دور المرأة السورية في بناء السلام

*فرانسوا رئيفة زنكيح

تخيل أن تكون مطالباً بأن تبرر لمجتمعك بشكل دوري وعلى امتداد سنوات حياتك، وجودك في هذه الحياة!
نعم هذه طبيعة المجتمعات الذكورية، تقضي المرأة في ظلها معظم حياتها محاولة تبرير وجودها.

عندما تندلع الحروب في المجتمعات الذكورية يكون من الصعب بناء السلام بعدها، وهذا عائد لطبيعة السلوك الذكوري، حيث تعارض هذه المجتمعات إعطاء الفرصة لطاقات النساء للمساهمة في صنع القرار والقيادة في بناء السلام. على الرغم من عدم وجود أسباب حقيقة تمنع مساواة المرأة والرجل، ما تزال الصورة النمطية والتمييز على أساس الجندر أو النوع الاجتماعي، تحكم علاقة المجتمع بالمرأة.

كل ما سبق لم يقلل من إصرار الكثير من النسويات والنسويين على مواصلة النضال لاستعادة حقوق المرأة، وطي صفحة قرون من الاضطهاد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بحقها. هذه الأصوات آخذة بالارتفاع وهذا يدعونا للتفاؤل، فالحركات النسوية حول العالم، تكثف الجهود ضمن رؤي وأهداف متقاربة مع اختلاف بعض الحيثيات في كل مجتمع. في العقدين الأخيرين بدأنا نلمس
تسارع في عجلة الحركات النسوية في الشرق الأوسط، ومنها على الصعيد السوري، الحركة السياسية النسوية السورية.

لا تحقق المساواة العدالة للمرأة فقط، بل للمجتمع بأسره، حيث تتجلى المساواة عبر تولى المرأة لمناصب قيادية ومشاركتها في أماكن صنع القرار، إلى جانب دخولها في كافة المجالات العملية والحياتية.  ومن أبرز الأدوار التي تلعبها المرأة والذي أرغب أن أطرحها كمثال هو دور المرأة في قوات حفظ السلام.

 “كسر الأشياء لا يعني أننا انتصرنا عليها بل إنها هزمتنا”
القوة البدنية ليست مقياساً للانتصار والنجاح، فنحن في زمن الإدارة والتخطيط والتطور التكنولوجي، وهذا يثبت لنا أهمية دور المرأة المساوي لدور الرجل. فقد لا تتفاوت القوة البدنية بين النساء والرجال فحسب بل بين الرجال فيما بينهم والعكس صحيح، والفروق البيولوجية التي يتذرع بها البعض لتعزيز الفرق بين الرجال والنساء ليست إلا حجة ضعيفة لتنميط النساء، إذ يعتقد الذكوريون أن القوة البدنية هي ميزة، وذلك برغم أن الكثير من النساء ذوات قوة بدنية قد تفوق قوة الرجال أحياناً.

دور المرأة في بناء السلام وصناعته ليس شكلياً، ونجاح المرأة في بناء السلام دبلوماسياً، وفي الميدان، وتحديداً مع قوات حفظ السلام، لا يمكن تجاهله، وهو مدعاة للفخر، لأن المساواة الجندرية في قوات حفظ السلام هي رسالة قوية للمجتمعات لتحث على ضرورة التمسك بالمساواة التي ينبغي أن تتمتع بها مكونات الشعوب كافة، كونها إحدى الوسائل التي يمكن أن توقف العنف في المجتمعات وتفرض السلام بين البشر. المساواة والعنف يتناسبان عكساً، فكلما ساد تطبيق المساواة انخفض العنف بكافة أشكاله، المنزلي، والمجتمعي، والممارس في الحروب. لذلك فإن تحقيق المساواة يعد أحد أهداف التنمية المستدامة لمستقبل أفضل للبشرية.

على الصعيد المحلي، كان للمرأة السورية في الحراك المدني الدور البارز، على الرغم من الإقصاء الذكوري الذي طالما حاول ويحاول إيقافها، والذي في نفس الوقت زادها تحدٍ في نضالها سياسياً ومدنياً. بعد تطور الوضع السوري وتحوله لنزاع زادت معاناة المرأة وتحدياتها وأصبحت بين فكي المجتمع والحرب، ويتجلى تضرر المرأة من النزاع المسلح في سوريا عبر:

·    العنف القائم على النوع الاجتماعي إن العنف الجندري أو القائم على النوع الاجتماعي، هو ظاهرة منتشرة أساساً في مجتمعنا، وجاءت الحرب ورسختها، وكان ذلك بتوجيه العنف بناء على الجنس والتنميط الجنسي المساهم في استضعاف المرأة وتهميشها.

·    المعتقلات والمختفيات قسراً هناك الآلاف من المعتقلات والمختفيات قسراً في سوريا، تحديداً منذ انطلاق الثورة في البلاد عام 2011 ولغاية يومنا هذا، حيث استخدم أطراف النزاع المسلح الاعتقال القسري بحق النساء كورقة ضغط في ممارساتهم الإجرامية الموصوفة.

·    القتل والقصف والاستخدام المفرط للأسلحة وثق تقرير الإحصاء التابع للشبكة السورية لحقوق الإنسان والذي جاء تحت عنوان “معاناة السوريات تمزق الوطن وتشرد المجتمع”، مقتل 27226 “أنثى” منذ آذار 2011 على يد الجهات الفاعلة في سوريا، ينقسمن إلى 11889 “أنثى” طفلة، و15337 “أنثى” بالغة

·   استهداف الناشطات المدنيات والمدافعات عن حقوق الإنسان يعتبر استهداف الناشطات تحديداً هدفاً لمعظم أطراف النزاع المسلح، وذلك بسبب نقلهن للحقائق ومعارضتهن للعنف رغم الضغط المجتمعي عليهن.

·   اللجوء والنزوح والتهجير القسري ساهم اللجوء والنزوح بزعزعة حياة المرأة السورية وتعرضها للعنف، ففي حالة النزوح الداخلي والعيش ضمن المخيمات، زاد من حدة التوتر والشحن العائلي وهذا بدوره رفع نسبة العنف المنزلي الذي يمارس غالباً على المرأة والطفل، أما في دول اللجوء وفي المجتمعات الغربية، فعلى الرغم من انتقالها لبلاد قد تضمن حقوقها إلا أن ذلك لم يكن الوضع دائماً، وذلك بسبب إشكاليات الوثائق الشخصية، وربما عدم وعي تلك النساء بقوانين دول اللجوء التي تضمن حقوقها أصلاً.  

 كل تلك المصاعب لم تمنع كثيرات من النساء من لعب دورهن سياسياً ودبلوماسياً، وأيضا في بناء السلام وتحقيق العدالة، بل أثبتن وجودهن في الميدان، وفي دول الاغتراب واللجوء فالمغتربات كلهن يحاولن جاهدات تقديم الأفضل لمستقبل سوريا.

علينا أن نعلم جيداً أن التنميط بناء على النوع الاجتماعي (الجندري) هو عثرة في وجه التطور والسلام، وانتهاك بحق الإنسان بالعموم والمرأة على وجه الخصوص، وأن حقوق الإنسان التي من ضمنها حق المرأة، لا تتجزأ.

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة