عن قيم الأختية والنساء والاستحقاقات

 

*ملك توما

 

استخدم مفهوم “الأختية” في بعده السياسي في سياق الموجة النسوية الثانية خلال السبعينيات، عندما ظهرت حلقات النقاش الغير رسمية، فعرفت الأختية لحظات متميزة بصداقات نسائية تجمع بين الألفة والنضالات المشتركة ضد القمع الواقع على النساء من النظام الأبوي داخل المجتمع والدوائر المحيطة بالنساء من كل جانب. 

إن لكل مصطلح نسوي (وجه سياسي ومعرفي بآن معاً)، ليذهب بأدبياته عموماً إلى أفكار وممارسات النساء، اللواتي يؤمنَّ بأن التغيير لعالم أفضل يتم بالتعاون والتعلم المستمر، والتغيير السياسي القائم على قيم المواطنة والديمقراطية يكمن في إشراك القوة النسوية الفاعلة في تحقيق مكاسب على شكل قوانين وسياسات ومنظومة أعمال تصب في مصالح النساء على سبيل المواطنة العادلة.

وضمن الأعراف النسوية؛ من الجيد بمكان أن الأختية هي الجسور الداعمة بين النساء الأكثر تعلماً وقوة للنساء الأقل حظاً في الحصول على التعليم، ويضاف لذلك بأن مساحات تطوير الشخصية المهنية والفرص في العمل، استخدام التكنولوجيا والسفر من أجل الدراسة أو لحضور المؤتمرات والفعاليات الإقليمية والعالمية، الاحتكاك الاجتماعي الذي ينمي مهارات التواصل، بين كل هذه الخيارات تجد النساء أنفسهن في مأزق، لأنهنً في صراع الحساسية الدائمة بما هو مسموح أن تأخذه من الفرص وما هو ممنوع عنها، لاعتبارات اجتماعية سياسية وطبقية وقناعات عائلية بآن معاً، لاعتبارات مثل هل هي عازبة أم متزوجة؟ وهل لديها أطفال أم لا؟  

لأننا اليوم كسوريات مقيمات كنا أم نازحات متعثرات على امتداد الجغرافية السورية أو الشتات ضمن جاليات في الدول المجاورة وقارات العالم أجمع، فمن المفيد أن نفكر بشكل دائم عما يجعلنا قويات نناضل للبقاء والسعي للنجاح، البحث عن ما يجمعنا لنقول الحكمة في آذان بعضنا البعض همساً وعلانية ننتقد لا نجامل في أخطائنا، لأننا في مسار النضال الطويل نرهق ونتعب تصيبنا الخيبات، تؤذينا التجارب لكن لا خيارات لنا إلا البقاء في قرار الأختية والتناغم مع الظروف وخلق البدائل والتصالح العازم على التغيير لا شيء، مقابلة المنسجم والغير المنسجم لأن الوعي بعد النزاع تضربه زلازل الخيبات بلا هوادة بلا شفقة لنجد أنفسنا بحاجة للتمسك بالرمق والأمل، نريد أن تحتفي بنا الأيادي الواثقة بنا، لأننا ناجيات من طواحين الموت مرة ومن التشرد ورحلة الهروب من الاستبداد لمرات.

بقدر ما نتماسك معاً؛ بقدر ما ننجز في شكل هويتنا الجماعية كأختيات؛ بقدر ما نستطيع تقديم الخير والثقة لكل امرأة تحتاج من يربت على كتفها، ونبارك للمجتهدة منا، للملهمة للقوية التي تتفوق في الظروف الاستثنائية، التراكم الإيجابي في السلوكيات الأختية يحقق استحقاقات اجتماعية في حضور النساء البارز في الأعمال الخيرية والثقافية، نضيف لها على المستويات الاقتصادية حين نرى رائدات الأعمال وصاحبات المشاريع المبتكرة يسهمن في خلق فرص عمل تضمن حياة كريمة للمعيلات.

 إلى أن نصل للمشاركة والفعالية السياسية التي تحقق صنع القرار في المحافل السياسية والتمثيل على المستوى الدبلوماسي، ما يحقق لنا جميعاً كنساء المواطنة العادلة والمتساوية بين الرجال والنساء في نوعية المشاركة والتأثير وخلق تشريعات وقوانين وسياسات حكومية، مثلاً نحن بأمس الحاجة لقوانين مدنية تضمن للنساء حياة مستقرة بعد الطلاق في حال وقوعه وحماية مطالب المرأة التي تضعها في شروط عقد الزواج، قوانين تجرم التحرش والتمييز في العمل، وضمان حقوق أمومة مراعية للأم العاملة واحتساب ساعات العمل المكتبية لإتمامها من المنزل، لتلزم كافة المؤسسات الحكومية والغير الحكومية والقطاع الخاص في تطبيقها، لكي لا تضطر المرأة على أن تختار بين التعب المضاعف في العمل أو ترك الوظيفة وبذلك خسران مصدر الدخل لها وحرمانها من التقدم الوظيفي. ولا ننسى أن الأم السورية ليومنا هذا لا تعطي الجنسية لأطفالها في حال كان الزوج غير سوري، ويعد هذا من المطالب المهمة لأنه أصبح لدينا عدد من النساء السوريات المتزوجات من جنسيات مختلفة جراء ما هجرت الحرب السورية لملايين السوريين والسوريات، هذا ما يعرقل عودة النساء مع أبنائهن للاستقرار في بلادهن في المستقبل.

 ومن مستوى الأحوال المدنية، والتطرق إلى أحوال المشاركة السياسية للنساء؛ فمن الأهمية أن نضمن (مقاعد للكوتا لا تقل عن 30 %) في كافة الأجسام السياسية الوطنية في سوريا المستقبل، وذات الأمر ينطبق في الوقت الحالي على أجسام المعارضة الرسمية السورية، ونضيف أيضاً المشاركة الحقيقية يجب أن تضمن بقوانين انتخابات تدعم التمثيل النسائي داخل الأطر التشريعية للبلاد، إذ يعتبر ذلك مسألة عملاتية ذات بعد سياسي عميق في إحراز التطور السياسي للبلاد دون إقصاء قائم على أساس جندري.

كل ما سبق من تفاصيل؛ هي مكاسب استراتيجية وسياسية تحدد نوعية الحياة التي يمكن أن تعيشها النساء المواطنات يوماً ما في سوريا المستقبل بنتائج ما يعملنً معاً لأجل تحقيقها، وتحتاج التحديد أين نحن الآن في الحقوق والواجبات في دولة المواطنة القادمة والاستفادة من الدول التي نعيش فيها اليوم في شتاتنا السوري، والوقوف على قيم ومصالح وتحديات مشتركة تذهب بنا إلى استحقاقات مفصلية ضمن قيم التحالف الأختية والعقلية السياسية النسوية التي تحمل التغيير الواعد لأوجه ظروفنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك بتحالف النساء حول قضاياهنَّ والسعي المكرس إلى تحويل النضال إلى قوانين ومبادئ دستورية تكفل حقوق النساء دون أي تمييز أو إقصاء.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية