درعا… العودة إلى المشهد السوري من جديد

*وردة الياسين

تتصدر أحداث أحياء درعا المحاصرة المشهد السوري منذ أواخر حزيران الجاري، بسبب فرض حصار وشن قوات النظام والمليشيات الحليفة له حملة عسكرية عليها، وفشل المفاوضات بين اللجان المركزية في درعا وممثلين عن النظام والضامن الروسي لمحاولة الوصول إلى اتفاقيات للتهدئة. 

وفي الوقت الذي يتتبع فيه الشعب السوري تطور الأحداث بمشاعره المختلطة والمتنازعة بين الخوف على مصير القاطنات/ين في الأحياء المحاصرة، وبين الأمل في تحقيق نصر للثورة السورية وعودتها للساحة السورية كما يحلم ويتمنى، ما يزال ممثلي المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة والمهتمات والمهتمين بالمسار السوري، يراقبون وضع أحياء درعا المحاصرة، مطلقين تصريحات ومواقف لا تتعدى شعور القلق تجاه ما يحدث.  

بداية التصعيد 

بحسب ناشطات/ين إعلاميات/ين من درعا، فإن السبب المباشر لحصار أحياء درعا وشن هجمة عسكرية عليها يعود إلى رفض المعارضين السابقين من أبناء المنطقة تسليم السلاح الخفيف باعتباره طلبًا مخالفًا للاتفاق الذي تم بضمانة روسية عام 2018.

(و. أ)، تقطن في درعا، إعلامية، عملت سابقًا وقبل سيطرة قوات النظام على كامل محافظة درعا في منظمات المجتمع المدني، تقول: “لم تدخل قوات النظام إلى أحياء درعا، وبالتالي لم تتمكن من فرض سلطتها الأمنية والعسكرية عليها” وتتابع : “قبل أن أتحدث عن السبب المباشر والمعلن لحصار درعا، أود أن أنوه إلى أنه لم يتوقف أهالي الحي والمعارضات/ين لسلطة النظام عن الخروج في مظاهرات مناهضة لحكم الأسد، وكان أكبرها أو أخرها في يوم تنظيم الانتخابات الرئاسية، حيث خرجت مظاهرات رافضة للانتخابات ورددت شعارات الثورة التي تؤكد على تغيير النظام وإطلاق سراح المعتقلات/ين”. 

“بدأت التغيرات في درعا مع طلب أسد الله، وهو ضابط من الشرطة العسكرية الروسية، ويقال بأن أصله مسلم من الشيشان طلب من اللجنة المركزية المسؤولة عن ملف التفاوض مع الروس والنظام بأن يتم تسليم 200 قطعة سلاح فردي، و20 رشاشًا ودخول المدينة وتفتيشها، مقابل إخراج مليشيات النظام من مواقعها في سجنة والمنشية ومن جمرك درعا القديم، والتي يعتقد بأنها كانت وراء عمليات الاغتيال بحق معارضين سابقين، ومسؤولة عن انتهاكات كبيرة بحق الأهالي” تقول (و. أ).

وتواصل حديثها: “لكن هذا الطلب لاقى رفضًا من الأهالي، ومن اللجنة المركزية، حيث أنه مخالفًا لاتفاق 2018 الذي ينص على تسليم الفصائل المعارضة للسلاح الثقيل والمتوسط فقط، وإبقاء السلاح الخفيف لديها. ليأتي بعد هذا الرفض التهديد من قبل النظام ومن قبل أسد الله بالتصعيد”. 

درعا الحصار… أوضاع إنسانية صعبة 

جاء الرد من قبل النظام وقواته والمليشيات الحليفة له، بفرض حصار في 24 حزيران الفائت، على أحياء درعا البلد (حي مخيم نازحي الجولان، مخيم اللاجئين الفلسطينيين، حي طريق السد، المزارع في مناطق الشياح والنخلة والرحية والخواني) والذي يقدر عدد قاطنيه بحوالي 11 ألف أسرة. فتم إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى درعا البلد وطريق السد ومخيمات درعا للنازحين، ورفع السواتر الترابية حول المنطقة، مع إبقاء معبر وحيد في حي سجنة خاضع لميليشيات محليّة تتبع لفرع الأمن العسكري، ويشرف على المعبر مصطفى المسالمة (الكسم) وهو الذي كان قائد فصيل عسكري معارض قبل التسوية، ويقوم بمنع أي شخص من درعا البلد بالخروج من المنطقة. 

حدثتنا سارة الحوراني، رئيسة تجمع أحرار حوران الإعلامية، مسؤولة المراكز النسائية في الدفاع المدني في درعا سابقًا، عن الأوضاع الإنسانية السيئة التي يعاني منها أهالي الأحياء المحاصرة نتيجة للحصار المفروض منذ أكثر من (55 يوما).  

فتقول: “لم يكتفي النظام بإطباق حصار على أحياء درعا البلد مانعًا إدخال المواد الغذائية والصحية إليها، بل شن حملة عسكرية عليها في 29 تموز الماضي، حيث استقدم لاقتحامها قوات الغيث، ميليشيا الرضوان، الفرقة التاسعة، والفرقة الرابعة.  كما استهدفها بالقذائف والمدافع الثقيلة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أطفال ومقتل عشرات من المدنيات/ين وإلى نزوح أكثر من 80% من قاطنيها إلى المناطق المجاورة”. 

تتحدث سارة عن معاناة من تبقى من الأهالي في تأمين مادة الخبز: “يلجأ أهالي أحياء درعا المحاصرة لتأمين مادة الخبز إلى الطرق التقليدية (الخبز على الصاج) بالاعتماد على ما تبقى لديهم من طحين، حيث توقف الفرن الوحيد في درعا البلد عن العمل بسبب منع النظام دخول الطحين وبسبب نفاذ مادة البنزين المشغلة للفرن”. ولكن وبحسب سارة فإن الأهالي قد لا يتمكنون من تأمين الخبز أيضًا باللجوء للطرق البدائية لأن النظام منع دخول مادة الطحين منذ أكثر من 10 أيام. 

“قطع النظام عن أحياء درعا المحاصرة مصادر الكهرباء والماء وشبكة الانترنت منذ أكثر من 20 يوما، ويحاول الأهالي الحصول على الماء من الآبار المتواجدة في المنطقة، ولكن هذه الآبار شحيحة وملوثة بسبب قربها من مجاري الصرف الصحي” كما ذكرت سارة.

يتردى الوضع الصحي والطبي يومًا بعد يوم تقول سارة الحوراني، وتذكر عدة حالات صحية عانت وضعًا صحيًا حرجًا نتيجة لفقدان الدواء والرعاية الطبية: “أخرجت قوات النظام النقطة الطبية الوحيدة في درعا البلد من خلال استهدافها بالقناصات والرشاشات”. وتتابع: “توفي شاب يحتاج إلى غسيل للكلى بصورة مستمرة، لأنه لم يتمكن من مغادرة حي درعا البلد بسبب الحصار. وأطعمت إحدى السيدات طفلها الرضيع اللبن (الحليب الخاثر)، حيث لا يتوافر حليب للأطفال، الأمر الذي قد يضره جسديا”. 

وشرحت سارة عن معاناة عدد من السيدات الحوامل من آلام الطلق وعسر الولادة، وعدم تمكنهن من تلقي الرعاية في المشافي الوطنية، بسبب منع خروج المدنيات/ين من الأحياء المحاصرة. ونوهت إلى أن هناك سيدات قد تتدهور صحتهن بعد الولادة نتيجة غياب المعقمات والأدوات الصحية والطبية. 

أما حال النازحات/ين من الأحياء المحاصرة للمناطق المجاورة فلم يكن أفضل، وعن حالهن/م تحدثنا سارة: “نزحت حوالي 10 ألاف أسرة من أحياء درعا المحاصرة إلى الجوامع والمدارس في المناطق المجاورة. وهؤلاء يعانون من أوضاع إنسانية صعبة من ناحية تأمين الطعام والغذاء والدواء. وهم لا يتلقون أي مساعدات أو معونات من أي منظمات مدنية أو إغاثية”. 

“وقد تم الاعتداء على بعض من تلك العائلات من قبل قوات النظام، كما تم اعتقال عدد من الأشخاص منهم” تقول سارة. 

درعا المفاوضات… وخارطة الطريق الروسية

بين حصار مطبق وقصف واشتباكات وسقوط لقتلى ولجرحى ولأسرى وعدم وضوح الرؤية والمآل، عقدت عدة جولات تفاوضية بين اللجان المركزية في درعا والناطقة باسم الأهالي وبين ممثلين عن النظام وعن الضامن الروسي للوصول إلى حلول وتهدئة للأوضاع. 

وعلى مايبدو فإن النظام سعى لنقض اتفاق الجنوب عام 2018 والذي نصت إحدى بنوده على: “تظل إدارة شؤون المواطنين في مدينة درعا البلد وطريق السد ومخيم اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في درعا المحطة، وكذلك مدينة بصرى الشام في شرق المحافظة ومدينة طفس في غرب المحافظة من خلال أبناء تلك المدن وضمن مسؤولياتهم الإدارية، ولا يسمح للجيش وأجهزة الدولة الأمنية بدخول هذه المدن والمناطق الثلاثة” ، وقد نشر الناشط ” فيصل أبازيد” نص وبنود اتفاق الجنوب 2018 على صفحته الشخصية في (الفيس بوك) 

عن المفاوضات ومجرياتها تمكنا من التواصل مع المحامي عدنان المسالمة، الناطق الإعلامي باسم اللجان المركزية في درعا، والذي حدثنا: “يبدو أن هناك محاولة للعودة عن اتفاق التسوية لعام 2018 وإبرام اتفاق جديد بعد مرور ثلاثة أعوام على الاتفاق القديم. ما يظهر لنا حاليًا بأن هناك جهات تحاول أن تخلط الأوراق مثل إيران وميلشياتها الموجودة على أرض الواقع، والتي خرقت يوم 13 أب وقف إطلاق النار وقامت بقصف المدنيات/ين مما أدى لاستشهاد شاب وجرح عدة مدنيين. ويحاولون في كل مرة تعطيل مسارات المفاوضات كلما اتجهت نحو الحل”. 

قدم الجانب الروسي في 15 أب ما سمي بـ “خارطة الحل الروسي” باللغتين العربية والروسية، والتي لاقت رفضًا من الأهالي كونها تضمنت التهجير وتسليم السلاح ودخول قوات النظام وميليشياته إلى المناطق المحاصرة. وكان تعليق اللجنة المركزية عليها كما ذكر المسالمة بعد أن حدث استهجان شعبي كبير من تشكيل اللجنة المركزية لجنة مؤلفة من أربعة أشخاص لتنفيذ بنود خارطة الطريق الروسية: “نشرنا لبنود خارطة الحل، لا يعني موافقتنا عليها. إنّ البنود المقترحة من الطرف الروسي هي رهن التشاور والتداول للجميع، وإننا أكثر الرافضين لأي بند يمس بأمن وكرامة أهلنا”.

المحامي سليمان القرفان، نقيب المحامين الأحرار في درعا سابقًا، عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني حاليًا، يقول عن خارطة الحل الروسية في درعا: “الواضح من الخارطة الروسية بأن الروس باعوا الجنوب لإيران. والسبب هو نكاية بالأمريكان، لأن الولايات المتحدة ترفض الدخول مع الروس بأي مفاوضات بخصوص الملف السوري. أي أن الخارطة كانت رسالة للأمريكان وتعني أننا سنسلم الجنوب لإيران بما فيها القنيطرة والسويداء”. 

ويرى القرفان، بأن خارطة الطريق مجحفة جدًا بحق الثائرات/ين في الجنوب وهي لصالح النظام 100%، وتطلق يد النظام بشكل كامل في درعا: “سحب السلاح الخفيف وتهجير كل رافض للتسوية يعني فعليًا القضاء على كل أشكال المعارضة ضد نظام الأسد في الجنوب والسماح للنظام بأن يفعل ما يحلو له في درعا البلد”.

ويشيد القرفان بموقف شيخ الطائفة الدرزيّة في السويداء حكمت الهجري، والذي أعلن في بيان وقوفه إلى جانب “الإرادة الشعبية” في مدينة درعا، فيقول: “كان تصريح الهجري تصريحًا مشرفًا”، حيث يعتبر القرفان: “أن ما ينطبق على درعا ينطبق على السويداء، فالمليشيات الإيرانية إذا نفذت مرامها في درعا ستتوجه للسويداء، وكان النظام وتحضيرًا لدخول ميلشياته الطائفية إلى السويداء، قد أوهم الأهالي من خلال إرساله رسالة لهم تفيد بهجوم مرتقب للدواعش على المنطقة”.  

أحداث درعا، وموقف السوريات والسوريين منها

تباينت مشاعر السوريات/ين حول أحداث درعا بين الأمل في تحقيق انتصار للمعارضة في درعا، والقلق من مزيد من القتل والتهجير والتغيير الديموغرافي، وفي كثير من الأحيان اليأس والتسليم بعدم حصول أي تغيير في الحالة السورية. 

وعمومًا جاءت ردات فعل السوريات/ين حول ما يحصل في درعا على وسائل التواصل الاجتماعي إما بإطلاق البيانات أو الدعوة لفك الحصار عن أحياء درعا وحماية الأهالي أو بالتعبير عن التضامن من خلال نشر (هاشتاغات) كان أكثرها انتشارًا (هاشتاغ) (#أني_من_درعا).

محمد الصالح، لاجئ في تركيا، وعضو المكتب التنفيذي في تيار مواطنة، شاركنا رأيه الشخصي فيما يحصل في درعا، وموقف تيار مواطنة من الأحداث في درعا. 

يقول: “ليس لدي وهم انتصار المعارضات/ين في درعا على النظام كما أعتقد البعض من السوريات/ين. فالنظام لا يملك فقط العتاد والقوة العسكرية بل هو لديه ظهير يحميه وهو الروسي والإيراني، في حين لا يوجد من يدعم المعارضة من أبناء درعا لا داخليا ولا خارجيًا”. 

ويرى الصالح بأن هناك تخاذل كبير من قبل السوريات/ين في الداخل السوري وفي دول الشتات أيضًا جراء ما يحدث في درعا: “لم يحدث أي تحرك أو ردة فعل من قبل الأهالي أو الفصائل المسيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غرب سوريا أو شرق الفرات أو تلك التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري. كما لم يحدث أي تضامن أو تكاتف ذي فاعلية من قبل السوريات/ين في مناطق اللجوء سواءً في الأردن أو لبنان أو تركيا أو اللاجئات/ين في أوروبا اللواتي/الذين هن/م أكثر قدرة على الحشد والمناصرة بحرية أكبر”.

ويضيف: “حتى مؤسسات المعارضة السورية لم تكن على مستوى الحدث ولم تقدم أي دعم ملموس للحراك في درعا”.

عن موقف تيار مواطنة الذي أصدر بيانًا لرفع الحصار عن درعا يقول الصالح: “نحن نشد على يد الصامدات/ين من بنات/أبناء درعا البلد، ونعتبر أن ما قاموا به عملاً بطوليًا، ونحترم تصرفهم حين تعاملوا مع أسرى النظام معاملة أسرى على أرضية القانون الدولي، حيث قاموا بتسليمهم للنظام وإعادتهم سالمين. ولكننا في نفس الوقت ندعو المعارضين إلى الأخذ بعين الاعتبار وقوفهم وحيدين ضد قوة عسكرية مدعومة بالمليشيات والسلاح، وأن يخرجوا من خلال مفاوضاتهم مع الروس بأقل الخسائر الممكنة”.

في بداية الهجمة العسكرية على درعا، عبر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه من سقوط مدنيات/ين في درعا ومن خطر زيادة التصعيد، ومثله كان “غير بيدرسون”، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا قلقًا من التطورات في درعا ودعا للتهدئة، كما أدانت الخارجية الفرنسية في بيان لها هجوم النظام على مدينة درعا بداية الهجمة العسكرية. ثم صمت المجتمع الدولي بعد ذلك وحتى لحظة كتابة هذا النص ما تزال أحياء درعا محاصرة وتقصف يوميًا بالقذائف والمضادات الأرضية.  

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة