بناء السرديات البديلة في سوريا: الشابات صانعات السلام
- updated: 13 أغسطس 2025
- |
*هيام
الشابات والشباب كقوة تغيير في بناء السلام وأدوارهم في التوعية السياسية ومبادرات السلم الأهلي
يعتبر جيل الشباب في سوريا اليوم قوة في مسار بناء السلام والمستقبل السياسي لسوريا، وبعد سنوات من انطلاق الثورة السورية برز دورهم ليس فقط كضحايا للنزاعات إنما كفاعلين رئيسيين في جهود إعادة بناء المجتمع وتعزيز السلم الأهلي والتوعية السياسية. فالفئة الشابة التي تشكل نسبة جيدة من المجتمع تمتلك طاقة كبيرة مكنتها من قيادة مبادرات مجتمعية تهدف إلى تخفيف الانقسامات الحادة التي خلفتها سنوات الحرب.
تظهر مبادرات الفئة الشابة في بناء السلام إصرارًا على تجاوز الخلافات الطائفية والعرقية والمناطقية من خلال تنظيم حوارات مجتمعية وحملات توعية وورش عمل تهدف إلى تعزيز ثقافة الحوار ضمن هذه الفئة ليتحولوا إلى صناع قرار في مجتمعاتهم المحلية ويسعون لإشراك الجميع في عملية السلام من خلال بناء جسور الثقة بين الأطراف المختلفة.
ومن خلال توظيف وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام المحلية المتوفرة تمكن جيل الشباب من نشر الوعي السياسي بين أوساط واسعة من الناس خصوصا الفئات المهمشة، فقد أسهمت هذه الأدوات في تحفيز النقاشات المفتوحة حول الحقوق المدنية والسياسية وتعزيز فكرة المشاركة الفعالة في صنع القرار مما شكل رافعة لتحولات اجتماعية وسياسية مهمة.
إضافة إلى ذلك، ابتكر جيل الشباب عددًا من المبادرات التي تسعى إلى تعزيز السلم الأهلي، مثل مشاريع إعادة تأهيل المناطق المتضررة من خلال حملات ومبادرات شعبية (لعيونك يا حلب والوفاء لحلب مثال)، وأيضًا برامج تعليمية وترفيهية للأطفال المتأثرين بالنزاع من خلال مبادرات من فرق محلية فضلاً عن مبادرات لتعزيز التعايش بين مكونات المجتمع السوري المختلفة. هذه الجهود المجتمعية تؤكد أن الشابات والشباب هن/م مستقبل سوريا وحاضرها الذي يمكن أن يبني جسور السلام والمصالحة.
الشابات والشباب وبناء الدولة بعد سقوط النظام ودورهن/م في المؤسسات الجديدة
بعد سقوط نظام الأسد تنتظر سوريا مرحلة صعبة تتطلب إعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس ديمقراطية وعادلة، في هذه المرحلة الانتقالية يُنظر إلى جيل الشباب كركيزة أساسية في عملية البناء السياسي والمؤسساتي، فهم يحملون تطلعات لتأسيس دولة مدنية قائمة على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والمشاركة السياسية، لكن لا يخفى الأمر أن فئة الشباب تواجه تحديات متعددة في دخول المؤسسات الجديدة منها عدم قدرة استيعاب المؤسسات الحكومية الجديدة لكل الطاقات المتواجدة، فضلاً عن بعض العقبات الاجتماعية والسياسية التي قد تعيق مشاركتهم، كما من الضروري الحديث عن الرواتب الغير متوازية مع الاحتياجات، ومع ذلك فإن العزيمة والرغبة في التغيير تحفزهم على التعلم واكتساب المهارات اللازمة للانخراط في مواقع صنع القرار.
تشكل المجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية سابقًا ساحة مفتوحة للطاقات الشابة لإثبات قدراتهم والمساهمة الفعالة عبر المشاركة في صياغة السياسات وإدارة المشاريع التنموية مما يتيح لهم المساهمة في بناء مؤسسات شفافة ومسؤولة. من جهة أخرى، يقوم عدد من الشابات والشباب بتطوير مبادرات مبتكرة لتعزيز الحوكمة الرشيدة ومحاربة الفساد، مستخدمين التقنيات الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي في رصد الأداء الحكومي وتوعية المجتمع بحقوقه. هذه المبادرات تخلق ضغطًا مجتمعيًا لصياغة مؤسسات قادرة على تلبية احتياجات الناس بشكل فعّال. بالتالي، لا يقتصر دور الجيل الصاعد على المشاركة الرمزية، إنما هم محركون أساسيون لبناء دولة جديدة تنبض بأحلامهم وقيمهم وتخدم تطلعات شعب انتظر لسنوات دولة تلبي طموحاتهم في حياة كريمة وعادلة. والآن يجب أن يسعى جيل الشباب للانتقال إلى مرحلة التطبيق وإسقاط التجارب الناجحة التي تعلمها سابقًا.
ناشطات المجتمع المدني والشابات تحديدًا ودورهن في المرحلة الانتقالية السورية وقيادة المبادرات
تأتي مساهمة النساء في المرحلة الانتقالية السورية لتُبرز دورًا مهمًا من أبعاد البناء المجتمعي والسياسي، فقد قادت العديد من الناشطات جهودًا ميدانية في مجالات متعددة من حقوق الإنسان إلى التعليم والتوعية السياسية، وصولاً إلى المشاركة في عمليات التفاوض والسلام.
تشير الناشطات دومًا إلى أن دور النساء في المرحلة الانتقالية لا يقتصر على دعم جهود السلام فحسب، بل يمتد إلى قيادة المبادرات التي تعزز مشاركة المرأة في الحياة العامة، وتحطيم الحواجز الاجتماعية والسياسية التي حالت دون تمكينهن، فهن يمارسن دورًا مزدوجًا بين العمل المجتمعي والضغط السياسي لضمان إدماج قضايا المرأة في صلب العملية السياسية.
على الصعيد الميداني، قامت الناشطات بإطلاق مشاريع تنموية تستهدف تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا، مثل دورات التدريب المهني، ودعم ريادة الأعمال النسائية، وبرامج الصحة النفسية للأطفال المتأثرين بالنزاع، هذه المبادرات تساهم في بناء قاعدة مجتمعية قوية قادرة على المشاركة بفعالية في إعادة الإعمار وبناء الدولة.
كما كان للناشطات الشابات صوت قوي في منظمات المجتمع المدني وفي اللقاءات الحوارية، حيث يسعين إلى رفع قضايا المرأة على أجندة المفاوضات، مطالبات بحقوق متساوية في التمثيل السياسي واتخاذ القرار، ويُشددن على أن تمكين النساء في هذه المرحلة شرط أساسي لتحقيق سلام مستدام وبناء دولة ديمقراطية، لأن بعض التجارب أثبتت أن مشاركة المرأة تعزز من فرص النجاح في عمليات الانتقال السياسي وتحقيق التنمية الشاملة.
حيث قالت الناشطة “عريفة الموسى”: في خضم التحديات المتزايدة التي يواجهها المجتمع السوري، تأتي مبادرات مثل “ع أمل” لتؤكد على أهمية الدور الريادي للنساء في بناء السلم الأهلي. هذه المبادرة، التي تقودها نساء من خلفيات ومناطق متنوعة، تمثل نموذجًا ملهمًا في تحويل التوترات الاجتماعية إلى فرص للفهم والتقارب، عبر خلق مساحات آمنة للحوار وتنظيم لقاءات تشاركية ترسّخ معنى الاطمئنان المجتمعي. ما يميز هذه المبادرة إدراكها العميق بأن السلام ليس فقط غياب النزاع، بل عملية مجتمعية مستمرة تتطلب جهودًا جماعية تبدأ من القاعدة الشعبية. النساء في “ع أمل” لا يقدمن أنفسهن كضحايا للنزاعات، بل كفاعلات أساسيات في مواجهتها، عبر رصد الخطاب المتطرف، وبناء شبكات دعم مجتمعي، ونشر الوعي بخطورة الكراهية والانغلاق.
وتضيف عريفة: إنه الوقت المناسب لنكون يدًا بيد –مؤسسات، منظمات، ومجتمعًا محليًا– لنُعيد ترميم ما تصدّع. وباعتبار أن بناء السلام مسؤولية جماعية فإننا نؤمن أن النساء باعتبارهن صانعات السلام الحقيقي في سوريا قادرات على إطلاق سردية بديلة قائمة على التضامن والعدالة والعيش المشترك.
إن الشباب يلعب دورًا محوريًا في بناء السلام وإعادة بناء الدولة عبر التوعية السياسية ومبادرات السلم الأهلي والمشاركة الفعالة في المؤسسات الجديدة، تقف إلى جانبهم الشابات في قلب المرحلة الانتقالية، يقدن مبادرات تنموية وسياسية تهدف إلى تمكين المرأة وضمان تمثيلها العادل. إن هذه الديناميات المجتمعية تشكل نواة مستقبل سوريا، حيث يتحول جيل الشباب والنساء من أطراف متأثرة بالنزاع والقصف والتهجير إلى قوى فاعلة في صياغة مستقبل بلادهم/ن. لتحقيق هذا لا بد من دعم هذه الطاقات وتمكينها من خلال سياسات واضحة، وبرامج تعليمية، وفرص اقتصادية تضمن مشاركة حقيقية وفاعلة في بناء السلام والدولة الجديدة.
انطلاقًا من الأدوار التي يقوم بها جيل الشباب في سوريا، لا سيما في مجالات بناء السلام والمشاركة المجتمعية، تبرز الحاجة إلى تبني سلسلة من التدخلات والسياسات التي تعزز من حضورهن/م من خلال ضمان تمثيل الشابات والشباب في المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، عبر آليات واضحة تُعزز من مساهماتهن/م في صياغة السياسات المحلية، وتطوير برامج تعليمية وتوعوية ذات طابع سياسي مدني، تهدف إلى رفع الوعي وبناء المهارات القيادية لديهن/م، بما يتماشى مع متطلبات المرحلة الانتقالية. إضافة إلى ضرورة دعم المبادرات الشبابية الهادفة إلى تعزيز السلم الأهلي والتنمية المحلية وتوفير البيئة الممكنة لهم عبر التمويل والدعم التقني واللوجستي وفتح آفاق اقتصادية جديدة أمامهم من خلال برامج تنمية اقتصادية تستهدف تعزيز فرص العمل وريادة الأعمال، بما يسهم في تعزيز الاستقرار المجتمعي. وأخيرًا، تبني مقاربات شاملة وعادلة في بناء السلام تضع الشابات والشباب في صميم عمليات إعادة بناء الدولة ليكونوا شركاء في إعادة الإعمار وبناء المستقبل.