تحرير الاقتصاد في سوريا: هل هو الطريق إلى التعافي؟
- updated: 20 مارس 2025
- |
*كبرياء الساعور
بعد سقوط النظام يتصدر الاقتصاد قائمة الأولويات لإعادة بناء سوريا، وتحقيق تنمية مستدامة، فالنزاع في سوريا يعتبر من بين أكثر النزاعات عنفًا والذي أثر بشكل جذري على الاقتصاد، مسببًا تشوهات كبيرة منها تدمير البنى التحتية، العقوبات الاقتصادية على القطاعات الحيوية، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات البطالة، والعمل على تفقير البلاد، من خلال انتشار الفساد، دولة تعاني من مؤسسات هشة واقتصاد مدمر، مما يجعل طريق التعافي الاقتصادي والاجتماعي مليئًا بالتحديات.
كشفت حكومة تصريف الأعمال في سوريا عن نيتها تنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق، بهدف إنعاش الاقتصاد المنهك تشمل هذه الإصلاحات تخفيض عدد موظفات وموظفي القطاع العام وخصخصة الشركات الحكومية، واعتماد اقتصاد يقوم على السوق الحر التنافسي.
كما أعلن وزير الاقتصاد السوري في حكومة تصريف الأعمال أن الحكومة ستقوم بخصخصة 107 من شركات القطاع العام دون توضيح المعايير التي يستند إليها، كما تم بالفعل البدء بفصل أعداد كبيرة من الموظفات والموظفين. هذه السياسات الارتجالية تؤدي بالضرورة إلى زيادة معدلات البطالة في سوريا، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية السوريات والسوريين، مع العلم أن القطاع العام ما يزال هو المشغل الأكبر للعمالة في سوريا، حيث تتوزع نسب العمالة بين 75% في القطاع العام و25% في القطاع الخاص، (حسب القدس العربي).
القول بهذا النهج لإصلاح الاقتصاد يطرح أسئلة عدة في سوريا. يحاول هذا المقال إثارة الأسئلة حول تحرير الاقتصاد والخصخصة لتسريع النمو الاقتصادي في المرحلة الانتقالية، وتأثيرهما على الفئات الاجتماعية لا سيما الفئات الهشة والطبقات الفقيرة وخاصة النساء.
إنّ تصريحات بعض المسؤولين في الإدارة السورية الجديدة بأنّ الاقتصاد السوري في زمن النظام البائد كان نظامًا اشتراكيًا؛ غير دقيق. إذ أن التوجه نحو لبرلة الاقتصاد بدأ بشكل جزئي وتدريجي في نهاية التسعينات، وتكرس هذا الاتجاه في السنوات اللاحقة في ظل نظام بشار الأسد وبروز ظاهرة رأسمالية المحسوبيات، وإن لم يكن هناك خصخصة واضحة للقطاع العام، حيث تجلت هذه السياسات الاقتصادية بتراجع مضطرد في دور الدولة في الدعم والرعاية الاجتماعية.
كشفت دراسة للمركز السوري لبحوث السياسات بعنوان: “اقتصاديات النزاع في سوريا: الجذور والديناميات ومسارات التغيير“
“إن اتباع سياسات اقتصادية ليبرالية غابت عنها الليبرالية السياسية والحريات المدنية والمساءلة القضائية، والذي انتهى بتحالفات بين السلطة والثروة، أدى إلى زيادة معدلات الفقر وتفشي الفساد وتعمق اللامساواة بين سكان المدن والأرياف، وتهميش قطاعات واسعة من المجتمع” كل ذلك كان من الأسباب العميقة لاندلاع الثورة عام 2011 وتحولها إلى نزاع مسلح.
تواجه سوريا اليوم تحديات كبيرة من انتشار الفقر، وانعدام المساواة خاصة بين الرجال والنساء في ظل تدهور اقتصادي تفاقم جراء الحرب والنزاع، جعل ملايين السوريات والسوريين بحاجة ماسة لأي مساعدة إنسانية وحماية من الجوع والمرض، وبحسب ما ورد في تقرير الاسكوا بتاريخ 25 كانون الثاني/يناير 2025 فإن قرابة 16.7 مليون شخص في سوريا، أي ما يزيد على ثلثي سكان البلاد، بحاجة إلى أحد أشكال المساعدة الإنسانية.
الخصخصة ودورها في تحفيز الاقتصاد
هناك جدل واسع في سوريا حول الخصخصة والخوف من تدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية للمواطنات والمواطنين في حال كانت الخصخصة متسرعة وغير متوازنة.
تعد الخصخصة أحد أهم برامج تحرير الاقتصاد التي تهدف إلى تحفيزه، لكن لطالما كان هذا الموضوع مثارًا للنقد نظرًا لتأثيره الاجتماعي وقضايا الشفافية والفساد، خاصة في البلدان الفقيرة.
تاريخيًا اعتمدت الخصخصة في الدول الصناعية الكبرى ذات الطابع الرأسمالي مثل بريطانيا وفرنسا بهدف زيادة الإنتاجية، أما في الدول الفقيرة والنامية فكانت الخصخصة رد فعل على مشروعات القطاع العام الخاسر، ولا تقتصر الخصخصة على نقل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص، بل تعمل على تغيير أسلوب إدارة هذه المشاريع العامة، فالخصخصة جزء من إصلاحات اقتصادية لتفعيل آليات السوق والاستفادة من مبادرات القطاع الخاص، يرى أنصار هذا التوجه أن تحرير الاقتصاد يعمل على زيادة دور القطاع الخاص وتحسين كفاءته الإنتاجية، وتشجيع رأس المال الأجنبي للاستثمار وتحسين استثمار الموارد الاقتصادية المتاحة.
بالمقابل فإن الأخطار المحتملة في ظل عدم وجود سياسات متوازنة تضع في أولوياتها مصالح الفئات المهمشة والفقيرة فإن النتائج المباشرة قد تكون سبب بأزمات اقتصادية واجتماعية.
إن التوجه لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية يجب أن يعتمد بالضرورة على دراسة الوضع السياسي والاقتصادي لكل دولة، وتبني الأسلوب الأمثل لاستغلال الموارد، من المفيد التذكير بالتجارب الإقليمية، مصر على سبيل المثال، وكيف تحولت هذه السياسات لتحرير الاقتصاد بهدف تشجيع الاستثمار والتخلص من هيمنة القطاع العام إلى كارثة اجتماعية، نظرًا لغياب الحريات السياسية والتي تضمن سيادة القانون والديمقراطية، وما نتج عنها من فقدان آلاف الوظائف وزيادة نسبة العاطلات والعاطلين عن العمل وتدهور الاقتصاد الوطني.
تداعيات تحرير الاقتصاد والخصخصة على النساء والفئات المهمشة
كان للسياسات الاقتصادية التي عملت على تحرير السوق وتقليص دور الدولة في الدول النامية نتائج واضحة، في شح فرص العمل وإجراءات التقشف، وتضاؤل سياسات الحماية الاجتماعية الأمر الذي يعكس تأثيرات متنوعة على النساء والفئات المهمشة.
إن تسريح آلاف العاملات والعاملين في سوريا يرفع بالضرورة معدلات البطالة وخاصة بين النساء اللواتي عانين أصلا من صعوبة الحصول على فرص عمل، بسبب التمييز في سوق العمل والذي يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر بين النساء، وبالتالي يجدن صعوبة في تأمين احتياجات أسرهم.
إن تراجع الدولة في تقديم الخدمات خاصة في قطاع الصحة والتعليم يؤثر على قطاعات واسعة من النساء، خاصة في الأرياف والمناطق المهمشة، ويحدّ من فرص وصولهنّ إلى التعليم، ويعزز تهميشهنّ وإقصاءهنّ، كما يزيد العبء على النساء اللواتي يتحملن غالبًا مسؤوليات الرعاية الأسرية بسبب التمييز والعوامل الاجتماعية والثقافية.
كما أن الخصخصة وتحرير الاقتصاد قد يؤدي إلى اتساع الفجوة بالأجور لاسيما أن غالبية النساء يعملن في القطاعات الأقل أجورًا.
إن ارتفاع أعداد النساء المعيلات في سوريا بفعل النزاع والحرب أدى إلى تحميل النساء أعباءً وأدوارًا مركبة، ومسؤوليات اقتصادية تزيد من هشاشة أوضاعهن الاقتصادية.
من المهم توفير بيئة عمل آمنة وصحية للنساء وضمان حقوقهن كالمساواة بالأجر ومنع التمييز في بيئة العمل.
توصيات حول الخصخصة والإصلاحات الاقتصادية في سوريا
إن تحديد شكل التوجه الاقتصادي يرتبط بشكل الحكم والمسار السياسي، وبالنظر لواقع الاقتصاد السوري الصعب وغياب الدعم والتمويل الكافي قد نكون مضطرين للجوء للخصخصة، لذا لا يمكن حاليًا رفض الخصخصة بالمطلق في ظل وجود قسم كبير من مؤسسات القطاع العامة المتهالكة والخاسرة، لكن سياسة الخصخصة يجب أن تكون مدروسة ومتوازنة وأن يكون هناك تدرج في الإصلاح الاقتصادي، وعدم اتخاذ قرارات صادمة ومتسرعة مثل تسريح آلاف الموظفات والموظفين، وإلغاء الدعم عن المواد الأساسية.
بل إن الخصخصة في ظل استمرار الفساد وغياب الشفافية يمكن أن يعيد إنتاج طبقة رأسمالية متحالفة مع السلطة، وتكرار ما حدث في عهد النظام البائد.
لذا تشمل توصيات الخصخصة وإصلاح الاقتصاد الآتي:
- من الضروري أن تترافق الإصلاحات الاقتصادية في سوريا الآن بسياسات الدعم الاقتصادي والاجتماعي، التي تلعب دوراً مهمًا في إنعاش الاقتصاد الناشئ، فمن خلال الدعم الذي يقدم للفقراء نساهم في تنمية المجتمعات المحلية.
- إن تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية في سوريا يتطلب إجراءات فعالة للحد من الفقر، وبناء العدالة والسلام، بتأمين الحد الأدنى المقبول من الاحتياجات وخدمات الرعاية في مجال الصحة والسكن والتعليم.
- العمل على إعادة تأهيل البنية التحتية في سوريا، ودعم الإنتاج والصناعات المحلية وخاصة القطاع الزراعي.
- تحسين مهارات التدريب والتأهيل، لتحسين مهارات العمالة وتجهيزها لمتطلبات سوق العمل.
- وضع إطار قانوني فعال لحماية حقوق العمال من جهة وضمان سيادة القانون من جهة أخرى، لتنظيم منافسة عادلة في السوق، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار.
- اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة الفساد وتفعيل آليات الرقابة والمسائلة، وتحقيق الشفافية لمنع تدخلات سياسية من السلطة ومحاباة رجال أعمال مقربين منها.
- وضع آليات تقييم ومراقبة على تأثير سياسات الخصخصة على النساء والفئات الفقيرة، بحيث تنعكس أرباح الخصخصة والإصلاحات الاقتصادية على الخدمات العامة للفئات الأكثر ضعفا.
إن تحرير الاقتصاد في سوريا من الممكن أن يسهم في تحسين النمو الاقتصادي، من خلال تحفيز الاستثمارات لكن بدون تنمية تشمل مختلف المناطق والأرياف يمكن أن يكون له تبعات سلبية على الفئات الفقيرة والمهمشة، التي تمثل قطاعات واسعة من السوريات والسوريين إن لم نقل معظمهم، ويمكن أن يؤدي هذا التوجه إلى زيادة الفجوة بين الفئات الاجتماعية والطبقية، ويشكل بذور لاضطرابات اجتماعية واقتصادية جديدة.