بالشراكة مع مجموعة من الشباب السوريين، وفق ما أعلنه على صفحته على “الفيس بوك”. وأن هذا الحزب سيبدأ عمله أولاً في “المناطق المحررة”، ثم يتوسع في كل الأماكن التي تتواجد فيها السوريات والسوريون، “بما في ذلك السوريات/ون في مناطق النظام وفق آلية سرية”، وأن نشاطاً سيبدأ على الأرض من 7 مناطق داخل سوريا، (دمشق، حلب، المنطقة الوسطى، الساحل، الجنوب السوري، الشمال الشرقي والشمال الغربي)، بالإضافة إلى ست دول تشهد وجوداً كثيفاً للسوريات/ين ويُسمح فيها بحرية الأحزاب. 

هذه المبادرة التي تتقدم بضمان العمل لرفاه المواطن السوري، لا تعتبر جديدة من حيث فحواها، فقد أسس “فراس طلاس” في السابق “تيار وعد”، الذي كان مجرد جزء من منظومة الأحزاب والمبادرات الصاعدة بغير وعد، وباءت بالفشل في العمل السياسي مع الحرب وشراستها. 

التحرك الثاني:
أعلن العميد المنشق “مناف طلاس” شقيق “فراس طلاس”، عن قيادته لمجلس عسكري يضم أطراف الصراع السوري ويجري تشكيله برعاية روسية لقيادة المرحلة الانتقالية في سوريا، حيث تفيد التسريبات بأن المجلس العسكري المزمع تشكيله يضم ثماني شخصيات من طرف المعارضة السورية مقابل ثماني شخصيات أخرى تابعة للنظام، وشخصيتين مما يسمى “الإدارة الذاتية”، وستكون مهمة ذلك المجلس قيادة مرحلة انتقالية وإزاحة بشار الأسد عن السلطة، برعاية روسية. 

مبادرة المجلس العسكري تبدو أكثر خطورة في المرحلة الحالية كونها تتماشى مع طرح الحلول على البساط الدولي (السودان، اليمن).

بالعموم كلا المبادرتين تشكلان إعادة تدوير لشخصيات سورية قد تحظى بالتأييد السوري باعتبارها “لم تتلوث أيديها بالدماء”، كما يقال، رغم أن مناف أو فراس طلاس ينحدران من سلالة الاستبداد، باعتبار والدهما مصطفى طلاس كان أحد أبرز شخصيات النظام السوري حيث شغل مناصب عدة في الدولة، على مدى أكثر من 30 سنة، مثل وزير الدفاع ونائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة ، وبغض النظر عن وقوفهما إلى جانب المعارضة، التي تعاني هي الأخرى من إرباكات مختلفة في الطرح. 

ما تمر به سوريا من استعصاء للحلول لا يعني بالمنطق السياسي سوى خللاً في الحسم لصالح الشعوب، ولكن معالجته باعتبار أن ما يفصل أو يدعم أحد الأطراف الدولية هو الحل الأساسي للمشكلات المتراكمة، يشكل خللاً آخر، فالحلول في فترات العجز تبدو أكثر ضبابية وتتسم بالترقيع من أن تكون حلولاً كاملة أو مكتملة. 

ما تراه الحركة السياسية النسوية السورية من خلال تأكيد تمسكها بالقرارات الدولية، بأن أي حل من خارج الشرعية الدولية، وخصوصاً القرار 2254، الذي تميل بعض الطروحات للتخلي عنه، ومن خارج الشرعية الشعبية ومشاركة السوريات والسوريين كافةً فيه، لن يكون سوى مماطلة على حساب الدم والجوع السوري. 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية