عهد فستق، من المشاركة في الثورة إلى البدء في المشاركة السياسية

شاركت عهد فستق بالمظاهرات السلمية في مدينة حلب منذ بدايتها، لا تذكر على وجه التحديد إن كانت قد شاركت في ثالث أو رابع مظاهرة تخرج في مدينتها.
سارعت بالانضمام للتنسيقيات في حلب، تحت اسم “عهد الحرية”، وتعرفت هناك على صديقاتها الناشطات. منذ بداية الثورة قاومت عهد، مع باقي الثائرات، فكرة أن الرجال وحدهم يتولون قيادة المظاهرات، فكتبت اللافتات وقادت الهتافات وشاركت كذلك في التخطيط لحركات نوعية سلمية، كتوزيع الورود مع مناشير سرية تدعو النساء
والرجال في حلب للمشاركة في المظاهرات. عملت عهد فستق قبل الثورة كمحاسبة بعد تخرّجها من المعهد المصرفي في حلب. نشأت أفكار عهد في معارضة بشار الأسد قبل الثورة، من إحساسها بالظلم الاجتماعي والسياسي وتقييد الحريات، وخصوصاً حين معايشتها وتطوعها للعمل في المناطق العشوائية في حلب. تتذكر عهد لوحةً كبيرة بالقرب من جامع مركزّي في حلب، اسمه جامع الرحمن، كتب عليها “طبيب العيون في العيون”، كانت كلّما مرّت من أمامها تشعر بالسخرية من كم التبجيل الزائف لرأس النظام السوري.


“مشاركتي في المظاهرات كانت إجابة عفوية لكل هواجسي وتساؤلاتي عن التغيير، وكانت الفرصة التي انتظرتها طويلاً لأعبر لكل من حولي عما قُمعت عن الإفصاح به سابقاً؛ رغبتي في التغيير وتحرير سوريا من نظام الاستبداد.”

في مخيلتها وأحلامها، كما قالت، كانت تتمنى دائما تغيير الأوضاع السياسية، ولكنها قبل الثورة، لم تكن تجرؤ على مشاركة هذه الخيالات والأمنيات مع الصديقات والأصدقاء من حولها، بسبب السطوّة الأمنية.


أحبت عهد سوريا، وتخيلتها دائماً من دون العصابة الحاكمة. ولدى اندلاع الثورة في مصر، تعززت أفكار عهد هذه، وتحولت إلى هواجس “ماذا ننتظر لنقوم نحن بثورتنا؟ لماذا قاموا هم ونحن لازلنا صامتين؟ ماذا يمكنني أن أفعل؟”. تقول عهد: 
“مشاركتي في المظاهرات كانت إجابة عفوية لكل هواجسي وتساؤلاتي عن التغيير، وكانت الفرصة التي انتظرتها طويلاً لأعبر لكل من حولي عما قُمعت عن الإفصاح به سابقاً؛ رغبتي في التغيير وتحرير سوريا من نظام الاستبداد.”

في أول يوم قررت التظاهر، لم تنم عهد من الترقب، ماذا عليها أن ترتدي كي لا يميزها الأمن؟ هل يجب أن تخبئ وجهها، أم تذهب إلى المظاهرة بوجه مكشوف؟ هل ستكون المظاهرة كبيرة كتلك التي شاهدتها في ميدان التحرير؟

في اليوم الأول استمرت المظاهرة ثلاث دقائق قبل أن يهجم الأمن على المتظاهرين. كانت عهد من أوائل مؤسسات تنسيقية “أزهار الحرية” في حلب. كان عدد أعضاء التنسيقية في البداية، خمسة عشر شابةً وشاباً، وأخذت بعدها التنسيقية تكبر، وانضمت عهد كذلك  إلى عدد من التنسيقيات الأخرى في المدينة، أهمها “جامعة الثورة” و”أحفاد الكواكبي” .

أدى العنف الشديد الذي مارسه النظام على حمص، إلى نزوح عدد من سكانها إلى حلب، فشاركت عهد في محاولة تأمين أماكن سكنية لهم في حلب. ودفعها التماس مع تجربة النازحات والنازحين، للخضوع لدورة تدريبية سرّية في الإسعافات الأولية، ترقباً للحرب التي قد يشنها النظام على حلب، كما شنّها على حمص ودرعا، والتي ستزداد عندها الحاجة للكوادر الطبية.

في أواخر 2011 غادرت عائلة عهد حلب، ولكنها قررت البقاء في حلب والمساعدة في الاستجابة الطبية وخصوصاً بعد التحرير. في البداية عارض أهلها قرارها، ولكنهم سرعان ما آمنوا بأهمية دورها في المشفى لإنقاذ حياة المدنيين، وشعروا بالفخر بوجودها هناك، ممزوجاً بالخوف على حياتها.

عملت عهد منذ الــــ 2012 في مشفى “دار الشفاء” في حي الشعار بحلب. بدأت كممرضة بخبرات إسعافية بسيطة، كإيقاف النزف أو تثبيث الكسور، ولكن الحاجة والقصف زادا من خبراتها في الاستجابة للإصابات.
تعرض مشفى دار الشفاء في نهاية العام 2012 للقصف، واستشهد عدد من العاملات والعاملين فيه، ومنهم صديقة عهد المقرّبة، المهندسة بشرى شيخو، التي انتقلت من حلب الغربية إلى حلب الشرقية للانضمام إلى كوادر المشفى.
عملت عهد بعدها، مع المجلس المحلي لمدينة حلب في دورته الأولى التأسيسية، ومن ثم في العمل الإغاثي التنموي.

لا زالت عهد غير متأكدة تماماً من الدوافع وراء اتخاذها قرار المغادرة في 2015. كانت مزيجاً من اليأس والإحباط والاغتراب، خصوصاً بعد استشهاد أو اعتقال أو نزوح معظم صديقاتها وأصدقائها، وكذلك تعباً من المضايقات على الحواجز العسكرية، والإحساس بانعدام الجدوى. 

سافرت عهد إلى أمريكا للمشاركة في عرض فيلم يحكي قصتها، وأخذت قرار البقاء واللجوء في نيويورك. التزامات الحياة الجديدة، من تعلم اللغة وانتظار معاملات اللجوء، منعتها من لقاء عائلتها الموجودة في تركيا منذ أربع سنوات.

اليوم تعمل عهد مع منظمة أمريكية لدعم اللاجئين السوريين في أمريكا، وبالدعم الإغاثي والصحي في سوريا. وبالرغم من حداثة عهدها بالعمل السياسي المباشر، انضمت عهد إلى الحركة السياسية النسوية، كردة فعل على شعورها بالاغتراب، وغياب دورها تجاه القضية السورية. هذا الشعور الذي تعاظم إبّان حصار حلب، دفعها لأن تقف وحيدة أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك حاملة لافتة لتطالب بإنهاء الحصار. تقول عهد: “من بقي في سوريا يحتاج أن يشعر أننا
لازلنا نعمل للقضية السورية ولم نتخلّ عنها، لقد اختبرت هذا الشعور وأعرف أهمية المساندة والمشاركة من السوريات والسوريين في
الخارج. نحن الذين نعيش خارج سوريا علينا الاقتداء بالصامدين داخلها وأن نوصل صوتهم للعالم، دائماً أُذكّر نفسي بهم في أوقات الضعف وأتعلم منهم.”

“أحلم أن نستطيع عبر الحركة السياسية النسوية السورية مستقبلاً؛ وعند وجود خمسة صنّاع قرار في الشأن السوري، أن نقابلهم بخمس صانعات  قرار، لأننا نستطيع، ولدينا من السوريات القادرات الكثير.”

تتمنى عهد من خلال المشاركة في الحركة السياسية النسوية السورية، أن تكتسب خبرة ومعرفة أكبر في العمل السياسي، وأن تصبح الحركة السياسية يوماً ما؛ واجهة سياسية قوية تعبّر عن تمثيل سياسي لهموم وقضايا السوريات والسوريين، لاستعادة الوجود السوري على طاولة الحديث السياسي، من الاستئثار الدولي الذي أقصى السوريات والسوريين عن قضيتهن/م.

 تؤمن عهد أنه بإمكان الحركة السياسية النسوية السورية، أن تكون واجهة للعمل السياسي الذي يقاوم التمييز ضد النساء في سوريا، وتقول: “لدي حلم أن نستطيع عبر الحركة السياسية النسوية السورية مستقبلاً؛ عند وجود خمسة صنّاع قرار في الشأن السوري، أن نقابلهم بخمس صانعات  قرار، لأننا نستطيع ولدينا من السوريات القادرات الكثير”.