عن السلام والنساء والسياسة

 

*ملك توما

 

توالي تبعات العنف المستمر؛ وما يتركه من اللااستقرار والقسوة والدياسبورا (الغربة) التي تفوح من أدمغة السوريات والسوريين على مدار العقد الحالي، الذي نعيش فيه أعقد المشاهد السياسية على الإطلاق. 

 رغم كل الزوابع الخانقة، والحق يقال، بأننا نملك كنساء شجاعات ما نرفض به قسوة التفاصيل العنيفة، ونتطلع إلى خلق رمز الطموح في العيش بسلام والتطور والنمو المعرفي والفكري والسياسي؛ وماله من توالي العمل واليقين لنصل إلى أن بناء السلام هو مهمة سياسية يجب أن نعرف كيف ننجزها في التفاصيل الرسمية والغير الرسمية للسياسة.

 

من أين تخلق دوائر السلام؟

النساء لديها من فعل المقاومة تجاه الصدمات المركبة من المجتمع والسلطة غير المتسامحة مع التغيير والتحرر من الاستبداد والإقصائية المتعمدة، وهنا التغيير يصبح في البحث عن المعرفة والمشاركة السياسية والأدوات التكتيكية في هندسة دوائر للسلام سواء كفاعلات رسميات على مستوى المؤسسات السياسية أم غير رسميات ضمن إطار المجتمع المدني. وتكمن الكثير من المحاولات في البرهان على أننا نقاوم الصدمات ليصبح المجتمع متصالح مع أدوارنا المدنية في خلق دوائر السلام ومتسامح مع الصوت الذي يأخذ الاستحقاقات ويعبر عن التطلعات وينادي بحق الحياة الأفضل للجميع.

 

هل يتحقق السلام بدون مفاوضات؟

 إننا لا نحصل إلا على الشيء الذي نفاوض من أجله ونثبت أحقيتنا في امتلاكه، هذه القاعدة الملكية التي تعلمنا كنساء نريد أن نكسب جولات أكثر في طاولة النقاش وفي الاجتماعات الرسمية وضمن بيئات العمل الجماعية حتى ولو كنا في أشد الأزمات، لهذا من المفيد بمكان إدراك فعاليتنا بما نستطيع التفاوض فيه مع السلطات حيال ما نريده حقاً ليصبح جزء من منظومة حياتنا كنساء بالمجمل سواءً كنا نمارس أعمال عادية أم أعمال فكرية وسياسية واقتصادية ولو فيما كنا ربات بيوت. فالعقلية النسوية يجب أن تنتج ما أمكن من مكاسب تثبت في الدستور والقوانين الناظمة والنافذة لأجل مواطنات هذه الدولة التي تكافح فيها النساء ليكون نتاج ذلك الجهد لكل امرأة في كل مكان تعيش فيه سواءً كانت شخصية نخبوية عامة أو امرأة عاملة في مصنع على أطراف المدينة أو كانت امرأة في الثلاثين من عمرها وجدت نفسها مطلقة مع ثلاثة أطفال بدون عمل وبدون منزل يأويها.

 

ماذا تحقق النسوية السياسية في الأزمات؟

لقد اختبرنا على مدار العقد الحالي ثورات الربيع العربي، التي كانت أصعبها في سوريا، وأدت إلى أزمة استعصاء سياسي على جميع الأصعدة مما تسبب بخلق صعوبات مركبة. فيما بعد نذكر عندما ضرب كوفيد -19 العالم في مطلع عام 2020؛ كانت سوريا من أقل الدول استجابة لمواجهة الوباء، ولتعيش مرة أخرى كارثة إنسانية جراء الزلزال المدمر في شمال سوريا وجنوبي تركيا، ما تسبب بخلق اختلال الاستقرار والسلام والتشرد المخيف وفقد العمل لآلاف العائلات، الذي حتم على الجميع العمل بمواجهة خط الاستجابة الطارئة، فكلفت النساء هنا أيضاً العمل بشكل مضاعف لحماية المتضررات والمتضررين من النساء والرجال، فلقد فقد الرجال ما فقدته النساء في هذه الكارثة الطبيعية، كما حتمت عليهنَّ التحرك العاجل لإيجاد مساحات الدعم النفسي والمالي والعملي للوصول إلى الخدمات التي تخفف من المعاناة من جهة ومواجهة المشاكل المتعلقة في السياق الحالي من جهة أخرى.

اليوم قصة كل ناج وناجية بعد الكارثة الزلزالية تعكس مدى الفجوات الإنسانية والسياسية في المجتمعات التي يعيش بها متضررات/ي الزلزال، ومن هذا المنطلق يصبح الحديث عن بناء السلام مهمة سياسية وإنسانية معاً لا يمكن فك الارتباط العمودي والأفقي لها. 

وعليه نجد؛ أن النساء الفاعلات في الاستجابة للزلزال قد امتلكنَّ أدوات سياسية إضافية للتعامل مع متغيرات الواقع وملكة إدارة الكوارث بالموارد المتاحة وتحويل النشاط من ردات الفعل السلبية الناتجة عن تداخل التفاعلات إلى أفعال إيجابية يرى سلوكها في النهوض الجماعي ومحاولات ترميم السلام بكل ما هو مقدر حالياً.

النسوية السياسية اليوم في مهام معقدة من أجل الكفاح في القضايا التنموية وتوقع البعد السياسي لها في كل مسار تتشابك فيه الأزمة الطبيعية مع الأزمات السياسية، وخاصة عندما يتعلق الوضع بملف سياسي صعب مثل سوريا، وعندما ترتمي كل هذه الصعوبات على حياة النساء العامة والخاصة في كل المفاصل الحياتية وتعرقل من حصول النساء والفتيات على التعليم والصحة والعمل الكريم والزواج بشروط جيدة.  

ليصبح العمل النسوي السياسي من أجل مناصرة أبعاد نوعية؛ لتتعلم النساء دون تمييز وتحصل على الخدمات الصحية بأقل تأخير واستهتار وتأخذ الاكتفاء المالي والعمل ولكي يتزوجنَ دون استغلال وإجحاف في حال فقد الزوج أو وفاته أو الانفصال عنه.

 

ماذا نستفيد من تطلعاتنا السياسية من أجل دوائر السلام؟

إن الذهاب في الاستقصاء؛ ماذا نريد أن ننظم ونطور في أدائنا ومهامنا السياسية والمدنية تساعدنا في التراكم المعرفي العملي والحصول مع مرور الزمن على حالات أقل من النساء ذات أطوار صعبة من الظلم والاضطهاد والقلق. 

وأهم ما يضاف في تحقق نضالنا؛ صعود قصص تاريخية ملهمة في التحرر السياسي والمشاركة الفعالة في الأحزاب واللوبيات والبرلمانات الوطنية للنساء السوريات، سواء كنَّ لاجئات أم مواطنات في بلادهنً الأصلية أوفي بلدانهنً الثانية واللواتي أصبحنً مواطنات لديهنً كامل الحقوق السياسية والمدنية ما يحقق المزيد من التصالح مع العمل النسوي السياسي وتقليل التشكيك وجعل عجلة الزمن لصالح القوى النسوية القادرة على تنظيم التحرر وتوظيفه في جعل المجتمع في أنماط فكرية متطورة.

ومما لا شك فيه؛ أن ما يزيد من قوة ارتباط السلام مع السلوك النسوي والإنجازات المتعلقة به هو تضمين المعرفة التي تدعم هذه الارتباطات في الأدبيات والنظريات وبناء السلام وأبحاثها من منظور منصف، ومن جهة أخرى المساهمة في إغناء الحقل الأنثروبولوجي الذي يتناول قضايا العنف والنزاع، حيث أن تضمين التجربة السياسية بشكل علمي يزيد ثقة النساء بعملهنً الجامع للمجتمع والسياسة والسلام.

 

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية